"يُقبلُ رمضان، ويُقبلُ الخير معه".. حقيقة تتجلى في شوارع وأحياء اليمن بإنصع صورها مع حلول هذا الشهر الكريم من كل عام..
يعد شهر رمضان فرصة أقتصادية كبيرة، بالنسبة لكثير من الأسر اليمنية المعوزة، لما يحمله من خير وفير؛ حيث تزدهر- مع قدومه- أعمال ومهن موسمية، دون غيره من بقية أشهر السنة، تفتح للكثيرين بابًا للرزق، أو تزيد من دخلهم الاقتصادي، وتحسن من وضعهم المعيشي.
وهذا العام، رصد "يمن شباب نت"، العديد من تلك الأنشطة التجارية الموسمية، التي تتصدر واجهة الأسواق في مدينة تعز (جنوبي غرب اليمن)، وتشهد على إثرها حركة دؤوبة، خصوصًا مع زيادة إقبال الناس عليها خلال شهر رمضان.
تجارة "المأكولات" الشعبية
تتنوع المهن والأنشطة، التي تزدهر في رمضان وتجلب معها انتعاشة في حركة السوق؛ لكن أغلبها ترتبط بالمأكولات والمشروبات التي تزين مائدة الإفطار.
في شارع "العواضي"، وسط مدينة تعز، يقف "أيمن جمال"، شاب دون سن العشرين، خلف عربة مصنوعة من الحديد والألمنيوم والزجاج، تمتلئ بكميه من "السَّمبُوسة"- الأكلة التي تنتشر وتتوسع مبيعاتها في رمضان، كجزء لا غنى عنه في مائدة الإفطار الرمضانية.
قبيل صلاة العصر، يصل "جمال" إلى موقعه المستحدث لتجارته في شارع التحرير، ليبدأ عمله اليومي في تركيب وطهي "السَّمبُوسة" وبيعها حتى حلول آذان المغرب.
"السمبوسة هي أكلة الإفطار المفضلة للصائمين في رمضان.. لذلك فهي تحظى بإقبال كبير، ويتزاحم عليها الناس، خصوصا قبيل آذان المغرب"، يقول جمال، ردا على سؤال "يمن شباب نت" حول سبب أختياره لهذه التجارة الموسمية؟
و"السَّمبُوسة"، عبارة عن عجينة رقيقة، تُلف على شكل مثلث بعد أن تحشى باللحم (بعد فرمة)، أو العدس أو الخضار أو الجبن، وتغلى في الزيت حتى يصبح لونها ذهبي. وأرتبطت بشكل وثيق بشهر رمضان، في عموم محافظات اليمن، وهي أكلة يعشقها الجميع، وتقبل على تناولها الأسر الثرية والميسورة الحال على حد سواء، وتختفي مع إنتهاء الشهر الكريم.
ويقول "عبدالله علي"، لـ"يمن شباب نت"، إنها أكلته الشهية المفضلة في رمضان: "وأنا وأولادي الخمسة من عشاقها، وبدونها تُعتبر وجبة الإفطار ناقصة".
يوميًا، يبيع جمال قرابة 350 قطعة منها، ويحصل مقابل ذلك على مبلغ 15,000 ريال على الأقل (ما يعادل 20 دولارا بسعر صرف اليوم). لكن هذا المبلغ لا يعود كله لـ"جمال"، الذي يحصل على راتب يومي مقداره 1,500 ريال فقط، لقاء عمله مع تاجر يملك عدد من العربات لبيع السمبوسة. حيث يعمل جمال لديه "لتوفير مصاريف تساعده على شراء ملابس العيد"، كما يقول، حتى يخفف عن والده الفقير هذه المصاريف، في ظل التدهور الإقتصادي الذي تعشيه البلاد.
حلويات رمضانية
يكتظ السوق المركزي، وسط المدينة، بحركة تجارية دائبة؛ حيث ينتشر الباعة لعرض كل ما لذّ وطاب من مأكولات رمضانية. في موقع جانبي مستحدث، ومزدحم، يقف فارس محمد (30 عامًا) خلف عربة متنقلة، تحتوي على حلويات شعبية، تتكاثر مثلها في رمضان.
كان فارس يعمل سابقًا في بيع الخمير (الخبز)، ويحصل يوميا على ألفين ريال (أقل من 3 دولار - الدولار= 850 ريال يمني)، لكن تدهور الوضع المعيشي وزيادة غلاء الأسعار، جعله يستغل فرصة قدوم شهر الخير، لتحسين وضعه المادي..
قرر فارس الأنتقال إلى بيع "الطرمبه والشُعُوبية"، نظرا للإقبال المتزايد على الحلويات الشعبية في هذا الشهر الفضيل: "بيع الطرمبه والشُعُوبية، يجلب مردوا مناسبا، لأن هناك إقبال واسع على شرائها من قبل الناس"، كما يقول لـ"يمن شباب نت"، مضيفا: "شهر رمضان موسما خاصا لبيع الحلويات الشعبية، لأن مائدة بعد الإفطار لا تخلو من أصناف الحلويّات المختلفة".
و"الطرمبة" حلوى شعبية تتكون من خليط الدقيق والسكر، ثم تُغلى بالزيت حتى تكتسب لونها البني المحمر، ثم تُغمس في مادة أسمها "الشيرة" المصنوعة من السكر والماء. أما "الشُعُوبية"، فتتكون من الدقيق والسكر أيضا، لكن مع إضافة البيض، وهي في الأصل وجبة تركية، وصلت إلى اليمن إبان الحقبة العثمانية، وفق ما تشير معلومات متطابقة.
وقف عبدالرحمن الشرعبي أمام عربة فارس، ودفع له مبلغا لقاء شرائه قطع من حلوياته؛ "لا يمكن الاستغناء عن الحلويات الرمضانية، خصوصًا الطرمبه" رد الشرعبي، بعد تردد، متفاجئا بسؤالنا له عن اهتمامه بشراء هذا النوع من الحلويات..
وأثناء حديث "يمن شباب نت" معه، أكد الشرعبي أنه يحرص، منذ بداية الشهر الفضيل، على أن تكون هذه الحلويات حاضرة للتحلية بها عقب وجبة العشاء، كونها تمنح الجسم طاقة وحيوية. وأضاف: "هناك أصناف من الحلويات، يرتبط أكلها بشهر رمضان، ولها حضور ونكهة خاصة في كل موسم رمضاني".
وتشير المعلومات الطبية إلى أن الطرمبه غنية بالدهون والسعرات الحرارية، إذ تحتوي كل حصة منها على 477 وحدة حرارية تقريباً، و30 غراماً من الدهون، وعلى 210 مليغرامات من الكولسترول.
عصير "الليمون"
وعلى مقربة منه، يتواجد خالد، شاب عشريني، خلف طاولة خشبية ممتلئة بأكياس تحتوي على حبات الليمون الأخضر، (اللّيم الحامض)، الذي يحظى عصيره الطازج، مع قليل من السكر، بنكهة رمضانية خاصة، لطالما ارتبطت بإفطار اليمني.
خالد هو الأخر، استغل الشهر الفضيل في بيع الليمون كي يوفر مصاريف له ولإخوته الأربعة، الذين يعولهم، بعد توقف والده عن العمل بالأجر اليومي، بسبب الحرب..
يقول خالد لـ"يمن شباب نت"، إن اختياره هذا النشاط التجاري، بسبب أنه يحظى بإقبال واسع من قبل الصائمين، حيث ارتبط عصير الليمون بطقوس رمضان، ويأمل أن يستمر نشاط السوق والحركة الشرائية بهذا الزخم كي يتمكن من توفير مصاريف العيد له ولأخوانه.
وللنساء فرصة أيضا
في السوق المركزي، أيضا، توجد مساحة خاصة ترتص في جنباتها عشرات النساء، يعرضن أصناف مختلفة من المأكولات، بينها "اللّحوح"، إلى جانب مختلف أنواع الخضروات المحلية، إضافة إلى "الجبن"، والبيض البلدي والخبز والخضروات والمشاقر.. الخ
بينهنّ، تجلس سيدة في العقد الرابع على كرسي مصنوع من الخشب، محاطة بعدد من الناس لشراء اللّحوح. وتقول السيدة لـ"يمن شباب نت"، وقد تحفظت عن ذكر اسمها (حياءً)، إن شهر رمضان أفضل المواسم لبيع اللّحوح، كون أغلب الصائمين يعدونها وجبة أساسية في مائدة الإفطار.
و"اللحوح" هو عبارة عن خبز من الذرة الشامية، يطهى بمواصفات خاصة بحيث تتخلله ثقوب صغيرة، ويصنع منه وجبة "الشفوت" الشعبية، التي يحرص اليمنيين أن تكون ضمن وجبة الإفطار في رمضان.
يستغرق إعداد وتجهيز كمية من اللّحوح نحو ساعات في المنزل. وتصف بائعة اللحوح عملها، في صناعته ثم بيعه، بأنه "مرهق"، سواء من حيث الإعداد، أم المسافة التي تقطعها بين منزلها والسوق، فهي تأتي يوميًا من جبل صبر (أعلى قمة جبلية في تعز). وتقول بنت صبر إنها "لا تجيد سوى صنع اللحوح وبيعه كي تعول أولادها".
إلى جوارها، تجلس فتاة صغيرة، 13 عامًا، تعرض للمتسوقين باقات من "المشاقر"، متعددة الأشكال والألوان، تفوح منها رائحة شذية جذابة..
وتعدد الفتاة، المتحفظة عن ذكر أسمها أيضا، عدد من أسماء المشاقر الشهيرة التي تبيعها، منها: الحُمحُم (الريحان)، الشذبّ، الفيجل، الخوعة..الخ؛ وهي أشكال من النباتات العطرية التي يُقبل على شرائها الناس في شهر رمضان بشكل كبير، حيث تستخدم كثيرًا في الأكلات الشعبية مثل خليط "الشفوت"، و"السحاوق".. وغيرها من المأكولات..
رمضان فرصة تجارية
ورغم انتشار فيروس كورونا، وتزايد أعداد الإصابات، فإن المئات من مرتادي السوق (باعة ومشترين)، غير مكترثين بمخاطر انتشار الفيروس، حتى أن معظمهم لا يأبهون لأهمية إرتداء الكمامات، أو يلتزمون بإجراءات التباعد الاجتماعي. المهم الأن هو استغلال هذه الفرصة التجارية للتخفيف من أعباء الضائقة الاقتصادية التي تمر بها البلاد بسبب الحرب..
ومنذ ستة أعوام يشهد اليمن حربا بين الحكومة اليمنية، المعترف بها دوليًا والمدعومة بالتحالف العربي بقيادة السعودية، من جهة، ومليشيات الحوثي المدعومة من إيران من جهة أخرى.
وتقول الأمم المتحدة، إن أكثر من 80 في المئة من سكان اليمن، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، بحاجة لنوع من أنواع المساعدات الإنسانية، بينهم 30 بالمئة باتوا يعتمدون كليا على الدعم والمساعدات الماسة، في أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وجاءت جائحة كورونا، لتزيد من نسبة فقد الناس لوظائف ومهن بسيطة، كانت تساعدهم على إعالة أسرهم، أو تعوض من فقدوا وظائفهم الحكومية بسبب الحرب.
ويرى المواطن شرف محمد، أن ازدهار بعض المهن الصغيرة بشكل موسمي، خصوصًا في شهر رمضان، تعتبر "فرصة لا يفوتها الكثيرين من الباعة نظرًا لزيادة إقبال المستهلكين عليها".
وأضاف لـ"يمن شباب نت": "هناك الكثير من الأسر تضررت بفعل تدهور الوضع الاقتصادي جراء الحرب، لذا يعمل أربابها، أو مُعيلوها، في المهن الموسمية التي تخفف من معاناتهم".
أخبار ذات صلة
الاربعاء, 28 أبريل, 2021
اليمنييون في الخارج.. طقوس رمضانية بطعم الغُربة والحنين للوطن (تقرير خاص)
الجمعة, 23 أبريل, 2021
النساء البائعات في الأسواق.. معاناة مضاعفة في نهار رمضان من أجل العيش (تقرير خاص)
الثلاثاء, 20 أبريل, 2021
تكافل ومبادرات.. رمضان اليمن يواسي قلوبا أرهقتها الحرب