تصعيد جديد بين إريتريا واليمن حول حقوق الصيد، وعرض البحر الإقليمي، على الرغم من حسم ذلك في إطار قرار لجنة التحكيم في قضية النزاع على أرخبيل حنيش، الصادر في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 1998. ولا يخلو ذلك من دور لأطراف إقليمية، تستغل الأزمات السياسية والاقتصادية التي يمر بها اليمن وإريتريا.
الخلفيات والأبعاد
برزت ملامح التصعيد الأريتري، في أوائل يونيو/ حزيران 2020، عند قيام زوارق حربية إريترية باختراق البحر الإقليمي اليمني في محيط أرخبيل حنيش بالبحر الأحمر، خلال عملية مطاردة لصيادين يمنيين، إلا أن خفر السواحل اليمني، في الحكومة المعترف بها دوليا، تمكن من إحباط عملية الأختراق واقتياد أحد الزوارق الإريترية إلى الساحل اليمني مع طاقمه المكون من سبعة ضباط وجنود.
تبرِّر إريتريا الاختراقات المتكررة من قبل زوارقها الحربية، بمكافحة الصيد غير المنظم، وغير المسموح به في بحرها الإقليمي، إلى حد أضحت معه مضايقاتها للصيادين اليمنيين أكثر من اعتيادية. ولا يزال الكثير من الصيادين اليمنيين يقبعون في سجونها منذ عدة أشهر، في ظل تشتت السيطرة على البحر الإقليمي اليمني، بين قوات خفر السواحل، التابعة شكليا للحكومة المعترف بها دوليا، وبين قوات خفر السواحل التابعة لجماعة الحوثيين؛ حيث تسيطر الأولى، وبدعم من التحالف العربي، على البحر الإقليمي، الممتد من المهرة إلى جنوبي مدينة (ميناء) الحديدة، ومن مدينة (ميناء) ميدي إلى الحدود مع السعودية، فيما تنحصر سيطرة الثانية على البحر الإقليمي الممتد بين الحديدة وميدي.
الممارسات التعسفية الإريترية تجاه الصيادين اليمنيين، تكشف فضاعتها الدفعات المفرج عنها؛ حيث وصل إلى مدينة (ميناء) الحديدة، في أوائل مارس/ آذار 2020، سبعة وعشرون صيادا يمنيا على متن أربعة قوارب بعد حوالي أربعة أشهر من الاحتجاز. ووفقا لمصادر بحرية تابعة لجماعة الحوثيين، كشف هؤلاء الصيادون عن أن سفنا حربية إماراتية- تعمل في إطار تحالف دعم الشرعية في اليمن- قامت باعتراضهم وتسليمهم إلى السلطات الإريترية، التي بدورها صادرت القوارب مع كافة معداتها، وممتلكات خاصة أخرى، قُدّرت قيمتها جميعا بنحو مليوني ريال يمني.
الاعتداءات الإريترية، التي وقعت في يونيو/ حزيران الجاري، تشير إلى أن مشكلات الصيد، التي تنشب باستمرار بين اليمن وإريتريا، بحاجة إلى حلول جذرية، وأن الاستمرار في تجاهلها قد يقود إلى أزمة سياسية أوسع، في ظل استقطابات إقليمية عديدة، بما يعيد النزاع الإريتري- اليمني حول الحدود البحرية إلى الواجهة، على الرغم من ترسيمها وفقا لقرار لجنة التحكيم الصادر عام 1998، والذي أثبت الحق السيادي لليمن على أرخبيل حنيش، فضلا عن ترسيم الحدود البحرية، خصوصا ما بعد هذه الجرز، في اتجاه الساحل الإريتري.
يثير الكثير من المحللين السياسيين والعسكريين شكوكا عديدة حول ما يدور، علنا وخفية، في المنطقة البحرية بين اليمن وإريتريا، والذهاب إلى القول بأن التصعيد الإريتري لا يخلو من بُعد سياسي، في إطار الصراع على النفوذ في الجزر والسواحل اليمنية بالبحر الأحمر، سواء بين القوى الإقليمية الفاعلة، أم بين تحالف دعم الحكومة الشرعية في اليمن. فضلا عن المكونات السياسية الداعمة لهذه الحكومة، أو المنضوية تحت مظلتها، أو المناوئة لها.
في السياق، يمكن النظر إلى المشهد، من خلال الإشارة إلى أن جزيرة "زُقر" تتمركز فيها قوات سعودية، إلى جانب حامية صغيرة تابعة للبحرية اليمنية. وهذه الجزيرة تقع شمالي أرخبيل حنيش، ويمكن، من جبل فيها، السيطرة على دائرة واسعة في البحر الأحمر؛ بل وفي العمق الإريتري. أما أرخبيل حنيش، فيخضع لحامية صغيرة تابعة للبحرية اليمنية، وتبدي قوات خفر السواحل اليمنية في الساحل الغربي، ميلا نحو قائد القوات المشتركة الموالي للإمارات.
وفي كل الأحوال، فإن السيطرة الفعلية على كل ما سبق، لا تزال بيد السعودية والإمارات، وإن كانت الأخيرة أعلنت عن سحب قواتها من اليمن، إلا أن مشاركتها البحرية لا تزال قاعلة، بل أكثر من ذي قبل.
أدوار الفاعلين وانتهازية التسوية
لم يصدر أي موقف رسمي من الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، عدا ما صدر عن وزير الثروة السمكية "فهد كفاين"، الذي دعا الإريتريين إلى وقف الممارسات التعسفية بحق الصيادين اليمنيين، واصفا ذلك بأنها "غير مقبولة"، ومطالبا بإطلاق سراح المعتقلين منهم مع قواربهم ومعداتها. غير أن هذا الموقف غير كافٍ أمام حدث بهذه الخطورة، فضلا عن أنه لا يعد ضمن العمل الدبلوماسي المطلوب؛ لأن هذه المسألة من اختصاص وزارة الخارجية.
يُعتقد أن وزير الخارجية اليمني، محمد الحضرمي، ناقش مع السفير الفرنسي مسألة التصعيد الإريتري، وذلك خلال الاتصال الهاتفي، الذي أجراه معه في 4 يونيو/ حزيران 2020. إذ لم تشر وكالة الأنباء اليمنية، سبأ، إلى ذلك، واكتفت بالقول إن اللقاء ناقش عددا من مستجدات الأزمة اليمنية، مثل التمرد الحوثي وتنفيذ اتفاق الرياض مع المجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي) المدعوم إماراتيا، فضلا عن الدعم الذي تعهدت به فرنسا لليمن في مؤتمر المانحين 2020.
ولعل ما دعا إلى هذا الاعتقاد، أن فرنسا أحد الضامنين الدوليين على اتفاق التحكيم بين اليمن وإريتريا، حول الخلاف على أرخبيل حنيش، الذي جاء قراره النهائي لمصلحة اليمن عام 1998.
في 5 تونيو/ حزيران الجاري، دفعت الإمارات الجانب اليمني، إلى الإفراج عن الزورق الإرتيري مع طاقمه، نظير قيام السلطات الإريترية بإطلاق الصيادين اليمنيين المحتجزين لديها، وعددهم نحو 120 صيادا، فضلا عن أكثر من ثلاثين زورقا، وقد أطلق منهم مؤحرا خمسون صيادا.
مع ذلك لا يمكن القول إن الأزمة انتهت؛ فلا يزال بقية الصيادين وقواربهم رهن الاجتجاز، وقد يطول ذلك، وتصادر حقوقهم دون وجه حق، وربما تعود الأزمة مجددا للأسباب ذاتها، أو في توظيف سياسي تقتضيه مصالح إريتريا مع حلفائها، خصوصا الإمارات، التي تتخذ من ميناء عصب قاعدة عسكرية لها.
لقد سجلت الإمارات، بذلك، موقفا متعدد الأبعاد والأهداف، فقد أثبتت للجانب الإريتري القدرة على الاستجابة السريعة التي تراعي صدارة مصالحها على حساب مصالح حلفاء آخرين للإمارات، وذلك حين دفعت الجانب اليمني إلى الإفراج عن الزورق الإريتري وطاقمه، وأظهرت لكافة القوى في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، والقوى المنضوية تحت سلطة الحوثيين، أنها تمتلك الكثير من الأدوات التي يمكن أن تثير بها أي أزمة بحرية مع اليمن، أو تخمدها. وهذا ما جعل الكثير من المحللين يعتقدون أن الإمارات تقف وراء الاعتداء الإريتري على البحر الإقليمي اليمني.
[أقرأ أيضا: وكالة: الإمارات تدخل على خط الأزمة بين (اليمن وارتيريا) وتطلق سراح العسكريين الإرتيريين]
الرسالة الإماراتية الموجهة إلى السعودية، التي تثابر لأن تكون القوة العربية الفاعلة في البحر الأحمر، مفادها بأنها لن تكون القوة العربية الوحيدة في منطقة البحر الأحمر، وأن علاقة الإمارات مع إريتريا، ووجودها في ميناء عصب، لا يعني استغناؤها عن الساحل اليمني، وأن بقاء إريتريا في تكتل الدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر، الذي وُقِّع على ميثاق تأسيسه بالرياض في 6 يناير/ كانون الثاني 2020، ربما لن يطول..
ذلك لأن إريتريا عادة ما ترفض الانضمام إلى أي تجمع أمني أو عسكري عربي في البحر الأحمر. ولولا الإغراءات السعودية، لما انضمت إلى هذا التكتل. علاوة على أنها لم تنضم إلى مُدوَّنة جدة لعام 2017، المعنية بمكافحة الأنشطة غير المشروعة، والإرهاب البحري، في البحر الأحمر.
في كل الأحوال؛ يخوض الصيادون اليمنيون معركة وطنية غير متكافئة في القوة، نيابة عن كل اليمنيين، لتأكيد سيادة اليمن على بحره الإقليمي، علاوة على معركة الحقوق المشروعة في ممارسة الصيد القانوني داخل حدود هذا البحر، وفي المنطقة الاقتصادية الخالصة، التي حددتها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، عام 1982، وقرار التحكيم بشأن نزاع البلدين حول أرخبيل حنيش، الصادر عام 1998.
وهذا كله لا يعفي الحكومة اليمنية من مسئولياتها، مثلما أنه لا يمكن أن يحل محل التفاهمات الثنائية، التي تحول دون أي تصعيد مستقبلي، قد تستغله قوى النفوذ الإقليمية.
أخبار ذات صلة
السبت, 06 يونيو, 2020
وكالة: الإمارات تدخل على خط الأزمة بين (اليمن واريتريا) وتطلق سراح العسكريين الإرتيريين
الخميس, 04 يونيو, 2020
توتر "يمني ـ اريتري" قبالة أرخبيل حنيش عقب الاعتداء على صيادين يمنيين
الإثنين, 01 يونيو, 2020
قوات خفر السواحل تنفي شائعة احتلال جزيرة حنيش