"لم أر سائحًا على هذا الشاطئ منذ أكثر من خمس سنوات!" يمد سعيد القلادي يده بحماس، مستعجلًا الخطى عبر الرمال البيضاء، ويرتدي بدلة رمادية متعددة الالوان تتلألأ تحت أشعة الشمس الحارقة، مضيفا بالقول "عندما سمعت، كان على فقط أن آتي وأرى بنفسي".
بالنسبة لسعيد (60 عامًا)، فإن مشهد الأجانب على شواطئ بير على النائية، حيث تلتقي الحافة الشرقية لمحافظة شبوة اليمنية بالمحيط الهندي، هو ما كان يصلي من أجله. تقوم شركته الهندسية ببناء منتجع مكون من 65 فيلا على الشاطئ، وتهدف إلى الانتهاء من المجمع بحلول نهاية العام المقبل، وكل ما يحتاجه الآن هو السياح.
في خضم الصراع المستمر الذي تسبب فيما تصفه الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، تشهد محافظة شبوة في جنوب اليمن طفرة تنمية صغيرة. بعد ان كانت خلال معظم العقد الماضي، ملاذًا للقاعدة، التي ازدهرت هنا في خضم فوضى الحرب الأهلية في اليمن.
اليوم، شوارع عتق عاصمتها مزدحمة والأسواق ممتلئة والمباني الجديدة ترتفع في كل زاوية.
يقول عبد ربه حشلح، نائب محافظ شبوة، الذي يشير بفخر إلى أن الزوار لا يواجهون سوى عدد قليل من نقاط التفتيش الأمنية هذه الأيام: "إن عتق التي تراها اليوم وهذه المدينة الصيف الماضي هما مكانان مختلفان". فمنذ ثمانية عشر شهرًا، كما يقول، كان هناك العشرات منها - تديرها مجموعات مختلفة.
تتناقض شبوة مع معظم اليمن، الذي لا يزال ممزقًا بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت في أواخر عام 2014، عندما اقتحمت قوات الحوثي المتحالفة مع إيران من الشمال العاصمة صنعاء وطردت حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي. ويقاتل تحالف تقوده المملكة العربية السعودية، خصم إيران الإقليمي، لإعادة هادي إلى السلطة منذ ذلك الحين، مما تسبب في صراع بالوكالة أودى بحياة أكثر من 100 ألف شخص.
في غضون ذلك، نقل الحوثيون الحرب إلى المملكة العربية السعودية، وأطلقوا رشقات صاروخية على منشآت نفطية في المملكة، بما في ذلك هجوم يوم الاثنين على مصنع نفطي في مدينة جدة المطلة على البحر الأحمر. ومع عدم إظهار أي من الجانبين أي علامة على الاستسلام، تتوقع وكالات الإغاثة أن اليمن سيكون أفقر دولة على هذا الكوكب بحلول عام 2022.
انزلاق شبوة السابق إلى الفوضى حدث قبل الحرب الأهلية، ففي عام 2009، بدأت تصبح معقلًا للقاعدة في شبه الجزيرة العربية والتي يعتبرها المسؤولون الأمنيون الغربيون واحدة من أخطر الفصائل الإرهابية.
لدى الكثير هنا ذكريات قاتمة عن السنوات الأولى للحرب الأهلية، عندما واجهت شبوة قتالًا عنيفًا مع كل من الحوثيين وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب. تقول حنان، زوجة محافظ شبوة محمد صالح بن عديو، وهي تجلس مع أطفالها في مسكنها الخاص في منزل الزوجين شديد الحراسة: "لم يبق في عتق سوى عدد قليل جدًا من العائلات خلال تلك الفترة، وغادر معظمهم حال ما تمكنوا من ذلك".
بدأ المد في التحول في عام 2016، عندما أشرف حليف المملكة العربية السعودية في الحرب، الإمارات، على تشكيل قوات النخبة الشبوانية. كانوا أفضل تجهيزًا بكثير من الجيش اليمني، وكانوا يتلقون دعمًا جويًا من الإماراتيين والولايات المتحدة.
بعد فترة طويلة من الاشتباكات - ووفقًا لبعض التقارير، تم دفع مبالغ مالية سرية للتنظيم - تم طرد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مرة أخرى إلى محافظة أبين المجاورة. يقول السكان المحليون إنها معركة لم يكن باستطاعة الحكومة المركزية اليمنية، التي تقاتل قواتها على جبهات متعددة، والتي لم يكن بإمكان رئيسها هادي، المنفي في الرياض، أن تنتصر فيها بمفردها.
في الواقع، بينما لا يزال هادي معترفًا به كرئيس لليمن، إلا أن أمره بالكاد يسري. فبعد طرده من صنعاء، أعادت إدارته تأسيس نفسها في عدن، (جنوب اليمن)، إلا أنها أُجبرت العام الماضي على الخروج من قبل فصيل مسلح آخر، هو المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يريد استقلال جنوب اليمن.
سمح ذلك لبن عديو، الذي لا يزال مخلصًا لهادي، بالتفاوض على الشروط قليلاً. وقد أصر على أن 20 في المائة من عائدات إنتاج النفط في شبوة تذهب مباشرة إلى المحافظة.
ويقول إن مكتبه استخدم الأموال لإعادة بناء الخدمات الحكومية وتحسين قدرة الكهرباء في عتق ومد أنابيب المياه إلى المناطق الريفية.
يقر بن عديو بأن التهديد الإرهابي لم يتم القضاء عليه تمامًا - فقد انفجرت سيارة مفخخة في قافلة إماراتية خلال أسبوع زيارة" الديلي تلغراف" - لكنه يصر على أن سياسة عدم التسامح مع المسلحين تشكل رادعًا قويًا.
يرى البعض أن شبوة هي مخطط ليمن موحد وفيدرالي، حيث يمكن للمحافظات تلبية التقاليد المحلية والولاءات القبلية، بينما تظل موالية للحكومة المركزية وتساهم بقوات في جيش وطني. لكن احتمال الاضطرابات ما زال قائما.
المصدر: التلغراف البريطانية