ربما لا يطيق أحد العمل دون مساحة من الحرية لكن ذلك يحدث ويكون العمل مجاناً دون أي مستحقات، هذا ما يعانية العشرات من الأكاديميين في الجامعات الحكومية بمناطق سيطرة الحوثيين، ورغم ذلك لا يسلمون من التنكيل والانتهاكات رغم بقائهم في البلاد وتحملهم كل تلك المعاناة القاسية.
وبما أن الأكاديمين هم الشريحة الأعلى تأثيراً في تغيير وصناعة الرأي في المجتمع، أدركت ميلشيات الحوثي خطورة ذلك على سيطرتها منذ سبتمبر 2014، حيث بدأوا بمحاربة الأكاديميين والتضييق عليهم، بالتزامن مع تعيين مسؤولين موالين لهم على رأس جامعة صنعاء، وبقية الجامعات بمناطق سيطرتهم، والتضييق على معيشة بقية من لا يتبعهم.
ومع استمرار الحرب ضاعفت ميليشيا الحوثي وتيرة استهدافها وتضييقها على الأكاديميين في العاصمة صنعاء، وكأن قطع رواتبهم، وإجبارهم على العمل وتهديدهم بالفصل، وحرمانهم من الحياة الكريمة وحدها لا تكفي فهم يتعرضون ايضاً للقتل، والاختطاف، والتعذيب، والطرد من مساكنهم، في ظل ظروف قاسية يعيشونها على غرار مئات الموظفين الحكوميين.
اغتيالات
مساء الأربعاء 4 أغسطس الفائت، اغتال مسلحون مجهولون الأكاديمي، بجامعة صنعاء "محمد نعيم" أثناء خروجه من منزل صديقه، في شارع تونس، وسط العاصمة اليمنية صنعاء، وثمة معطيات ودلالات على أرض الواقع من شأنها أن تساهم في تحديد ومعرفة من يقف وأرى اغتيال أستاذ العمارة في كلية الهندسة بجامعة صنعاء.
في محاولة اعتبرها البعض بأنها بائسة للتستر على الجريمة أعلنت سلطات ميليشيا الحوثي عن إلقاء القبض على مرتكب جريمة اغتيال الأكاديمي نعيم في اليوم الثاني من وقوع الجريمة لكن البعض اعتبارها محاولة حوثية لتلميع صورتها أمام الرأي اليمني الغاضب في وجه الممارسات الإجرامية التي ترتكبها الميليشيات في استهداف الأكاديميين، وقادة الوعي في المجتمع.
ووفقا للرواية الحوثية فأن ما يسمى بوزارة الداخلية في سلطات الحوثيين الغير معترف بها ضبطت الجاني الذي يدعى "فؤاد حسين صليح" في منزله بمنطقة "الصياح" في مديرية شعوب بعد ساعتين ونصف من ارتكاب الجريمة.
وبثت سلطات ميليشيا الحوثي مقطع فيديو قالت إنه لاعترافات القاتل، والذي أقر بأنه ارتكب الجريمة بسبب خلافات شخصية وقال إنه أقدم على قتل الضحية بجوار معهد الميثاق، على خلفية احتكاكات قديمة بينهما في فيسبوك، وأشياء أخرى.
كما قال الجاني أيضا بأنه بعد تنفيذ الجريمة عاد إلى منزله، وكان نائماً حين قدمت الشرطة لضبطه، مضيفاً بأنه لم يكن متوقعاً أن يصل الأمن إلى منزله بعد ساعات من اغتيال الأكاديمي بجامعة صنعاء محمد نعيم".
شقيق الأكاديمي وليد نعيم - الذي اختطف في سجون الحوثيين خلال السنوات الماضية - قال في تدوينة له على موقع فيسبوك: "بأن رواية الحوثيين مسرحية سخيفة، لا يقبلها العقل، لا نامت أعين الجبناء".
وأعتبر ناشطون يمنيون رواية ميليشيا الحوثي بأنها مسرحية هزيلة تسعى من خلالها الميليشيات إلى تبرئة ساحتها من دم الأكاديمي محمد نعيم أمام الرأي العام في اليمن خصوصا وأن حادثة الاغتيال جاءت بعد ساعات من مطالبته بصرف رواتب الموظفين الحكوميين.
اختطافات
في التاسع من سبتمبر من العام 2020 اختطفت ميليشيا الحوثي الإرهابية الدكتور عدنان الشرجبي أستاذ علم النفس بكلية الآداب بجامعة صنعاء أثناء خروجه من منزله إلى الجامعة، وأفرجت عنه بعد شهر من اختطافه عقب ضغوطات ووساطات قادها أكاديميون وحقوقيون.
عاد الأكاديمي الشرجبي إلى منزله لكن عودته لم تكن بنفس الطريقة التي خرج بها من منزله قبل اختطافه، ويروي مصدر مقرب من عائلة الشرجبي تفاصيل أيامه الأخيرة يقول لـ "يمن شباب نت" خرج من السجن وقد تدهورت حالته الصحية بشكل غير مسبوق فقد كان قبل اختطافه يعاني من مرض القلب، والرئة، وكان بحاجة ماسة إلى رعاية صحية بشكل متواصل".
وأضاف: "بأن حالته المرضية تضاعفت أثناء فترة اختطافه وذلك بسبب التعذيب والمعاملة القاسية في سجون ميليشيا الحوثي بالإضافة إلى منع الرعاية الصحية، وحرمانه من تناول الدواء".
وتوفي الأكاديمي "الشرجبي" في الأول من نوفمبر أي بعد مرور نحو 26 يوم من الإفراج عنه من سجون ميليشيا الحوثي، في واحدة من جرائم الإعدام التي تنفذها ميليشيا الحوثي بحق المدنيين الأبرياء في مناطق سيطرتهم، وفق حقوقيون.
وقال رئيس منظمة سام للحقوق والحريات المحامي توفيق الحميدي: "بأن التعذيب بالمرض أحد اساليب ميليشيا الحوثي ضد خصومها المعتقلين في السابق توفي العديد من المعتقلين بعد خروجهم من سجون مليشيا الحوثي"، لافتا "ان وفاة الشرجبي يفتح الباب أمام مطالبات مشروعة للكشف عن ملابسات ذلك".
وبخصوص ما يتعرض له الأكاديميون من انتهاكات مستمرة من قبل ميليشيا الحوثي وصلت حد التصفية الجسدية يؤكد الحميدي لـ "يمن شباب نت:" أنهم في منظمة سام يراقبون الوضع عن كثب" لافتا إلى وجود مستويات متعددة من الانتهاكات".
مستويات الإنتهاكات
وقال الحميدي: "إن مستويات الانتهاكات التي يتعرض لها الأكاديميون في اليمن منها ما يتعلق بالاختطاف التعسفي والإخفاء القسري وهناك نماج كثيرة الدكتور الشرجبي وحميد عقلان، والدكتور يوسف البواب، الذي يحاكم حاليا أمام محكمة جزائية متخصصة".
وأضاف: "أن من ضمنها ما يتعلق بإيقاف رواتب الأكاديميين في حين أن ميليشيا الحوثي، والحكومة المعترف بها مشاركون في ذلك الانتهاك".
ويقول الحميدي أن من بين تلك المستويات أيضا ما يتعلق بما يتعرض لها الأكاديميين من مضايقات في سكنهم وتعرضهم للطرد من قبل سلطات ميليشيا الحوثي مضيفا "بأن هناك العديد من القرارات الحوثية بإفراغ سكن الجامعة من بعض الأكاديميين وعلى رأسهم رئيس قسم التأريخ في جامعة صنعاء".
وتابع: "بأن من بين مستويات الانتهاكات حرمان الأكاديميين من حق اختيار ممثليهم في مجالس الكليات ورئاسة الجامعة والنقابات".
ويؤكد الحميدي: "على أن الانتهاكات التي تمارسها ميليشيا الحوثي بحق الأكاديميين تخالف أبسط مبادئ القانون الدولي سوى المتعلقة بالاعتقال التعسفي والإخفاء القسري أو ما يتعلق بالحقوق السياسية والمدنية".
مصادرة السكن
تعرض مئات الأكاديميين بجامعة صنعاء الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي للطرد من مساكنهم وانقلبت حياتهم رأساً على عقب، وساءت أحوالهم المعيشية، والصحية، والنفسية بعد كانوا يعيشون حياة كريمة ومستقرة قبل اندلاع الحرب في اليمن.
وفي بداية أغسطس الجاري وجهت لجنة الإسكان بجامعة صنعاء التابعة للحوثيين إنذار لعائلة البروفيسور الراحل يوسف محمد عبد الله الشيباني بإخلاء الشقة التي يسكنون بها في السكن الجامعي في الجامعة.
ووفقا لمصادر أكاديمية لـ "يمن شباب نت":" فإن إجمالي حالة الطرد بحق أكاديميين مع عائلاتهم من مساكنهم في السكن الجامعي بجامعة صنعاء وصلت إلى أكثر من 100حالة منذ بداية العام الحالي".
الخوف من تأثير الأكاديميين
يعتقد رئيس منظمة سام للحقوق والحريات المحامي توفيق الحميدي: "بأن ميليشيا الحوثي الحوثي تسعى إلى تطويع فئة الأكاديميين بحكم تأثيرها، وأهميتها في صناعة الرأي في المجتمع".
ولتحقيق ذلك يقول الحميدي لـ " يمن شباب نت" حرصت ميليشيا الحوثي على تعين وفرض مسؤولين ينتمون لها ويؤمنون بفكر الجماعة سوى على رأس جامعة صنعاء، والكثير من الجامعات اليمنية بما فيها جامعة العلوم والتكنولوجيا".
ينهي الحميدي حديثه موضحا على أن محاولة تطويع الأكاديميين بجامعة صنعاء واستهدافهم لأن القلم لا يتفق مع السلاح، وجامعة صنعاء كانت في طليعة المؤسسات التي قادة ثورة التغير 11فبراير".
ويعمل الأكاديميون في مناطق سيطرة الحوثيين بظروف سيئة، تحت سطوة التهديد بالفصل من الوظيفة، وإجبارهم على العمل ومنعهم من التعبير عن رفضهم لأي وضع تفرضه ميلشيات الحوثي في الجامعات.
أخبار ذات صلة
الأحد, 15 أغسطس, 2021
أكاديمي يمني: الحوثيون يديرون جامعة صنعاء عبر مشرفيهم لتدميرها
الخميس, 22 أبريل, 2021
بسبب الإيجارات.. مُؤجّر يحبس عائلة أكاديمي بجامعة صنعاء داخل شقته
الخميس, 18 مارس, 2021
نهبها الحوثيون.. أكاديميون بجامعة صنعاء يشكون حرمانهم من المستحقات