شهد العام المنصرم (2020) أحداثا دراماتيكية متنوعة، أثرت على الوضع العام للأزمة اليمنية، مما ضاعف من تعقيداتها، وحالت دون التوصل إلى أي إتفاقات جديدة على مستوى حلحلة الحرب الدائرة في البلاد، التي شارفت على نهاية عامها السادس.
عسكريا؛ هيمنت المعارك المسلحة، الدائرة في عدد من المحافظات المشتعلة، على المشهد العام، الذي شهد بعض التحولات في خارطة السيطرة بين الحكومة الشرعية ومليشيات الحوثي الانقلابية، في الجبهات الشمالية الشرقية بشكل خاص.
ومثّل العام 2020، انتكاسات عسكرية للحكومة الشرعية، التي كانت قد وضعت في أعتبارها عددا من الأهداف والطموحات لتحقيقها خلال العام الماضي، بشأن استعادة مؤسسات الدولة وتحرير المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
أما سياسيا؛ فلم تحدث أي أختراقات مؤثرة على مستوى الحوارات التي يجريها المبعوث الأممي إلى اليمن بين الحكومة الشرعية والمتمردين الحوثيين. إلا أن تغييرًا إيجابيا طرأ، مع نهاية العام 2020، على مستوى الأزمة القائمة بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي (المدعوم إماراتيًا).
أولًا: المشهد العسكري
موجز عام:
شهدت مختلف جبهات البلاد المشتعلة معارك عنيفة بين قوات الحكومة الشرعية ومليشيات الحوثي، حقق خلالها الطرفان تقدمات ميدانية متفاوتة في عدد من المناطق، وتحديدا على مستوى المثلث المحصور بين محافظات: صنعاء، مأرب، والجوف؛ التي مثلث المسرح الأبرز للعمليات العسكرية خلال العام.
بالنسبة للجبهات الأخرى المشتعلة، في: تعز، الضالع، صعدة، البيضاء، وحجة؛ فقد شهدت أيضًا معارك أقل شراسة، طوال العام، تمثلت معظمها بشكل معارك "كر وفر" بين الطرفين، وتمكنت خلالها قوات الجيش الوطني من إحراز تقدمات ميدانية بسيطة.
وكانت مليشيات الحوثي دشنت معاركها العسكرية خلال العام 2020، بشن هجمات صاروخية مركزة على مواقع للجيش اليمني، أستهدفت إحداها معسكرا تابعا للمجلس الانتقالي الجنوبي في محافظة الضالع (جنوب)، في 7 يناير/ كانون الثاني، وخلّفت 15 قتيلًا وجريحًا.
وفي هجوم صاروخي آخر، وهو الهجوم الأكثر تأثيرا ونتيجة خلال العام، استهدفت الميليشيات الانقلابية، في 18 من شهر يناير ايضا، مسجدا بمعسكر تابع للقوات الحكومية في مأرب، أسفر عن مقتل 110 جنديًا، وإصابة أكثر من 70 آخرين..
وعلى المستوى الخارجي، كثفت مليشيات الحوثي، في الربع الأخير من العام، هجماتها الصاروخية والجوية، باستخدام الصواريخ الباليستية والطيران المسير، على مواقع ومنشآت نفطية ومدنية داخل الأراضي السعودية، كما استخدمت قوارب آلية مفخخة في استهداف السفن السعودية.
التفاصيل:
وبشكل عام، رصد "يمن شباب نت" أبرز التطورات العسكرية في مختلف جبهات البلاد المشتعلة، وفقا لتسلسلها التاريخي خلال العام 2020، والتي نستعرضها معكم، هنا، بحسب كل منطقة (جبهة قتالية)، على النحو التالي:
(أ) جبهات شمال شرق البلاد
مع نهاية العام 2019، ومطلع العام 2020 حتى نهايته، شهدت الجبهات المشتعلة، شمال شرق اليمن، أعنف وأشد المعارك العسكرية بين القوات الحكومية الشرعية وقوات المتمردين الحوثيين. وشملت هذه الجبهات: مديرية "نِهمّْ" شرق محافظة صنعاء؛ ومحافظتي الجوف ومأرب، شمال شرق اليمن.
محافظة صنعاء
تكتسب مديرية "نهم"- ذات التضاريس الجبلية الوعرة والقاسية- أهمية استراتيجية كبرى، كونها تمثل البوابة الشرقية للعاصمة صنعاء التي تبعد عنها حوالي 50 كلم فقط. فضلا عن ارتباطها بمحافظة مأرب- شرقا- والتي باتت تشكل ثقلا عسكريا وسياسيا للحكومة الشرعية في الشمال؛ إلى جانب ارتباطها أيضا بمحافظة الجوف، أكبر محافظات الشمال، وعلى الحدود مع المملكة السعودية.
منذ أوآخر العام 2016، والجيش الوطني يفرض سيطرته على معظم مديرية "نهم". وعلى مدى عامين بعدها، ظل الهدوء الحذر يسود هذه الجبهة، حيث ظل الطرفان يخوضان فيها معارك محدودة، انحصرت معظمها عبر القصف المدفعي المتبادل عن بُعد..
ومع منتصف شهر يناير/ كانون الثاني 2020، حشدت ميليشيا الحوثي تعزيزات كبيرة من مقاتليها على أكثر من محور، لتتمكن- بعد معارك سريعة شرسة- من بسط سيطرتها على أجزاء كبيرة ومهمة من مديرية نهم، كانت تقع تحت سيطرة الجيش الوطني، ما مكنها من التقدم سريعا إلى منطقة المفرق (مثلث): الجوف- مأرب- صنعاء، والسيطرة عليه.
وشكل تقدم الحوثيين في مديرية نهم انتكاسة كبيرة لقوات الجيش الوطني. مع أن وزارة الدفاع اليمنية الشرعية بررت ما حدث، حينها، على أنها نتيجة "انسحابات تكتيكية".
وفي 21 من الشهر نفسه (يناير)، أعلنت قوات الجيش استعادة سلسلة جبلية، في ميمنة جبهة نهم، من قبضة الحوثيين، لتشهد الجبهة- عقب ذلك- هدوءًا نسبيا، لا سيما بعد إعلان التحالف العربي بقيادة السعودية هدنة، من جانب واحد، بدأت في 9 أبريل/ نيسان، استجابة لدعوة الأمم المتحدة بوقف القتال في عموم البلاد من أجل إفساح المجال للجهود الدولية في منع تفشي وباء كورونا في اليمن.
في الواقع، استمرت تلك الهدنة مدة أسبوعين فقط، نتيجة خرقها من قبل الحوثيين، الذين كانوا بالأساس قد أعلنوا رفضهم للهدنة من بدايتها، لتتجدد المواجهات العسكرية في نهم، مع أواخر شهر أبريل/ نيسان. وبعد معارك عنيفة تمكنت قوات الجيش من استعادة السيطرة على "معسكر طارق"، ذو الأهمية الاستراتيجية، كونه يطل على الطريق الرئيسي في مديرية نهم.
بعد ذلك، شهدت الجبهة معارك متقطعة، في ظل محاولات فاشلة للحوثيين للتسلل، بين الحين والآخر. وفي أكثر من مرة أعلن الجيش الوطني تصديه لتلك المحاولات وإحباطها. وفي 15 أغسطس/آب، أعلن الجيش تحرير مواقع ومرتفعات جديدة بإتجاه جبال "بحرة" في جبهة "نجد العتق". لينتهي العام 2020، على هذا الوضع، دون حدوث أي تغييرات ميدانية على مستوى هذه الجبهة بمديرية نهم.
محافظة الجوف
شكلّت المعارك العسكرية في جبهات المحافظتين المتجاورتين (الجوف، مأرب)، الحدث العسكري الأبرز خلال العام 2020، من حيث حدة المواجهات وشراستها (لا تزال مستمرة حتى الأن)، ولما شهدته من تغييرات مؤثرة في جغرافية السيطرة السابقة.
في الـ19 يناير/ كانون الثاني، بدأ الحوثيون هجوما واسعا على محافظة الجوف، التي تعد أكبر المحافظات الشمالية مساحة (الثالثة على مستوى الجمهورية)، بغية السيطرة عليها، وذلك لسببين- كما يُعتقد- الأول: لتطويق محافظة مأرب بإعتبارها الهدف الاستراتيجي العسكري الأهم للميليشيات؛ والأخر: لكونها تشترك بحدود جغرافية مع محافظة صعدة (مركز الجماعة)، كما تشترك أيضا بحدود جغرافية مع المملكة السعودية.
لأسابيع استمرت المعارك العنيفة مصحوبة بغارات للتحالف العربي، لكن دون إحراز تقدم ميداني للطرفين. وفي 14 فبراير/شباط، أعلنت مليشيات الحوثي إسقاط مقاتلة سعودية من نوع "تورنيدو" بواسطة صاروخ أرض- جو، وأسر طاقمها السعودي المكون من ضابطين.
وتركزت أعين الحوثيين على مدينة "الحزم"، مركز المحافظة الخاضعة لسيطرة قوات الحكومة الشرعية منذ ديسمبر/كانون الأول 2015. لذلك عزز المتمردون موقفهم بتعزيزات بشرية ضخمة، وشنوا هجمات مكثفة من ثلاثة محاور رئيسية هي: خب الشغف (شمال)، والمتون والغيل (غرب).
وبعد أسابيع من المواجهات الشرسة، تمكنت الميليشيات، في الأول من شهر مارس/ آذار، من اسقاط مديرية "الغيل" بمساندة قبائل الأشراف المرتبطة معهم مذهبيا. ومنها واصل الحوثيون التقدم نحو مدينة الحزم، التي كانت تبعد عنها 25 كلم فقط، ليفرضوا سيطرتهم على مركز المحافظة أيضا.
تلك التقدمات دفعت بالحوثيين، لاحقًا، إلى شنّ عمليات واسعة من محوري: صرواح بمأرب؛ ومفرق الجوف، بغية اجتياح محافظة مأرب، لكنها ظلت تواجه صدا قويا من قبل قوات الجيش الوطني. وبالتزامن مع تلك التصعيدات العسكرية، وصل المبعوث الأممي "مارتن غريفيث" إلى محافظة مأرب في 7 مارس، في زيارة هي الأولى للمحافظة منذ توليه المنصب قبل عامين، في مسعى لوقف القتال، غير أن مساعيه تلك باءت بالفشل، لتستمر وتيرة المعارك في محافظة الجوف على أشدها.
وفي التاسع من شهر مارس نفسه، أعلن الجيش الوطني استعادة السيطرة على بلدتي "اليتمة" و"المهاشمة" بمديرية "خب والشعف"- شمال المحافظة- بعد يوم واحد من اقتحامها من قبل الحوثيين. وبعدها بشهر تقريبا، أكد الجيش، في 8 أبريل/ نيسان، استعادة السيطرة على معسكر "اللبنات" الاستراتيجي، وتطهير عدد من المواقع والجبال في مناطق اللبنات العليا والسفلى، وذلك بعد أكثر من أسبوع على سيطرة الحوثيين عليه. لكن، لم يمضي سوى نصف شهر حتى أعلنت مليشيات الحوثي، في 24 من الشهر، الاستيلاء مجددا على المعسكر، المطل على أجزاء من محيط محافظة مأرب، كما يتم من خلاله تأمين الطرقات المؤدية إلى جبهات القتال في مناطق أخرى بالجوف.
في 10 أبريل/نيسان، أعلنت قوات الجيش الوطني بدأ عملية عسكرية واسعة لاستعادة مدينة الحزم من أيدي الحوثيين. ومع ازدياد حدة المعارك، تمكن الجيش الوطني، في منتصف يونيو/حزيران، من تحرير عدد من المواقع العسكرية ذات الأهمية الاستراتيجية، أبرزها: موقع العرق الأسود، وسلسلة جبال الأقشع- وفق ما أعلنه حينها القائم بأعمال قائد المنطقة العسكرية السادسة اللواء الركن أمين الوائلي.
خلال شهري أغسطس/آب، وسبتمبر/أيلول حققت قوات الجيش الوطني اختراقات ميدانية باتجاه مدينة "الحزم"، عاصمة المحافظة، من خلال سيطرتها على عدة مناطق ومواقع استراتيجية هناك، أبرزها جبال وصحراء جبهات "الحبيل" و"الشهلا"- شرق الحزم- بالإضافة إلى السيطرة على معسكر "الخنجر" الاستراتيجي بالكامل، الواقع شمال مركز المحافظة. وتكمن أهمية هذا المعسكر كونه يتحكم بطرق رئيسية في مديرية "خب والشعف"، التي تشكل حوالي ثلثي مساحة محافظة الجوف.
ووفقا لأخر تصريحات لمحافظ الجوف اللواء أمين العكيمي، فإن قوات الجيش "أصبحت تطوق مدينة الحزم عاصمة المحافظة من ثلاثة اتجاهات".
مأرب
تعتبر محافظة مأرب ذات أهمية استراتيجية بالغة؛ اقتصاديا وعسكريا وسياسيا؛ كونها غنية بالنفط، وتضم مقر وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة، وتحتضن معظم مسؤولي الدولة المتواجدين داخل البلاد، بالإضافة إلى نحو مليوني نازح قدموا إليها من مختلف المحافظات.
لذلك، تسعى ميليشيات الحوثي للسيطرة عليها، بكافة السبل والوسائل. ومنذ بداية الحرب، تعرضت المحافظة، بشكل خاص، لهجمات صاروخية مكثفة.
ومع بداية العام 2020، وتحديدا في 18 يناير/ كانون الثاني، أطلقت الميليشيات الانقلابية صاروخا باليستيا، استهدف مسجدا بمعسكر تدريبي تابع للقوات الحكومية في مأرب. ولأن توقيت سقوط الصاروخ كان أثناء صلاة المغرب، فقد أسفر عن مقتل 110 جنديًا، وإصابة أكثر من 70 آخرين. وهو الهجوم الذي عدّهُ مراقبون أنه جاء كردة فعل، من ذراع إيران في اليمن، إنتقاما لمقتل قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، الذي أغتيل بغارة أمريكية في العراق مطلع العام 2020.
كما أن التصعيد العسكري الأخير، للحوثيين، على مأرب، رافقه قصف صاروخي متكرر استهدف أحيانًا مقرات تابعة للجيش وأحيانًا أخرى أحياء سكنية.
وقد عزز التقدم الذي أحرزته الميليشيات في جبهة نهم، وكذا سيطرتها على عاصمة الجوف، من طموحها في التقدم ناحية محافظة مأرب، غير أن كافة محاولاتها المستميتة باءت بالفشل حتى الأن.
في مارس/آذار، هاجمت قوات الجيش مواقع للحوثيين، وتمكنت من تحرير مواقع مهمة في جبهة صرواح- غرب مأرب- وصولًا إلى مشارف سوق صرواح.
وفي الأول من شهر أبريل/نيسان، أعلنت قوات الجيش، مسنودة بالقبائل، السيطرة على أجزاء واسعة من جبل "هيلان" بعد معارك عنيفة مع المتمردين الحوثيين. حيث يعتبر جبل "هيلان" من أهم الجبال الاستراتيجية، كونه يطل على مناطق واسعة من مديريتي صرواح ومدغل، فضلًا عن كونه يشرف على خطوط الإمداد الحوثية إلى الجبهات الأمامية في أطراف مأرب، وجبهات نهم، وأطراف محافظة الجوف. وكان الحوثيون يستخدمون الجبل لإطلاق الصواريخ على الأحياءال سكنية في مركز المحافظة، وفقا لتصريحات مسؤولين حكوميين وعسكريين بالمحافظة.
في أواخر مايو/أيار، أطلق الحوثيون صاروخا باليستيا استهدف معسكر "صحن الجن"، الذي تتخذه وزارة الدفاع ورئاسة أركان الجيش مقرا مؤقتا لها. وأسفر القصف عن مقتل سبعة عسكريين بينهم ضابطان ونجل رئيس أركان الجيش.
وخلال شهري يونيو/حزيران، ويوليو/تموز، شهدت جبهات مأرب معارك متقطعة بين الجيش الوطني ومليشيات الحوثي.. حتى أغسطس/ آب، حيث شهد الوضع تصعيدا عسكريًا عندما هاجم الحوثيون مديريتي "ماهيلة" و"رحبة"، وأحرزوا تقدما ميدانيًا في عدة المناطق، لكن سرعان ما تمكنت قوات الجيش من استعادة بعض تلك المناطق.
حاولت مليشيات الحوثي مرارًا التقدم باتجاه مأرب، لكن كافة مساعيها باءت بالفشل نظرًا لاستماته الجيش مسنودا بمسلحي القبائل، والتدخل الفاعل لطيران التحالف العربي في المعارك.
ووفقا لإحصائية حديثة لوزارة الدفاع اليمنية، قُتل وأصيب أكثر من 1900 حوثيا، بينهم نحو 44 قياديًا، في المعارك الدائرة في مأرب، خلال الفترة ما بين مطلع أغسطس/ آب، و10 أكتوبر/ تشرين الأول. كما تم تدمير ما يزيد على 100 سيارة عسكرية، و30 عربة نوع BMB ومصفحات ودبابتين، وإسقاط طائرتين مسيرتين.
وتعكس تلك الحصيلة الكبيرة في خسائر مليشيات الحوثي، مدى استماتها، ورغبتها الشديدة في التقدم نحو مأرب، رغم الإخفاقات المتكررة، والفشل المتواصل الذي منيت به خلال الفترة السابقة.
وعلى مدى العام المنصرم (2020)، ظلت مأرب، ومحيطها الجغرافي، تشهد معارك عنيفة متواصلة، على وقع تحولات بدأت لمصلحة الميليشيات، ليتبدل المسار تدريجيا لمصلحة القوات الحكومية، التي تمكنت- مع نهاية العام- من استعادة العديد من المواقع من قبضة الحوثيين، كان آخرها- حتى الأن- تحرير السلسلة الجبلية المطلة على "وادي السلام" في مديرية "رغوان"، شمال غرب المحافظة.
(ب) جبهات الشمال
محافظة صعدة
الوضع العسكري في جبهات صعدة، (أقصى شمال البلاد)، شهد خلال العام 2020 ركودًا غير مسبوق؛ على عكس ما كان عليه العام الذي سبقه (2019). حيث كان الطرفان في وضعيتي الهجوم والدفاع. مع ملاحظة تحقيق تقدمات ميدانية طفيفة، خصوصًا قوات الجيش التي سيطرت على مناطق ذات أهمية استراتيجية.
وطيلة العام 2020، شهدت جبهات محافظات صعدة معارك متقطعة بين قوات الجيش الوطني، وبين ميليشيات الحوثي؛ تمكنت الأولى- مسنودة بغارات لمقاتلات التحالف العربي- من استعادة وتحرير مناطق وجبال استراتيجية في ثلاث مديريات، هي: قطاير، مران، وباقم.
ومن أهم المناطق التي سيطر عليها الجيش الوطني في صعدة، هي: جبل "العقيم"، المطل على جبال "المسطبة" و"المروي" بمديرية مران؛ ومواقع أخرى في منطقة "الجروف" المطلة على الخط الدولي، الذي يربط اليمن بالسعودية؛ بالإضافة إلى منطقة المزارع المحيطة بمركز مديرية باقم.
وربط مراقبون، تراجع حدة المعارك في جبهات صعدة، هذا العام، بالمعلومات المسربة التي تكشف عن وجود مفاوضات سرية و"قنوات مفتوحة" بين الحوثيين والسعودية.
(جـ) جبهات المنطقة الوسطى:
البيضاء
وفي محافظة البيضاء (وسط البلاد)، شهدت جبهات "قانية" و"ناطع" و"الملاجم"، معارك متقطعة بين قوات الجيش ومليشيات الحوثي؛ تمكنت خلالها قوات الشرعية من استعادة وتحرير عدد من المواقع والمناطق. فيما أعتبرت أزمة قبائل "ردمان" مع الحوثيين هي الأكثر تأثيرا وبروزا على المشهد بالمحافظة..
مع أن العام 2020، أطل على المحافظة مع هدوء نسبي، مشوب بالحذر، على كافة الجبهات، إلا أن ربعه الأول ما كاد ينتهي حتى شهدت جبهة "قانية" اشتعالا عنيفا في المواجهات، إثر هجوم شنته قوات الجيش على مواقع المتمردين الحوثيين، تمكنت خلاله من استعادة مواقع "القطور" و"التباب السود".
كما فرضت قوات الجيش، في السابع من شهر أبريل/ نيسان، سيطرتها على "جبل الكبار" في منطقة "فضحة" بمديرية "الملاجم"، المحاذية لمديرية "ناطع".
وقبل نهاية الشهر نفسه، وتحديدا في 29 أبريل، تفجرت الأزمة بين المتمردين الحوثيين، وقبائل "آل عوض" بمديرية ردمان، على إثر مقتل امرأة تدعى "جهاد الأصبحي"، على يد مشرف حوثي، عقب مداهمة منزلها بحجة البحث عن "مطلوبين" للجماعة.
ولنحو شهر ونصف، استمر التوتر بين القبائل والمتمردين الحوثيين، مع فشل الدعوات القبلية لحل القضية، ورفض الميليشيات لمطالب القبائل ولجان الوساطة، القاضية بتسليم الجناة للمحاكمة. وبلغ التوتر ذروته مع إعلان الشيخ ياسر العواضي، عضو البرلمان اليمني، واللجنة العامة لحزب المؤتمر الشعبي العام، ما يعرف بـ"النكف القبلي" لمواجهة الحوثيين.
وفي 17 يونيو/حزيران شنّ الحوثيون عملية عسكرية ضد قبائل "ردمان"، وعلى مدى ثلاثة أيام واجه خلالها مسلحو القبائل، المتمردين الحوثيين، بأسلحة متوسطة، لتنتهي المواجهات بسيطرة الحوثيين على مركز مديرية ردمان. وانسحب ما تبقى من مقاتلي القبائل، وعلى رأسهم الشيخ ياسر العواضي، الذي لجأ إلى محافظة مأرب الخاضعة لسيطرة قوات الجيش..
وفي الربع الثالث من العام 2020، نجحت قوات الجيش من السيطرة على جبل "صوران" الاستراتيجي في مديرية "ناطع"، بعد مواجهات عنيفة مع مسلحي الحوثي. ويعد جبل "صوران" من أهم المواقع في المديرية، كونه يطل على مناطق في المديرية نفسها، إلى جانب مناطق أخرى في مديرية "الملاجم" المجاورة.
(د) جبهات الجنوب
الضالع
الوضع العسكري في جبهات محافظة الضالع، جنوب البلاد، لا يختلف كثيرًا عن الوضع في صعدة، من حيث تراجع حدة المعارك.
وافتتح الحوثيون العام الماضي (2020)، بهجوم صاروخي استهدف معسكر "الصدرين" الواقع بمنطقة مريس، شمالي الضالع، ما أسفر عن مقتل وإصابة 15 جنديًا.
وفيما يتعلق بالمواجهات الميدانية، فقد دارت معارك متكررة في جبهتين رئيستين في الضالع، الأولى جبهة "قعطبة" والثانية جبهة "مريس"، وأعلنت خلالها القوات الحكومية تحرير بلدات "الخرازة"، و"القرحة"، وأجزاء شمالية من قرية "حبيل العِبدي"، و"تبة الهوى"، و"قرن الليث" في مديرية "قعطبة".
(هـ) بقية الجبهات المشتعلة
محافظة تعز، (جنوب غرب)، شهدت هي الأخرى معارك محدودة، متفاوتة الحدة، خلال العام الماضي، على الرغم من بعض المحاولات التي خاضتها قوات الجيش للتقدم واستعادة مواقع من قبضة الحوثيين، لكن تلك المحاولات لم يكتب لها النجاح المطلوب، فيما ما زالت بعضها مستمرة على أشدها حتى الأن.
كما أن مليشيات الحوثي، في المقابل، شنت هجمات متكررة على مواقع للجيش، في محاولة منها لاستعادة مناطق خسرتها في الأعوام الماضية، إلا أنها مُنيت بالفشل أيضا.
الحديدة، جبهة الساحل الغربي، شهدت المحافظة خلال العام الماضي مواجهات متقطعة بين الحوثيين والقوات المشتركة، تصاعدت حدتها في سبتمبر/ أيلول، لكنها سرعان ما خبت بفعل الضغوط الأممية المشددة لوقف إطلاق النار، لتنتهي دون أن يحرز الطرفان أي تقدم يذكر.
محافظة حجة، شمال غرب البلاد، ظل الوضع القتالي، خلال العام 2020، على ما هو عليه "شبه متوقف". وفيما عدى "مناوشات" طفيفة بين الفينة والأخرى، لم تشهد المحافظة أي حراك عسكري، إلى ما قبل الأسبوع الأخير من نهاية العام، حيث أندلعت فجأة، في 23 ديسمبر/ كانون الأول، معارك وصفت أنها الأعنف منذ نحو عام، بين الجيش والحوثيين في مديرية "عبس"، المحاذية للسعودية، وفي جبهتي "ميدي" و"حيران"، إثر هجوم شنته مليشيات الحوثي، بعد تحشيد استمر لأسابيع من عبس ومستبأ، ولم يحرز فيه أي تقدم لأي طرف، حتى نهاية العام.
سفير إيران بصنعاء
في 17 أكتوبر/ تشرين الأول، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية تعيين القيادي في الحرس الثوري الإيراني، "حسن إيرلو"، سفيرًا "فوق العادة بصلاحيات مطلقة لطهران" لدى الحوثيين بصنعاء.
ومع أن كيفية وصول "إيرلو" إلى صنعاء ما تزال غامضة حتى الأن، وكذا التوقيت الحقيقي لوصوله، إلا أن هذا الحدث شكّل تحولا هاما في العام 2020، حيث يعتقد كثيرون أنه أسهمَ في بعض التحولات الجوهرية في الجانب القتالي للحوثيين.
فمنذ وصول الرجل صنعاء، تصاعدت هجمات الحوثيين عبر الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، على مدن ومنشآت في العمق السعودي، أبرزها هجمات 24 نوفمبر/تشرين الثاني التي استهدفت منشأة نفطية بمدينة جدة تابعة لشركة أرامكو (أكبر شركة نفطية بالعالم) غرب المملكة..
تبنى الحوثيون الهجوم، الذي قالوا إنهم استخدموا فيه "صاروخ مجنح من نوع قدس-2"، أصاب أحد الخزانات النفطية للمنشأة، وأدى إلى اندلاع حريق استمر لقرابة 40 دقيقة، بالإضافة إحداث فجوة كبيرة في الخزان تبلغ مساحتها حوالى مترين في مترين، ما تسبب بإيقاف عملية التوزيع من المحطة التي توفر المنتجات المكررّة- وفقا لتصريحات صحفية لمدير محطّة توزيع جدة، الشمالية، عبدالله الغامدي.
ودفع تكثيف الحوثيون هجماتهم على السعودية، مؤخرا، بواسطة الطائرات المسيرة المفخخة، بواشنطن إلى تحذير رعاياها في الرياض من احتمالية وقوع هجمات صاروخية مركزة، ودعتهم إلى أن "يكونوا في حالة تأهب".
وبحسب التحالف، أطلق الحوثيون، في ظرف أقل من أسبوع (ما بين 25-28 أكتوبر/ تشرين الأول)، أكثر من 13 طائرة مسيرة وصاروخ باليستي، أعلن التحالف العربي اعتراض جميعها.
ويعتقد مراقبون أن تكثيف الحوثيين هجماتهم الجوية ضد المنشأت السعودية، يأتي ضمن محاولات إيران- عبر مبعوثها الجديد في صنعاء "إيرلو"- رفع وتيرة مخاوف الرياض من قدرات طهران على استهدافها في العمق، عبر وكلائها في اليمن، في الوقت الذي يستفيد فيه الحوثيون بالضغط على المملكة للتوصل إلى مقايضة يتم بموجبها إيقاف تلك الهجمات، مقابل توقف الرياض عن تنفيذ ضربات جوية ضدهم.
أحداث الجنوب
منذ التحول الكبير، على المستوى الميداني العسكري، الذي شهدته محافظات عدن وأبين وشبوة، منتصف العام 2019، حتى نهايته، لم تشهد المحافظات الواقعة جنوب البلاد، أي تحركات عسكرية ميدانية مؤثرة، خلال العام الفائت، فيما عدى بعض المناوشات المتجددة بين الحين والأخر بين القوات الحكومية وبين ميليشيات المجلس الإنتقالي على خطوط التماس بمحافظة أبين، على وقع العراقيل التي واجهت تنفيذ إتفاق الرياض (الموقع بين الطرفين في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019).
التحول الميداني الكبير، جنوبا، أقتصر فقط على محافظة أرخبيل سوقطرة، والمتمثل بإحتلال ميليشيات المجلس الإنتقالي على المحافظة.
السيطرة على سقطرى
مثّلت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي (المدعوم من الإمارات)، على محافظة أرخبيل سقطرى (جنوب شرق)، أبرز الأحداث في اليمن، خلال العام الماضي، من غير الحرب الرئيسية الدائرة في البلاد منذ ست سنوات.
الجزيرة "المسالمة"، التي لم تصلها حرب الحوثيين، تحوّلت في الأعوام الثلاثة الماضية إلى محطة نزاع وصراع بين الحكومة والإمارات، بلغت ذروته منتصف العام 2018، حين أرسلت أبوظبي قوات وآليات عسكرية تابعة لها إلى المحافظة، بهدف فرض سيطرتها عليها.
تدخلت السعودية، حينها لنزع الفتيل، عبر إرسال قوات تابعة لها لتحل نيابة عن القوات الإماراتية. لكن الأخيرة لم يهدأ لها بال، حتى تمكنت من دعم وتقوية وكلائها الانفصاليين بالمحافظة- كما عملت مع بقية المحافظات الجنوبية. لذلك، وخلال العام الفائت (2020)، لم تعرف الجزيرة أي هدوء أو سلام دائم، نتيجة لما شهدته من تمردات عسكرية وأمنية تسببت بها قوات وأنصار المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات.
وفي 30 أبريل/ نيسان، و1 مايو/ أيار الماضيين، أفشلت القوات الحكومية بالمحافظة محاولتين انقلابيتين لقوات المجلس الانتقالي وكتائب عسكرية متمردة، موالية للمجلس.
وفي يونيو/حزيران الماضي، حشد المجلس الانتقالي قواته في سقطرى، مع قوات أخرى استقدمها من خارج الأرخبيل، للسيطرة على الجزيرة؛ ما تسبب في إندلاع مواجهات مسلحة مع القوات الموالية للحكومة الشرعية، انتهت بسيطرة ميليشيا الإمارات المحلية على العاصمة "حديبو"، في 19 من الشهر، الأمر الذي اعتبرته الحكومة "انقلابا" عليها.
سبق سيطرة المجلس الانتقالي على سقطرى، بخطوات تصعيدية ضد الحكومة تمثلت في إعلان ما يسمى بـ"الإدارة الذاتية" للمحافظات الخاضعة لسيطرته، جنوب اليمن، وإعلان حالة الطوارئ العامة في مدينة عدن، وقوبل ذلك الإعلان برفض محلي وعربي ودولي واسع.
لم تدم الإدارة الذاتية سوى ثلاثة اشهر، حتى تخلى المجلس الانتقالي عنها، عقب إعلان التحالف العربي أواخر يوليو/تموز آلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض. وتتضمن الآلية تخلي المجلس الانتقالي عن الإدارة الذاتية وتشكيل حكومة كفاءات مناصفة بين الجنوب والشمال، ووقف إطلاق النار بين القوات الحكومية والمجلس الانتقالي، بالإضافة إلى خروج القوات العسكرية من عدن إلى خارج المحافظة وفصل قوات الطرفين في (أبين) وإعادتها إلى مواقعها السابقة.
تحولات عسكرية
وتعليقًا على المشهد العسكري العام في البلاد، خلال العام الفائت (2020)، بناء على ما سبق استعراضه، يرى المحلل السياسي في الشئون الاستراتيجية والعسكرية، علي الذهب، أن إنحصار الحراك العسكري الأكبر على مسارح العمليات في (مناطق) الوسط، أو في الداخل، في العمق، وتلاشيه في الأطراف، جاء كـ"نتيجة لتداعيات (عوامل) سابقه حدثت في العام 2019".
وأوضح لـ"يمن شباب نت"، أن أهم وأبرز تلك التداعيات (العوامل)، تتمثل في "انقلاب المجلس الانتقالي الجنوبي على الحكومة الشرعية في أغسطس/آب 2019، ما أثّر في كفاءة، وفعالية قوات الجيش الحكومي".
وعليه، يعتقد الذهب، أن ذلك "أغرى الحوثيين بالتقدم، أو بترك القتال، أو تخفيف حدته، في الأطراف، والتقدم نحو المناطق الأمامية، ليحرزوا تقدمًا كبيرًا في محافظات الجوف ومأرب وصنعاء، فضلًا عن أجزاء من البيضاء".
ومن ضمن العوامل أيضًا، يضيف الذهب: "اتفاق ستوكهولم، الذي مكّنّ الحوثيين من دفع القوات من الحديدة إلى مناطق الوسط". وجاء أتفاق ستوكهولم، الموقع بين الحكومة الشرعية وميليشيات الحوثي في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2018، لإيقاف الحرب في محافظة الحديدة، بشكل خاص، وإعادة إنتشار قوات الطرفين بناء على خطة يشرف عليها فريق تابع للأمم المتحدة، معين من قبل المبعوث الأممي إلى اليمن. ولم ينجح الإتفاق سوى في إيقاف تقدم القوات الحكومية صوب ميناء الحديدة، فيما عجز عن استكمال تنفذ بقية البنود حتى الأن..!!
كما يذكر الخبير الاستراتيجي، الذهب، عاملا آخر، يتمثل بـ"المبادرة التي وجهها الحوثيون إلى السعودية، وهي مبادرة المعاملة بالمثل، والتي على ضوئها جُمِّدت العمليات العسكرية، هذا العام، في الجبهة الشمالية الغربية في صعدة وحجة".
وفضلا عن ذلك، يرى الذهب أن هناك تحولات طرأت في الوضع العسكري، وأثرت على سير المجريات الميدانية، وأهمها- كما يقول: "إحداث تغييرات في القيادات العسكرية الرئيسية، وأبرزها تعيين رئيس جديد لأركان الجيش"- في إشارة القرار الجمهوري الصادر في 28 فبراير/شباط 2020، بتعيين اللواء الركن صغير حمود عزيز، رئيساً لهيئة الأركان العامة، خلفًا للفريق الركن عبدالله النخعي.
وأعتبر الذهب أن ذلك التغيير "أحدث تحولا في العمليات المضادة باتجاه الجوف، وأحرزت تقدمات كبيرة، فضلًا عن صد الحوثيين في مأرب..".
كما أشار، في هذا السياق أيضا، إلى قرار السعودية، الصادر في 1 سبتمبر/ أيلول الماضي، بإقالة قائد القوات المشتركة للتحالف في اليمن، الأمير فهد بن تركي، بإعتباره خطوة "أثرت أيضا في الجانب العسكري، وجمدت العمليات بشكل أكبر في صعدة وحجة".
ثانيا: المشهد السياسي
الإعلان المشترك
استهل المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، العام 2020، بحالة من التشاؤم، واعتبر إحراز تقدم على المسار السياسي بين الأطراف المعنية، بأنه تحدٍ كبير.
عقد غريفيث ودبلوماسيين غربيين سلسلة مباحثات مع الأطراف اليمنية بالإضافة إلى السعودية وعُمان، ضمن مساعٍ أممية لإقناع الحكومة والحوثيين بإيقاف المعارك والعودة إلى المفاوضات، لكن تلك المساعي فشلت في ظل استمرار التصعيد العسكري، الذي جاء العام الجديد وهو على أشده في جبهات مأرب والجوف وصنعاء.
قدّم غريفيث للأطراف اليمنية مبادرة أممية تضمنت إيقاف القتال واستئناف مسار التسوية السياسية في البلاد، والتي أطلق عليها غريفيث فيما بعد بـ"مسودة الإعلان المشترك". غير أن الحكومة الشرعية قابلتها بالرفض، كونها "تنتقص من سيادتها ومسؤولياتها".
في شهر أكتوبر/تشرين الأول، أبلغ غريفيث، مجلس الأمن الدولي بعدم التوصل إلى اتفاق، حتى تلك اللحظة، بين الفرقاء اليمنيين بشأن المسودة المذكورة (الإعلان المشترك)، والتي من أبرز بنودها: وقفا شاملا لإطلاق النار، والشروع في استئناف المشاورات السياسية في أقرب وقت، إضافة إلى ترتيبات إنسانية لتخفيف معاناة الشعب اليمني جراء الصراع، وجائحة كورونا.
ورغم أن غريفيث لم يتمكن من إقناع الحكومة والحوثيين بوقف القتال واستئناف المشاورات، إلا أنه حاول أن يحقق شيئا ملموسا قبل نهاية العام، وهو ما تسنى له من خلال ملف الأسرى والمختطفين، بعد جمعه الطرفين في محادثات بجنيف منتصف سبتمبر.
وفي 15 أكتوبر/تشرين الأول، أُطلق سراح 1061 أسيرا، بينهم سعوديون وسودانيون، في أكبر صفقة تبادل في بين الحكومة والحوثيين منذ بدء الحرب، برعاية الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وخلال العام 2020، واجهت الأمم المتحدة ضغوطات ومطالبات حكومية بتجميد "اتفاقية ستوكهولم" بعد مضي عامين على توقيعها بين الحكومة والحوثيين. خصوصا وأن عمل البعثة الأممية في الحديدة كان شبه مجمد بعد إنسحاب الحكومة من لجنة إعادة الانتشار، عقب إصابة أحد ضباطه، نتيجة تعرضه لطلق ناري من قبل الحوثيين، وتوفي على إثرها في 17 أبريل/ نيسان.
تشكيل حكومة جديدة
من بين أبرز، وأهم، الأحداث السياسية التي شهدها اليمن خلال العام المنصرم، إعلان تشكيل الحكومة الجديدة، مناصفة بين الشمال والجنوب، بناء على اتفاق الرياض، الموقع بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، (5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019).
ونص إعلان الحكومة في 18 ديسمبر/كانون الأول نهاية العام الفائت، على منح المحافظات الشمالية 12 حقيبة وزارية، بينها الدفاع، كما حصل الجنوب على 12 حقيبة، بينها 5 حقائب للمجلس الانتقالي الجنوبي، وفقا للاتفاق الذي رعته السعودية لأكثر من عام.
وجاء إعلان تشكيل الحكومة بعد أيام من إعلان التحالف بدء عملية انسحاب القوات الحكومية والمجلس الانتقالي من محافظة أبين التي شهدت أعنف المعارك بين الطرفين خلال النصف الأخير من العام الماضي.
تراجع دور الشرعية
يرى الباحث اليمني عبد السلام محمد، رئيس مركز "أبعاد" للبحوث والدراسات (غير حكومي)، أن مؤشرات الوضع السياسي في اليمن خلال العام المنصرم تبدو واضحة بتراجع دور الحكومة الشرعية في الميدان وفِي الدبلوماسية وحتى في نفوذها.
وأضاف لـ"يمن شباب نت" "أن أهم ما يوصف به عام 2020 هو غياب الثقة بين الحكومة وبين الشعب، وبين الحكومة وبين التحالف، وبين الشعب اليمني وبين التحالف، أيضا. خاصة بعد طرد الحكومة من العاصمة عدن من قبل ميلشيات المجلس الانتقالي التي أسسها التحالف العربي"، معتبرا التراجع الاقتصادي وانهيار العملة الوطنية "انعكاسا لتراجع دور الحكومة السياسي".
كما أن اتفاق الرياض، وفقا للباحث، يمثل متغيرا مهما في معادلة الصراع في اليمن، مشيرًا إلى أنه "تم إفراغ الحكومة من السيادة، التي جاء التحالف تحت ظلها، وتحولت الحكومة تحت ظل التحالف مجرد طرف متحكم فيه من أطراف الحرب في اليمن" حسب قوله.
وأضاف "قرار الحكومة داخل منظومة الحكم، ليس سوى قرار جزئي، يؤثر فيه قبول أو رفض المجلس الانتقالي، الذي أصبح الحاكم للمحافظات الجنوبية".
وحول تشكيل حكومة المناصفة الجديدة، بين الشرعية والمجلس الانتقالي، قال إنه ذلك يؤكد لنا "أن السلاح لازال فاعلا في قرارات الشراكة، وهذا ما يدفع الحوثي للتمسك بالسلاح، ويدفع أطراف أخرى العمل المسلح للحصول على حصة من الكعكة".
مستقبل الأزمة
وبالنظر إلى التصورات المحتملة لمستقبل الأزمة اليمنية خلال العام الجديد 2021، يرى المحلل السياسي "علي الذهب" أن مستقبل الوضع العسكري "يتوقف على ما يمكن تنفيذه في اتفاق الرياض تنفيذاً حقيقيًا".
ويعتقد الذهب أن التنفيذ الشكلي لاتفاق الرياض، يعني ترحيل للأزمة إلى ما سيأتي في المستقبل، منوها: "وقد تشهد دورات عنف كبيرة، تؤخر التقدم في المعركة مع الحوثيون وتمنحهم من جهة أخرى فرصة للانقضاض على الحكومة".
ويرجع أسباب ذلك، إلى "غياب الدمج لقوات المجلس الانتقالي، وعدم نزع الأسلحة وإخراج هذه القوات من عدن، وتحريز الأسلحة داخل المحافظة" كما ينص إتفاق الرياض نفسه.
وحذر الذهب من أن "هناك قضايا كثيرة جدًا عالقة، وإن لم يتم تفاديها ستمهد لدورات عنف تؤخر القتال مع الحوثيين، وربما قد تفتح الباب واسعًا لعملية سلام، لأن معادلة الحرب أصبحت صفرية ليس فيها منتصر".
ومن الناحية الإيجابية، يستبعد الذهب أن يحقق الحوثي أي إنجاز في ظل هذا الضعف، كما أن جبهة مأرب أكثر تماسك وأكثر صلابة، حتى وإن نشبت معركة جديدة مع الانتقالي، فستكون في إطار المناطق التي شهدت مواجهات هذا العام. حسب تصوره
أما مستقبل الجانب السياسي في اليمن، فيقول الباحث عبدالسلام محمد إنه "لا أحد يتنبأ ماذا يحصل في المستقبل".. إلا أنه في ذات الوقت يرى أن كل "المؤشرات تؤكد تراجع دور الشرعية، وهناك مخاوف من بناء سلطات ومشروعات لميلشيات موازية للدولة على حساب الشرعية" كما يقول.
وبشكل عام، يخلص محمد إلى أن اليمن "دخل عمليا تحت سيادة دول المنطقة المتصارعة: السعودية وإيران".
وأختتم بالقول: "إذا كان اتفاق الرياض بين الحكومة وبين المجلس الانتقالي، المدعوم من الامارات، احتاج عامًا كاملًا لتنفيذه، فيبدو أننا سنحتاج إلى سنوات للوصول إلى اتفاق مع الحوثيين المدعومين من إيران، ما يعني أن الحرب والأزمات الاقتصادية والسياسية قائمة".