يقوم "طارق صالح" بزيارة إلى العاصمة الروسية (موسكو)، مثيرا تساؤلات حول خلفية هذه الزيارة وطبيعتها، كجزء من نشاطه السياسي على عتبات مفاوضات التسوية السياسية الشاملة، بحسب جهود وتصريحات دولية تؤكد اقترابها.
بإطلاق السعودية مبادرة الحوار الشامل، التي رفضها الحوثي لاحقا، وتصاعد تصريحات الأطراف الدولية باتجاه هذه التسوية، سارع العميد طارق صالح للإعلان عن ما أطلق عليه "المكتب السياسي للمقاومة الوطنية"، الذي يُعتقد على نطاق واسع أنه جاء بهدف الحصول على مقعد في هذه التسوية المزمعة، ثم الحصول على حصة من الكعكة المتوقع إنضاجها في تلك المباحثات المنشودة.
يمثل "المكتب السياسي" الواجهة السياسية التي يريد طارق العبور من خلالها إلى صالة الحوار. وكان إعلانه عن هذه اللافتة بمثابة إعلان رسمي للتخلي عن فكرة تحرير صنعاء، الأمر الذي أثار حفيظة بعض من التيار المحسوب على الرئيس صالح، من الذين ما يزالون يقيمون في صنعاء، ويأملون استمرارية العمل العسكري حتى إنهاء سيطرة الحوثي على مقاليد السلطة..
وهو، تقريبا، ما دفع طارق للخروج مجددا وإلقاء كلمة في اجتماع بقيادات تشكيلاته العسكرية ليؤكد فيها على استمرارية خياره العسكري، مجددا الحديث عن تحرير صنعاء وإنهاء انقلاب الحوثي. لكن هذا التضارب يظل بحاجة إلى المزيد من المواقف والتصريحات القادمة ليكشف لنا مصداقية هذا التوجه من عدمه..
نشاط "سياسي" خارجي
جاء أعلان المكتب السياسي أوآخر مارس/ آذار الماضي. وسرعان ما شرع طارق في ممارسة مهامه، كرئيس لهذا الكيان (السياسي) الجديد، الذي سيستخدمه في تسويق نفسه خارجيا. ففي الرابع عشر من شهر أبريل/ نيسان الماضي، عقد طارق لقاء (أفتراضيا) مع السفير الهولندي لدى اليمن "بيتر ديريك هوف" عبر دائرة إلكترونية مغلقة، كأول لقاء سياسي يجمعه بطرف دولي، من بعد الإعلان عن إنشاء المكتب السياسي، الذي لم يُعلن أسماء أعضاؤه حتى الأن!
وجاءت التغطية الإعلامية، الخاصة به، لهذا اللقاء، لتكشف مساعيه من وراء إنشاء هذا الكيان الجديد. حيث جاء في الخبر الذي نشره موقعه الرسمي (موقع 2 ديسمبر): "وجدد العميد طارق التأكيد على أن الحل السلمي للأزمة في اليمن يحتاج لإثبات حسن النوايا عبر وقف شامل لإطلاق النار برقابة دولية وتبادل جميع الأسرى والمختطفين، ثم الاتجاه في مسارين متزامنين للحل هما المسار السياسي والأمني، واختيار مجلس رئاسة وحكومة تكنوقراط تدير الدولة في فترة انتقالية من عامين، ثم الاتجاه لانتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية".
بهذا أكد طارق أنه يسعى للدخول في التسوية السياسية، مستبعدا فكرة العمل العسكري ولو للتقدم شبرا واحدا، فضلا عن فكرة تحرير صنعاء والوطن.
وعقب التصريح بهذه الرؤية المغرية، توالت لقاءاته (السياسية/ الدبلوماسية)، عبر دائرة مغلقة على شبكة الانترنت، مع عدد من سفراء الأطراف الدولية، وذلك على النحو التالي: لقاء مع السفير الروسي في التاسع عشر من أبريل، ثم لقاء بعده بيومين (21 أبريل) مع السفير الفرنسي، ثم لقاء مباشر لوفد من مكتبه السياسي مع المبعوث الأممي ونائبه في القاهرة في 27 من الشهر ذاته، ثم لقاء مع السفير البريطاني في (10 مايو)، تلاه لقاء آخر في اليوم التالي (11 مايو) مع رئيس البعثة الأوروبية والمبعوث السويدي.
وكان ملفتا في لقائه بالسفير الروسي، أن موقعه الألكتروني الرسمي قال في تغطية الخبر إن السفير الروسي جدد التذكير "بجهود جمهورية روسيا الاتحادية لمنع اندلاع الحرب من بدايتها، وبينها معارضتها للعقوبات الدولية داخل مجلس الأمن، ومشيرا إلى أن موسكو مع رفع العقوبات".
ربما من هذه الفقرة، نستطيع تفسير طبيعة زيارة طارق صالح إلى روسيا في الوقت الحالي، أنها قد تكون ذات علاقة بالسعي للحصول على دعم روسي لقرار يرفع العقوبات عن إبن عمه "أحمد علي صالح"، المتواجد في دولة الإمارات، والذي يُعتقد أيضا أنه يطمح من جانبه للدخول في التسوية قائدا للمؤتمر الشعبي العام فرع صنعاء.
قد لا يكون هذا التفسير عمليا، خصوصا لدى أولئك الذين يرجحون وجود خلافات بين طارق وأحمد. ومع أن هذا الترجيح لا يستند إلى حقائق عملية، إلا أنه حتى إن صح فعلا، فسيكون من السهل تجاوزه لمصلحة رغبة الداعم المشترك للطرفين: دولة الإمارات. ولعل إبراز إعلام "طارق صالح" لهذه الجزئية، ضمن خبر اللقاء الإفتراضي مع السفير الروسي، يسند أكثر هذا التوجه.
ومن المهم، هنا، التذكير أن علاقة الروس بطارق صالح تستمد مرجعيتها من علاقتهم بعمه الرئيس السابق "علي عبد الله صالح"، وهي العلاقة التي تجددت وزادت قوتها أكثر إبان التحالف الثنائي بين صالح والحوثيين، والذي أثمر إنقلابا على السلطة الشرعية في 2015. وقد ظل السفير الروسي يمارس مهامه في صنعاء بعد الانقلاب، دعما لصالح..
وبعد أن أقدم الحوثيون على تصفية "صالح"، في الثالث من شهر ديسمبر 2017، أضطر السفير الروسي إلى مغادرة صنعاء، وإنهاء مهام بلاده الدبلوماسية هناك، أحتجاجا على تصفية حليفهم "صالح"، رغما عن تحذيرات الروس لهم.
تخليق فاعلين جدد
تعددت الأطراف التي تسعى لأن تكون طرفا جديدا، مضافا، لخوض مباحثات التسوية الشاملة، المزمعة، بجانب الشرعية والحوثي. وأصبح من المؤكد أن طارق صالح، بمكتبه السياسي الجديد، يمثل أحد هذه الأطراف..
وبدلا من أن تتفق هذه الأطراف على شيء يخص الحوثي، وأن تظل الجهود الدولية تذهب وتجيء لإقناعها بالحل، راحت هي تبذل التنازلات بالتخلي التام عن فكرة التحرير والعمل العسكري! وقامت فوق ذلك بالتودد إلى الأطراف الدولية لقبولها في صالات الحوار، وقد تخلت عن لافتة العمل العسكري، ولم تحتفظ منها ولو بالقدر الذي يمكنها من استخدامه كورقة ضغط سياسية، أو حتى مسارا ثانيا يفترض أن يظل مفتوحا على أي حال..!!
في هذه الأثناء، بدأ مكون آخر في تهامه بالبروز مؤخرا، كقوة صاعدة في الساحل الغربي، تحت لافتة "الحراك التهامي". وهو أسم يُعتقد أنه جاء على غرار "الحراك الجنوبي"، ربما ليجد له مكانا في طاولة مفاوضات التسوية الشاملة، القادمة..
يرأس هذا المكون، القيادي التهامي "عبدالرحمن حجري"؛ الإسم الذي برز، بداية، إبان ثورة 2011، من خلال تشكيل مجاميع مسلحة من إبناء تهامة، آنذاك، تحت دعم وإشراف "عبد بورجي"، السكرتير الصحفي السابق للرئيس السابق "صالح".
وحاليا، يعتقد أن الإمارات تعده كحليف آخر، إضافي، في الساحل الغربي، ليتسنى له فرض نفسه في غمار التسوية القادمة. وفي 27 أبريل/ نيسان الماضي، أجرت معه صحيفة العرب، التي تصدر في لندن بتمويل من دولة الإمارات، بإعتباره "قائد الألوية التهامية في اليمن" ومؤسس الحراك التهامي، ليعلن في هذا اللقاء اعترافه بما قال إنه "حق الجنوبيين في استعادة دولتهم الجنوبية وفك ارتباطهم بشمال اليمن".
ويبدو- على هذا الأساس- أن هناك توزيعا للأدوار، بين وكلاء الإمارات؛ بحيث أن يعتمد "طارق" على كسب رضا الأطراف الخارجية بهدف الحصول على مقعد في التسوية من خلال تقديمه خطوطا عريضة لرؤية سياسية متطابقة مع ما تسعى إليه هذه الأطراف، فيما يعتمد "حجري" على إغرائها بتبني خيار تقرير المصير للجنوب، وهو ما يتوافق أيضا مع الأجندة الدولية التي تسعى لإدراج بند في مباحثات الحوار الشامل يتعلق بخيار تقرير المصير للجنوب، وذلك من خلال استفتاء شعبي يجري خلال خمس سنوات إلى عشر، وبحيث يظهر كواحد من مخرجات الحوار اليمني اليمني.
سباق الحضور.. لا الحلول
تقوم هذه الكيانات بتسويق نفسها، لتكون جزء من "المحادثات الدامجة الشاملة"، وهو التوصيف الجديد لشكل التسوية المزمعة، التي أكد المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، أنها "ينبغي أن تقوم على أسس الشراكة الشاملة للجميع"، كما جاء في إحاطته المقدمة لمجلس الأمن في 18 فبراير/ شباط الماضي.
وفيما يبدو أن هذه المكونات تتقدم خطوات نحو الفوز بالمقاعد في صالة الحوار، من خلال هذه العروض المغرية، بل وهناك من يلمح إلى أعمال اغتيالات تدخل ضمن الضريبة التي يجب أن تُدفع ثمنا لهذه المقاعد..
وبين هذا وذاك؛ يتساءل البعض إن كان الهدف هو ملء صالة الحوار بالمشاركين، أم أن الهدف هو وجود مشاركين يعبرون فعلا عن المجتمع، ويسعون إلى إنهاء الحرب وفقا لتطلعات شعوبهم المطحونة، لا تطلعاتهم هم، أو مطامع داعميهم؟