يومٌ تلو آخر؛ تتوسع دائرة الاحتجاجات الشعبية في المحافظات الجنوبية والشرقية، آخذة منحنيات تصاعدية، منذ بدأت مطلع شهر مارس/ آذار، الجاري، على خلفية تردي الأوضاع المعيشية، وسط عجز حكومة المناصفة عن توفير أبسط الخدمات الأساسية..
فالإحتجاجات؛ التي عادة ماتنطلق ليلاً في بعض أحياء عدن، وبصورة متقطعة، للتنديد بانقطاع الكهرباء والمياه؛ توسعت مطلع الأسبوع الماضي لتشمل كل مديريات العاصمة المؤقتة عدن، ومحافظات أبين ولحج المجاورة؛ وبالتزامن مع ذلك، توسعت الاحتجاجات الشعبية في محافظة حضرموت، شرقا.
لم يكن التوسع على مستوى النطاق الجغرافي فحسب؛ بل تعدى ذلك ليشمل قائمة المطالب، التي لم تتوقف عند حدود المطالبة بتوفير المشتقات النفطية وإنهاء مشكلتي الكهرباء والمياه، بل رفعت شعارات تندد بانهيار العملة، وارتفاع الأسعار، وتردي الخدمات في مختلف المجالات..
وشهدت قيمة الريال اليمني انهياراً كبيراً، خلال الأيام الماضية، لتتجاوز قيمته سقف الـ 900 ريال يمني أمام الدولار الأمريكي؛ الأمر الذي تسبب بموجة ارتفاع جديدة لأسعار غالبية المواد الأساسية.
ومؤخرا، مع سماع دوي الرصاص- الذي استخدم بين حين وآخر لمساعي تفريق المحتجين- أرتفعت وتيرة تلك التظاهرات واتسعت مطالبها. ففي عدن؛ أرتفعت هتافات المحتجين لتطالب برحيل كل من: التحالف العربي، والحكومة، والمجلس الانتقالي. فيما طالب المحتجون بحضرموت برحيل محافظ المحافظة اللواء فرج سالميين البحسني.
وفي حين قابلت الحكومة الشرعية مطالب المحتجين بالاعتراف بالمشكلة، كاشفة عن جملة من التحديات التي تواجها، وتعهدت بمعاجلتها، فقد اتسمت ردة فعل المجلس الانتقالي الجنوبي (المسيطر فعليا على عدن)، بنوع من البرغماتية والابتزاز، على حد وصف البعض..
وبين اعتراف الحكومة، ومحاولة ركوب الموجه من قبل الانتقالي (المشارك في الحكومة، والمدعوم إماراتيا)، تستمر معاناة المواطن، وتتجه مسارات الاحتجاجات إلى التصعيد..
عدن ..أزمات دائمة
ويرى الصحفي أحمد ماهر، في حديثه لـ"يمن شباب نت"، أن الاحتجاجات التي تشهدها بعض المحافظات الجنوبية "ناتجه عن تردي الخدمات العامة، وضعف مؤسسات الدولة التي لم تستطع توفير الخدمات المطلوبة للمواطنين..".
وبدأت الاحتجاجات بمحافظة عدن (العاصمة المؤقتة للبلاد)، بسبب معاناتها مؤخرا- مع المحافظات المجاورة لها- من عجز في توفير الكهرباء والمياه، بشكل دائم ومستقر..
ويُعزى ذلك العجز- بحسب مصادر حكومية- إلى ارتفاع كلفة الوقود المشغل لمحطات التوليد، في الوقت الذي تذهب فيه معظم الإيرادات المالية بالمحافظة، بعيداً عن خزينة الدولة، لمصلحة حسابات تابعة للمجلس الانتقالي، المسيطر على عدن عسكرياً وأمنياً..!!
وجاء انهيار العملة، وارتفاع الأسعار، مع انقطاع المرتبات، ليدفع بشريحة واسعة من المتظاهرين للخروج إلى الشارع، أيضا؛ وقد انقطعت أمآلهم في إيجاد حلول جذرية للأزمة، بعد مضى قرابة شهرين على وصول الحكومة الجديدة إلى عدن.
وتشكلت الحكومة الجديدة، التي تُعرف بـ"حكومة المناصفة" بين محافظات الشمال والجنوب، منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2020، بموجب اتفاق الرياض. وقبل نهاية الشهر نفسه، وصلت الحكومة إلى عدن لممارسة أعمالها، وكان يعول عليها كثيرا في إحداث نقلة نوعية في اقتصاد البلاد شبه المنهار، بسبب ست سنوات من الحرب.
والأحد قبل الماضي (7 مارس/ آذار)، أندلعت مظاهرات غاضبة في مختلف مديريات محافظة عدن. وأغلق المحتجون خلالها عددا من الشوارع الرئيسية، وأحرقوا الإطارات، ومنعوا حركة مرور السيارات؛ تنديدا بانقطاع التيار الكهربائي في جميع مديريات المحافظة الثمان، مع انعدام المشتقات النفطية، والارتفاع الجنوني لأسعار السلع الأساسية.
وقالت مصادر محلية إن قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، المسيطر على عدن، نفذت- على مدى أيام من الاحتجاجات المتصاعدة- حملات ملاحقات واعتقالات واسعة في صفوف المحتجين، على إثر إرتفاع هتافات تطالبهم بالرحيل، مع التحالف، من عدن.
ولاقت تلك المطاردات والملاحقات والاعتقالات، استهجانا كبيرا من الشارع الجنوبي.. وحذّر الصحفي أحمد ماهر من محاولات بعض الجهات "تسييس تلك الاحتجاجات"، منوها إلى أن من يخرجون إلى الشارع "هم مواطنون بسطاء، يطالبون بحقوقهم المشروعة"، داعيًا الحكومة إلى "الاستماع لأصواتهم، وتلبية مطالبهم، والعمل على معالجة أوجه القصور في أسرع وقت ممكن".
حضرموت .. غضب شعبي واحتجاجات طلابية
كانت محافظة حضرموت، (شرق اليمن)، صاحبة السبق في تنظيم الاحتجاجات الشعبية، حيث انتظمت في مدينة المكلا، عاصمة المحافظة، وقفات شعبية اسبوعية، كل جمعة، تعود بدايتها إلى أوآخر العام الماضي (2020)..
ويقول "محمد بالطيف"، القيادي في الوقفة الشعبية السلمية بحضرموت، إن تلك الفعاليات، التي بدأت مع مطلع شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، جاءت إحتجاجا على الإنهيار الكبير في العملة المحلية، وتوقف رواتب الموظفين، وارتفاع الاسعار، وتردي الخدمات العامة، وعلى رأسها الكهرباء والصحة والنظافة..
وأعتبر بالطيف، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت" أن احتجاجاتهم تلك "شكلت الشرارة الأولى للإحتجاجات، وأصبحت منطلقاً لوقفات أخرى مماثلة، تنادي وتطالب بتحسين الأوضاع".
ومؤخرا، بالتزامن مع انتفاضة عدن الأخيرة، توسعت الاحتجاجات إلى مدن ساحل حضرموت، التي تواصلت فيها الاحتجاجات الشعبية بشكل يومي على مدى الأسبوع الماضي، للتنديد بارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وتردي الخدمات العامة في المحافظة.
وقالت مصادر محلية لـ"يمن شباب نت"، إن عدداً من المحتجين، بداءوا ينتظمون- منذ أيام- في فعاليات ليلية وصباحية، يقومون خلالها بإغلاق الشوارع العامة بالأحجار وإحراق إطارات السيارات، احتجاجا على تردي الخدمات، وارتفاع اسعار المشتقات النفطية..
وبحسب المصادر، شهدت المدينة صدامات يومية بين الأجهزة الأمنية والعسكرية وبين المتظاهرين، على خلفية تلك الاحتجاجات التي تتخللها مطالبات برحيل المحافظ فرج البحسني.
وبخلاف احتجاجات عدن والمحافظات المجاورة لها، اتسمت احتجاجات أبناء حضرموت بمسارات تصعيدية أخرى، لتصل إلى طلاب الجامعات الذين تأثروا من قرار رفع الحكومة أسعار المشتقات النفطية بنسبة تقارب الـ 30%.
ومؤخراً، أقرت الحكومة رفع قيمة اللتر من مادتي البترول والديزل، في مناطق سيطرتها، من 380 ريال، إلى 500 ريال.
وأثّرَ القرار المذكور على آلاف الطلاب والطالبات من أبناء مديريات: "غيل باوزير، والشحر، والحامي، والديس الشرقية، والريدة، وقصيعر، وميفع"، الذين اضطروا إلى الانقطاع والتوقف عن الذهاب للدراسة في كليات جامعة حضرموت بالمكلا، بسبب ارتفاع أجور المواصلات نتيجة قرار رفع اسعار بيع المشتقات النفطية.
وأفادت مصارد "يمن شباب نت" أن هذا الانقطاع القسري عن الدراسة، لبعض الطلاب، دفع بزملائهم من أبناء "المكلا"، للتضامن معهم، من خلال امتناعهم عن دخول قاعات الدراسة، قبل أن يصعدوا لاحقا من احتجاجهم بتنظيم وقفة احتجاجية كبرى، الأربعاء الماضي، أمام ديوان المحافظة..
وقال بالطيف، القيادي في الوقفة الشعبية السلمية بحضرموت، إن "الناس أصبحوا اليوم، يقيمون وقفات سلمية في كل مكان، بكل شرائح المجتمع المختلفة"، مستشهدا، في هذا الصدد، بوقفة الأربعاء الكبرى، التي نظمها اتحاد طلاب جامعة حضرموت، نتيجة لارتفاع أسعار المشتقات النفطية، ما أدى إلى تضرر هذه الشريحة بشكل خاص، والشرائح الأخرى بشكل عام..
وفي الوقفة المذكورة، دعا الطلاب السلطات المحلية إلى إعادة النظر في تسعيرة المشتقات النفطية الجديدة، ووقف العمل بها، مراعاة للظروف المعيشية الصعبة للطلاب والمواطنين.. كما دعوها أيضا إلى تخفيض الرسوم الجامعية وايلاء المساكن، والعزب الطلابية، العناية والرعاية الكاملة..
وتحولت الفعالية الطلابية إلى تظاهرة شعبية، من خلال المطالبة بوقف انهيار العملة وتشكيل لجنة لمراقبة وضبط الأسعار..
وأعتبر القيادي بالطيف، أن المظاهرات والاحتجاجات اليومية، صباحا مساء، بمختلف مديريات ساحل حضرموت، هي "نتاجاً طبيعياً للتراكمات السلبية للحكومة والسلطة المحلية بالمحافظة تجاه المواطن، الذي أصبح يتذوق المرارة، جراء تردي الخدمات العامة والأساسية.."، مؤكدا على "حق المواطن في التعبير عن حقه، وأهمية تلبية الحكومة تلك المطالب"..
الانتقالي .. ابتزاز وتلويح بالتمرد
في موقف، فُسر على أنه ابتزاز، وبرغماتية غير مبررة، طلب المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، مساء الثلاثاء الماضي، من وزرائه في الحكومة باتخاذ ماسماه "موقف واضح وحاسم"، تجاه ما يحدث في العاصمة المؤقتة عدن، وبقية المحافظات الجنوبية..
وقال المتحدث الرسمي باسم المجلس، علي عبدالله الكثيري، في بيان "إن الوضع المأساوي الذي تعيشه العاصمة عدن، ومحافظات الجنوب، يعزز خيار المجلس بالانحياز الكامل لشعب الجنوب، ضد أي محاولات لتركيعه وتعذيبه"
وأضاف: "ننتظر من الحكومة موقفا واضحاً من ذلك كله، مالم فإننا في المجلس الإنتقالي الجنوبي لن نكون إلا مع شعبنا وخياراته المفتوحة".
وأعتبر مراقبون بيان الانتقالي بمثابة التلويح بالتمرد في وجه الحكومة، والعودة الى مربع الأزمة التي سبقت تشكيل الحكومة.
اعتراف حكومي
وفي اليوم التالي على بيان المجلس الانتقالي، عقدت الحكومة اليمنية إجتماعها يوم الأربعاء الماضي، وأصدرت بيانا ختاميا، تضمن أعترافات، ووعود، ومطالب، وتلميحات، أعتبرها مراقبون ردا وافيا على بيان ومطالب وتهديدات المجلس الإنتقالي.. ومحاولة لقطع الطريق على مساعيه المكشوفة لركوب موجة الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة..
وفي بيانها، الصادر نهاية الاجتماع، الأربعاء الماضي، ونشرته وكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ)، اعترفت الحكومة فيه بالتدهور "الملحوظ" في الخدمات الاساسية، وسعر العملة الوطنية..وناشدت "المملكة العربية السعودية، ودول التحالف لتقديم الدعم العاجل للشعب اليمني في الظروف الصعبة، خصوصا المشتقات النفطية، والعملة الوطنية من خلال وديعة مالية، ومساعدتها في الإيفاء بالالتزامات الحكومية الأساسية".
وأكدت الحكومة، على "تفهمها الكامل للغضب الشعبي"، معلنة "وقوفها الى جانب مطالبه المشروعة والقانونية، والعمل على تلبيتها بكافة الوسائل والامكانيات"، منوهة إلى أنها "لا تألوا جهدا في إيجاد حلول عملية لكل التحديات القائمة"..
كما أكدت أيضا على أنها "لن تتهرب من مسؤولياتها تحت أي اعتبار، وستصارح المواطنين بالحقائق الكاملة، في حال استمرت شبكات المصالح غير المشروعة ومراكز القوى في مساعي التعطيل والعرقلة".
وشددت الحكومة على أن استمرار "جهودها لترتيب الأوضاع، والبدء في تحقيق إصلاحات حقيقية لمكافحة الفساد وضبط الإيرادات، رغم محاولات العرقلة"، في اشارة، على مايبدو، لتداخل الصلاحيات بينها وبين المجلس الانتقالي، الذي يبسط سيطرته على عدن وعدد من المحافظات الجنوبية..
اعتراف الحكومة هذا، سبقه توجيه رئاسي لها، بمختلف وزاراتها، بحشد الامكانات والجهود، وتوفير الموارد اللازمة للإيفاء بمتطلبات المواطن واحتياجاته المعيشية والاساسية، وفي مقدمتها خدمات الكهرباء والمياه بصورة عاجلة.
تحذيرات من الاستغلال
وتعليقا على هذا الصراع، وتلك التجاذبات السياسية بين الطرفين، حذّر الصحفي أحمد ماهر، الحكومة من السماح للانتقالي المدعوم إماراتياً باستغلال تلك الاحتجاجات لأغراض سياسية، داعياً إيّاها إلى تلبية مطالب المواطنين والعمل على توفير الخدمات الأساسية.
وأوضح، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، أن "المجلس الانتقالي، والكيانات السياسية الأخرى المختلفة مع الحكومة، والتي تحمل مشروع فصل الجنوب عن الشمال، تسعد لأي احتجاجات أو فوضى، لتثبت للناس أن الحكومة غير قادرة على إدارة الدولة بشكل جيد".
وأضاف: "المجلس الانتقالي ضد أي تظاهرات، إذا كانت تختلف مع أفكاره ومشروعه، أو تزعج الجهات الداعمة له، في الوقت الذي تجده فيه يقف مع كل مظاهره تخرج ضد الشرعية، أو المؤسسات الرسمية، بغية استخدامها ككرت ضغط في وجه الحكومة الشرعية".
وحتى يتم معالجة تلك الأزمات، وتحاشياً لاستغلال تلك المطالب من الجهات المعادية للدولة، التي تسعى لنشر الفوضى، ينصح "ماهر" الحكومة بإيقاف الهدر للمال العام، وتوحيد قنوات الإيرادات، وتحديد ميزانية خاصة للخدمات والبنية التحتية في المحافظات المحررة، وتفعيل مؤسسات الرقابة.
ورغم عودة الحكومة إلى عدن، في 30 ديسمبر 2020، تنفيذاً لاتفاق الرياض، إلاّ أن الأوضاع الخدمية والاجتماعية والأمنية لم تشهد أي تحسن يذكر، في ظل تحكم المجلس الانتقالي بالقرار العسكري والإداري والمالي، بحكم سيطرة قواته على العاصمة المؤقتة عدن، ومحافظات جنوبية أخرى..
ويستبعد مراقبون أن تنتهي الأزمة في وقت قريب. حيث وأن كل المعطيات والمؤشرات تنذر بمزيد من الاحتقان، طالما وأن الإنتقالي مازال يعرقل تنفيذ الشقين العسكري والأمني من اتفاق الرياض، ليبقى على ما هو عليه، محتفظا بسيطرته الكاملة على الوضع..
وهو ما كان حذر منه الكثيرون، إبان قبول الشرعية بتأجيل تنفيذ الشقيين المذكورين إلى ما بعد تشكيل الحكومة، بموجب وعود سعودية بالإشراف على تنفيذ تلك البنود خلال شهر واحد بعد تشكيل الحكومة.
وعليه؛ ستتواصل كل تلك المشاكل، مع استمرار ضعف الحكومة، وقلة حيلتها في انتزاع صلاحياتها الكاملة من يد المجلس الانتقالي.
"وتلك الاحتجاجات المطالبة بتوفير الخدمات وتحسين الظروف المعيشية، قدرها أن تستمر وتتعاظم، حتى يتم تلبيتها"، كما يقول محمد بالطيف. وما لم يتم ذلك سريعا، فمصير الحكومة، ومن ورائها"إتفاق الرياض"، على المحك..