رغم تجديد"منظمة الصحة العالمية" تأكيدها- منتصف هذا الأسبوع- على خلو اليمن من فيروس "كورونا" المستجد، إلا أن المواطن "عبدالناصر علي"، (35 عاما)، من مدينة تعز (جنوبي اليمن)، لا يثق سوى بشيء واحد: ضرورة إلتزام تطبيق النصائح الطبية والاجراءات الإحترازية من الآن، دون تسويف، للوقاية من مخاطر الفيروس الذي انتشر في معظم دول العالم وخلَّف عشرات الآلاف من الضحايا.
يقول "علي"، متحدثا لـ"يمن شباب نت"، إن حجم الأخبار اليومية عن ضحايا كورونا في معظم دول العالم، هو ما دفعه إلى البدء بتطبيق بعض تلك الإرشادات الصحية الرئيسية الهامة، كارتداء الكمامات (قناع طبي للأنف والفم)، وتجنب الأماكن المزدحمة، والبقاء في المنزل لمعظم الوقت، "لا سيما وأن الفيروس خطير جدًا وينتقل بسرعة مخيفة، لذا وجب الاحتراس منه والاستعداد له مبكرًا حال وصوله اليمن، إذا قدر الله ذلك".
وعلى هذا الأساس، أعرب "علي"، الذي يسكن في منطقة "التحرير" وسط مدينة تعز، عن مخاوفه من أن "الاجراءات الصحية الوقائية"، التي أقرتها السلطة المحلية بالمحافظة، "لا يتم الإلتزام بها وتطبيقها"، خصوصا وأنّ الوضع الصحي المتدهور في تعز "لا يؤهل المدينة لمواجهة وباء كهذا، استطاع أن يغزوا كبرى الدول العالمية المتطورة".
وتعيش مدينة تعز وضعًا صحيًا متدهورًا، جراء الحرب التي أندلعت فيها مطلع العام 2015، وأدت إلى فرض ميليشيات الحوثي حصارا مطبقا على جميع منافذ المدينة منذ قرابة خمسة أعوام.
وتعاني المدينة- بشكل شبه دائم- من تكدس النفايات على مجرى السيول ومعظم الشوارع الرئيسية والفرعية، الأمر الذي يسهم دائما في تزايد الأوبئة والأمراض، كـ"الكوليرا" و"حمى الضنك"، والتي يُخشى أن تعود مجددًا مع انتشار فيروس كورونا.
اجراءات غير مُنفذة
قبل أسبوعين من الأن، تقريبا، ومع تسارع انتشار فيروس "كورونا" في معظم الدولة العربية والعالمية، أعلن رئيس الجمهورية عبد ربه منصور إجراءات احترازية رئيسية، كإغلاق كافة المنافذ اليمنية، وإيقاف الرحلات الجوية..
وقبل أيام قليلة، أقرت السلطة المحلية بمحافظة تعز، حزمة اجراءات إحترازية وقائية لمنع انتشار فيروس كورونا، أبرزها "إيقاف الدراسة، واغلاق الحدائق العامة، والغاء الحفلات والفعاليات، بالإضافة إلى تعليق صلاة الجمعة والجماعة في المساجد"، وغيرها من الإحترازات الوقائية الأخرى..
إلا أن الكثيرين هنا- مثل "عبد الناصر علي"- يتوجسون أيضا "من عدم الإلتزام الفعلي- حتى الآن- في تطبيق تلك الاجراءات الاحترازية، المعلنة من قبل السلطة المحلية بالمحافظة، رغم أهميتها".
وهو ما شكا منه المواطن "محمد فرحان"، الموظف في سلك التعليم، مشيرا في هذا الصدد، على سبيل المثال، إلى أن "المقاهي والاستراحات في المدينة، لاتزال مفتوحة، فضلاً عن استمرار زحمة الشوارع والأسواق الشعبية واكتظاظها بالناس، وبالأخص أسواق بيع الخضروات والقات"..!!
وأرجع فرحان، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، أحد الأسباب في ذلك إلى "التوعية والتثقيف بالوباء، والتي لا تزال ضعيفة جدًا، مقارنة بخطورة الفيروس الذي يتطلّب حملات توعوية شاملة وواسعة"، داعيا السلطات الرسمية إلى اتخاذ اجراءات صارمة، بما في ذلك إجراءات عقابية "ازاء التجار الذين استغلوا الوباء باحتكار الكمامات" الطبية، وزيادة سعرها الجنوني".
أما المواطن "مختار الشرعبي"، من تعز أيضا، فقد أعتبر تلك الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الشرعية لمواجهة فيروس كورونا "ضرورية للغاية"، كما واصفها بـ"الخطوة الصحيحة".
وحذّر، عبر "يمن شباب نت"، من أنه "إذا لم يتم تطبيق التدابير الاحترازية والوقائية بدقة، فإن هذا الفيروس الخطير سيتسبب في وفاة الألاف حال انتشاره في اليمن".
وعليه، شدّد الشرعبي على "ضرورة تطبيق تلك التدابير الوقائية على وجه السرعة، كي لا يتكرر ما حدث في العديد من الدول التي نال الفيروس من سكانها، لأنها تأخرت عن اتخاذ الاجراءات الضرورية".
مخاوف من المخاوف
ومع ذلك، فإن استمرار فيروس "كورونا"- الذي صنّفته منظمة الصحة العالمية كـ"كجائحة عالمية"، وأعتبرته "عدو البشرية"- في الانتشار بسرعة كبيرة جدا في معظم بلدان العالم، مع تغطية إخبارية واسعة عن سهولة إنتشاره ومدى خطورته على الحياة، وغيرها من الأخبار المقلقة بشأن الفيروس،.. كل ذلك عمل- إلى حد كبير- على إثارة المخاوف وبعثها بقوة في أوساط اليمنيين، ما دفع الكثيرين إلى اتخاذ عدة إجراءات وقائية بشكل ذاتي، ودعوة الأخرين إلى إلتزام الجميع بها، تحسبًا لوصول الفيروس إلى بلدهم الأكثر فقرا، وتعرضت منظومته الصحية إلى إنهيار شبه كلي بسبب الحرب.
وظهرت مبادرات مجتمعية صحية وتوعوية، وأنتشرت الكثير من اللوحات الإرشادية في الشوارع الرئيسية الكبرى، في حين وُزعت المنشورات الطبية في مختلف الأحياء السكنية، لتوعية الناس بخطورة الفيروس وطرق ووسائل الوقاية منه..
وعلى ضوء ذلك، شهدت الصيدليات مؤخرًا إقبالا كبيرا من قبل المواطنين على شراء "المعقمات والمطهرات، وغيرها من المستلزمات التي تقي من الفيروس" بحسب ما أكده الدكتور الصيدلي جمال عارف لـ"يمن شباب نت".
ونوه عارف إلى أن هناك شحة كبيرة في "الكمامات" بمدينة تعز، ما أدى إلى أرتفاع أسعارها بشكل غير مسبوق. حيث وصل سعر الباكت الواحد للكمامات العادية ما بين 5 و 7 آلاف ريال (8 – 11 دولار تقريبا)، بعد أن كانت قيمته بـ 400 ريال فقط (أي نصف دولار تقريبا)..!!
مراكز عزل بلا تجهيزات أساسية
وفي حين يتهم المواطنون في تعز السلطة المحلية بالإهمال وتجاهل تنفيذها الاجراءات الاحترازية التي أعلنتها لمواجهة الفيروس، يتحدث مكتب الصحة بالمحافظة عن شروعه في تنفيذ عدد من الاجراءات الوقائية، رغم شحة الإمكانيات والمستلزمات الطبية والدعم المالي واللوجستي..
وبهذا الخصوص، تحدث مدير الترصد الوبائي بمكتب الصحة بمحافظة تعز، ياسين عبدالملك، لـ"يمن شباب نت"، عن بعض تلك الاجراءات المتخذة من قبل المكتب، بينها "تكليف فرق الاستجابة السريعة للعمل بمنفذ "هيجة العبد" البري (جنوب غرب المحافظة)، ومنفذ الساحل الغربي، بحيث يتم فيهما أخذ بيانات الوافدين من البر، أو المتسللين عبر البحر، ومتابعتهم خلال 14 يوما، حتى تمر فتره الحضانة للفيروس".
وفي هذا الجانب، أكد مدير الترصد الوبائي بالمحافظة على أن "جميع حالات الوافدين التي تم فحصها، حتى الآن، لم تظهر عليها أية أعراض للوباء".
ومن بين الاجراءات التي تم اتخاذها أيضا، حسب المسئول الصحي نفسه: البدء بحملة تطهير للمستشفيات والأسواق الأكثر ازدحاما، بالإضافة إلى إصدار المكتب تعميمات إلى مدراء فروع مكاتب الصحة بالمديريات، بتجهيز غرف عزل بالمستشفيات والمرافق الصحية، لمتابعة الحالة الصحية للحالات المشتبهة أو المصابة، إذا وجدت.
وفي حين أشار أيضا إلى أنه تم تحديد مركزين للعزل الصحي: الأول في منطقة الضباب (المنفذ الغربي للمدينة)؛ والآخر بمديرية ذوباب في الساحل الغربي للمحافظة، إلا أنه أكد على أن المركزين المذكورين "ما زالا غير مجهزَيَن بأبسط الاحتياجات المطلوبة، بما فيها الكمامات"..!!
وقال إنه تم الرفع إلى السلطة المحلية ووزارة الصحة لغرض التجهيز والتأثيث، وتزويد مراكز العزل بأسِّرة العناية المركزة وأجهزة التنفس الصناعي، إلا أن تلك المطالب لم تُلبى بعد..!!
مبادرات صحية مجتمعية
وبعيدا عن الجانب الحكومي الرسمي، ظهرت عدد من المبادرات الصحية المجتمعية للمساندة والمساعدة في تغطية العجز الحكومي، أهمها وأبرزها المبادرة التي أطلقتها مؤسسة "الشيخ حمود سعيد المخلافي"، وبدأت بتنفيذها منذ أمس الأول (يوم الإثنين) بإجراء الفحص الطبي في منافذ المدينة على الوافدين إليها للتأكد من خلوهم من فيروس "كورونا".
وقال مصدر في المؤسسة لـ"يمن شباب نت"، إن هناك فرقا طبية، مكونة من 30 متطوعا من الأطباء والمساعدين، تعمل مع المؤسسة على مدار الساعة.
وبحسب المصدر، فقد أجرت تلك الفرق الطبية التابعة للمؤسسة، فحوصات شملت أكثر من 5,500 حالة، خلال اليوم الأول فقط (الأثنين الماضي)، وجميعها أظهرت نتائج سلبية للفيروس (أي عدم حملها فيروس "كورونا").
وجددت منظمة الصحة العالمية، يوم أمس الثلاثاء، التأكيد على أن اليمن ما تزال خالية حتى اللحظة من فيروس كورونا. ويوم الأحد الماضي قال ممثل المنظمة، الطف موساني، في إحاطة إعلامية، إن "منظمة الصحة تقوم بالمتابعة الدائمة، رغم شحة الأجهزة والمعدات الطبية، إلا أن المنظمة قامت بتزويد السلطات ببعض تلك المعدات والمحاليل".
يذكر أن الحكومة اليمنية، وبالتزامن مع قراراتها الصادرة بإغلاق المنافذ الجوية والبرية والبحرية وتعليق الدراسة في الجامعات والمدارس الحكومية والخاصة، أعلنت تشكيل لجنة طوارئ تتولى اتخاذ القرارات والاجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا، إلا أنه لا يعلم ما الذي قامت به تلك اللجنة، حتى الآن على الأقل.
أخبار ذات صلة
الثلاثاء, 24 مارس, 2020
الأزمات الدولية تحذر من خطورة تفشي فيروس كورونا على الوضع الإنساني باليمن