يتساءل البعض عن ضرورة/ أو أهمية التعديلات الحكومية التي أجراها المجلس الرئاسي اليمني الخميس الماضي (28 يوليو/ تموز)؟! وما إذا كانت تصب في إطار معركتنا المصيرية مع ميليشيات الحوثي الإرهابية، لاستعادة الشرعية والجمهورية المنقلب عليها في 2014، أم لا؟!
الجواب قطعا: "لا".
ففضلا عن أنه ليس ثمة ما يؤشر لمثل ذلك؛ فإن المجلس الرئاسي في اليمن- ومنذ إعلان تشكيله قبل أربعة أشهر تقريبا، وحتى الآن- لم يُقْدِم على أي خطوة تجعل الشعب المحبط واليائس يطمئن من أن هذا المجلس جاء فعلا لتحرير البلاد واستعادة الشرعية..!! أو حتى لتصحيح أخطاء القيادة السابقة، سياسيا واقتصاديا..!!
وإذا كان من البديهي اعتبار كل خطوة يقوم بها المجلس الرئاسي، تصب في صميم مهامه الرئيسة؛ إلا أن هذه الخطوة الجديدة، التي أعلنها المجلس بإجراء تعديلات وزارية بشكل خاص، في مثل هذا التوقيت، قد تذهب بنا أكثر نحو التأكيد على أن ثمة نزوع ما إلى فكرة تقنين الصراع الداخلي بين تحالف المجلس الرئاسي اليمني المدعوم إقليميا من تحالف السعودية والإمارات.
مقيدات الحركة والمسارات المتاحة
ومما يمكن الجزم به، هنا، أن جُلّ ما أثبته لنا المجلس، حتى الآن، هو: أنه ما يزال مقيد الحركة، في اتجاه اتخاذ قرارات مصيرية حاسمة تعزز فكرة تشكيله لإنفاذ مصالح الوطن والشعب. وهذا التقييد الحركي في أعمال المجلس ومهامه الوطنية المناطة، يمكن إرجاعه أساسا إلى وجود نوعين من مقيدات الحركة، هما- بموجب قراءة الواقع:
- مقيدات داخلية: وتتمثل بالأجندات السياسية المختلفة التي يحملها أعضاء المجلس، من خلفيات سياسية واجتماعية وثقافية/ فكرية، غير متجانسة. الأمر الذي ينعكس، تباعا، على تباين التطلعات والأهداف الاستراتيجية، الجيوسياسية، التي يعمل عليها كل عضو، أو كل طرف من مجموع الأطراف السياسية المشكلة للمجلس- (يمكن هنا اختيار أحد المنهجيتين في تقسيم أعضاء المجلس: الأولى على أساس الأفراد بناء على أهداف وتوجهات كل شخصية اعتبارية بعينها؛ والأخرى على أساس التقسيم الفئوي بناء على تجميع الأهداف الجيوسياسية الجمعية المشتركة للجماعات، بما في ذلك التبعية والولاء).
- مقيدات خارجية: وتتمثل بالأجندات السياسية الإقليمية، والقائمة هنا على توجهات وأهداف التحالف العربي، بشقيه السعودي والإماراتي، والتي يسعى كل منهما إلى تحقيقها من وراء تشكيل هذا المجلس، دون أي اعتبار لرغبات وتطلعات الشعب.
وبالتالي؛ فإن غاية ما هو متاح أمام المجلس الرئاسي حاليا، ينحصر تقريبا بين مسارين أثنين، هما:
- المسار الأول: الانغماس في محاولات قونَنّة الصراع الداخلي بين قوى المجلس؛ من خلال إعادة توزيع عوامل القوة الداخلية (عسكرية، ومدنية، واقتصادية..) فيما بينها؛ على شاكلة ما جرى الخميس الماضي (28 يوليو) من تعديلات طالت أربع وزارات حكومية، والبقية في الإنتظار..
- المسار الثاني: انتظار توجيهات دولتي التحالف، فيما يتعلق بمسار العملية التفاوضية مع ميليشيات الحوثي. حيث تواصل الرياض خوض حوارات ثنائية مع طهران (ولية أمر الحوثي)، بغية التوصل إلى توافقات بشأن تسوية الملفات الشائكة بينهما، وعلى رأسها ملف الحرب والسلام في اليمن.
تحليل المسارات
وإذا كان المسار الثاني مقيد كليا بمصالح الحلفاء الإقليمين الداعمين للمجلس، ما يجعلهم أصحاب الكلمة الأولى في اتخاذ القرارات النهائية، وعلى المجلس أن يلبي ذلك دون نقاش؛ فإن المسار الأول يتمتع بشيء من المرونة، كونه يتيح للمجلس الرئاسي نوع من المسئولية (ولكن غير المطلقة) في خوض النقاشات الداخلية وصولا إلى اتخاذ القرارات التوافقية المناسبة، بما يصب في نهاية المطاف في تحقيق أهداف كافة الأطراف الداخلية، أو بعضها حتى، ولكن دون المساس بأهداف ومصالح الحليف الخارجي. الأمر الذي يجعل هذا المسار لا ينفصل كليا عن رغبات وإرادات الحلفاء.
وعليه؛ فمن المرجح ألا ينجو المجلس الرئاسي من الغرق في الرمال السياسية المتحركة والكثيفة للصراع الداخلي، الخفي؛ إذا ما واصل انغماسه أكثر في عملية إعادة توزيع مراكز القوة والنفوذ بين قياداته، أو بالأحرى بين فصائله الأقوى من حيث التأثير والسيطرة، وتفضيلات الحلفاء الخارجيين.
فبالنظر إلى الفترة التي قضاها المجلس الرئاسي للتوصل إلى قرار إجراء أول تعديلات وزارية (الخميس: 28 يوليو/تموز)، سنجد أنها استغرقت قرابة أربعة أشهر (منذ أن بدأ الحديث عنها بالتزامن مع إعلان تشكيل المجلس الرئاسي في 7 أبريل/ نيسان الماضي، مباشرة). ما يعني أن المجلس الرئاسي خاض نقاشات خلافية عميقة استمرت كل هذه الفترة من أجل حسم موضوع بسيط كهذا..!!
حتى أنه اضطر إلى إرجاء وزارتين سياديتين (هما: الداخلية والمالية) من تعديلاته تلك، إلى أجل غير مسمى، مكتفيا باثنتين فقط (هما: الدفاع والنفط)، بينما كانت التسريبات تؤكد أن التغيير سيطال الوزارات السيادية الأربع..! الأمر الذي يؤكد حجم الخلافات التي خاضتها أطراف المجلس الرئاسي في هذا الجانب.
ومع ذلك، فإن هذه التعديلات اعتمدت تفضيلات جغرافية مناطقية، أو سياسية، غير وطنية. بحسب مراقبين. الأمر الذي من المتوقع أن يرفع من منسوب حدة الصراع الداخلي المستقبلي بين أطراف المجلس الرئاسي على تقاسم بقية مراكز النفوذ والمال في البلاد.
ليس ذلك فحسب، بل يأتي هذا الانفصام الحاد في المصالح، في الوقت الذي تشهد فيه عدد من المحافظات الجنوبية المحررة تسابقا حمائيا غير طبيعي في التخلص من أطراف غير مرغوبة في إطار المجلس الرئاسي نفسه، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام زيادة حدة الانقسام، ويرفع من منسوب انعدام ثقة المجتمع بقدرة المجلس على القيام بمهامه الوطنية.
مسار المعركة المصيرية
أما على مستوى المسار الثاني، المتعلق بطبيعة الصراع مع ميليشيات الحوثي، فلا يبدو أن هناك شيئا بيد المجلس الرئاسي، للقيام به حتى الآن، أكثر من تجديد موافقته على استمرار الهدنة الخاصة بوقف إطلاق النار مع ميليشيات الحوثي، القائمة منذ الثاني من أبريل/ نيسان الماضي برعاية المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ. وهو التوجه الذي فرضه التحالف العربي، أساسا، على اليمن، تماشيا مع رغبة الرياض في استمرار تأمين أراضي المملكة من هجمات الحوثيين الجوية والصاروخية التي توقفت منذ بداية الهدنة.
وفي مطلع يونيو/ حزيران الماضي وافق المجلس الرئاسي على تمديد الهدنة لشهرين إضافيين، حتى الخامس من أغسطس/ آب (الثلاثاء القادم). ومن المؤكد أن يوافق المجلس أيضا على تمديدها مرة أخرى لستة أشهر إضافية، بناء على ما أعلن- بشكل غير رسمي حتى الآن- من موافقة السعودية على مقترح الرئيس الأمريكي جو بايدن بهذا الخصوص أثناء زيارته الأخيرة للرياض (وفقا لمصدر في الخارجية الأمريكية لصحيفة واشنطن بوست).
ويستمر هذا العجز الفاضح للمجلس الرئاسي، رغم رفض الحوثي تنفيذ بقية بنود الهدنة برفع الحصار عن مدينة تعز، مع استمراره في خرق وقف إطلاق النار عبر قصف الأحياء المدنية في مأرب والضالع والحديدة، وتعز. وهذه الأخيرة- بشكل خاص- لم تتوقف الميليشيات عن محاولاتها المستميتة في فرض المزيد من السيطرة على مساحاتها الغربية، فضلا عن قصفها بالمدفعية، وكان آخرها- حتى الآن- قصف منطقة الروضة (شرق المدينة) الأسبوع الماضي، ما أدى إلى مقتل طفل وإصابة 11 آخرين.
ولا يبدو أن المجلس الرئاسي يأبه بمثل هذه الأمور، طالما وأن حرية حركته مقيدة بحدود تحقيق مصالح التحالف العربي، في حين أن أكثر ما يأبه به الآن لا يتجاوز محاولات تقنين صراعاته الداخلية عبر إعادة توزيع مراكز النفوذ والقوة بين أطرافه الغارقة بأجندات سياسية دون وطنية.
---------------
* مدير التحرير