"نشتري السلعة اليوم بسعر وفي اليوم الثاني بسعر أعلى رغم تراجع الصرف وتوفر المشتقات النفطية لكن الأسعار ترتفع بشكل شبه يومي"، هكذا عبرت نادية محمود (45 عاماً) ام لستة أطفال عن الارتفاعات الجنونية في أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية، في ظل استمرار ميلشيات الحوثي العمل على زيادة معاناة اليمنيين في مناطق سيطرتها.
وقالت نادية في حديث لـ"يمن شباب نت"، "أقضي معظم أوقاتي في العمل على تطريز الملابس النسائية لتأمين الغذاء لأطفالي وبالكاد أتمكن من شراء أبسط الاحتياجات الضرورية"، وأضافت معبرة عن معاناة المواطنين في صنعاء "من فين عاد المسكين يعيش، نحن بضيق لا يعلم به إلا الحي القيوم".
وخلال الأشهر الماضية شهدت أسعار السلع والخدمات الأساسية ارتفاعاً ملحوظاً في العاصمة صنعاء، لكنها تضاعفت بشكل كبير منذ بداية مايو الماضي في ظل تدهور الأوضاع المعيشية وانعكاساتها السلبية على حياة المواطنين حيث دفعت شريحة كبيرة من اليمنيين إلى ما تحت خط الفقر.
ورغم المبررات التي يسوقها الحوثيين بالأزمة العالمية التي ارتفاع الاسعار، لكنها بذات الوقت تعمل على زيادة المعاناة ومن خلال حالة الارتفاع الباهضة بالاسعار منذ حتى قبل الازمة، وكسلطات أمر واقع لا تكترث الميلشيات لمعاناة المواطنين بل تواصل فرض الجبايات، وسياسية التجويع بحق المواطنين ونهب مدخراتهم بسعر الصرف الوهمي المنخفض للعملات الأجنية.
وفي آخر خطاب لزعيم ميلشيات الحوثي عبد الملك الحوثي على وجهات صنعاء، وصف الأصوات التي تحتج على فساد قيادات الميلشيات بالقول "إذا أراد البعض جعل أي إشكال أو تقصير أولوية للتحريض وإثارة الفتنة فهو إما بوق للعدوان (التحالف العربي) أو مغفل لا يملك الوعي تجاه الأولويات"، في اشارة لأولوياتهم الجماعة في التحشيد العسكري والحرب فقط.
أسعار باهظة
شهدت أسعار السلع الغذائية ارتفاعاً بنسبة كبيرة في الأسواق والمحلات التجارية في العاصمة صنعاء، خصوصاً السلع الاستهلاكية الضرورية: الدقيق، والسكر، والزيوت ، والالبان، وغيرها من الخدمات الاستهلاكية، في ظل غياب تام لدور سلطات الأمر الواقع ميليشيا الحوثي الانقلابية".
خلال الأسابيع الماضية وصل سعر الدقيق 50 كيلو إلى نحو 22 ألف ريال يمني أي ما يعادل نحو 38 دولار أمريكي، ووصل سعر الزيت إلى نحو 6000 ريال أي ما يعادل نحو 8 دولار أمريكي كما وصل سعر السكر 10 كيلو إلى نحو 5500 ريال يمني، أي ما يعادل نحو 9 دولار أمريكي ناهيك عن الارتفاعات الجنونية في أسعار بقية المواد الغذائية الأخرى.
وقالت نادية: "بين الحين والآخرأذهب للتسوق وشراء الحاجات الأساسية وأنصدم أمام ارتفاع الأسعار"، ولفتت أنها تعمل بشكل مضاعف من أجل تأمين لقمة العيش لأطفالها على غرار ملايين اليمنيين الذين يكافحون لتأمين الغذاء لأفراد أسرهم في ظل الحرب المستمرة في البلاد منذ أكثر من سبع سنوات.
وأضافت: "الأوضاع كارثية إذ وصل سعر الدقيق إلى نحو 22 ألف ريال (مايعادل 40 دولار أمريكي) وهنالك أسر تأكل من القمامة، الناس مخنوقة وغير قادرة على العيش في ظل هكذا ظروف".
وعلى الرغم من انخفاض سعر الدولار في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين وتراجعة من 600 إلى 555 ريال خلال الأشهر الماضية إلا أن ذلك الانخفاض لم ينعكس على أسعار المواد الغذائية والخدمات الأساسية، التي تشهد ارتفاعاً ملحوظاً يوم بعد آخر.
وقال المعلق الاقتصادي عبد الواحد العوبلي إن :"استقرار سعر الصرف في مناطق سيطرة الحوثيين وهمي يستخدمه الحوثيون لنهب الفوارق من تحويلات المغتربين إلى مناطق سيطرتهم، إذ أن أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية تتضاعف بشكل جنوني لافتاً إلى أن المواطن يشتري السلعة بسعر أعلى مما كانت عليه قبل شهر أو شهرين".
وفي ظل استقرار نسبي لأسعار العملات الأجنبية في صنعاء تبقى أسعار السلع الغذائية معضلة كبيرة تنغص حياة المواطنين الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن توفير أبسط الاحتياجات الضرورية.
جشع التجار وغياب الرقابة
منذ بداية الانقسام النقدي عقب إعلان الحكومة المعترف بها دولياً نقل البنك المركزي من صنعاء إلى مدينة عدن جنوب اليمن في سبتمبر 2016، ومنع ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران تدوال العملة الوطنية في مناطق سيطرتها بدأت أسعار السلع بالارتفاع إذ استغل التجار ارتفاع صرف الدولار برفع أسعار السلع أكثر من الارتفاع الفعلي لسعر الصرف ومع تراجع سعر صرف الدولار ظلت الأسعار كما كانت عليه سابقاً لكنها تضاعفت بشكل كبير خلال الشهرين الماضيين.
يقول أمين ناجي - موظف في القطاع الخاص - :"عندما ارتفع سعر صرف الدولار رفع التجار أسعار السلع وعندما انخفض بقيت الأسعار كما كانت عليه سابقاً لافتاً إلى أن التجار يستغلون اتفه الأسباب لرفع الأسعار مستغلين غياب الرقابة".
وأضاف لـ" يمن شباب نت" - الذي يتنقل بين صنعاء وعدن بحكم عمله - "عندما أسافر إلى عدن اشعر بالفارق الوهمي لسعر الصرف المثبث من قبل الحوثيين، فالمئة دولار تكفيني بمصاريف واحتياجات أكثر من صنعاء بنسبة مضاعفة رغم فارق الاسعار بعدن عن صنعاء ويتأكد لي ان سعر العملات لدى الحوثيين سرقة للمواطنين فقط".
وأشار ناجي "في صنعاء الرقابة على التجار معدومة وميليشيا الحوثي تستعرض أحيانا بالنزول إلى بعض المحلات التجارية لكن سرعان ما ينتهي تأثيرها ويبقى مصير الناس لدى التجار، حيث تتفاوت أسعار السلع من تجار إلى آخر في صنعاء، وأسعار المواد الغذائية ترتفع بشكل جنوني".
وشكا الأكاديمي عادل الشرجبي من ارتفاع أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية في العاصمة صنعاء وتلاعب ملاك المحلات التجارية بالأسعار. وقال في منشور بصفحته على فيسبوك "في السوبر ماركت القريب منهم في حي الجامعة زادت الأسعار من رمضان حتى اللحظة بنسبة 35 في المئة دون أي مبرر، وأضاف: "أكثر من ذلك أن سعر إحدى السلع كما يظهر في الشاشة التي في داخل السوبر ماركت 2200 ريال وعند الكاشير 2800 ريال نحن نعيش في غابة".
جيوب فارغة
غالبية المواطنين في صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيي أصبحوا عاجزين عن الوفاء بشراء كافة الاحتياجات الأساسية لأسرهم بسبب ارتفاع الأسعار وعدم تمكنهم من الحصول على فرص للعمل نتيجة انعدامها بفعل الحرب، بالإضافة إلى إنقطاع رواتب الموظفين الحكوميين، وحتى أولئك الذي يعملون في القطاع الخاص أصبحو يعانون كثيراً.
وقال أمين ناجي: "رغم أنني أعتبر نفسي من الناس المحظوظين لأني ما زلت أعمل في وظيفة جيدة توفر لي قدر كافي من احتياجاتي، لكن منذ أشهر اشعر بأزمة في المصروفات وأصبحت الديون تتراكم تدريجياً لم يعد ما أستلمة يكفي للمتطلبات التي اعتدنا عليها في الاسرة".
وأضاف: "الوضع الاقتصادي للناس مخيف جدا، هذا يظهر جلياً في حركة الاسواق التي أصبحت ضئيلة في صنعاء رغم تزايد السكان فيها، لكن التدهور بأوضاع الناس أكثر من أي وقت مضى، ولا أحد يهتم بذلك سواء سلطات الحوثيين أو غيرهم".
وفقاً للأمم المتحدة فإن اليمن يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث تشير أحدث التقديرات إلى أن نحو 50 ألف شخص يعيشون حاليًّا في ظروف تشبه المجاعة، ويشتدّ الجوع في المناطق المتضرِّرة من الصراع، ويحتاج ما يقارب 21 مليون شخص، أي أكثر من 66% من إجمالي عدد السكان، إلى مساعدات إنسانية وحماية.