ما كان باستطاعة "عبد الله ناصر"، وهو موظف حكومي مسكين يقطن مدينة تعز (جنوبي غرب اليمن)، أن يدخل بهجة العيد على أسرته، المكونة من ستة أشخاص، لولا فاعلي الخير، من جمعيات ومنظمات خيرية، الذين منحوه أضحية هذا العيد بالمجان..
"هذا هو العيد الرابع على التوالي، الذي لم أستطع فيه شراء أضحية العيد بسبب ارتفاع أسعارها بشكل جنوني"، يقول عبد الله لـ"يمن شباب نت"، مستدركا "لكن الحمد لله.. لقد أدخلوا البهجة إلى قلوبنا"، متحدثا عن فاعلي الخير الذين وهبوه وأسرته لحم ماعز مذبوح، كما يفعلون دائما في أعياد الأضحى مع آلاف الأسر الفقيرة العاجزة عن شراء أضحية العيد.
عيد مضاعف التكلفة
جاء هذا العيد بالتزامن مع أكبر انهيار تشهده البلاد في قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية (تجاوز سعر الدولار الواحد حاجز الآلف ريال يمني)، الأمر الذي ارتفعت معه أسعار كل شيء، وأصبحت معظم الأسر في البلاد عاجزة عن توفير احتياجاتها الأساسية، ناهيك عن "الأضاحي" التي شهدت أسعارها هذا العيد ارتفاعا جنونيا لم يسبق له مثيل.
يقول عبد الله ناصر لـ"يمن شباب نت"، إن ثمن الأضحية، من الماعز، وصل هذا العام إلى ثلاثة أضعاف راتبه الشهري (70 ألف ريال فقط)؛ وهو مبلغ لا يفي حتى بتغطية بعض التزاماته الأسرية الكثيرة؛ بينها إيجار المسكن، وتوفير أبسط احتياجات الأسرة الأساسية اليومية والشهرية، فضلا عن توفير أبسط احتياجات العيد.
لم يعد العجز عن شراء الأضحية هذا العام، مقتصرا على شريحة الفقراء الأكثر عوزا، بل أصبح معضلة مشتركة بين معظم فئات المجتمع اليمني، بمن فيهم الموظفين؛ إذ أن ثمن الأضحية من الماعز ارتفع من 70 ألف ريال في العام الفائت (حيث كان سعر الدولار الواحد يساوي 700 ريال يمني تقريبا)، إلى ما فوق الـ 120 ألف ريال يمني هذا العام (120 دولار)، فيما وصل سعر الثور إلى مليون ونصف ريال يمني (أي حوالي 1,500 دولار).
حصل عبد الله ناصر على اثنين كيلو جرام من اللحم من إحدى الجمعيات الخيرية (وصل سعر الكيلو الواحد إلى 10,000 ريال/ = 10 دولار)، بما يكفيه وأسرته لمدة يوميين أو ثلاثة أيام. ومثل تلك اللفتة الإنسانية أدخلت على أسرته "الفرحة، وطعم العيد"، حد تعبيره.
أثر إيجابي في وضع مأساوي
يعيش اليمن ظروفا استثنائية جراء الحرب الداخلية المستمرة منذ أكثر من ست سنوات ونصف. ومع كل عام جديد يزداد الوضع الاقتصادي والمعيشي انهيارا، ليزداد عدد الأسر الفقيرة، وترتفع نسبة السكان الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية..
وبحسب أحدث تقرير لبرنامج الغذاء العالمي، التابع للأمم المتحدة، فقد ارتفعت نسبة اليمنيين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 80 في المئة من عدد السكان، خلال الربع الأول من العام الجاري، بينما فقدت 40 في المئة من الأسر مصادر دخلها الرئيسية، وأرتفع إجمالي المحتاجين للأمن الغذائي إلى 21.26 مليون شخص، بينهم 16.15 مليون شخص بأمس الحاجة لمساعدات غذائية.
وبازدياد تلك الأعداد والنسب، هذا العام، باتت معظم الأسر الفقيرة والنازحة، بكل تأكيد، غير قادرة على شراء لحوم أضاحي العيد، الأمر الذي يلقي المزيد من الأعباء على المؤسسات والجمعيات الخيرية، حتى تضطلع بدورها في إدخال البهجة على الناس خلال عيد الأضحى.
وفي تعز، نشطت عدد من الجمعيات الخيرية هذا العيد، في توزيع الأضاحي على من معظم الأسر التي لم يتسن لها شراءها، في مشهد تكافلي يجسد روح التآخي والتضامن الاجتماعي.
ويقول مدير فرع مؤسسة "ينابيع الخير" بمدينة تعز عبد الرؤوف اليوسفي، لـ"يمن شباب نت"، إنه "في ظل الوضع المعيشي المتردي، كان لتوزيع الأضاحي أثر إيجابي، وهو ما لمسناه وعبّرت عنه الأسر المُستهدفة".
وشاركت مؤسسة "ينابيع الخير"، ضمن عدد من المنظمات الخيرية بتعز، في توزيع لحوم الأضاحي للمعوزين. حيث أكد اليوسفي أنهم شاركوا في توزيع اللحوم على أكثر من 20 ألف شخصا، من فئة الأيتام والفقراء.
فئات نوعية
وبحسب ما رصده "يمن شباب نت"، فقد تميّزت مشاريع الأضاحي هذا العام في مدينة تعز بتركيزها على فئات نوعية؛ كمرضى السرطان، وذوي الاحتياجات الخاصة، والنازحين..، إلى جانب العائلات المعوزة والأسر المتضررة من تردي الوضع المعيشي جراء الحرب الدائرة.
مؤسسة "معكم التنموية"، شاركت هي الأخرى في توزيع الأضاحي في مختلف مديريات محافظة تعز، ضمن مشروع استهدفت من خلاله 10 آلاف و530 أسرة، وفقا لما أكده مديرها التنفيذي ياسر الفتيني لـ"يمن شباب نت"..
وأوضح الفتيني أن مشروعهم استهدف الأسر المتعففة، والنازحة من مناطق الصراع إلى مديريات المدينة، وأسر مرضى السرطان، والمتطوعين العاملين في القطاع التعليمي والصحي، بالإضافة إلى الأسر الأشد ضعفًا (المهمشين)، والأسر التي فقدت عائلها، وأسر ذوي الاحتياجات الخاصة وبالأخص (المعاقين، المكفوفين، الصم والبكم).
وأضاف أن تلك الأسر "لم تقدر على شراء الأضاحي بسبب ارتفاع أسعارها الجنوني، وبالتالي ارتفاع سعر الكيلو اللحم ولا تستطيع تلك الأسر دفع ثمنه"، لافتًا إلى أن المشروع حظي بدعم "مجموعة من الخيرين والداعمين" الذين كان لهم الفضل في نجاحه، والإسهام- عبر مؤسسته الخيرية- في "إدخال البسمة والفرحة والسرور على الأسر المستهدفة وأطفالهم (...)، فضلًا عن تعزيز قيمة التكافل الاجتماعي بين كافة فئات وأفراد المجتمع.
تكثيف أنشطة الخير
كثيرة هي الأزمات التي بات المواطن اليمني يواجهها في حياته اليومية، وتؤثر سلبًا على وضعه المعيشي، الأمر الذي يستدعي نشاط المؤسسات الخيرية والعمل على تلبية احتياجاتهم الضرورية، لا سيما وأن تقديرات الأمم المتحدة الأخيرة تثير القلق فيما يتعلق بالوضع الإنساني، في مقابل نقص الدعم والمساعدات الدولية التي تلقتها من الدول المانحة هذا العام..
ويرى الناشط في المجال الإنساني، ياسر الشرعبي، إن الوضع الحالي الذي وصلت إليه الأسر اليمنية "يؤكد أنها باتت في أمس الحاجة لعمل المؤسسات والجمعيات الخيرية للتخفيف من معاناتها، خصوصًا في العيدين (الفطر، والأضحى) كونهما مناسبتين مختلفتين عن بقية مناسبات السنة ولها مكانة خاصة في نفوس المسلمين".
ومع ذلك، يعتقد الشرعبي، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، أنه لا ينبغي أن تقتصر أنشطة المؤسسات الخيرية على مناسبة معينة، بل "ينبغي عليها أن تُكثف من أنشطتها لتستمر طوال العام، فهي بلا شك تسهم كثيرا في إدخال البهجة على نفوس كافة الأسر المتضررة من الحرب".
أخبار ذات صلة
الخميس, 22 يوليو, 2021
بتمويل تركي.. توزيع أضاحي العيد على أكثر من 29 ألف أسرة يمنية
الخميس, 22 يوليو, 2021
"قلعة القاهرة".. أيقونة فرح عيدي في تعز رغم أوجاع الحرب
السبت, 18 أغسطس, 2018
ارتفاع أسعار الأضاحي يفسد فرحة سكان "تعز" بالعيد (تقرير خاص)