في حدث استثنائي حوثي- على الأقل منذ 2015- نظمت المليشيا المدعومة من إيران في محافظة صعدة احتفالاتها بما تسميه عيد الغدير، الذي تعتقد المذاهب الشيعية ومنها الزيدية الجارودية أنه ينص على تولي علي بن أبي طالب الحكم ويرث وذريته الحكم باعتباره أصل من أصول الدين، لا يقوم إلا به.
والاستثناء هذه المرة أن الجماعة امتدت احتفالاتها ليلة ويومين، في محافظة صعدة، حيث معقلها الرئيس والأول، بينما اقتصرت احتفالاتها في مناطق أخرى ليوم واحد، خاصة صنعاء.
بحسب الأنباء التي نشرتها وسائل إعلام الحوثي احتفل الحوثي في صعدة يوم الأحد أي ذكرى ما يسمونه يوم الغدير، في 11 ساحة شملت معظم المديريات في المحافظة شمالي البلاد، ثم أعادوا الاحتفال مرة أخرى يوم الاثنين بحضور قادة الحوثي العسكريين، بعد أن كانوا قد احتفلوا بالألعاب النارية ليل السبت الأحد، ومن ضمنهم الرزامي الابن، وقادة الجماعة البارزين، في رسالة حربية واضحة تكون وجهتها لأول مرة مكونات في صعدة ذاتها ومن أبناء الجارودية والهاشمية نفسها.
احتفال بل قل استعراض للقوة في وجه تمردات وانشقاقات أصيلة في مكونات الإمامة، لم يعد بالإمكان التغطية عليها أو احتواؤها، خاصة مع استمرار الهدنة وانهيار تواجهه الجماعة الحوثية في مختلف الجوانب.
ما الذي يحدث في صعدة؟
أدت الهزيمة المذلة لمليشيات الحوثي في مأرب وما تكبدته من خسائر هائلة، إلى تفجر الخلافات بين الجماعات التي أصدرت الوثيقة الفكرية والثقافية الحوثية في 2012 والجماعات الأخرى، بما فيها جماعة المرشدين التي يتزعمها محمد عبدالله عوض الضحياني، وريث المكانة العلمية لسلفه مجد الدين المؤيدي، وحسين بن يحيى الحوثي.
تفاقمت الصراعات بين الجماعتين: جماعة عبدالملك الحوثي، وجماعة المؤيدي منذ بدء السنة الجارية، اغتال الحوثي عنصرين على الأقل من جماعة المرشدين، منذ مارس الماضي، وخطف قرابة 100 عنصر منها، وأغلق عددا من مساجد الجماعة ومراكزها في صنعاء وعمران وحجة.
فشلت المحاولات التي بذلها المؤيدي في وقف الحملات العسكرية الحوثية على مديريات عدة تتمركز فيها جماعته، لا يعترف المؤيدي بأن عبدالملك الحوثي إماما للمذهب، ولا قائدا للثورة، ويعرفه بأنه قريب تجمعه وشائج الرحم والمذهب فقط.
في الأسابيع الماضية أصدر المؤيدي فتوى خاصة لأتباعه بعدم حضور صلاة الجمعة ولا خطبتيها. يعني هذا الفعل في المذهب الجارودي أن هؤلاء شرعوا في أولى خطوات التمرد، ورفض شرعية عبدالملك الحوثي.
الغدير يفجر الخلافات
بمناسبة احتفال الشيعة في عيد الغدير، تناقلت وسائل الإعلام التابعة للمؤيدي في تطبيق التلجرام وهي قنواته الرئيسة للتعبير عن مواقفه وفتاويه، وصفته قنواته بأنه "علي هذا العصر" والأحق بالإمامة.
وقالت التهنئة -في قناته الزيدية التي يشترك فيها أكثر من خمسة آلاف عضو- إن "الإمامة مستمرة وأن المؤيدي هو الإمام لأنها تصح بصيغة الظاهر المشهور أو الخائف المغمور".ونقلت تلك التهنئة قناة أخرى على التلجرام تابعة له بها آلاف المشتركين أيضاً وعدد من صفحات الجماعة على فيسبوك.
وتقول مطلع التهنئة -التي شكلت في نظر بعض المتابعين بأنها بيان فاصل في الصراع بين الخصمين اللدودين لن يصمت على أثره عبدالملك الحوثي عن مضامينه- إن أهم شروط الإمامة والخلافة -في الجارودية- "المنصب والشجاعة والعلم والورع وحسن التدبير، والسلامة من النقص المخل بأعمال الخلافة"، (في إشارة واضحة لافتقاد عبدالملك معظم هذه الصفات التي تمثل شروطا في المذهب).
ونقل أتباع المؤيدي مقاطع مصورة له يحتفل فيه مع أتباعه المسلحين بمناسبة الغدير ويتعاملون معه كما يتعامل أتباع الحوثي مع زعيمهم.
ما المتوقع؟
إن استمرت الهدنة لعدة أشهر أخرى أو تحولت لوقف إطلاق نار دائم فإن جماعة الحوثي ستعتبر جماعة المؤيدي أخطر تهديد تواجه في معاقل الجماعة التقليدية في محافظات صعدة وعمران وصنعاء، وستعمل بازدواجية معها، "تقديم المغريات للمؤيدي نفسه، وتقليص نشاط جماعته لكن الأخيرة ستعتمد على الغضب الشعبي المتفاقم ضد جماعة الحوثي لمواصلة نقدها ومعارضتها، واتهامها بالخروج عن الجارودية والتحاقها بالاثني عشرية".
أما في حالة العودة إلى الحرب فإن الصراع بينهما يستمر ببطء نتيجة اتهام جماعة الحوثي لجماعة المؤيدي بالاشتراك في مواجهة الجماعة الحوثية والتحالف مع العدو الكافر وهو الأمر الذي تنفيه جماعة المؤيدين لكنه يضعف موقفها أمام أنصارها.