قال معهد أمريكي أن المملكة العربية السعودية تسعى إلى الخروج من الحرب في اليمن وتجري محادثات غير مباشرة مع ميلشيات الحوثي، وهي احدى مخاوف الرياض، والتي تشمل أيضاً في شقها الأول حماية أراضيها بالكامل، بما في ذلك حدودها الجنوبية المشتركة.
وذكر معهد «Middle East Institute» الأمريكي في تحليل - ترجمة "يمن شباب نت"- أن السياسات السعودية منذ هجمات سبتمبر 2019 على منشآتها النفطية في بقيق وخريص أصبحت تتطلع إلى تأمين استراتيجية خروج من اليمن تحفظ ماء الوجه.
وأضاف أن "وذلك بهدف الحد من التهديدات على أراضيها، مما يحد من قدرة إيران على استخدام الحوثيين كغطاء لعملياتها، إضافةً لتحويل تركيزها إلى التهديدات الداخلية والخارجية المتنامية".
وقال المعهد: "إن محادثات القنوات الخلفية السعودية- الحوثية، التي تجري بفضل الضغط الأمريكي والبريطاني - مدفوعة إلى حد كبير بتصورات متعلقة بالتهديدات، وإن عزى الأمر، بدرجات متفاوتة، الى مسألة عدم تكافؤ القوة بين الجانبين".
ومضت الرياض بإجراء محادثات مباشرة وغير مباشرة مع الحوثيين للتخفيف من تهديدات الأمن القومي لأراضيها. على حد وصف المعهد الأمريكي.
نص التحليل
خلال مؤتمر ميونيخ الأمني في فبراير 2020، أشار وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، إلى أن محادثات القنوات الخلفية (الغير معلنة) بين السعودية والحوثيين لم تكن "جاهزة للانتقال إلى أعلى مستوى"، ومع ذلك، فقد تغير الوضع عقب الهجوم الصاروخي الحوثي على جازان والرياض في أواخر مارس.
وفي 8 أبريل، أعلنت قيادة القوات المشتركة للتحالف وقف إطلاق النار - من جانب واحد - في اليمن لمدة أسبوعين. حيث جاء ذلك بعد أسبوع فقط من دعوة السفير السعودي لدى المملكة محمد آل جابر المتمردين الحوثيين والحكومة اليمنية لإجراء محادثات في الرياض.
يبدو أن المبادرة التي اقترحها آل جابر تعكس محادثات الرياض التي جرت في مايو /2015، والتي تخلى عنها الحوثيون إلى حد كبير بسبب مخاوف متعلقة بمسألة الحياد.
ومع ذلك، أوضحت السياسات السعودية منذ هجمات سبتمبر 2019 على منشآتها النفطية في بقيق وخريص بأن المملكة تتطلع إلى تأمين استراتيجية خروج من اليمن تحفظ ماء الوجه وذلك بهدف الحد من التهديدات على أراضيها، مما يحد من قدرة إيران على استخدام الحوثيين كغطاء لعملياتها، إضافةً لتحويل تركيزها إلى التهديدات الداخلية والخارجية المتنامية.
إن التداعيات الاقتصادية غير المسبوقة لوباء كورونا (كوفيد19)، والانخفاض الحاد في أسعار النفط العالمية، وكذلك التهديدات الأمنية الجدية على العمق الاستراتيجي السعودي مع دخول الرياض عامها السادس من الحرب التي تخوضها في اليمن بمفردها تقريبًا، كلها عوامل تساهم في هذا التحول في سياسة المملكة.
على الجانب الآخر، رفض عبد الملك العجري، عضو فريق التفاوض الحوثي، الرياض كمكان للمحادثات، وذلك بصورة رئيسية لأن الحكومة السعودية قامت برعاية طرف في النزاع، مع تركيز كبير المفاوضين الحوثيين، محمد عبد السلام، على تحقيق نهاية كاملة للحرب.
حيث من المرجح أن يمنع ذلك الرياض من لعب دور احتياطي كوسيط، وهو الدور الذي لعبته في عام 1970 عندما رعى الملك فيصل المصالحة الوطنية في اليمن بين الجمهوريين المدعومين من مصر والملكيين المدعومين من السعودية.
وهذا يعني أيضًا أن هنالك حاجة ماسة إلى إعادة تنشيط عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة بقيادة المبعوث الخاص لليمن، مارتن غريفيث، ومراجعة معاييرها بهدف تطوير أرضية مشتركة لاتفاق سلام وطني بين اليمنيين، وكذلك بالنسبة لخارطة طريق استراتيجية يمنية – سعودية، لما بعد الحرب.
من الحدود إلى الأمن على الصعيد الوطني
إن محادثات القنوات الخلفية السعودية - الحوثية - التي تجري بفضل الضغط الأمريكي والبريطاني - مدفوعة إلى حد كبير بتصورات متعلقة بالتهديدات، وإن عزى الأمر، بدرجات متفاوتة، الى مسألة عدم تكافؤ القوة بين الجانبين. فقد مضت الرياض بإجراء محادثات مباشرة وغير مباشرة مع الحوثيين للتخفيف من تهديدات الأمن القومي لأراضيها.
وفي عام 2016، وافق السعوديون والحوثيون - دون تدخل من الحكومة اليمنية - على تهدئة التوترات في العديد من المحافظات الشمالية، بما في ذلك حجة، من خلال إنشاء لجنة مشتركة لخفض التصعيد والتنسيق بهدف مراقبة وقف إطلاق النار وتأمين جنوب المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، فشلت تلك الخطة، حيث يرجع ذلك إلى حد كبير إلى عدم حل النزاع خلال محادثات السلام في الكويت.
أدى تطوير الحوثيين لقدرات الطائرات بدون طيار والصواريخ البالستية إلى توسيع النطاق بشكل كبير، والى تعميق مدى التهديدات التي تواجه المملكة. إذ أدت الهجمات الحوثية المنتظمة على المدن السعودية - بما في ذلك على الرياض، على بعد 1300 كيلومتر من صنعاء - وكذا الهجمات ضد البنية التحتية النفطية الحيوية، إلى مزيد من الغموض حول هجوم سبتمبر / أيلول 2019 ضد منشآت معالجة النفط التابعة لأرامكو، والتي خفضت مؤقتًا إنتاج النفط السعودي إلى النصف.
وبالإضافة إلى تعزيز مسألة الإنكار الإيراني المعقول، قبل أن يدحض محققو الأمم المتحدة ادعاء الحوثيين مسؤوليتهم عن هجوم سبتمبر، فقد كشفت هجمات الحوثيين المزدوجة ضعف القدرات الدفاعية التقليدية للمملكة العربية السعودية، وعدم موثوقية المظلة الأمنية الأمريكية، على الرغم من أن الرياض كانت تعتبر الثالثة في العالم- بأكبر إنفاق عسكري في 2015 و2017 و2018.
وبين عامي 2015 و2019، تجاوز إجمالي إنفاق المملكة العربية السعودية على الأسلحة 340 مليار دولار، في حين يعتقد أن المبلغ الذي تم إنفاقه على حملة اليمن على مدى السنوات الخمس الماضية كان 265 مليار دولار على الأقل (بالنظر إلى التكاليف المقدرة المبلغ عنها بحوالي 200 مليون دولار في اليوم).
هذه الحقائق راكمت من الشعور بالضعف لدى السعودية، وغيرت أولويات المملكة والمخاوف الحالية المتعلقة باليمن.
ما بعد هجوم أرامكو
ونتيجة لتزايد التهديدات والقضايا الأمنية في منطقة الخليج، أعادت الرياض تنشيط المحادثات المباشرة والمستمرة مع الحوثيين في سبتمبر 2019، بحسب السفير آل جابر. كما تظهر زيارات نائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان إلى مسقط - التي كانت مركزًا لاجتماعات الحوثيين مع المسؤولين البريطانيين والأمريكيين - خلال نوفمبر 2019 ومارس 2020 بأن المملكة العربية السعودية ليسا حريصة على الحد من مستوى التهديد فحسب، ولكنها حريصة أيضا على مسألة إيجاد مخرج من حرب اليمن.
وليس من قبيل المصادفة أن الحوثيين كانوا حاضرين خلال زيارتي خالد بن سلمان، خاصة عندما ضم الوفد السعودي في نوفمبر رؤساء المخابرات بالمملكة، واللجنة الخاصة (المعنية بالإشراف على سياسة اليمن)، وكذلك الشقيق الأصغر لولي العهد محمد بن سلمان.
بعد اجتماع نوفمبر، والمناقشات المستمرة من قبل اللجان الأمنية والسياسية السعودية ـ الحوثية المشتركة، انخفض تواتر الغارات الجوية للتحالف بشكل كبير من 388 في أبريل 2015 إلى 46 في فبراير 2020، مما أعطى الحوثيين المزيد من النفوذ حيث زادوا من قدرتهم على شن هجمات منسقة على العديد من الجبهات الأمامية للقتال. كما أعاد التحالف فتح مطار صنعاء الدولي أمام الرحلات الطبية تحت إشراف الأمم المتحدة.
وفي حين شكلت هذه الخطوات محاولات لبناء الثقة بين الحوثيين والسعوديين، فقد استخدم الحوثيون ضباب خفض التصعيد الغير المعلن لتحقيق مكاسب إقليمية في الجوف. وعلى الرغم من غياب التعامل بالمثل لدى الحوثيين، فقد أكد الأمير خالد التزام المملكة "بتسوية سياسية شاملة في اليمن" في 8 أبريل.
ومع تزايد الدعوات الإقليمية للسلام، فإن عدم مشاركة مسقط في التحالف العربي إضافة لدعمها محادثات سلام شاملة، يضع عمان في موقع مناسب لأن تصبح أرضية محايدة لاستضافة وتسهيل عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.
الرهانات الحالية
إن مخاوف السعودية الحالية تعتبر ذات شقين: وهما حماية أراضيها بالكامل، بما في ذلك حدودها الجنوبية المشتركة، وكذا إيجاد مخرج من حالة الجمود العسكري في اليمن.
ولمعالجة هذه القضايا، لدى المملكة أربعة مطالب رئيسية: أولاً، وقف برنامج الحوثيين المتعلق بالطائرات بدون طيار وبرنامج الصواريخ البالستية، بدءًا من إنهاء الهجمات، ثانيًا، وقف الأعمال العدائية الحوثية على الحدود الجنوبية ثالثًا، قطع العلاقات الحوثية الإيرانية، ورابعاً، استئناف محادثات السلام اليمنية.
بالنسبة للمطلبين الأولَين فهما فوريان وحاسمان بالنسبة للأمن المحسوس للمملكة العربية السعودية. أما الرابع، مع ذلك، فهو الطريقة التي يمكن للرياض من خلالها تحقيق انسحاب سلس.
ومن غير المحتمل أن يتحقق الشرط الثالث، ولكن من المحتمل أن يظل سؤالًا للمستقبل فيما يتعلق بأمن السعودية والخليج.
لدى الحوثيين شرطين واضحين باستمرار للانخراط في عملية خفض تصعيد جدية، يتمثلان في انسحاب قوات التحالف المتبقية ورفع حصارها لليمن. وفي حين أن الانسحاب السوداني والانسحاب الإماراتي شجعا الحوثيين أكثر على الطلب الأول، فإن الولايات المتحدة والتحالف والحكومة لديهم مخاوف جدية بشأن الثاني وذلك بخصوص حجم تهريب الأسلحة غير المشروع للحوثيين إذا ما تم رفع الحصار خلال زمن الحرب.
وفي ضوء هذا التعقيد، يرتبط المطلبان عمومًا بقرار إنهاء النزاع الذي تتضمن معالمه دور الحكومة اليمنية -وهي أساس التدخل العسكري بقيادة السعودية في البلاد - وكذلك استئناف عملية سياسية تحدد الانتقال.
لذلك، فإن وقف إطلاق النار الحالي لا يفي بمطالب الحوثيين المتطرفة، ولا يمكنه الصمود بمعزل عن محادثات سلام جادة، بناءً على الأدلة التي تجلت منذ عام 2015.
تهتم المملكة العربية السعودية، كقوة إقليمية، بمكانتها الدولية وستركز جهودها على ضمان استراتيجية خروج دولية تحفظ ماء الوجه من اليمن. وهذا يعني أن احتمالات سحب قوات التحالف المتبقية رفع الحصار تتوقف إلى حد كبير على إبرام تسوية تفاوضية سياسية بين الحكومة اليمنية والحوثيين.
من وجهة نظر سعودية، يمكن وقف الهجمات الصاروخية الحوثية على المملكة العربية السعودية إما عن طريق تعليق (في أحسن الأحوال) أو تخفيض (في أسوأ الأحوال) الغارات الجوية السعودية على الحوثيين، والتي يمكن استئنافها بسهولة كلما كانت الفوائد تفوق التكاليف.
أما بالنسبة للمنطقة الحدودية، فقد أوضح الحوثيون أن وقف الأعمال القتالية في جنوب المملكة العربية السعودية مرتبط بمطالبهم المحورية، وذلك في محاولة منهم للحفاظ على نفوذهم، والمساومة من موقع القوة.
يبدو قطع العلاقات بين إيران والحوثيين طموحًا في ظل الظروف الحالية. إذ تشترك إيران والحوثيون في أكثر من مجرد أهداف مشتركةـ وذلك لسببين رئيسيين. أولاً، يدين الحوثيون بالكثير من نجاح تمردهم لإيران منذ تشكيل (الشباب المؤمن) في الثمانينيات، حيث حصلوا على دعم استراتيجي كبير منذ ذلك الحين.
ثانيًا، يشترك الحوثيون في طموحات إيران التوسعية "الهلال الشيعي". ويعتبرون أنفسهم جزء لا يتجزأ من "محور المقاومة" الذي تقوده إيران نظرًا لقربها من مضيق باب المندب الاستراتيجي، الذي يمكن استخدام السيطرة عليه في خنق حركة التجارة البحرية، متى ما لزم الأمر.
مستقبل وقف إطلاق النار؟
مع ترحيب المجتمع الدولي بوقف إطلاق النار من جانب واحد من جانب التحالف، وإلقاء ثقله وراء المبعوث الخاص للأمم المتحدة، لا يوجد حتى الآن أيما مؤشر على أن الحوثيين سيوقفون أنشطتهم العسكرية داخل اليمن. فبعد يوم واحد من إعلان وقف إطلاق النار، أكد الحوثيون عزمهم على مواصلة القتال في اليمن حتى رفع الحصار أو التوصل إلى اتفاق شامل.
وبالنظر إلى المشهد الأمني المتقلب في محافظة الجوف، بالإضافة إلى الهجوم الصاروخي الحوثي الأخير على مأرب، وقصف المنازل في الحديدة، ونشر التعزيزات العسكرية في البيضاء بعد إعلان وقف إطلاق النار، يبدو متوقعاً بأن القتال متواصل في اليمن في المستقبل المنظور.
بعبارة أخرى، يهدف وقف إطلاق النار الذي يقوم به التحالف إلى الحد من الهجمات التقليدية وغير التقليدية على المملكة العربية السعودية، حيث لم يعالج بعد مسألة حل النزاع في اليمن. وفي غياب الضغط من القوات الجوية ومع ظهور انقسامات مدمرة داخل القوات المدعومة من التحالف بالتزامن مع تقدم محادثات الحوثيين ـ السعوديين، يمكن أن ينتهي وقف إطلاق النار مرة أخرى بتمكين مكاسب الحوثيين الإقليمية.
وما لم تكن محادثات القنوات الخلفية بين السعودية والحوثيين تهدف حقًا إلى دعم عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة، بدلاً من مجرد استغلال الضرورة الملحة المتعلقة بجائحة فيروس كورونا، أو معالجة المخاوف السعودية الحالية، فسوف تواجه انتكاسات بلا شك، وسوف ينهار وقف إطلاق النار، تمامًا مثلما جرى مع كل ما سبقه.
أخبار ذات صلة
الثلاثاء, 14 أبريل, 2020
رويترز: السعودية تستأنف المحادثات مع الحوثيين من أجل التوصل لتفاهم بشأن الهدنة
الأحد, 12 أبريل, 2020
ذا ناشيونال انتْرِست: وقف إطلاق النار باليمن "لن ينجح" ومغادرة الرياض لن ينهي الصراع (ترجمة)
الخميس, 02 أبريل, 2020
السعودية: الحوثيون غير جادون في خفض التصعيد والتوصل لحل سياسي في اليمن