بمجرد أن تطأها قدميك يبهرك جمالها الرباني من الوهلة الأولى، ومن أول نظرة تأسرك طبيعتها الساحرة الخلابة، فلا عينك تقدر على مفارقتها، ولا القلب يرغب في مغادرتها..ذلك أنها حقا "هبة الرحمن، وجنته على الأرض"..
"محمية حوف" الطبيعية بمحافظة المهرة، أقصى شرق اليمن، حيث تعانق زرقة البحر جبالاً شاهقة مسكوة بمروج خضراء خلابة.. وعلى مد البصر تمتد أشجارها الكثيفة في غابة من الوديان الخصبة المخضرة، وبين حين وآخر يغطيها ضباب خفيف هادئ، تتخلله قطرات ماطرة تزيد من جمالها الآسر..
تعتبر مديرية حوف، هي الأصغر مساحة من بين مديريات "المهرة" التسع، لكنها الأكثر جمالًا وتنوعا بيئيا. وفي العام 2005، أعلنتها الحكومة اليمنية كواحدة من المحميات الطبيعية النادرة، بمساحتها المقدرة بـ 30 ألف هكتار. وبموقعها الجغرافي المتميز، في الجزء الجنوبي الشرقي لمحافظة المهرة، جمعت بين عدة مزايا؛ فعلى جنوبها يقع البحر العربي، ومن الشرق تحدها سلطنة عمان الشقيقة، ومن الشمال مديرية شحن، أما من الغرب فتتصل بمديرية الغيضة (عاصمة المحافظة)؛ لتجمع بذلك بين مجموعة من المزايا والمقومات: الإطلالة البحرية، وجمال الريف، ودهشة الجبال الشاهقة..
خريف "حوف" الساحر
"تُعد محمية حوف أكثر سحرا وجاذبية، وبشكل خاص في فصل الخريف، الذي يبدأ من منتصف شهر يونيو/ حزيران وحتى منتصف شهر سبتمبر/ أيلول من كل عام، حيث تكون المحمية خلال هذه الأشهر الثلاثة، في قمة جمالها الطبيعي، وتتخللها أمطار خفيفة ومتوسطة، حيث يكتمل جمالها الحقيقي بخضرتها التي تغطي غابة من النبات والأشجار الكثيفة والمتنوعة التي تنمو على أرضها". بحسب وصف رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية بالمجلس المحلي بحوف، سعيد علي مصدع.
ويضيف مصدع لـ"يمن شباب نت": فالأرض، خلال هذه الفترة، تنتشي وتلبس حلتها الخضراء الجميلة، وتعمل الأمطار على انسياب بعض المياه العذبة الرقراقة في الأودية.. أضف إلى ذلك أن سكان المحمية يستبشرون خيرا بقدوم موسم الخريف، لأن أغلب زراعتهم تعتبر موسمية وتعتمد على هذا الفصل السنوي بالذات، فيلجؤون إلى زراعة مجموعة من المحاصيل التي من أهمها الذرة والدجر والخيار..
وتوجد في "محمية حوف" نباتات وحيوانات وطيور نادرة. حيث يشير المسئول المحلي إلى أنها تضم أكثر من 23 فسيلة من أنواع النباتات النادرة، ومن الحيوانات ينتشر "النمر العربي" إلى جانب عدد من الحيوانات النادرة الموجودة فيها، وكذا الطيور بمختلف أنواعها..
من جهته أيضا، يتحدث نائب عميد كلية التربية لشؤون الطلاب بمحافظة المهرة، الدكتور محمد المجيبي، لـ"يمن شباب نت"، عن جمال محمية حوف، التي "تلبس في موسم الخريف، حلة خضراء وجميلة جداً، يستمتع بها الزائر"، مضيفا: "كما تتميز بوجود النباتات العطرية والطبّية والزينة، وكذلك بها الطيور النادرة، وأنواع من النباتات والحشائش التي تزيد عن 65 نوع..".
مكان بديع.. ولكن..!!
وتفتقر المحمية إلى الكثير من المقومات التي يجب أن تتوافر لرعايتها وتطويرها، وخدمة الزائرين؛ سواء القادميين إليها كسياحة داخلية من السواح المحليين، أم أولئك السواح القادمين من خارج اليمن. مع أن القليل من الإهتمام والتطوير وتوفير بعض الخدمات الأساسية، في البداية، يمكنه أن يحول المحمية نفسها إلى مورد مالي مناسب، يعتمد عليه في تيسير الخطوات المطلوبة للإهتمام بها وتطويرها مستقبلا..
وأعرب الزائر "عرفان بازقامة" من محافظة حضرموت المجاورة، عن إنبهاره للجمال الطبيعي البديع الذي تكتنزه محمية حوف، لكنه أيضا أعرب عن خيبة أمله من الإهمال الذي يحيط بها..!
وأوضح بازقامة لـ"يمن شباب نت" أنه، ومن خلال زيارته الأولى للمحمية ضمن رحلة شبابية جاءت للتنفيس عن النفس هربا من الأوضاع المضطربة التي تعيشها البلاد، تفاجئ لكل هذا الجمال الخلاب في هذا المكان الرائع الذي توجد به كامل مقومات السياحة، لكنه للأسف الشديد يفتقر للخدمات الأولية البسيطة التي يجب أن تتوفر لخدمة الزوار..!
ومثله، يؤكد دكتور اللغة العربية بكلية التربية بمحافظة المهرة، الدكتور أحمد علي بايمين، أنه يزور المحمية كل عام للإستمتاع بطبيعتها الساحرة، رغم استغرابه الدائم من الإهمال والتجاهل المستمر لها من قبل المعنيين، وخصوصا فيما يتعلق بعدم توفير خدمات كافية للزوار..!!
وبحسب بايمين، في حديثه لـ"يمن شباب نت"، فإن الزوار الذين يتوافدون إلى هذه المحمية تنقصهم الكثير من الخدمات، وخصوصاً الأسر التي لا بد أن تتواجد الخدمات من أجلهم، مجددا استغرابه من عدم إلتفات المسئولين في البلاد إلى أهمية مثل هذا المكان الساحر، الذي لا ينقصه سوى أن تتوفر فيه أبسط الخدمات..
مقومات سياحية تنقصها الإدارة
ومع أن الدكتور محمد المجيبي يوافق الجميع على أن "جانب الخدمات في المحمية لا يرقى إلى المستوى المطلوب"، كما يقول، إلا أنه يشير إلى بعض التحسنات التي ظهرت مؤخرا في هذا الجانب، "فقد بدأت بعض الخدمات تظهر شيئاً فشيئاً، منذ العام الماضي، وخصوصاً بعض الفنادق البسيطة والمطاعم"، معربا عن أمله بأن "تزداد، وأن تكون في أجمل صورة في الأعوام القادمة".
ويؤكد رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية بالمجلس المحلي، سعيد مصدع، أن المحمية "تمتاز بالكثير من المقومات السياحية"، مستدركا: "إلا أنها في المقابل تحتاج إلى عناية من السلطة والجهات المختصة، المتمثلة بالهيئة العامة لحماية البيئة، من أجل تفعيل إدارة المحمية ورفدها بالإمكانيات اللازمة للقيام بواجباتها في العناية بالمحمية وحمايتها"..
ويستدرك: "مازلنا بحاجة إلى دراسة أكثر لمعرفة ما الذي تخبئه المحمية ليتم الاهتمام بها أكثر، وبناء عليه يتم تأهيل الكادر العامل في جهة البيئة والمحمية الطبيعية في المديرية، ليقوموا بعملهم على أكمل وجه"..
وناشد رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية بالمجلس المحلي بحوف، سعيد علي مصدع، عبر "يمن شباب نت"، الجهات المختصة في السلطة المحلية والحكومة، أن يكونوا على قدر المسؤولية في الإهتمام بالمحمية من كافة الجوانب، كما دعا أيضا المنظمات المحلية والدولية المهتمة بهذا المجال، إلى دعمها بالإمكانيات اللازمة للقيام بواجبها تجاه المحمية والزوار..
"كورونا" يفاقم المشكلة
"كل عام، بمجرد أن يطل علينا موسم الخريف، تبدأ حركة الزوار إلى محمية حوف، الذين يتدفقون إليها منذ الاسبوع الأول، قادمين من مختلف المحافظات اليمنية، ومن الخارج أيضا؛ خصوصا من دولة عمان المجاورة، ومن دولة الامارات، إلى جانب دول خليجية أخرى، قاصدين المحمية ليتمتعوا بجمالها الطبيعي الساحر".. بحسب المسئول المحلي بالمديرية سعيد مصدع.
إلا أن الحركة السياحية إلى المحمية، خصوصا الخارجية، ضعفت هذا العام، وفقا لتأكيدات المسئول المحلي نفسه، وذلك بسبب الاجراءات الوقائية من انتشار فيروس كورونا (كوفيد -19)..
وأشار إلى أنهم- كسلطة محلية- لم يلاحظوا هذا العام أي زائر من خارج الجمهورية، وإنما غالبيتهم من مديريات المهرة وحضرموت ومحافظات جنوبية أخرى، إلى جانب بعض أبناء المحافظات الشمالية وخصوصا من الذين أنتقلوا إلى المهرة هربا من الأوضاع المتردية نتيجة الإضطرابات التي تشهدها البلاد.
إرشادات جديدة.. وآمال بالأفضل
"المكان الجمالي والرائع، ينبغي أن يكون له إرشادات خاصة للحفاظ عليه"؛ القاعدة التي أدركتها هيئة وإدارة المحمية مؤخرا، وأن تأتي متأخرا خيرا من أن لا تأتي. فمع بداية فصل الخريف من العام الحالي، عملت الإدارة أماكن ونقاط لتجميع ورمي المخلفات داخل أكياس خاصة بها للحفاظ على نظافة المحمية..
وضمن التحسينات الجديدة التي طرأت على المحمية، عملت الإدارة أيضا إرشادات للزوار بالمناطق التي يمكن أن يرتادوها حفاظا على سلامتهم، بما في ذلك نصائح إرشادية بالمناطق الآمنة التي يجب أن يتوجه إليها الزائر قبل غروب الشمس، لأن مناطق المحمية مليئة بالأشجار الكثيفة والحيوانات والوحوش والثعابين التي قد تعرض سلامة الزائرين للخطر.
ولاقت تلك الإجراءات، على بساطتها وسهولتها، استحسانات الكثير من الذين مازلوا يؤكدون أن "محمية حوف" بحاجة إلى عناية ورعاية كبيرة من الجهات المسؤولة، حتى ترتقي إلى الأفضل والمأمول، وبشكل خاص ضرورة الإهتمام بتوفير أبسط متطلبات وأحتياجات الزائر الخدماتية..
وأعرب مسئولون محليون بالمحافظة، وعدد من أبناء المديرية ومجموعة من الزوار، عن آمالهم بأن يلتفت رجال الأعمال اليمنيين إلى هذه المحمية الخلابة والساحرة، لبناء مشاريع استثمارية خدمية تلبي تطلعات وأحتياجات ورغبات السواح، وخصوصا بناء فنادق ومطاعم ومتنزهات خاصة..