"بينما تتطلع الإمارات بشكل متزايد إلى المجال البحري باعتباره جزءًا رئيسيًا من استعراض قوتها، فإن هجمات الحوثيين على الإمارات وملاحتها في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية تتحدى بشكل خطير استراتيجية أبو ظبي البحرية وأمنها".
بهذه الخلاصة، استهلت مجلة insidearabia الأمريكية، تقريرا لها يبحث في تفاصيل قدرة دولة الإمارات/ من عدمه، على مواصلة حماية مصالحها الجيو-اقتصادية التي خلقتها طوال السنوات السبع الماضية من شراكتها مع التحالف العربي في حرب اليمن
وخاضت المجلة في تفاصيل عميقة بهذا الشأن، شملت كثير من الجوانب التي يمكن التركيز عليها لتستمر أبوظبي/ أو تفشل في حماية مصالحها الاقتصادية والتجارية من خلال استمرارية تواجدها الفاعل والمؤثر والآمن، لفترة أطول، في الممرات البحرية الأهم في المنطقة التي حرصت على الاستحواذ عليها بشتى السبل..
"يمن شباب نت" ينشر نص التقرير وفقا لترجمته الخاصة:
بعد الجهود الناجحة لدولة الإمارات لتنويع اقتصادها بعيدًا عن الهيدروكربونات، وبعد أن أصبحت مركزًا تجاريًا إقليميًا، أصبح الأمن البحري أولوية قصوى للسياسة الخارجية لأبوظبي. حيث فتحت الحرب في اليمن فرصة للإمارات لمواصلة طموحاتها البحرية من خلال تأمين سيطرة غير مباشرة على ثلاثة مواقع استراتيجية رئيسية: مضيق باب المندب، وميناء عدن، وجزيرة سقطرى، وكلها تقع بالقرب من أحد أكثر طرق الملاحة ازدحامًا في العالم.
في العقد الماضي، اتبعت الإمارات سياسة خارجية توسعية صارمة إلى حد ما، حيث اعتمدت في كثير من الأحيان على أدوات قوتها الصلبة من خلال التدخلات العسكرية والدعم العسكري لشركائها المحليين في دول أخرى، لا سيما في القرن الأفريقي وليبيا واليمن. لكن منذ عام 2019، بدأت القوة الشرق أوسطية في إعادة ضبط سياستها الخارجية.
ومع ذلك، فإن إعادة تقويم دولة الإمارات العربية المتحدة لسياستها الخارجية لا يعني أن أبوظبي ستتخلى عن طموحاتها كقوة بحرية عسكرية إقليمية. إذ تم إثراء سياستها الخارجية القوية مؤخرا من خلال تنويع جعبتها الدبلوماسية مع إضافة مبادرات القوة الناعمة الجديدة التي ستمكن أبوظبي من تحقيق أهدافها الاستراتيجية الجيوسياسية.
وفي حين أن الإعلان عن صفقة أسلحة بقيمة 982 مليون دولار لأربع سفن دورية بحرية من طراز Falaj-3، للبحرية الإماراتية، يعني بالتأكيد أن الدولة ستستمر في زيادة قواتها البحرية، فقد انضمت الإمارات أيضًا إلى العديد من المبادرات الإقليمية، مثل عملية الحراسة البحرية، التي تهدف إلى حماية الملاحة والتجارة الدولية في مضيق هرمز، وكذلك التوعية البحرية الأوروبية في مضيق هرمز (إيماسو)، وهي البعثة الأوروبية التي تقودها فرنسا للقيام بدوريات ومراقبة في هرمز، من خلال استضافة مقرها الرئيسي.
إلى جانب البعد الدبلوماسي والعسكري، قامت الإمارات باستثمارات جغرافية اقتصادية كبيرة حول الممرات المائية في المنطقة، حيث كانت موانئ دبي العالمية القوة الدافعة الرئيسية لـ "الإمبراطورية" البحرية الجيو-اقتصادية الصاعدة لدولة الإمارات العربية المتحدة. ووفقًا للدكتور جينس هيباتخ (Dr. Jens Heibach)، الزميل الباحث في المعهد الألماني للدراسات العالمية والإقليمية (GIGA)؛ تعتبر موانئ دبي العالمية الركيزة الأساسية- وربما الأكثر أهمية- في استراتيجية التنويع في دولة الإمارات.
وعلى الرغم من انسحابها العسكري من اليمن في عام 2019، لا تزال مناطق جنوب اليمن في دائرة نفوذ الإمارات من خلال الدعم العسكري والسياسي الواسع لحليفها، المجلس الانتقالي الجنوبي. والذي تم تشكيله من قبائل وجماعات من الحراك الجنوبي، ويسعى إلى استقلال اليمن الجنوبي على طول حدود التقسيم القديم بين شمال وجنوب اليمن (1967-1990).
يُعتقد أن عودة الإمارات للانخراط في الصراع بعد نشر كتائب العمالقة في معركة مأرب (آخر معقل للحكومة اليمنية) هي السبب الرئيسي لهجمات الحوثيين الانتقامية على الإمارات وخطها الملاحي البحري في يناير/ كانون الثاني. وقد أدى ذلك إلى وضع أبوظبي في حالة أمنية بالغة الحساسية، حيث إنها تخاطر بشكل كبير بأمنها الوطني من خلال التعامل مع المجلس الانتقالي الجنوبي. وقد أرسلت هجمات الصواريخ والطائرات المسيرة التي شنها الحوثيون على الأراضي الإماراتية برسالة قوية إلى أبوظبي مفادها أنهم قد يواجهون مصيرًا مشابهًا لمصير المملكة العربية السعودية، التي تتعرض لتهديد مستمر منذ سنوات. وفي المقابل، فإن الانسحاب الكامل والتخلي عن المواقع الاستراتيجية في اليمن سيعني ضربة قاصمة للطموحات البحرية الإماراتية، حيث سيفقدون السيطرة على المواقع الاستراتيجية في اليمن.
ولدى الدكتور جيمس قناعة راسخة أيضًا بأن جنوب اليمن مهم بالنسبة للإمارات العربية المتحدة. وهذا في اعتقاده ربما كان السبب الرئيسي لانضمام الإمارات إلى التدخل بقيادة السعودية عام 2015، وبالتالي لم يكن مفاجئًا بالنسبة له أن تركز الإمارات على جنوب اليمن في وقت مبكر خلال الحملة. وأضاف الدكتور جينس هيباتخ نقطة أخرى يثيرها كثير من اليمنيين حتى هذه اللحظة. وهي أن الإمارات كانت- ولا تزال- تملك مصلحة راسخة في منع الموانئ اليمنية الرئيسية من أن تصبح منافسة للموانئ الإماراتية.
وبالنسبة للخبير الإيطالي البارز في العلاقات الدولية للشرق الأوسط فيCentro Studi Internazionali Ce.S.I، الدكتور جوسيبي دينتيس (Dr.Giuseppe Dentice)، فهو لا يعتقد أن هجمات الحوثيين ستغير نهج أبوظبي في المنطقة، كما لن تغيير من استراتيجيتها في منطقة الخليج الفارسي. وقال: "أنا متأكد تمامًا من أن هذا الوضع يمكن أن يلعب دورًا إيجابيًا في سياسة أبوظبي الخارجية في اليمن، وعلى وجه الخصوص، للمطالبة بمشاركة أكبر من الولايات المتحدة الأمريكية". كما يتوقع أن تطلب الإمارات من واشنطن مساعدة عسكرية جديدة لضمان حماية أمن الدولة والشركاء العرب الآخرين في منطقة الخليج من أي نوع من التهديدات.
ومع ذلك، مع رغبة المملكة العربية السعودية بشدة في إنهاء الحلقة الدموية في اليمن والبحث عن مخرج، يبدو أن الإمارات العربية المتحدة ستواجه صعوبات أكبر إذا أرادت الحفاظ على موقعها في البلاد. فبينما يرى البعض في رحيل الرئيس اليمني هادي الذي لا يحظى بشعبية كبيرة وتوحيد الكتلة المناهضة للحوثيين بإعتبارها خطوات أولى نحو مفاوضات السلام، فإن النتيجة النهائية مثيرة للجدل إلى حد كبير حيث لم تشارك مليشيا الحوثي في المحادثات السابقة في العاصمة السعودية الرياض، ولم يتم تمثيلهم في مجلس القيادة الرئاسي الجديد (المجلس الرئاسي الجديد المكون من ثمانية أعضاء).
ويلاحظ الدكتور جيمس هيباتخ أن الحرب في اليمن كانت دائمًا صراعًا متعدد المستويات، وفي حين أن التحالف الرسمي الذي تقوده السعودية والإمارات قد ينتهي قريبًا إلى الأبد، مما يفتح الباب أمام مفاوضات مجدية بين اليمنيين، فإن الصراعات داخل اليمن على المستويين الوطني ودون الوطني، ستبقى وسيستمر التلاعب بها من قبل القوى الخارجية.
وعلى الرغم من أن الحراك الجنوبي المدعوم من الإمارات تطحنه الخلافات الشديدة، إلا أنه لا ينبغي لأحد إغفال أن الدعوة للانفصال لا تزال على أجندة العديد من الجهات الفاعلة في جنوب اليمن. لذلك، يعتقد الدكتور هيباخ أن الصراع على الهيكل المستقبلي للدولة اليمنية بين الجهات الفاعلة في الشمال والجنوب (وفي الجنوب نفسه) لم يتم حله بعد، مما يسهل على العوامل الخارجية، مثل الإمارات العربية المتحدة، اللعب على انقسام اليمنيين في الداخل لتحقيق أهدافهم.
كما أنه وبفضل الميليشيات التي تدعمها الإمارات، أوضح الدكتور دينتيس أن أبو ظبي تسيطر "بحكم الأمر الواقع" على جميع الموانئ التجارية الرئيسية (في المقام الأول عدن، والمكلا، والشحر، في حضرموت) والمنطقة الساحلية المجاورة لمحطة تصدير النفط في بير علي (حضرموت) ومحطة الغاز الطبيعي المسال بلحاف (شبوة). وعليه، فإن استعادة شبوة والمناطق المجاورة الأخرى في جنوب اليمن، والحفاظ على الوضع الراهن المصطنع، القائم على الانقسام الفعلي بين شمال وجنوب اليمن، هي الضمانات الضرورية لنجاح استراتيجية أبوظبي.
وعلى أية حال، يتوجب على الإمارات أن تكون مستعدة لمزيد من الهجمات الانتقامية من الحوثيين، الذين تعهد زعيمهم، عبد الملك الحوثي، بـ "تحرير بلدنا بالكامل واستعادة جميع المناطق التي احتلها الأعداء". ومع ذلك، لا ينبغي استبعاد إيجاد حل وسط معهم تمامًا. حيث يعتقد الدكتور هيباتخ أن "الحوثيين أثبتوا أكثر من مرة قدرتهم على صياغة اتفاقيات تكتيكية، [و] حتى تحالفات تكتيكية، مع أعداء سابقين. فما الذي سيمنعهم من عقد اتفاقات مع الإمارات إذا كانت مثل هذه الاتفاقيات ستحمي مصالحهم؟" واستدرك: ومن المؤكد، من وجهة نظر الحوثيين، أن "مثل هذا الاتفاق سيكون ذا طبيعة مؤقتة فقط. لكن، ولكونهم قد خاضوا اللعبة لبعض الوقت، فأعتقد أنهم تعلموا أن بعض الأهداف لا يمكن تحقيقها بسرعة [و] أنك بحاجة إلى أن يكون لديك بعض القوة للبقاء"
أخيرًا، سيتم تحديد مستقبل المنطقة بأكملها أيضًا من خلال طريق الحرير البحري، والذي يعد جزءًا من مبادرة الحزام والطريق الصينية الطموحة (BRI). إذ أنه ونظرًا لأن الساحل اليمني سيلعب جزءًا لا يتجزأ من هذه المبادرة كقاعدة حيوية لمركز التجارة البحرية، فقد يكون لوجود البلد من عدمه عواقب بعيدة المدى حيث يمكن أن يزيد أو يقلل من دور اللاعبين الإقليميين مثل الإمارات العربية المتحدة. ويتضح هذا بشكل أكبر في سياق "الحرب الباردة 2.0" المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة، حيث إن السيطرة على المواقع الإستراتيجية، مثل مضيق باب المندب، وميناء عدن، وسقطرى، قد تمنح الإمارات نفوذ أكبر في علاقاتها مع الصين والولايات المتحدة.
لكن بالنسبة لليمن فإن موقعها الاستراتيجي هذا شكل لعنة عليها أيضا. حيث استشهد الدكتور هيباتخ بكلمات غسان سلامة، الأكاديمي والسياسي والدبلوماسي اللبناني البارز، الذي قال ذات مرة إن العديد من المشاكل التي يواجهها اليمن تنبع من حقيقة أن البلاد ذات موقع جيد جدًا.
ومع ذلك، يعتقد الدكتور دينتيس أن الاستراتيجية البحرية الإماراتية ستتحرك باستمرار مع مبادرة الحزام والطريق الصينية كشراكة بين الصين والإمارات تتجاوز الطاقة. حيث تهتم بكين بشدة بتعزيز وجودها السياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وملء الفراغ الاستراتيجي الذي خلفه فك الارتباط الأمريكي، والذي بدوره يعيد توجيه جهودها نحو المحيطين الهندي والهادئ. ويلاحظ الدكتور دينتيس أن الصين من خلال استهدافها الشراكات الاستراتيجية للولايات المتحدة في الخليج ومع الإمارات على وجه الخصوص، تهدف إلى تخفيف شبكة التحالفات العالمية التي بنتها واشنطن منذ السبعينيات. في رأيه، الهدف النهائي لتنافس القوى العظمى هو السيطرة على الطريق البحري للتجارة بين الشرق والغرب وبوابة إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وهذا يضع اليمن في قلب هذه المنافسة.
أما بالنسبة للدكتور هيباتخ، فيعتقد أن مستقبل لعبة الشطرنج الجيوسياسية في اليمن سيعتمد على مدى تماسك نفوذ الإمارات مع الجهات اليمنية، وما يمكن أن تقدمه الصين لهؤلاء وغيرهم من الجهات الفاعلة اليمنية، وبالطبع الطريقة التي ستتعامل بها الصين معهم، وهذا بدوره يعتمد على مدى فهم الصينيين لديناميكيات الصراع داخل البلاد. وأشار كذلك إلى أن "الإمارات العربية المتحدة لديها التفوق الواضح على الصين، والولايات المتحدة في هذا الصدد". لكن لا ينبغي لأحد أن يتجاهل الممثلين اليمنيين، فهم ليسوا مجرد بيادق ثابتة في هذه اللعبة، وهم يعرفون مدى أهميتهم بالنسبة للجهات الخارجية. حيث أكد الدكتور هيباتخ أن الجهات الفاعلة لها مصالحها الخاصة، وعندما لا يتم تقديم هذه المصالح، فإنها تغير التحالفات.
لذلك، فإن الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة هي: كم عدد الجماعات اليمنية المؤثرة الموجودة؟ وما هي اهتماماتها؟ وإلى أي مدى تتباعد أو تتقارب، ولماذا؟
------------------------------------------------------------------------------
* الصورة نشرتها مجلة Insidearabia في تقريرها بإذن من سيتريد ماريتايم نيوز