في شارع "مجاهد" المزدحم بالمحلات التجارية الكبيرة وسط صنعاء، اختارت "نسيم الشيباني" أن تفتح محل فواكه صغير لكنه مختلف عما اعتاد اليمنيون في اسواقهم، بالإضافة إلى أنها مهنة لم تعمل بها النساء من قبل، غير أن المحل يبدو للمشتري لافت ومثير للفضول بتفاصيله المختلفة.
للوهلة الأولى تشدك "الأناقة ونظافة المكان وجمال الديكور"، وكأنه متجر إكسسوارات، وليس محل لبيع الفواكه والخضار، لكنه ورغم ندرته كحالة إبداع نسائية، وراءه قصة تحدي لامرأة وبناتها، واللاتي واجهن كل الظروف من أجل إنشاء مشروعهن الصغير.
قبل نحو شهر استطاعت السيدة "نسيم الشيباني" أن تثبت جدارة قدرتها على مؤازرة أسرتها ومواجهة كل الصعوبات في بلد شكلت الحرب فيه منعطفا في حياة المواطنين خاصة النساء اللاتي انعكس عليهن العبء الأكبر في رعاية أسرهن وتوفير لقمة العيش.
في نهاية شهر فبراير الماضي كانت السيدة "نسيم الشيباني" على موعد مع اتخاذ قرار كسر حاجز المجتمع، والبدء بمرحلة جديدة في محاولة منها للوقوف أمام متطلبات الحياة، وتوفير احتياجات لأفراد أسرتها عبر تدشين مشروعها التجاري الصغير، في محل لبيع الفواكه والخضار، في مهنة عرفت بأنها حكرًا على الرجال فقط.
وقالت الشيباني: "أنها بدأت قبل أسابيع بفتح محل لبيع الفواكه وتعمل فيه بمساندة بناتها، وذلك من أجل مواجهة متطلبات المعيشية وتوفير حاجات أسرتها، والتخفيف من الأضرار التي لحقت بهم جراء الحرب في البلاد والتي مازالت مستمرة".
أفكار خارج المألوف
واستطاعت الكثير من النساء ابتكار أفكار لمشاريع جديدة، لم يكن يعلمن بها من قبل وكانت مقتصره على الرجال فقط، وتحاول من خلالها النساء جذب عددا كبيرا من المواطنين للشراء ويعد محل بيع الفواكه الذي افتتحه "الشيباني" نموذجا من تلك المشاريع، والذي لقي تفاعل واسع.
وتسعى "نسيم الشيباني" من خلال مشروعها إلى لفت انتباه المواطنين وجذبهم للشراء، ومحاولة إظهار محلات بيع الفواكه برونق جميل، خصوصا وأن الناس في صنعاء تعودا على الشراء من أصحاب البسطات، ونادرا ما توجد محلات لبيع الفواكه.
وقالت: "أن الحي الذي تسكن فيه لا توجد محلات لبيع الخضروات والفواكه، وهو جعلني أقوم بفتح المحل بمواصفات جيدة من شأنه جذب المواطنين للشراء".
وبدأت "الشيباني" العمل في المحل بمساندة بناتها وهي متفائلة كثيرا بنجاح مشروعها وتسعى لتطويره، وهي سعيدة بالترويج الإعلامي الذي حصل لمحلها في وسائل التواصل الاجتماعي والذي جذب العديد من المواطنين، وهي بصدد نصب لوحة دعائية للمحل خلال الأيام القادمة.
مشاريع نسائية للعيش
خلال الفترة الماضية بدأت النساء في العاصمة بمزاولة بعض المهن والأعمال الخاصة بالرجال بعد كانت حكرا للرجال فقط، وبرزت العديد من المشاريع الاستثمارية لبعض النساء وحققت نجاحا على الرغم من سوء الأوضاع الاقتصادية والأمنية.
وقبل ثلاثة أشهر تقريبا كانت إحدى الفتيات قد بدأت مشروعها التجاري برفقة شقيقاتها بفتح كافيتريا المأكولات والعصائر والآيسكريم، في حرم جامعة صنعاء، وأطلقن عليه اسم "مذاق فاخر".
وقال "محمد السلمي" -أحد طلاب جامعة صنعاء- "أن الكافيتريا حققت نجاحا كبيراً واستطاعت أن تنافس الجامعة من حيث المظهر الخارجي النظافة وتوفير جميع الأصناف التي جذبت عددا كبيرا من الطلاب".
وأضاف في حديث لـ"يمن شباب نت" أن الناس يتعاونون بشكل لافت مع المشاريع الصغيرة للنساء، باعتبار خروجهن للعمل في مهام تبدو صعبة وشاقة عليهن، ضمن نتائج الحرب التي تدور في البلاد، والتي أجبرت الكثير من النساء للبحث عن مصد للرزق.
وعلى الرغم من أن ممارسة المرأة لبعض الأعمال قد يبدوا غير مألوف في المجتمع وتواجهن عوائق، إلا أن كثير من النساء التي اجبرتهن الظروف للعمل يعملن على تحدي كل الصعاب من أجل "لقمة العيش".
النهوض من بين الركام الحرب
ومع انقطاع الرواتب وانعدام فرص العمل والتي بدورها انعكست سلبا على حياة المواطنين وبالأخص النساء اللواتي فقدن عائلهن ومصدر رزقهن، لجأن إلى افتتاح مشاريع صغيرة لإعالة أسرهن، وتعددت مابين محال صغيرة أو اعمال حرفية يدوية، وبعضهن يصنعن أطعمة من منازلهن ويعملن على البيع عبر وسائل التواصل.
وقالت بدور البريهي - ناشطة مجتمعية – "أن غالبية النساء في العاصمة صنعاء يكافحن من أجل توفير لقمة العيش وأن المشاريع الصغيرة أصبحت رائجة كثيرا خلال هذه الفترة على الرغم من سوء الأوضاع الأمنية والاقتصادية".
وأضافت في حديث لـ"يمن شباب نت" أن المرأة اليمنية استطاعت أن تشق طريقها وأن تنهض من بين الركام على الرغم من كل العوائق التي تواجهها المرأة في اليمن.
وأشارت إلى "أن الحرب جعلت من المرأة اليمنية سلسلة كفاح لا تنتهي فنجد بأنها اليوم استطاعت أن تثبت للمجتمع بأنها قادره على مساندة الرجل في اسوأ الظروف وهناك نماذج كثيرة لبعض النساء التي ساهمت في تسيير وتدبير متطلبات الحياة وتوفير لقمة لأفراد أسرتها منذ اندلاع الحرب في اليمن وحتى اللحظة".
وخلال الخمس السنوات الماضية استطاعت المرأة اليمنية مقاومة ظروف الحرب، وتحملت أعباء الحياة بالإضافة إلى دورها في تربية الأبناء إلا أنها وقفت إلى جانب الرجل وكانت نموذجا يحتذى به في تحمل تكاليف الحياة والقيام ببعض الأعمال الشاقة عوضا العمل في صناعة البخور وتطريز الملابس وغيرها من المهن بهدف توفير لقمة العيش.