في السابع من فبراير/ شباط، الماضي، صعدت ميليشيات الحوثي، عسكريا، وبصورة شرسة وغير مسبوقة نحو محافظة مأرب النفطية. وبالتزامن مع ذلك، كثفت من هجماتها على الأراضِ السعودية، باستخدام الطائرات المفخخة والصواريخ المسيرة، إيرانية الصنع.
 
حشد الحوثي معظم قواته من مختلف الجبهات؛ بما فيها الفرق العقائدية المتخصصة، التي تلقت تدريبات قتالية على أيدي خبراء من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني الإرهابي؛ نحو مأرب طمعا بثرواتها الطبيعية، وفق خطة عسكرية لمعركة عنوانها: "نكون أو لا نكون".
 

معركة إيران

  برز الدور الإيراني بشكل واضح وصريح، واحتشد إعلام طهران، والمليشيات التابعة لها في المنطقة، خلف ما أطلق عليها بـ"معركة الحسم"؛ حيث يرى كثيرون أن إيران هي من تدير المعركة، بينما الحوثي مجرد أداة وواجهة ووقود لمعركتها في الخليج وشبه الجزيرة العربية.
 
وفي هذا السياق، أكد محافظ مأرب اللواء سلطان العرادة، أن مندوب إيران، المدعو حسن ايرلو (الذي عينته طهران، مؤخرا، سفيراً لها لدى الحوثي بصنعاء)، قَدِمَ خصيصا لهذه المهمة، كما أن هناك عناصر لبعض القوى المرتبطة بإيران، موجودة في اليمن، وتشارك في المعارك العسكرية- بحسب المحافظ، الذي كان يتحدث في مؤتمر صحفي ألكتروني (أفتراضي)، نظمه مركز صنعاء للدراسات، يوم الأثنين الماضي، مع مجموعة صحفيين من وسائل اعلام عالمية..


 
وردا على سؤال الصحفيين، حول طبيعة ما يجري حاليا في مأرب، أوضح العرادة أن ميليشيا الحوثي شنت هجومًا شاملًا على المحافظة، من ثلاثة محاور، غير أن الجيش الوطني، مسنودا بالمقاومة الشعبية وقبائل المحافظة والتحالف العربي، تصدوا لهم، ووقفوا سدا منيعا أمام هجماتهم الشرسة..
 
 وفي سياق حديثه، أيضا؛ أوضح اللواء العرادة، إن "توقف الحرب في الجبهات الأخرى، في الساحل وتعز والضالع والبيضاء وصعدة وغيرها؛ أتاح للميليشيا تجميع كل قواها لخوض حرب شاملة على مأرب". كما لفت- في الوقت ذاته- إلى أن سحب الإمارات لمنظومة الباتريوت من المدينة، (عند إنسحابها منها في وقت سابق)، جعل المدينة عرضة للصواريخ الباليستية الحوثية.
 
ومع ذلك، طمأن المحافظ مستمعيه، قائلا: "أطمئنكم على مأرب وعلى سكانها"، مستدركا: "مأرب لم تستسلم سابقا، وهي تقاتل لوحدها، ولن تستسلم الآن ومعها كل أبناء الشعب اليمني، ومن ورائهم التحالف".
 

الكرة في ملعب الشرعية



 ورغم إحباط المخطط الحوثي – الإيراني لاجتياح مأرب، وسحق جحافلهم المتوالية، حتى الأن؛ إلا أن مراقبين ما زالوا يؤكدون على أهمية أن تجري الحكومة الشرعية مراجعة شاملة في إدارتها للمعارك، وتلافي الأخطاء والإخفاقات التي رافقت سنوات الحرب السابقة، بما يؤدي إلى حسم المعركة عسكريا، وبشكل نهائي.
 
ويرى الصحفي اليمني كمال السلامي، أن التصعيد العسكري الحاصل، هو "نتيجة منطقية لما آلت إليه أوضاع الشرعية اليمنية، وتبدل أجندة بعض أطراف التحالف (في إشارة إلى الإمارات)، وتيه القرار السعودي"..!
 
وأعتبر السلامي، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، أن ما تشهده مأرب اليوم، عبارة عن "معركة مصيرية، على ضوؤها يتحدد مستقبل الشرعية اليمنية، ومستقبل العلاقة بين اليمن والسعودية..".
 
وأضاف: حتى اللحظة، لم يحقق الحوثي ما كان يرجوه، بفضل الصمود الأسطوري للجيش والمقاومة، وبفضل مباغتة القوات الحكومية للجماعة الانقلابية بفتح جبهة في تعز.
 
وتابع: وعليه، فالكرة الأن في ملعب الشرعية، وخيار الحسم بات مطلبا ومخرجا وحيدا من المأزق الخطير الذي وصلت إليه حال البلاد، ويبقى الأمر معلقا بتخلي السعودية عن حالة التردد والتيه في تعاملها مع الملف اليمني.
 
وشدد على أهمية تحريك بقية الجبهات العسكرية، ودعم الجيش بالسلاح والعتاد، وتفعيل المشاركة الميدانية والجوية في المعركة.
 

استراتيجية عسكرية شاملة

 ضمن مؤتمره الصحفي، أيضا، أشار محافظ مأرب إلى عدم وجود تكافؤ في حجم ونوعية الآليات والمعدات العسكرية؛ فالحوثيين- كما يؤكد- لديهم ترسانة كبيرة من الأسلحة الثقيلة، استولوا عليها بعد انقلابهم على السلطة، كما استفادوا من تقنية الطيران المُسير والصواريخ الباليستية (التي يحصلون عليها من إيران)..
 
 غير أنه- في مقابل ذلك- أكد أيضا على دور طيران التحالف العربي: "مقاتلات التحالف أحدثت فارقًا في المعارك"، مضيفا: "ولولا طيران التحالف لكان الأمر مختلف. ولذلك يسعى الحوثيون إلى وقف عمليات التحالف، لكي يتسنى لهم ترتيب قواتهم والهجوم من جديد".
 


وفي هذا الإطار، يدعو الخبير اليمني في الشئون الاستراتيجية والعسكرية، الدكتور علي الذهب، وزارة الدفاع اليمنية إلى "تبني استراتيجية عسكرية شاملة، يُعاد فيها تعريف المعركة مع الحوثي، خصوصا في ظل تنامي الدور الإيراني، ومحاولة استخدام الملف اليمني ورقة مقايضة في قضايا دولية وإقليمية"- في إشارة إلى الملف النووي الإيراني.
 
وشدد الذهب، في حديثة لـ"يمن شباب نت"، على ضرورة تعزيز قدرات الجيش الوطني بالطيران المُسير، الذي قال إنه "أصبح يمثل رقما صعبا في معادلة الصراع، بالنظر إلى دورها الحاسم في صراعات دولية وإقليمية".
 
وبحسب ما أوضح، فأن المعارك تدور حاليا في مرتفعات جبلية، لها أسلحتها الخاصة، بحيث يكون استخدام المدرعات فيها محدودا، حسب المسالك والطرق المؤدية إليها؛ في حين يجب أن تلعب المدفعية والطيران المسير دورا رئيسيا.
 
وتابع :"اعتقد أن القوات المسلحة تواجه تحديا في هذه المسألة، ولابد أن تحيي دور الطائرات التقليدية، وتعزز قدراتها بالطيران المُسير، وهذه مسألة مهمة جدا".
 
وفضلا عن ذلك- يضيف: "لا بد أن يكون هناك مصادر لتزويد الجيش بالسلاح".. ومع أنه أشار إلى أن "هناك مصادر متعددة بالفعل"، إلا أنه لفت إلى أن هذا الأمر "يرجع بالمقام الأول إلى إرادة التحالف بقيادة السعودية، فإذا كانت متوافقة مع إرادة الحكومة، فاعتقد لن يكون هناك أي مانع أخر".
 
وفي جانب القوة البشرية، دعا الذهب إلى ضرورة القيام بعملية تصحيح حقيقية في التكوينات البشرية للقوات المسلحة، وذلك بالتخلص من القوى الخاملة من خلال الإحالة للتقاعد، واستدعاء الضباط ذوي الكفاءة، بالإضافة إلى إعداد شامل وكامل لفرق من القناصة المحترفين المهنيين.
 
وثمة نقطة في غاية الأهمية، شدد الخبير العسكري، الذهب، عليها، وتتمثل بـ"ضرورة تفعيل دائرة الاستخبارات العسكرية في القوات المسلحة، بطاقة مضاعفة عن ما هو قائم الأن"، حيث أشار إلى أنها تعمل حاليا "بطريقة تقليدية، وعديمة الفائدة"، داعيا الحكومة إلى التركيز على هذا الأمر "لأن الاستخبارات تمثل عين الجيش".
 

الموقف الأمريكي وتبعاته

 جاء التصعيد الحوثي، تجاه مأرب والسعودية، بالتزامن مع الإجراءات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية الجديدة، المتمثلة بوقف الدعم العسكري للتحالف العربي بقيادة السعودية، وتعيين مبعوثا خاصا لليمن، مع شطب المليشيات الحوثية من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية.
 


وتقول واشنطن إن هذه الإجراءات "تهدف إلى إنهاء الحرب، وتحقق السلام في اليمن من خلال المفاوضات السياسية". غير أن الصحفي السلامي، مثل معظم المراقبين، يعتقد أن مثل هذا "التحول الإيجابي، لإدارة بايدن تجاه الحوثي، هو الذي منح الجماعة تلك الجرأة لمهاجمة مأرب، وتصعيد قصف المدن السعودية"..
 
واضاف: "من الواضح أن الإدارة الأمريكية فقدت استراتيجيتها تجاه اليمن.. فمنذ وقت مبكر من إدارة دونالد ترامب، أصبحت القضية اليمنية جزء من علاقة المصلحة بين الرياض وواشنطن، ثم في عهد بايدن تحولت إلى جزء من ملف التفاوض الإيراني"..!!
 
ويستبعد السلامي أن تنجح هذه التحركات الأمريكية الأخيرة في وقف الحرب اليمنية، وفقا للمرجعيات الرئيسية الثلاث (التي تصر عليها الحكومة اليمنية في أي حل سياسي، وهي: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية (2011)؛ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني (2013)؛ وقرار مجلس الأمن الدولي 2216 (2015))..
 
ودون ذلك، يرى أن لا نهاية لهذه الحرب، إلا في حالة هزيمة أحد الطرفين: الشرعية أو الحوثيين.
 
وجاء التصعيد الحوثي الأخير، في مأرب، على هذا النحو المكثف وغير المسبوق، وسط إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن بإقتراب التوصل إلى حل سياسي، ليزيد من ترسيخ قناعة معظم اليمنيين، بأن إمكانية تحقيق السلام والتعايش مع مليشيات الحوثي التابعة لإيران، أمرا مستبعدا، بل ومن المستحيلات..!! ما يجعل من أي حديث، أو تحركات أممية دولية، في هذا الاتجاه، ليس سوى استهلاك للجهد ومضيعة للوقت.
 
وبالنظر إلى كل هذه المعطيات، التي ترجح لنا مؤشراتها، أن لا نهاية للحرب في اليمن ألا عسكريا، وفقا للصحفي كمال السلامي؛ فإن إنهائها لمصلحة الشرعية اليمنية، منوط بحصول جيشها على مصادر تزويد بالسلاح النوعي اللازم للحسم؛ وذلك يرجع بالمقام الأول، إلى توافق إرادة التحالف العربي بقيادة السعودية، مع إرادة الحكومة اليمنية الشرعية، وفقا للمحلل الاستراتيجي علي الذهب.. ولكن قبل فوات الأوان.