أعلنت وزارة الدفاع السعودية، في العاشر من هذا الشهر (إبريل/ نيسان 2021)، تنفيذ حكم الإعدام، بحق ثلاثة من جنودها، قالت إنهم أدينوا بالخيانة العُظمى، لتعاونهم مع العدو. وتُمثِّل هذه الواقعة سابقةً عسكرية لم يُكشف عن مثلها طوال فترة تدخل السعودية في الحرب الناشبة في اليمن منذ عام 2015، التي تشارك وتقود فيها ما يُسمَّى "التحالف العربي لدعم الشرعية اليمنية".
وقد تضمن الإعلان عن ذلك، الإشارة إلى أن الجنود الثلاثة ينتمون إلى المنطقة الجنوبية (العسكرية)، لكنه لم يُحدِّد هوية الجهة الخارجية التي عَمِل هؤلاء الجنود لمصلحتها..!، كأنْ يصفها الإعلان بأنها دولة أو جماعة مسلحة إقليمية، أو جماعة إرهابية، بل اكتفى بوصفها بـ"العدُو"؛ لكنَّ الدلائل تُشير إلى أنها جماعة الحوثي (أنصار الله) اليمنية، المدعومة من إيران.
ولا يختلف الأمر: إن كان الحوثيون أم إيران من يقف وراء ذلك؛ لأن مشروع الحوثيين وإيران واحدٌ، فيما يمثِّل السعوديون هدفًا مشتركًا لهما.
[للمزيد.. أقرأ: الدفاع السعودية تعلن إعدام ثلاثة من جنودها بتهمة "الخيانة العظمى"]
تفسير الاختراق وأسبابه
وقبل الدخول في تفاصيل أدق حول الأبعاد الداخلية والخارجية لقضية إعدام هؤلاء الجنود، تجدُر الإشارة إلى أن المنطقة العسكرية الجنوبية، التي ينتمي الجنود الثلاثة إليها، هي واحدةٌ من ثماني مناطق عسكرية، تمثِّل مسرح العمليات العسكري للمملكة العربية السعودية، وتتمركز قيادتها في "خميس مُشَيط"، بمنطقة عَسِير..
وضمن نطاقها الجغرافي والعملياتي، تقع قاعدةُ الملك خالد الجوية، التي تبعد عن منفذ "علب" الحدودي اليمني بنحو 143 كلم، ومثَّلت خلال السنوات الماضية للحرب، ولا تزال، منطلقًا لمُعظم، وليس كل، عمليات التحالف الجوية في الحرب الدائرة في اليمن.
في إطار أضيق للانتماء العسكري لهؤلاء الجنود، فإنهم قد يكونون من منتسبي قاعدة الملك خالد الجوية، التي تقع ضمن مسرح عمليات هذه المنطقة الجنوبية، أو من منتسبي الوحدات العسكرية الواقعة في نفس المنطقة، لا سيما الوحدات التي تعرَّضت لمئات الهجمات بالصواريخ والطائرات غير المأهولة، من قبل الحوثيين..
وذلك ما يفسِّر جانبًا من غموض تعرُّضها المستمر لسلسلة من الهجمات بهذه الأسلحة، وتصاعُد وتيرتها خلال الثلاثة الأشهر الماضية. أما استمرار ذلك، بعد الكشف عن الخلية السابقة، فيؤكد أنه لا يزال هنالك خلايا تجسسية تقدم المزيد من المعلومات حول هذه القواعد والمعسكرات. ولا أدل على ذلك من ما يُبديه الحوثيون من ثقة في تقدير حجم النتائج عقب كل هجمة.
في هذا السياق، فإن السؤال الذي قد يُطرح، باندهاش: كيف تمكَّن الحوثيون من تحقيق هذا الاختراق، وتسخير هؤلاء الجنود وغيرهم من الخلايا النائمة، ليكُونوا عملاء لهم، بالنظر إلى أن وضع الجندي السعودي أيسر حالًا من أقرانه في الجيوش العربية، باستثناء جيوش بقية دول الخليج العربي؟!
قد يكون المبرِّر، الذي تضمَّنه السؤال، غير كافٍ لاستيعاب ما حصل من محاولة اختراق للجيش السعودي. فهناك بعض من المظالم في صفوفه، كظاهرة سائدة في عدد من جيوش دول العالم الثالث، قد تدفع المستمرِّين من الجنود في الخدمة العسكرية، أو من انقطعوا عنها، أو طردوا منها، إلى الوقوع في مصائد من يناهضون النظام السعودي، المرتبطين بالحوثيين أو إيران، وفي إطار دوائر استقطاب أخرى تحركها هُوِيَّات وولاءات ضيفة، تتصدرها الأيديولوجية (الدينية)، والسُّلالية، وإلى حدٍ ما السياسية، لكونها محظورة في مختلف الجيوش.
قد تكون الهوية الأيديولوجية حاضرة بقوة في هذه الواقعة التجسُّسية، نظرًا إلى ما تواجهه السعودية من تحدِّ لدور الجيوبوليتيك الشيعي، الذي تشغل مساحة كبيرة من خريطته في الجزيرة العربية والمنطقة عمومًا. إذ قد يتعاطف أفراد من الجيش السعودي مع الحوثيين، وفقًا لهذا الانتماء، ويعاضد هذا التعاطف الانتماء السُّلالي الذي يسود المنطقة الجنوبية للسعودية (نجران، وعسير، وجيزان)، فضلًا عن المنطقة الشرقية، والذي يصف اليمنيون أفراده، على مضض، بـ"السَّادة"، ويصف السعوديون أولئك بـ"الأشراف"، ولعل مما يدل على ذلك أن كُنى الجنود الثلاثة الذين حكم عليهم بالإعدام، تشير إلى انتمائهم إلى طبقة ما يسمى "الأشراف".
تداعيات الاختراق وإنعكاساته
وبغض النظر عن التعامل الحازم والسريع مع الواقعة، إلا أنها تُعد مؤشرًا خطيرًا على كُمُون الولاءات الأيديولوجية والسُّلالية في الجيش السعودي على نحو خطير، قد يقود السعودية، مستقبلًا، إلى الحالة الحوثية السلطوية في شمال الشمال، ما لم تُتخذ التدابير اللازمة لتنقيته من هذه الولاءات..
فربما يكون درس اليمن قد استوعب من قبل السعودية، وبقية الدول العربية التي تضعها إيران ضمن خريطة اختراقها من هذا الباب، لتلحق بعد اليمن والعراق ولبنان وسورية.
[أقرأ ايضا: صحيفة بريطانية تكشف: السعودية وإيران أجريا محادثات سرية بشأن الصراع في اليمن]
لا شك أن الأيام القادمة ستُسمعنا وقائع إدانة وإعدامات من هذا القبيل، ذلك أنَّ الواقعة السابقة ستفتح العيون بحثًا عن الخلايا النائمة، التي كان لها دورٌ مساعد في تعرض قواعد عسكرية أخرى ومرافق استراتيجية، لهجمات مماثلة من قبل الحوثيين، في نجران وجيزان والرياض وبُقيق وخُريص. علاوة على أنه قد تحصل إعفاءات لقيادات، ذات انتماءاتٍ تُعد محل توجُّس لدى القيادة الغالبة في السعودية، وإن لم يكن حاملو هذه الانتماءات يقدِّمونها على الانتماء للوطن السعودي.
من ناحية أخرى، يبدو أن الحوثيين خسروا كثيرًا نتيجة لهذا الانكشاف، وقد يخسرون أكثر إذا ما عَمِد السعوديون إلى مزيد من الإجراءات الصارمة في صفوف الجيش.
ويمكن الاعتقاد بأن الحوثيين سيتعرضون لاختراقاتٍ واسعة في صفوفهم العسكرية، كاستجابة سعودية مضادة، قد تُلحق بهم خسائر فادحة في مختلف مستوياتهم القيادية العسكرية، بما يضاعف من خسائرهم التي تمثلت في فقدان كوكبة من عناصرهم الأمنية والعسكرية والاستخبارية في ميادين المواجهة، وفي ظروف أخرى لا تزال تفاصيلها غامضة.
أخبار ذات صلة
الأحد, 18 أبريل, 2021
صحيفة بريطانية تكشف: السعودية وإيران أجريا محادثات سرية بشأن الصراع في اليمن
الأحد, 18 أبريل, 2021
التحالف يعلن تدمير طائرة مفخخة أطلقها الحوثيون نحو السعودية
السبت, 10 أبريل, 2021
الدفاع السعودية تعلن إعدام ثلاثة من جنودها بتهمة "الخيانة العظمى"