"هل أشتريت أضحية العيد"؟ السؤال الذي أصبح رائجا هذه الأيام في مدينة تعز (جنوبي غرب اليمن)، مع نسبة 80 في المئة من الإجابة بـ"لا". في وقت بات الحديث عن الأسعار الجنونية للأضحية، جزء من كل تجمع أسري، أو لقاء بين الأصدقاء..
طوال العام يقصد السكان في تعز سوق "المِرباع" الشعبي (وسط المدينة) لشراء المواشي، إلا أن السوق أخذ طابعاً مختلفاً هذه الأيام مع اقتراب عيد الأضحى، الذي يعتبر موسم الذروة لتجار الماشية.
يومان فقط على حلول عيد الأضحى المبارك، وما تزال أسواق الماشية في مدينة تعز تكاد تكون خالية من الشراة، أكثر من أي وقت مضى، نتيجة الارتفاع الجنوني لأسعار الأضاحي بأنواعها المختلفة.
يشكوا مواطنون لـ"يمن شباب نت" من ارتفاع أسعار الأضاحي، بشكل خاص، والأسعار الأخرى عموما، في وقت شهدت فيه الأعمال الحرة ركودا كبيرا بسبب ما أضفته تداعيات جائحة كورونا على بلد يمر بسنته السادسة من الحرب.
الموظفون الحكوميون ايضا، لا تسعفهم رواتبهم الشهرية، المتأخرة دوما، على توفير احتياجاتهم الضرورية، في ظل بلوغ الحالة الإقتصادية للبلاد مرحلة حرجة، لا سيما خلال الأشهر الأخيرة، مع تواصل أنهيار العملة المحلية وارتفاع سعر صرف الدولار الواحد إلى قرابة الـ 800 ريال يمني..!!
عبئ مالي كبير
قضى المواطن محمد عقلان (40 عامًا)، نصف يومه (الأثنين الماضي) في أسواق الماشية، على أمل أن يجد أضحية لا يتجاوز سعرها 50 ألف ريال التي بحوزته، لكن دون فائدة، حيث أضطر العودة إلى منزله خالي الوفاض بعد أن شهد جنون أسعار الماشية لهذا العام.
لقد وصلت أسعار الماشية هذا العام إلى الضعف عما كان عليه العام الفائت. حيث وصل سعر سعر "الماعز"، أو "الخروف" ما بين: 100 - 150 ألف ريال (قرابة 140 - 200 دولار أمريكي)، وهو مبلغ كبير جدا، جعل الكثير من المواطنين يعزفون عن شراء الأضاحي.
ويقول عقلان لـ"يمن شباب نت" إن الارتفاع الخيالي لأسعار الأضاحي "شكل لغالبية الناس عبئا ماليا لا يستهان به، لاسيما في ظل استمرار الحرب والانقطاع المتكرر لصرف المرتبات وتدهور سعر العملة المحلية مقابل ارتفاع سعر العملة الأجنبية".
سيّمر عيد هذا العام على عقلان وعائلته كسائر أيام السنة، سيصلي العيد ولن يؤدي شعيرة النحر، وهو أمر دأب- وأعتاد- عليه خلال الأعوام الأخيرة، التي ترسخت فيها مقولة: "العيد عيد العافية، مضيفا "والأضحية بالأخير هي سُنّة، وسنكتفي- كالعادة- بشراء اللحم بالكيلو"، ثم أستدرك قائلا: "الظروف الصعبة تحكم على كل واحد منّا".
الريف أفضل.. ولكن..
أرتفاع أسعار الأضاحي مع اقتراب أيام العيد، دفعت ببعض المواطنين اللجؤ إلى طرق بديلة للحصول على "ضأن" أو "ماعز"، كما فعل المواطن أحمد سعيد الشرعبي، الذي ظفِرَ مؤخرًا بأضحية اشتراها من ريف المحافظة، حيث تقل أسعارها هناك عن المدينة..
ويقول الشرعبي لـ"يمن شباب نت" إنه منذ بداية العشر الأولى من ذي الحجة، تردد على "المجلاب"- (سوق المواشي)- أكثر من مرة، ولكن بلا فائدة "كنت أخرج من السوق دائما بلا جَدي" (الجدي باللهجة اليمنية: هو ذّكَر الماعز).
حدث ذلك مع الشرعبي أكثر من مرة، حتى دلّهُ قريب له على بائع مواشي في ريف شرعب السلام، فاشترى منه أضحية بسعر 70 ألف ريال (قرابة 95 دولارا). لذلك يرى الشرعبي أن سعر الأضحية في الريف مع أنه يعد "معقولا ومقبولا نوعا ما، إلا أن تكاليف نقلها تجعلها قريبة مع الأسعار في المدينة".
راتب كامل لا يساوي قيمة "خروف" واحد
أما عبدالرحيم عبده، وهو جندي بالجيش، فيبدو أنه سيكون بحاجة إلى راتب شهرين على الأقل (أي 120 ألف ريال) كي يحظى بشراء أضحية "مُسِنّة" لذبحها في العيد. حسب ما أكد.
وأضاف لـ"يمن شباب نت": "باقي على العيد يومان فقط، وحتى الأن لم أشترِ الحاجات الضرورية، من ملابس للأطفال أو جعالة العيد" (الجعالة باللهجة اليمنية هي مجموع من الشكولاتة والحلويات والزبيب واللوز)، في إشارة إلى انتفاء القدرة المالية على ذلك نتيجة تدهور الوضع الإقتصادي، فضلا عن أنه منذ خمسة أشهر لم يستلم أي راتب، كما هو حال كافة أفراد الجيش.
وحتى إن صُرف له الراتب، أردف "فسأشتري الأشياء الضرورية والأساسية، أمّا الأضاحي فشراؤها هذا العام يبدو مستحيلًا؛ فلا أسعار ملائمة، ولا مال في المتناول سيكفي لكل ذلك".
أما عصام محمد، موظف في القطاع الخاص، فيتحدث بسعادة عن "خروفه" الذي أصبح في متناول يده منذ أسبوع. لكن كيف حصل عليه؟ يحكي عصام مغامرته العجيبة، قائلا إنه استفاد من تجارب الأعوام السابقة، فقام هذه المرة بحجز خروفه قبل أكثر من شهر، من أسرة ريفية باعته إياه بـ60 ألف ريال حينها، قبل أن ترتفع أسعارها هذه الأيام. تركه لديهم لإطعامه وتغذيته خلال فترة الشهر الماضي مقابل مصاريف بسيطة، وهاهو قبل اسبوع استلمه وفاز بأضحيته بهذه الطريقة الذكية.
التسوق للسؤال فقط
ليس وحده المواطن من يشكو ارتفاع الأسعار، فتجار الماشية أيضًا يشكون من تكبدهم خسائر مالية كبيرة نتيجة عزوف المواطنين عن شراء أضحية العيد بسبب ضعف القدرة الشرائية لدى معظمهم.
ويقول تاجر الماشية وليد غالب لـ"يمن شباب نت" إن "غالبية المواطنين يأتون إلى السوق بغرض السؤال عن الأسعار فقط وليس للشراء، حيث يغادر معظمهم بعد اكتفائهم بمعرفة الأسعار".
ويعلل غالب هذا الارتفاع غير المسبوق في قيمة الأضاحي بسبب "زيادة قيمتها السعرية من مصدرها"، فالماعز أو الخروف الذي كان يُأخذ العام الماضي بـ50 ألف ريال، من المصدر الرئيسي، تجاوزت قيمته هذا العام مبلغ 70 ألف ريال" كأقل حد.
وبشكل عام، فإن ارتفاع الأسعار، من وجهة نظره، ناتج بدرجة رئيسية عن الأزمة الإقتصادية التي تمر بها البلاد، والتي نجم عنها انهيار للعملة، وعدم استقرار صرف الدولار والريال السعودي. ويضاف إلى ذلك: توقف استيراد المواشي من القرن الأفريقي بسبب تداعيات جائحة كورونا، إلى جانب ارتفاع نسبة العمولة في التحويلات الداخلية".
ارتفاع عام.. ولا حوالات خارجية
ولا تبدو أسعار الأضاحي استثناءً، في ظل ارتفاع عام في أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية وفق ما تعكسه شكاوى الناس. غير أن مشكلة الأسعار الباهضة للأضاحي فرضت نفسها بسبب خصوصية عيد الأضحى المبارك.
وأزاء ذلك، يعتقد عبدالرحمن ناصر (38 عامًا)، وهو أب لثلاثة أطفال، أن "وضع البلاد يتفاقم باستمرار، ويسير نحو الأسواء في ظل غياب أي حلول أو اجراءات تحد من المعاناة العميقة".
ويرى ناصر، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، أن العيد هذا العام "مختلف كليًا عن الأعوام الماضية، ليس بسبب الأسعار الجنونية للأضاحي فحسب، بل لأن ارتفاع الأسعار شمل كل شيء، من غذاء وملابس وكثير من مستلزمات الحياة الضرورية".
وبحسب ناصر فإن اجراءات فيروس كورونا وتداعياتها أثرت على حياة المواطنين اليمنيين بشكل كبير "فالأسر التي كانت تعتمد على حوالات المغتربين في شراء الحاجيات، تأثرت بصورة كبيرة بعد توقف الأعمال في دول الاغتراب". ويعد هذا أمرا بالغ الأهمية، فاقم كثيرا من المعاناة، حيث تعتمد نسبة كبيرة من الأسر على تلك الحوالات.
وأضاف: "حرب مستمرة منذ أكثر من خمس سنوات دمرت كل مقومات الحياة، ولك أن تتخيل حجم المأساة والكارثة الإنسانية الكبيرة !!"، وأردف مستدركا: "معظم الشعب اليمني عايشين على بركة الله!".
وخلفت الحرب الدائرة في البلاد للعام السادس على التوالي، إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم، ودفعت بالملايين إلى حافة الجوع. وتقول تقارير الأمم المتحدة أن 80% من السكان في اليمن بحاجة إلى المساعدة الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، فيما حذر مسئولون في الأمم المتحدة أن اليمن على مشارف أكبر مجاعة عالمية.
ومؤخرًا تضاعفت معاناة السكان مع انتشار وباء كوفيد-19، والتي أدت بدورها إلى تقليص فرص الأعمال الحرة، إلى جانب ما جرته تداعيات هذه الجائحة من حدوث نقص شديد في حجم المساعدات الغذائية التي تعتمد عليها ملايين الأسر اليمنية.
وتحذر هيئات دولية من تصاعد مستوى انعدام الأمن الغذائي في اليمن، نتيجة الحرب وانهيار الاقتصاد وتدفق الفيضانات وغزو الجراد من الصحراء، وانتشار فيروس كورونا.