في صباح يوم السبت الماضي (6 أغسطس/ آب)، اشتبك قبليون من منطقة "صَرِفْ" بمحافظة صنعاء مع حملة حوثية قَدِمَتْ لانتزاع جبايات مالية منهم بالقوة.
ومنطقة "صَرِف" تابعة لمديرية بني حشيش، المعروفة بولائها الشديد لجماعة الحوثي، لكن استمرار الجبايات الحوثية دفعت بـ "بيت شبيح"، إلى رفض دفع أي جبايات إضافية عن كسارة "بيت الرحمن" التابعة لهم، ما أدى إلى نشوب اشتباكات استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة، وخلفت ثلاثة قتلى حوثيين، وعدد من الجرحى من الطرفين، وفق تصريحات مصادر أهلية خاصة لـ "يمن شباب نت".
قبلها بيوم واحد (الجمعة الماضية)، كان وجهاء أهالي قرية "العرة" بوادعة همدان، شمالي صنعاء، يحثون أبناءهم على التعقل والحكمة إزاء حملة حوثية تستهدف السيطرة على عقاراتهم بالقوة. وبمقابل دعوة الوجهاء هذه بضبط النفس، حذروا من استمرار الحوثي في حملته عليهم، أو محاولته مجددا السيطرة على أراض أبناء القرية.
على نحو بطيء، ولكن مستمر بعيدا عن وسائل الإعلام، وعلى عكس ما هو شائع، تزداد الجريمة بكل أنواعها في مناطق سيطرة مسلحي جماعة الحوثي، خاصة العاصمة المحتلة صنعاء، إلى جانب عدد من المحافظات الأخرى التي يصور لنا عبده الحوثي أنها عمقه وحاضنته الصلبة.
انتشار جرائم القتل.. إحصائيات مختارة
تشير الأرقام التي تصدرها الجماعة، إلى ارتفاع مستوى الجريمة، وضعف السيطرة الأمنية التي رسمتها الجماعة لنفسها منذ انقلابها على السلطة الشرعية في البلاد في سبتمبر/ أيلول 2014.
بحسب آخر إحصائية جديدة، نشرها ناطق الداخلية الحوثية عبد الخالق العجري نهاية الأسبوع الماضي، فإن عدد الجرائم، التي قيدتها الجماعة، في المحافظات التي تسيطر عليها، اقترب من 80 ألف جريمة خلال العام 1443 هـ (أي بين منتصفي العامين الميلاديين 2021 – 2022)..!! واعترف العجري أن جماعته عجزت عن الوصول إلى أكثر من عشرة آلاف متهم بالتورط في تلك الجرائم.
ومع أنه لم يفصح عن نوعية الجرائم، إلا أن تقارير أخرى تصدرها الجماعة شهريا عن البحث الجنائي في المحافظات، ورصدها "يمن شباب نت"، تشير إلى ارتفاع مستوى جرائم: القتل، والشروع في القتل، والحرق المتعمد والتفجيرات..
وسنختار عينة من المحافظات التي تفشت فيها جرائم القتل والشروع في القتل، خلال بعض الأشهر ألمختارة أيضا، ملخصة من التقارير المنشورة في مركز الإعلام الأمني للحوثيين، عن البحث الجنائي..
وقد تربعت محافظة ذمار جرائم القتل والشروع في القتل، خلال شهري يونيو/ حزيران بعدد 102 جريمة (أي بمعدل بلغ 3.5 جريمة في اليوم الواحد)، ثم ارتفعت قليلا في يوليو/ تموز إلى 108 جريمة (بمعدل 3.6 جريمة في اليوم).
وشهدت محافظة إب أكبر عدد في إجمالي الجرائم، خلال شهر شوال الماضي (ابريل/ نيسان)، بإجمالي 559 جريمة، بينها 43 جريمة قتل وشروع في القتل (بمعدل 1.4 جريمة في اليوم)
أما محافظة المحويت، التي كانت تعتبر من أقل المحافظات في نسبة انتشار الجريمة والفوضى قبل سقوط الجمهورية، بلغت فيها عدد الجرائم، خلال شهر مايو/ أيار الماضي فقط: 297 جريمة، بينها 24 جريمة قتل وشروع في القتل (بمعدل جريمة كل يوم تقريبا). ومثلها شهدت محافظة حجة 297 جريمة أيضا، خلال الشهر نفسه، بينها 18 جريمة قتل عمدية وغير عمدية وشروع في القتل (بمعدل جريمة كل يومين تقريبا).
وفي البيضاء بلغ إجمالي عدد الجرائم المرتكبة خلال مايو أيضا 215 جريمة، بينها 63 جريمة قتل وشروع في القتل (بمعدل 2.1 جريمة يوميا). وصعدة 144 جريمة بينها 45 جريمة قتل وشروع في القتل (بمعدل 1.5 في اليوم). بينما شهدت محافظة عمران 253 جريمة، بينها 55 جريمة قتل وشروع في القتل (بمعدل جريمتين تقريبا في اليوم).
أما في محافظة الضالع (التي تسيطر فيها الجماعة على مديريتي دمت وجبن)، أشارت التقارير التي رصدناها من إعلام الجماعة، إلى ارتكاب 176 جريمة خلال شهر مايو/ أيار الماضي فقط، بينها 12 جريمة قتل وشروع في القتل.
أضغط على الصورة للتكبير
مؤشرات انهيار
في تعليقه لـ "يمن شباب نت"، يرى المحامي صلاح غالب، إن مؤشرات انتشار جرائم القتل والشروع فيها "تعني ببساطة: انهيار الدولة، وضعف مؤسساتها، ومحدودية قدرات الأجهزة الأمنية والعسكرية في أي مكان"، لافتا في الوقت ذاته إلى أن "جرائم الشروع في القتل، تتحول بالغالب إلى جرائم قتل، وحروب وثارات قبلية".
وتأكيدا لما ذهب إليه المحامي غالب، يمكننا ربط انتشار مثل هذه الجرائم الجسيمة، بالتزامن مع ما شهدته عدد من المحافظات، الواقعة تحت سيطرة ميليشيات الحوثي، من اشتباكات ومعارك مختلفة، بين القبائل والجماعة الحوثية؛ بعضها متكررة وبعضها ما زالت قائمة وتتجدد بين الحين والآخر..
فعلى سبيل الذكر، لا الحصر، شهدت محافظة ذمار، عددا من الاشتباكات القبلية، بينما تكررت الاشتباكات في محافظة صنعاء ضد جماعة الحوثي خاصة في مديرية همدان التي ما زالت تتعرض لحملات عسكرية متواصلة منذ أشهر. كما هو الحال أيضا في عدد من مديريات محافظة عمران التي شهدت اشتباكات متكررة خلال الفترة القليلة الماضية، وخاصة خلال الأشهر: أبريل، مايو، ويونيو.
[للمزيد.. أقرأ: "اتسع الرقع على الراقع".. بؤر الصراع المتفجرة والمُزمِنَة في مناطق سيطرة الحوثي ]
أما في صنعاء وأمانة العاصمة، فقد بلغت مستوى متقدما من الانهيار الأمني، مع تزايد عمليات السطو المسلح واستهداف التجار، وصولا إلى القتل كما حدث في أواخر يونيو/ حزيران الماضي من عملية اغتيال رجل الأعمال يوسف الجون أمام منزله في صنعاء.
تداعيات الانهيار الأمني
وبرغم ما تفرضه الجماعة من تكتيم إعلامي شديد، إلا أن ازدياد مثل هذه الحوادث وتكرارها بين آن وآخر، فرض مؤخرا حالة غضب ورفض شعبي متصاعد لمثل تلك التصرفات التي تنبئ عن انعدام شبه كلي للأمن. الأمر الذي أدى إلى انتفاض بعض الكيانات والتكتلات النقابية ضد تجاوزات الجماعة المتكررة، دون أن تمنعهم القبضة الأمنية من التعبير عن رفضهم والدفاع عن اعضائهم ومحاولة حمايتهم من الاعتداءات التي تطالهم.
فمؤخرا، وفي سابقة لم تشهد البلاد مثلها على الأطلاق؛ فرضت الغرفة التجارية والصناعية بأمانة العاصمة على الداخلية الحوثية، في أوائل أغسطس/ آب الجاري، الموافقة والتوقيع على اتفاقية تسمح للتجار بحمل السلاح دفاعا عن أنفسهم، ولحماية شركاتهم التجارية ومخازنهم وحتى منازلهم، من الاعتداءات المتكررة.
جاء ذلك على خلفية عمليات تقطع من عناصر حوثية، طالت أعضاء من مصدري البن في الغرفة التجارية، ومنعهم من تصدير بضائعهم، بعد احتجاز شحنات بن تجارية تابعة لهم كانت في طريقها إلى الأسواق العالمية، أواخر يونيو الماضي.
أما نقابة المحامين اليمنيين في صنعاء، فقد رصدت سلسلة كبيرة من عمليات القتل والاختطاف واقتحام المكاتب والمحاكم، التي طالت محامين وقضاة في عدد من المحافظات الواقعة تحت سيطرة الميليشيات الحوثية، بينها: محافظة صعدة خلال يونيو/ حزيران الماضي، وصنعاء أواخر مايو/ أيار الماضي، وأمانة العاصمة في أبريل/ نيسان، وفبراير/ شباط، الماضيين.
وفي أحد بياناتها، الصادرة بتاريخ 28 أبريل/ نيسان الماضي، أدانت نقابة المحاميين بالأمانة الاعتداء الذي طال أحد أعضائها في البحث الجنائي واحتجازه كرهينة حتى يحظر موكله، واعتبرت ذلك "اتهاما صريحا بفساد جهاز البحث الجنائي وأقسام الشرطة، التي لطالما يعاني منها المحامين والمواطنين".
ووصل الأمر حد اتهام نقابة المحامين للنائب العام الحوثي، في أبريل الماضي، بالنيل من النقابة والمحامين، والصمت على جرائم استهدافهم من قبل القضاة، والخصوم والقادة الحوثيين.