إلى زمن قريب، كانت منطقة "الغيل"- شرقي مديرية الوازعية، بالريف الغربي لمحافظة تعز- هي السلة الغذائية لسكان المديرية؛ حيث تضم فيها أكبر كمية لشجرة المانجو، التي تقدر كميتها بأكثر من 200 شجرة في المديرية..
بيد أن الأوضاع الاقتصادية المتردية في السنوات الأخيرة، دفعت العديد من المزارعين إلى انتهاج توجه جديد، بات ملحوظا على نطاق واسع في المنطقة، يتمثل بقلع شجرة المانجو واستبدالها بشجرة "القات"، بحثا عن المردود السريع.
الأمر الذي أدى إلى إثارة المخاوف لدى سكان مديرية الوازعية، خشية تغول مساحة شجرة القات على حساب الفاكهة، لا سيما في ظل توفر المياه، الذي تحتاجه شجرة القات كثيرا، بفضل نهر "الغيل" الذي ينبع من منطقة "بني عمر" المجاورة، ولا ينقطع ماؤه طوال العام.
أول تجربة مربحة
يعد "سامي الرقيبي" أول مزارع في المنطقة بدأ بزراعة شجرة القات في حقله الذي تقدر مساحته الزراعية بزهاء 300 متر مربع. وكان من قبل قد أشهر بكونه من أكثر سكان المنطقة زراعة وانتاجا لفاكهة المانجو وتصديرها نحو سوق "الشقيرا" المركزي للمديرية.
وفي حديثه لـ "يمن شباب نت" أرجع المزارع "الرقيبي" انتهاجه هذا التوجه الزراعي الجديد إلى عدة أسباب، على رأسها: "البحث عن الكسب السريع، في ظل انعكاسات تأثيرات الحرب على الزراعة والمزارعين".
أضف إلى ذلك- كما يقول- إنه وجد "إهمالا، وعدم اهتمام بمزارعي الفاكهة" ما يعرضهم أحيانا للخسارة المالية، مستشهدا بهذا الصدد، بتعرضه شخصيا "لخسائر باهضة خلال السنوات الأخيرة من زراعته لفاكهة المانجو"، لذلك لم يكن أمامه من خيار سوى التوجه لزراعة شجرة القات، بدلا عن فاكهة المانجو، حتى يتمكن من تعويض خسائره، والتخفيف من الشدة المالية التي ألمت به..!!
في الواقع؛ لم تكن زراعة وإنتاج وبيع فاكهة المانجو "غير مجدية كثيرا" عند الرقيبي؛ لكن مشكلتها أنها تفتقر، في المنطقة، لبعض الاحتياجات والمتطلبات والامكانيات لتجنب الخسائر التي قد تنتج أحيانا من تعرضها للتلف بسبب بعض الحشرات، أو أحيانا من "الغمام" الذي يؤدي إلى تساقط بعض المحصول وتضرره. لذا قرر "الرقيبي" خوض تجربة جديدة، بدأها بحذر عبر استبدال زراعة بعض أشجار المانجو بنبتة القات في أحد حقوله، بهدف معرفة النتائج ومقارنتها مع زراعة المانجو، وما إذا كان ذلك سيحقق له كسبا سريعا، ويعوضه عن بعض الخسائر السابقة.
وفعلا؛ يقول الرقيبي إن التجربة حققت نجاحا باهرا في العام الأول من زراعته لنبتة القات. حيث صار يحقق أرباحا سريعة عبر بيع القات، سواء داخل حقله لسكان القرية، أم في السوق الرئيسي في المنطقة. وهو ما شجعه على مواصلة زراعته وتوسيع نطاق زراعته ليشمل مساحات وحقول أخرى من مزرعته.
شجرة المانجو التي تشتهر بها مديرية "الوازعية" بريف تعز الغربي تشهد تراجعا كبيرا في زراعتها بسبب التوسع في زراعة القات
تكاليف أقل ومردود أسرع
وإن كان النجاح لا يتحقق دائما، كون الزراعة مرتبطة بعوامل الطبيعة ومفاجأتها؛ إلا أن الفشل بسبب تلك العوامل ليس مبررا كافيا لإيقاف تجربة تحقق ربحا سريعا.
في تحقيق النجاح والكسب السريع في تجربته الأولى، واجه "الرقيبي" خسارة كبيرة، غير متوقعة، في تجربته الثانية، نتيجة هطول أمطار غزيرة تسببت في جرف مزرعته بالكامل قبل أن يحصد ما زرعة. إلا أن ذلك لم يوقفه، أو يمنعه من الاستمرار وتوسيع تجارته الجديدة بشكل أكبر، كونها تحقق له أرباحا سريعة، وبتكاليف وجهد أقل.
وها هو الآن، قد عاود زراعة القات مجددا، ليصبح هو المسيطر على جهده واهتمامه، وسط مشاعر غامرة بالسعادة والارتياح لحجم المردود الذي يجنيه من زراعة القات، مقارنة بما كان سابقا حين كان يزرع فاكهة المانجو.
فبحسب المزارع "الرقيبي"، فإن مردود تجارة المانجو لا يتلاءم مع حجم الجهد المبذول؛ من حيث ضعف التسويق، والحاجة لإمكانيات كبيرة قبل تجهيزها ونقلها للسوق. فالمانجو تحتاج لكراتين لتعبئتها فيها، في حين وصل سعر الكرتون الواحد إلى ألف ريال، بالإضافة إلى حاجتها لوسيلة نقل مناسبة لنقلها إلى السوق، وتكاليف ذلك كبيرة، خصوصا مع ارتفاع أسعار الديزل..!!
وفي النتيجة، يضيف الرقيبي: "في أحيان عده لا يحقق بيعها (أي المانجو) المردود الذي يرجى منه"، مضيفا: "فالزبائن الذين يصلون المنطقة للشراء، غالبا ما يبخسون المزارعين"، أما إن تولى المزارع نقل بضاعته بنفسه، كما يقول، "فغالبا ما يكون عرضة للمفاجئات؛ ما بين إمكانية تحقيق الكسب، أو الوقوع في الخسارة".
ويقول أيضا إن مزارعي المانجو يحتاجون إلى نفقات كثيرة، تكون بين أيديهم مقدما، قبل بيعهم المحصول، الذي يستمر زراعته وتجهيزه لمدة عام كامل، وذلك لتغطية مصاريف التجهيز والنقل وأجرة العمال، بينما كل ذلك يتم تغطيته سريعا بشجرة القات، التي تنمو وتقطف وتباع خلال أقل من شهر.
من الأسباب: الربح والمياه الوفيرة
يقف ضعف الإمكانات لدى المزارعين، في الوقت الذي انعدمت فيه اهتمامات الجهات الحكومية المسئولية لدعم القطاع الزراعي، لا سيما في سنوات الحرب السبع الأخيرة؛ أسبابا كافية بالنسبة للمزارع "حمود الدغار" في التوسع لزراعة شجرة القات في منطقة "الغيل" الزراعية، وذلك بهدف تحقيق الكسب السريع، كما هو حال الكثير من المزارعين في المنطقة، التي كانت تشتهر بزراعة الفواكه، خصوصا المانجو.
يقول المزارع "الدغار" لـ "يمن شباب نت"، إنه يكسب شهريا من زراعة القات في حقله، "بحدود ثلاثة إلى أربعة مليون ريال يمني، من بيع القات، سواء داخل الحقل لابناء منطقته، كما يفعل غالبا، أم من بيعه في السوق الرئيسية".
وإذا كانت مشكلة القات الكبرى أنه يحتاج إلى مياه كثيرة لريه.. فإن ذلك لا يعد مشكلة في منطقة "الغيل". كما يقول "الدغار"، متابعا: "فالمنطقة زراعية واعدة، والمياه متوفرة فيها بغزارة".
وينقسم المزارعين في المنطقة بين ثلاث فئات، من حيث نوعية اهتماماتهم الزراعية؛ ما بين مزارعون يهتمون بزراعة أنواع الحبوب، وآخرون مهتمون بزراعة المانجو، وهي الفاكهة التي تعد المنطقة هي الأشهر في زراعتها، حيث تقدر مساحة زراعتها بحوالي من 2 إلى 3 ألف متر مربع. ومؤخرا دخلت زراعة القات لتصبح من أولى اهتمامات المزارعين في المنطقة. والذي بات يشكل تهديدا كبير بالتوغل أكثر على حساب بقية المزروعات الأخرى، نظرا لأهم الأسباب التي ذكرت أعلاه.
شجرة القات تشهد توسعا كبيرا في ريف محافظة تعز الغربي
إحصائيات وتحذيرات
ووفقا لمركز الاحصاء الزراعي في اليمن، تقدر مساحة زراعة المانجو في محافظة تعز بـ 851 هكتار (الهكتار الواحد = 10,000 متر مربع)، فيما قدر آخر إنتاج- وفقا لإدارة الاحصاء الزراعي للعام 2018، بـ 12,950 طن من إجمالي مساحة المحافظة في زراعة الفواكه، والتي تقدر بـ 2,243 هكتارا على مستوى المحافظة، وبإنتاجية لعموم الفاكهة تقدر بـ 24,491 طنا، وفقا لإحصائية عام 2018.
بينما أشارت النشرة الزراعية السنوية الصادرة عن وزارة الزراعة للعام 2020، إلى أن إجمالي مساحة زراعة الفواكه بمحافظة تعز بلغت 2,473 هكتارا، فيما بلغت الإنتاجية 22,384 طن، خلال العام 2019 (أي بنقص يصل إلى: 2,107 طن، عن العام السابق 2018).
وبحسب النشرة نفسها، فقد واصلت المساحة الزراعية للفواكه بالمحافظة تقلصها لتصل في العام 2020 إلى 2,410 هكتارا، بينما تقلصت الإنتاجية إلى 21,829 طنا، خلال العام (أي بنقص بلغ 555 طن عن العام السابق 2019، بينما بلغ النقص 2,662 طن عن العام 2018).
ووفقا للنشرة، تناقصت مساحة زراعة المانجو في تعز من 851 هكتارا في العام 2018، إلى 834 هكتارا في العام 2020. أي بفارق 17 هكتارا، بما يوازي 170,000 مترا مربعا. بينما قلت إنتاجية المانجو في المحافظة؛ من 12,950 طن عام 2018، لتصل 10,212 طن في العام 2020، أي بنقص بلغ: 2,738 طن.
ويحذر الخبير الزراعي "علي الهارب" من مخاطر تغول مساحة زراعة شجرة القات في مديرية الوازعية، على حساب زراعة الفاكهة، خصوصا وأن هذه المديرية تعد واحدة من أشهر المناطق في زراعة المانجو بالمحافظة.
وأعتبر الهارب لـ "يمن شباب نت"، أن مثل هذا التغول "أمرا متوقعا، في حال ظل المزارع دون دعم، أو إرشاد لتعويض خسائره، والتي كان آخرها في الموسم الزراعي المنصرم، حيث تسببت الأمطار الغزيرة، والسيول الناجمة عنها، في جرف نصف الأراضي الزراعية في المنطقة، في حين عجز المزارعون والسكان عن إعادتها لسابق عهدها بسبب شحة الامكانيات.
وأضاف الخبير الزراعي، أن المزارعين سيظلون يبحثون عن الفائدة، وبالتالي فإن محصول الفاكهة الذي كان يكاد يسيطر على أغلب مساحة المنطقة سيواصل تراجعه، بسبب الغلاء والظروف الاقتصادية، خصوصا وأن موسم فاكهة المانجو يتم جنية لمرة واحدة في العام، ما سيشجع على توسع زراعة شجرة القات في المنطقة.