على الرغم من البرد القارس يسابق الحاج "أحمد علي 50 عاما" شروق الشمس كل صباح متجها إلى مكان تجمع عمال المهن المختلفة (حراج العمال) في مدخل القاع في العاصمة صنعاء، بحثا عن فرصة عمل لتوفير لقمة العيش لأفراد أسرته على غرار مئات العمال الذين لم يمنعهم البرد من الخروج إلى العمل.
ومنذ بداية يناير الجاري، تشهد العاصمة صنعاء موجة صقيع غير مسبوقة عصفت بالمواطنين، وكانت أكثر قسوة على العمال الذين يضطرون للخروج مبكراً، والجلوس على أرصفة الشوارع، على أمل أن يحصلون على عمل يومي يؤمن قوتهم الضروري.
ترتجف أطرافهم وهم يقاربون بينها ويحركونها بقلق الانتظار بجوار معدات العمل الخاصة بمهنهم اليدوية المتعددة، بعضهم في العقد السادس من عمرة، وتظهر تجاعيد الزمن على وجوههم، بملابسهم الرثة، التي أصبحت مصبوغة بلون الأسمنت، وطلاء الجدران.
معاناة مضاعفة
يقول الحاج "أحمد علي" إن الظروف المعيشية القياسية التي يعاني منها جعلته يتحدى البرد القارس ويسابق شروق الشمس للوصول إلى حراج العمال بانتظار الحصول على العمل، الذي لا يأتي أحيانا حيث يعود إلى سكنة مهموما بتوفير المعيشية.
يوصف الحاج: "أحمد علي" لـ "يمن شباب نت" ساعات الصباح الأولى في صنعاء بأنها تحولت خلال الأيام الماضية إلى أشبه (بثلاجة مركزية لتبريد العمال)، حيث تبدو شوارع صنعاء خاوية من المواطنين لا يوجد فيها سوى نحن العمال.
ويشكو مواطنون في العاصمة صنعاء من اشتداد حدة البرد خلال هذا العام وسط انتشار للأمراض الشتوية مثل الانفلونزا والحمى وغيرها من الأمراض المزمنة في الوقت الذي تعصف بالبلاد ويلات الحرب المدمرة منذ ست سنوات.
أمراض شتوية
يقول الحاج "أحمد علي" - الذي يعمل في مهنة البناء - بأنه أصيب بنزلة برد شديدة أثناء خروجه ذات صباح إلى العمل، وظل نحو أسبوع وهو طريح الفراش داخل غرفته الذي يسكن فيها برفقة مجموعة من العمال من أبناء قريته.
ويشكو الحاج "علي" من تقدم عُمرة حيث أصبحت أمراض البرد تفتك به وتؤثر عليه بشكل كبير، بعكس العمال الذين لا يزالون في مرحلة الشباب، فهم يستطيعون مقاومة البرد، وقال: "ليس بوسعنا أن نعمل شيء سوى الصبر وتحمل البرد القارس في سبيل الحصول على لقمة العيش".
وتتفاقم معاناته مع غربته عن أسرته التي تعيش في إحدى قرى محافظة إب التي ينحدر منها، ويسكن في غرفة إيجار بدور أرضي بلا تهوية مع آخرين، وقال: "عندما مرضت خسرت عمل كنت سأحصل عليه ونفذ كل مصروفي، ولم أستطع إرسال مصروف لأسرتي في القرية، لذا مشكلتنا مضاعفة في الكفاح من أجل توفير الأكل والشرب فقط".
وكانت قد انخفضت درجات الحرارة في العاصمة صنعاء خلال الأيام الماضية وضاعف معاناة كل الناس، لكنه كان أشد وطأة على العمال باليومية الذين يفتقرون إلى التغذية الجيدة ويعيشون في ظروف لا توفر لهم أدنى المعيشية الكريمة، حيث يسكن غالبيتهم في دكاكين تنعدم فيها أبسط الإمكانيات للوقاية من برد الشتاء القارس.
محاولة التخفيف من قسوة البرد والمعيشية
في محاولة للتخفيف من وطأة البرد القارس، يقول "محمود صالح" - عامل بمهنة السباكة -، "أن ومجموعة من العمل نشعل النار كل صباح بالكراتين، بحثا عن الدفء، أثناء انتظارنا الحصول على فرصة عمل يومية تعود علينا بالمال الزهيد".
وأضاف في حديث لـ "يمن شباب نت"، نحاول دائما أن نتعاون فيما بيننا حتى بتقاسم قيمة وجبات الطعام، فمن لا يعمل نحاول ان نوفر له الطعام، فنقوم بتقاسم قيمة الطعام الذي نأكله، وفي العادة نبحث عن الوجبات الأرخص، الأهم أن نسد بها الجوع فقط، من أجل توفير المال لمصروف أسرنا التي نعمل لأجلها.
وأثقلت الأزمات والحرب كاهل المواطن اليمني، حيث أصبح توفير المعيشية اليومي أصعب المهام التي يقوم بها رب الأسرة، في ظل الارتفاع القياسي في أسعار السلع الأساسية وعدم وجود أي دخل مادي منتظم، وخاصة في فئة عمال المهن اليومية الذين هم الأكثر تضرراً في معيشتهم.
ويفاقم "البرد القارس" وجع المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر نتيجة حالة الحرب وانعدام فرص العمل وارتفاع أسعار المواد الغذائية والخدمات الأساسية بشكل غير مسبوق، وتبقى الفئات الهشة في المجتمع أكثر عرضة للأمراض، يبحثون عن "دفئ" والحد الأدنى من المعيشية.