يشهد اليمن موجة جديدة من فيروس كورونا المستجد (كوفيد ـ 19)، هي الأكثر انتشاراً والأشد فتكاً من الموجات التي سبقتها، وسط تكتم كامل من قبل مليشيا الحوثي، واعتراف حكومي بلا إجراءات رادعة.. يقابل ذلك تساهل كبير من المواطن الذي يقاتل من أجل البقاء واقفاً في وجه الكثير من الأعاصير التي تعصف بالبلد المنهار.
تكتسب الموجة الجديدة خطورة متزايدة، بالنظر إلى وتيرة التفشي المتزايدة، وما قابلها من انعدام شبه كلي للإجراءات الإحترازية من قبل المواطنين، الذين تعاملوا مع التحذيرات بالسخرية والنكران واللامبالاة، مع كثير من الحديث عن "نظرية المؤامرة"، خلافاً لما كان عليه الأمر قبل عام، حين وصلت التحذيرات وإجراءات الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي، ذروتها.
ويُعتَقد أن لامبالاة الناس ساهمت في تفشي الوباء وتسجيل عشرات الإصابات والوفيات على مدى الأسابيع الماضية، في بلد تفتقر للفحوصات الكافية لكشف الأرقام الحقيقية للوباء.
مؤامرة..!!
يقف "عبده البعداني"، صاحب محل حلاقة في إب، طوال اليوم والليلة على قدميه بلا فتور، أو استسلام، يشرح لمرتادي محله عن "المؤامرة" التي تستهدف اليمنيين، خصوصاً، والمسلمين بشكلٍ عام، مع حلول شهر رمضان.
"كورونا" بحسب البعداني؛ مؤامرة لأعداء الأمة من اليهود والنصارى، تستهدف المسلمين لتبعدهم عن ربهم في شهر رمضان المبارك، شهر العبادة!! كيف لا، والحديث عن تفشي الوباء مع كثير من الخوف والهلع، والإجراءات الإحترازية، ومنع التسوق والصلوات، لا يزيد إلاّ قبيل حلول شهر رمضان!، مستفسراً: لو أن الوباء حقاً موجود، فلما لايتم الحديث عنه طوال العام كما في كل الدول؟!
حديث البعداني هذا، يلقى آذاناً صاغية لدى أحد زبائنه، بينما ينتظر دوره للحلاقة، ليقفز قائلاً: "والله أنه صحيح.. هؤلاء لا يريدونا نصلي ونصوم ساع الناس، قلك كورونا قلك طلي" (...)، مقررا: "والله ما أتكمم، ولا أفلت مسجد، أو سوق، أو شارع، وخليها تضرب بتنكه"..!! والعبارة الأخيرة تقال لمن لا يبالي بشيء.
هذا مشهد سائد في مدينة "إب"- وسط اليمن- حيث مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، التي تعزز من هذا الخطاب في أوساط المواطنين. لكنه أيضا مشهدٌ لا يبدو أنه مقتصرا على "إب" لوحدها، فمحافظات الجمهورية، بمافيها تلك التي تخضع لسيطرة الحكومة اليمنية، تعشعش فيها هذه النظرية، وإن بنسب متفاوتة.
الوباء خارج سياق الإهتمام
في مناطق سيطرة الحوثي، أغلقت المليشيات الجدل في هذا الملف منذ العام الماضي، و"مناعة القطيع" هي اللغة السائدة هناك؛ "ما بدى، بدينا عليه" رغم التفشي الواسع للوباء، وتسجيل وفيات، حتى في صفوف قيادة الجماعة.
الأمر يختلف، إلى حدٍ ما، في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، وإن جاء الاهتمام هنا على شكل تصريحات وقرارات لا تجد لها طريقاً إلى النور، على الأقل كما كان عليه الوضع إبّان الموجة الأولى.
على المستوى الشعبي، يواصل الناس حياتهم اليومية غير آبهين بالوباء الذي يستشري ويحصد معه العشرات كل يوم. ففي الشارع لا تكاد تجزم أن البلد تضربه جائحة أشد فتكاً وانتشاراً؛ حيث لا شيء يشير إلى ذلك؛ فالأسواق تعج بالمواطنين، وكذلك المساجد والمولات والشوارع ووسائل المواصلات ومقايل القات وكل مرافق الحياة.
الدكتور أحمد فرحان- طبيب باطنيةـ أكد أن استمرار الحياة على طبيعتها، في ظل إهمال السلطات وعدم مبالاة المواطنين، ضاعف من حجم الكارثة، وبات الوباء منتشرا في كل بيت.
وأضاف لـ"يمن شباب نت": تضرب اليمن موجة وباء بأنواع مختلفة، خفيفة ومتوسطة وحادة، وكل شخص سيطاله نصيب من هذا الوباء، في ظل عدم إغلاق الأسواق والمساجد والشوارع والمطاعم ووسائل المواصلات.
وأشار إلى أن الشعب اليمني بدى أكثر الشعوب استهتاراً بالوباء، محذرا "ولذا فالنتيجة ستكون وخيمة". ورغم ذلك، إلا أنه ما زال يرى أنه يمكن تدارك الأمر "لو اتخذت السلطات إجراءات حازمة، وقابلها التزام جدي من المواطن".
فعاليات وأنشطة مكتظة
محافظة حضرموت، حيث البؤرة الأكبر للوباء في البلاد، تسير الأمور نحو المجهول بعد تسجيل نحو نصف الإصابات والوفيات من إجمالي الحالات المعلنة على مستوى اليمن؛ غير أن ذلك لا يمنع المواطنين من استمرار حياتهم بكثير من اللّا مبالاة والتساهل..!!
أواخر مارس الماضي، احتشد المئات في مكان واحد، لحضور مهرجان "الهجن" بمدينة تريم التاريخية من دون أي إجراءات احترازية!!. وقبله بأيام تجمع الآلاف في فعالية دينية سنوية تمثلت بزيارة جماعية إلى قبر النبي هود. وهذا كله، كما يرى مراقبون صحيون، من شأنه أن ينعكس سلباً على الوضع الصحي في المحافظة الأكثر تعرضا لتفشي الوباء.
"ننتظر كارثة حقيقة.. والأيام القادمة ستكون وخيمة". يقول أحمد سعد، وهو معلم من مدينة سيئون بوادي حضرموت، في تعليقه على الحدثيّن السابقين..
وأضاف لـ"يمن شباب نت" أن "هذه الفعاليات الشعبية، التي تحدث بدون إجراءات احترازية، من شانها أن تحول المحافظة إلى أكبر تجمع للوباء في البلاد"، منوها إلى أن "حضرموت لم تعد ناقصة.. فما فيها مكفيها".
وحمل "سعد" السلطات المحلية مسؤولية السماح لمثل هكذا فعاليات، دون الزامهم باتخاذ الاجراءات الاحترازية.
الحال نفسه لا يختلف كثيرا في معظم المحافظات اليمنية الأخر. ففي صنعاء، على سبيل المثال، اكتظت الاستراحات الرياضة، قبل أيام، بمئات الرياضيين لمشاهدة مباراة "الكلاسيكو" بين فريقي ريال مدريد وبرشلونة الإسبانيين.
"العشرات كانوا ملتصقين مع بعضهم البعض، مخزنين، ومشيشين، ومدخنين، وكل شيء سابر.." يقول محمد ابراهيم، الذي كان ضمن المشاهدين في إحدى الصالات الرياضية بالعاصمة صنعاء..
ومن خلال حديثه مع "يمن شباب نت"، بدى محمد غير خائفاً من إصابته من الفيروس، متسائلاً بإستهجان: "من قال أن هناك كورونا في اليمن"؟!. وحتى إن وجد، فالشعب اليمني- كما يعتقد محمد- "يملك مناعة لكل الأوبئة"، مشيراً بهذا الصدد إلى أن ثلاثة من أفراد أسرته أصيبوا بأعراض مشابهة لأعراض كورونا وتماثلوا للشفاء.
الإهمال ضاعف الكارثة
يتهم نائب مدير التثقيف والإعلام الصحي في مكتب الصحة بتعز، تيسير السامعي، المواطن بالإسهام في تفشي الوباء في المحافظة واليمن على حدٍ سواء..
ويرى السامعي، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، أن "عدم مبالاة الناس بكورونا فاقم الكارثة"، منوها إلى أن ذلك "كان له آثارا سلبية كبيرة، فإنتشار الوباء بشكل مفزع في محافظة تعز، كان بسبب عدم التزام الناس بالإجراءات الإحترازية التي فرضتها السلطات الصحية في المحافظة".
واستدرك: "لوكان هناك استجابة من المواطن، والتزامه بالإجراءات الاحترازية، لتمكنّا من احتواء الوباء".
وبحسب السامعي، فأن ارتفاع أعداد الإصابات بالوباء، جرّاء إهمال المواطن، أثّرعلى المؤسسات الصحية، وباتت غير قادرة على استقبال المرضى، بعد وصولها إلى طاقتها القصوى، وبات البحث عن الأكسجين مشكلة تؤرق السلطات".
ومن أجل إيقاف انتشار الوباء، والتقليل من الإصابات، دعا نائب مدير التثقيف الصحي بتعز، المواطنين إلى التعاون مع السلطات عبر التزام الجلوس في منازلهم، والتقيد بوسائل الوقاية الشخصية عند الاضطرار للخروج من المنزل. كما دعا أصحاب الأعراض البسيطة إلى المكوث في منازلهم، واتاحة الفرصة، في المستشفيات ومراكز العزل، للحالات الحرجة.
الكمامة.. وصمة عار
يرى كثير من المراقبين أن الحملات الإعلامية التوعوية، التي صاحبت الموجة الأول من تفشي جائحة "كورونا"، لم تنجح كثيرا في ترسيخ ثقافة التزام الإجراءات الإحترازية، من: "لبس الكمامة، والتعقيم، والتباعد... الخ"..
ولعوامل عدة، ترسخت قناعة لدى الكثيرين أن من يلبس الكمامة مُصاب بالمرض، وهو مايجعله محط ازدراء، وسخرية، في كثير من المحافظات اليمنية. مع وجود اختلاف في هذا الأمر، بنسبة كبيرة، في مناطق سيطرة الحكومة، عنه في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي التي ترفض الاعتراف بوجود الوباء أساسا.
وقد أكد أحد الصحفيين المتعاون مع "يمن شباب نت"، في إعداد هذا التقرير، أنه تعرض لسخرية وازدراء كبيريين ممن التقاهم في محافظة إب، أثناء خروجه إلى الشارع، مرتديا "كمامة" لأخذ انطباعات عن المزاج الشعبي بشأن كورونا والإجراءات الوقائية؛ وصل حد فرار البعض منه باعتباره مصاب بالوباء..!!
يجهل الكثير بأهمية الوقاية واتخاذ الإجراءات الإحترازية، وهذا قد يكون مرده إلى تقصير الجانب الحكومي، الذي صاحب الموجة الثانية. حيث غابت الحملات التوعوية لدى السلطات الحكومية وأجهزتها الإعلامية، والأمر ذاته انعكس على وسائل الإعلام الأهلية والمنظمات الدولية والمبادرات الشبابية..
وأكد رسام الكاريكاتير الفنان رشاد السامعي، من تعز، على أهمية التوعية بمخاطر الوباء، لما لانتشاره من مخاطر على المواطن.
وخلال حديثه لـ"يمن شباب نت"، حذّر السامعي المواطنيين، من أنه "ليس أمامهم إلا خيارا واحدا، هو: حماية أنفسهم"، موضحا أن الحماية المطلوبة "ليست بتلك الإجراءات الشاقة..، حيث يتطلب الأمر فقط ارتداء الكمامات اذا قرر أحدهم الخروج من المنزل، وتجنب الأماكن المزدحمة، والحد من المصافحة قدر الإمكان، والتقليل من الخروج من المنزل، وجعل هذه الامور سلوك وثقافة".
ويشارك السامعي في توعية الناس بأهمية لبس الكمامة، من خلال رسوماته التي ينشرها بين الفينة والأخرى. وعن دوره التوعوي هذا، أكد السامعي لـ "يمن شباب نت"، أن ذلك يأتي ضمن ما يتوجب عليه كفنان تجاه المواطنين، الذين "عاشوا لحظة تناقض، وتخبط، بين قناعاتهم بعدم وجود المرض، وبين الوفيات والجنائز اليومية، وحجم التعازي".
على أنه، هو الأخر، أرجع كل ذلك إلى "إخفاق السلطات في إقناع الناس بتفشي الوباء والقيام بآليات حقيقة لمواجهته"، مضيفا: "وربما كانت الرسوم الكاريكاتورية إحدى الوسائل التي توجه الرأي العام، وتنبهه لوجود الوباء وضرورة أخذ الاحتياطات اللازمة".
حتى الموت لم يعد واعظاً
تتواصل مواكب التشييع اليومية في محافظة تعز (جنوب غرب اليمن)، ومعها يتواصل الإهمال والتساهل من المواطنين. فالموت هناك لم يعد رادعاً للمواطنين الذين يتساهلون في الإلتزام بتعليمات السلطات الصحية في المحافظة للحد من انتشار الوباء.
ففي مدينة تعز، ذات ثاني أكبر تجمع سكاني في البلاد، لا يكاد يمر يوم من دون أن تسجل حالات وفاة. والصور المتداولة للقبور الجاهزة والمنتشرة بكثرة في المدينة، كافية بأن تكون الرادع والواعظ باعتبار الموت أكبر الواعظين، غير أن المزاج الشعبي في المحافظة لايتعامل مع الأمر بمسؤولية..!!
حتى مساء كتابة هذا التقرير، الأربعاء، 14 ابريل 2021م، تم تسجيل (1083) حالة وفاة من إجمالي (5582) إصابة مؤكدة، أعلنتها الحكومة اليمنية في مناطق سيطرتها جراء الوباء، منذ ظهوره قبل عام. والأرقام المعلنة ليست سوى جزء من صورة غير مكتملة في البلد المنهار على مستوى منظومته الصحية.
في الجهة المقابلة، لا أرقام معلنة في مناطق سيطرة الحوثيين، رغم أن الوفيات تسجل كل يوم، بينهم قيادات عليا في صفوف المليشيات. وبالرجوع إلى مواقع التواصل، ومساحة التعازي المتبادلة، تتضح حقيقة الوضع المزري هناك.
في إب، مثلاً، كلما زادت موجة المرض والوفيات في المنازل والمستشفيات، يتبادل الناس الحديث عن "جازعة"- وهي أعراض، في مجملها، تشبه أعراض "كورونا"، وتحدث في وقت متزامن.
ويرى أطباء يمنيون، ومهتمون بالشأن الصحي والإنساني في البلد المنهار جراء الحرب، أن تجاهل المواطنين للوباء، والتعامل معه بشيء من الخفة واللّامسؤولية، سيزيد أكثر من تفشي الوباء، وسيتسبب أنتشاره في هذا البلد الفقير، إلى كارثة حقيقية، في ظل أنهيار منظومته الصحية، جراء أكثر من ست سنوات من الحرب.
أخبار ذات صلة
السبت, 17 أبريل, 2021
كورونا.. الصحة تعلن تسجيل 11 حالة وفاة و 58 إصابة جديدة