تدخل الهدنة التي وافقت عليها الأطراف اليمنية برعاية الأمم المتحدة يومها السادس، والتي من المقرر أن تستمر لمدة شهرين قابلة للتجديد؛ لكن لا جديد يذكر حتى الآن في فك الحصار عن مدينة تعز، وفقا لما نصّت عليه بنود الاتفاق.
تشمل الهدنة وقف كافة العمليات العسكرية، البرية والجوية والبحرية، ودخول سفن المشتقات النفطية من ميناء الحديدة، وفتح مطار صنعاء للرحلات الجوية، رحلتين أسبوعيًا، بين صنعاء والأردن والقاهرة.
ونصّ الاتفاق الأممي على "دعوة المبعوث الأممي عقب دخول الهدنة حيز التنفيذ، دعوة الأطراف إلى اجتماع للاتفاق على فتح طرق في تعز، وغيرها من المحافظات، لتيسير حركة المدنيين من رجال ونساء وأطفال وتنقلاتهم بالاستفادة من الجو الذي تهيَئه الهدنة".
وعلى الرغم من دخول الهدنة حيز التنفيذ مساء السبت الماضي؛ إلا أن ما يخص فتح الطرق والمعابر المغلقة في تعز من قبل مليشيا الحوثي لا يزال الحال كما هو لم يتغير، الأمر الذي يثير المخاوف من فشل الهدنة، إذ لا معنى لهدنة لا تفك الحصار عن مدينة تعز التي ترضخ لحصار جائر من قبل مليشيا الحوثي منذ سبع سنوات.
فشل اتفاق ستكهولوم
ورغم التفاؤل المشوب بالحذر من الهدنة التي لم تخلو من الخروقات الحوثية؛ إلا أن المخاوف من فشلها لا تزال قائمة، أسوة بما حصل في اتفاق ستكهولوم الذي وقع بين الحكومة والحوثيين، وفشل في فك الحصار عن المدينة.
ففي نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2018، كانت مشاورات برعاية الأمم المتحدة في العاصمة السويدية ستوكهولم قد أفضت إلى اتفاق بين الحكومة اليمنية ومليشيا الحوثي عُرف بـ"اتفاق ستوكهولم"، أو "اتفاق الحديدة".
وبجانب الحديدة، تضمن الاتفاق إلزام الحكومة والحوثيين بـ"التفاهم لفك الحصار عن مدينة تعز"، عبر تشكيل لجنتين (حكومية وحوثية)، لمناقشة آلية لمعالجة الأوضاع وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل الحصار، غير أن ذلك لم يحدث، ولم يعقد أي اجتماع بهذا الشأن؛ نتيجة رفض الحوثيين المستمر لفك الحصار عن المدينة.
وتسيطر مليشيات الحوثي على طرقات ومداخل المدينة من الجهات كافة، باستثناء الجهة الجنوبية الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية، وفيها يوجد الطريق الوحيد الذي يشكّل متنفسًا لسكان المدينة، رغم مخاطره. حيث يقع في مرتفع جبلي يبلغ 3000 متر عن مستوى سطح البحر، وتوجد فيه منعطفات شديدة الخطورة، بحسب ما يقوله السكان.
الطريق الحقيقية للسلام
وتزامنًا مع دخول الهدنة حيز التنفيذ، أطلق عدد من النشطاء اليمنيين حملة إعلامية للمطالبة بفك الحصار عن مدينة تعز، تحت هاشتاج #فكوا_الحصار_عن_تعز؛ للتنديد بتغييب قضية حصار تعز في الهدنة التي أعلنها المبعوث الأممي.
كما تشهد مدينة تعز، مسيرات ووقفات احتجاجية منددة بموقف المبعوث الأممي حيال ملف الحصار معاناة أبناء تعز؛ حيث وصف المحتجون تجاهل تعز، الانحياز والتواطو مع مليشيات الحوثي.
وفي هذا الصدد، اعتبر الدبلوماسي اليمني، وسفير اليمن في المغرب عز الدين الأصبحي، فك الحصار عن تعز، بأنه الطرق الممهد للسلام الشامل في اليمن، مؤكدا "أن هذا الأمر لا يحتاج لجان ولا وساطات".
وقال الأصبحي في تغريدة له على "تويتر"، "فك الحصار عن تعز لا يحتاج لجان، ولا أي وقت أو جهد، وليس فيه كلفة؛ لكنه سيكون الطريق الحقيقية الممهدة للسلام الشامل في اليمن، غير ذلك يبقى كل طرح مناورات لا قيمة لها".
وأشار السفير الأصبحي إلى أن "الجميع أمام اختبار حقيقي للنوايا، وقبل ذلك أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية"، مؤكدًا في الوقت ذاته أن "تعز وفك الحصار عنها هو المؤشر الوحيد لأي تقدم أو جدية، ذلك بإختصار في القضية اليمنية".
تجاهل أممي
وفي الوقت الذي بدأت بنود الهدنة تدخل حيز التنفيذ، ومنها عودة مطار صنعاء للعمل وفق الاتفاق الأممي، وكذا عودة ميناء الحديدة للعمل من خلال دخول سفن المشتقات النفطية؛ إلا أن حصار تعز لم يتم فيه إحراز أي تقدم يذكر حتى اللحظة.
وفي هذا الصدد، قال الناشط محمد التويجي، "عاد ميناء الحديدة، ومطار صنعاء للعمل فور إعلان الهدنة، فيما حصار تعز مستمر"، مشيرًا إلى أن "المعابر مغلقة، والطرق التي يمكن أن تقطعها في 7 دقائق من الإسفلت، تستغرق 7 ساعات عبر جبال وعرة"
وحمّل التويجي الحوثي والأمم المتحدة مسؤولية الحصار، والشرعية والتحالف مسؤولية الصمت، مؤكدًا في تغريدة له على صفحته في "تويتر"، أن "الحوثي والأمم المتحدة يتلذذان بتعذيب أكثر من 3 مليون مدني في تعز، وتلوذ الشرعية والتحالف بالصمت والخذلان".
الطريق عبر الجبال الوعرة
على مدى سبع سنوات، ينشر أبناء مدينة تعز، على مختلف وسائل الإعلام ومنصات التواصل الإجتماعي، صورا مأساوية ومقاطع فيديو لمعاناة أبناء المحافظة الذين يتسلقون الجبال الوعرة للوصول إلى داخل المدينة من منطقة الحوبان، وسط صمت مخز من قبل الشرعية، وكذا الأمم المتحدة، إزاء هذا الحصار الغاشم.
وسط طابور مزدحم من السيارات المحمّلة بالعوائل، وفي طريق جبلية وعرة يقطعها أبناء تعز، بعد إغلاق الطرق والمنافذ الواصلة بالمدينة، من قبل مليشيا الحوثي منذ سبع سنوات، كتب الناشط فؤاد الدعيس متسائلا: "كم من الألم يريدون أن يتجرعه أبناء هذه المنطقة حتى تتحرك مشاعر المعنيين لفك الحصار الجائر؟".
وأكد فؤاد الدعيس في تغريدة له على "تويتر"، أن "الحصار شيئ يثقل كاهل أبناء تعز".
وناشد الإعلامي أحمد الباشا، معين عبدالملك رئيس الوزراء، ومستشار رئيس الجمهورية رشاد العليمي، ورئيس البرلمان سلطان البركاني، بالتحرك وتسجيل موقف واضح من هذا التجاهل والضغط لإنهاء معاناة أبناء مدينتهم تعز.
وقال الباشا: "أنتم أبناء المحافظة، وفي أعلى هرم السلطة، وتدركون حجم التجاهل والاهمال المتعمد لقضية #حصار_تعز الأرض والانسان، ولكم دور مؤثر على الصعيد الدولي والاقليمي والمحلي".
وأضاف: "من الواجب عليكم تسجيل موقف واضح من هذا التجاهل والضغط لإنهاء معاناة ابناء مدينتكم ليسجل في صفحات التاريخ كموقف مشرف ساهم في إنهاء معاناة مئات الآلاف من أهلكم في تعز".
تشديد الحصار
وفي أواخر شهر آذار/ مارس أغلقت مليشيات الحوثي، خط الأقروض الرابط بين مدينة تعز ومناطق سيطرة المليشيا شرق وشمال المدينة؛ وذلك لتشديد الحصار على المدينة، بعد فتح منافذ تم استحداثها مؤخرا للتخفيف من الحصار على المدينة.
وقالت عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الانسان إشراق المقطري، في تويتر، إن المليشيا الحوثية، أغلقت، كافة المداخل الاحتياطية (الفرعية) التي استحدثها الناس تخفيفاً للحصار.
وأوضحت أن الحوثيين أغلقوا المداخل الفرعية التي تربط بين تعز المدينة والحوبان عبر سامع والأقروض.
وأضافت أن هذا الإجراء الحوثي يأتي "ضمن مسلسل جديد من مسلسلات الحصار المضاعفة على تعز من قبل جماعة الحوثي المتمركزة بجبال ومداخل الحوبان من المديريات المرتبطة بها". ضمن مسلسل الحصار الخانق الذي تفرضه المليشيات الانقلابية على المدينة منذ سبع سنوات.
وكان نائب رئيس شعبة التوجيه المعنوي بمحور تعز العسكري العميد عبد الباسط البحر قد أكد في تصريحات سابقة" أن مليشيا الحوثي تغلق منافذ مدينة تعز من جميع الاتجاهات بشكل يمنع حركة المواطنين والبضائع والمساعدات الإنسانية.
وساطات محلية
ووسط التجاهل الأممي لتخفيف المعاناة عن أبناء مدينة تعز، وعدم التجرك الجدّي من قبل الأمم المتحدة منذ دخول الهدنة حيز التنفيذ، الأمر الذي دعا وساطات محلية للتدخل في هذا الملف، الذي عجزت الأمم المتحدة عن إحراز أي تقدم فيه.
وفي هذا الصدد، قال الصحفي فارس الحميري مراسل وكالة شينخوا الصينية، يوم الأربعاء، إن "لجان وساطة محلية تجري نقاشات مكثفة بشأن فتح المعابر المغلقة على مدينة تعز".
وأكد الحميري أن "هناك تقدم في النقاشات بشأن فتح المنفذ الغربي (طريق السمن والصابون) كخطوة أولى"، مشيرا إلى أن "التحركات على الأرض من قبل لجان الوساطة المحلية تجري بعيدًا عن إتفاق الهدنة الذي ترعاه الأمم المتحدة".
وإزاء تلك التحركات المحلية، يبقى السؤال: هل ستنجح الوساطات المحلية في فك الحصار عن المدينة، وتحقيق ما عجزت الأمم المتحدة عبر مبعوثيها الثلاثة "غروندبيرغ، وجريفيت، واسماعيل ولد الشيخ" في تحقيقه؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة.
أخبار ذات صلة
الخميس, 07 أبريل, 2022
"انحياز وتواطؤ مع المليشيا".. مسيرة شعبية تندد بتجاهل المبعوث الأممي لحصار تعز
الاربعاء, 06 أبريل, 2022
غروندبرغ: نعمل على عقد اجتماع للاتفاق على فتح طرقات تعز وغيرها من المحافظات
الاربعاء, 06 أبريل, 2022
ماهي انعكاسات فك الحصار عن تعز اقتصاديا وإنسانيا؟ (تقرير خاص)