أصبح اسم الهلال الأحمر الإماراتي في اليمن يثير الرعب بعدما ارتبط بأنشطة استخباراتية وانتهاكات بحق اليمنيين رغم أن المفترض أن الهلال والصليب الأحمر في أي مكان يقتصر دورهما على إنقاذ الناس من الأزمات والكوارث وتداعيات الحروب.
ولم تحفظ أبو ظبي للهلال الأحمر الإماراتي طبيعته الخاصة المفترضة، بل أدخلته ضمن غطاء واسع من العمل الإنساني والتطوعي الذي يقوم بدور استخباراتي وأمني وذلك عبر تنظيم عدد من الفعاليات والأنشطة التطوعية التي تحرص من خلالها على اختراق المجتمع اليمني وجمع المعلومات وتسجيل الانطباعات عنه تحت هذه الأعمال.
وبحسب ما نقل موقع "عربي بوست" فإنّ أبو ظبي لم تنجز أي مشاريع حقيقية على أرض الواقع في اليمن سوى مشاريع شكلية تأخذ طابع الحملات الإغاثية والصحية، إلا أنّها في الحقيقة تهدف إلى أبعد من ذلك.
ذباب إلكتروني
واستقطبت الإمارات عبر الهلال الأحمر في محافظات اليمن متطوعين في كثير من المحافظات اليمنية حيث تشير المصادر الخاصة "بأنّ أبو ظبي لديها في الكثير من المناطق المئات من المتطوعين تتراوح أعمارهم ما بين 12-18 عاماً وتقوم بإعطائهم مكافآت قدرها 500 ريال سعودي شهرياً" وفقا لعربي بوست.
كما أنشأت أبو ظبي مراكز إعلامية برعاية مباشرة من الهلال الأحمر الإماراتي وتقوم من خلالها بممارسة أعمال الذباب الإلكتروني (مجموعات موالية لها على الإنترنت) من شأنها إثارة النزاعات في الشارع اليمني عبر الرد على الرموز اليمنية في صفحاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة المعارضة منها للسياسات السعودية والإماراتية في اليمن.
للمزيد إقرأ ملف خاص أعده "يمن شباب نت"...
من واقعنا وأرقامهم.. "يمن شباب نت" يفتح ملف فضائح التنمية والخدمات الإنسانية الإماراتية في سقطرى (ملف خاص)
وعمد الهلال الأحمر الإماراتي إلى دعم بعض الفنانين في اليمن لإطلاق أناشيد وأغنيات من شأنها إثارة ودعم النعرات القبلية في مختلف المناطق اليمنية وذلك لكي تبث الفرقة بين القبائل وأبناء اليمن الواحد.
وتتعدد نشاطات الهلال الأحمر الإماراتي في اليمن لتخرج عن نسقها المعتاد والطبيعي والتي من المفترض أن تمارسه والذي يفترض أن لا يخرج عن الطابع الصحي والطبي بالإضافة إلى الطابع الإنساني والإغاثي.
لكنّ أبو ظبي جعلت منه وسيلة استخباراتية حقيقية عمدت من خلاله أبو ظبي إلى إنشاء غرف ومراكز إعلامية على شاكلة الذباب الإلكتروني السعودي في مواقع التواصل الاجتماعي.
إذ قامت أبوظبي باستنساخ التجربة لكن هذه المرة على الأراضي اليمنية لممارسة سياسة التفرقة بين أبناء اليمن ومناطقه عبر بثّ الأخبار والشائعات في مواقع التواصل الاجتماعي، ومحاولة التشكيك في الشخصيات اليمنية التي ترفض الوجود الإماراتي-السعودي وسياستها المتبعة على الأراضي اليمنية.
مناطق ينشط فيها الهلال الأحمر الإماراتي
ويأتي على رأس المناطق التي ينشط بها الهلال الأحمر الإماراتي بشكل مريب، مناطق الساحل الغربي المتمثلة في (حيس، الخوخة، المخا)، وهي مناطق محررة وتقع جميعها تحت سيطرة الإمارات، حيث يتمثل النشاط الذي يقوم به الهلال الأحمر في توزيع المواد الغذائية والتموينية وبعض التمور.
وتقوم أبو ظبي بحسب ما يقول أنيس منصور الصحفي اليمني ورئيس مركز عدن للدراسات لـ "عربي بوست"، إنّ الإمارات تتخذ من نشاطات الهلال الأحمر الإماراتي وسيلة وبوابة لتحقيق عمل أمني واستخباراتي بالدرجة الأولى، حيث تقوم بجمع المعلومات والبيانات عن السكان المتواجدين في تلك المناطق وتطلب منهم معلومات وبيانات شخصية حولهم وتحديداً عن انتمائهم وخلفياتهم السياسية، بحجة أنّها ترغب بتقديم مساعدات عينية وغذائية لهم.
وأضاف: تطلب من شيوخ القبائل أو «شيوخ القرى» و «شيوخ العزل» أسماء العائلات والأشخاص الذين يحتاجون لتلك المساعدات، وبعدها يتم تحليل تلك المعلومات والبيانات التي حصل عليها الهلال الأحمر الإماراتي وتقديمها إلى المخابرات والجيش الإماراتي تمهيداً للاستفادة منها ميدانياً وسياسياً.
كما ينشط الهلال الأحمر الإماراتي في مناطق أخرى في الجنوب اليمني وتحديداً المناطق الخاضعة تحت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبو ظبي، ومنها (عدن، لحج، أبين)، حيث يتحرك الهلال الأحمر الإماراتي لممارسة دوره الأمني والاستخباراتي، متخذاً من توزيع المواد الغذائية والتموينية ذريعة للعمل على الأرض.
ويقول أنيس منصور، إنّ الهلال الأحمر الإماراتي لم يقم بعمل مشاريع حقيقية واستراتيجية في المناطق الخاضعة تحت السيطرة الإماراتية، مشيراً إلى أنّ المشاريع التي نفذها على أرض الواقع عبارة عن مشاريع بسيطة وتكميلية.
فعلى سبيل المثال قام بتأثيث وإصلاح بعض المدارس المتضررة من جراء الحرب في المناطق التي يتحرك بها، بالإضافة إلى قيامه بأعمال الطلاء والدهان لتلك المدرس، ثمّ يقوم بعدها برفع الأعلام الإماراتية على تلك المدارس وتعليق صور شيوخ الإمارات على جدرانها.
تحرشات وابتزاز جنسي
يسعى الهلال الأحمر الإماراتي في اليمن للتغطية على أهدافه وأجنداته عبر استقطاب متطوعين وناشطين من كلا الجنسين (ذكوراً وإناثاً)، بدعوى المسح الميداني لمعرفة أحوال العائلات المحتاجة والفقيرة في المناطق الواقعة تحت السيطرة الإماراتية، حيث يقوم هؤلاء بملء الاستبيانات التي تحتوي على معلومات حول تلك الأسر، إضافة إلى ممارسة مهام العمل الميداني كتوزيع المواد الغذائية والعينية.
المتطوعة (ر ن) تتحدث عن تجربتها في العمل كمتطوعة وناشطة مع الهلال الأحمر الإماراتي في اليمن، مشيرةً إلى أنّه في بداية الأمر اتصلت بها صديقة لتخبرها أنّ الهلال الأحمر الإماراتي في المناطق الجنوبية وتحديداً في مناطق عدن، لحج، أبين والمناطق التابعة لها يحتاج إلى متطوعين، وبالفعل ذهبت إلى المقابلة الشخصية ووقع الاختيار عليها.
وتوضح (ر ن) التي رفضت الكشف عن اسمها خلال حديثها مع «عربي بوست»، بأنه في بداية الأمر كان العمل يقتصر على تعبئة استمارات الأسر المحتاجة والبيانات المتعلقة بها، لكنّ تطور الأمر فيما بعد إلى استدعاء كثير من الناشطات والمتطوعات في ساعات متأخرة بالليل بحجة أنّ هناك أعمالاً يجب أن تنجز.
وقالت فوجئنا بحجم الابتزاز اللاأخلاقي الذي تتعرض له المتطوعات مع الهلال الأحمر الإماراتي.
وكشفت أنها قد تمّ ابتزازها جنسياً هي وغيرها من قبل موظفي الهلال الإماراتيين، ووصل الأمر إلى الاعتداء على أعراض وشرف أخريات، مشددةً على أنّ الكثير منهن يرفضن الكشف عن أسمائهن أو تقديم أي اعتراض أو شكوى حتى لا يلحق الأذى بهن أو يتم التعرض لهن.
وقالت إن المتطوعات يتقاضين حوالي 150 دولاراً شهرياً، حيث تتوزع الأعمال ميدانياً ما بين توزيع المواد الغذائية والتموينية، بالإضافة إلى الزيارات الدورية للمناطق الجنوبية الخاضعة لسيطرة الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي، حيث يتم عبر تلك الزيارات رصد بيانات واتجاهات العائلات التي يتم إحصاؤها تحت حجة أنّها أسر محتاجة وفقيرة.
وتضيف: «لقد تمّ صرف أجهزة جوال خاصة لكل متطوعة تعمل في الهلال الأحمر الإماراتي، الأمر الذي زاد من شكوكنا ومخاوفنا من أن تكون تلك الأجهزة مزودة بنظام تجسس لرصد كافة المكالمات وأشكال التواصل التي تتم بين المتطوعات والمحيط الذين يتم التواصل معه».
تُهم كيدية
ومن بين الشهادات التي حصل عليها «عربي بوست» فيما يتعلق بنشاط الهلال الأحمر الإماراتي، شهادة الناشط والصحفي اليمني منير طلال، الذي أكدّ بأنّ الهلال الأحمر كان أداة من أدوات الاستخبارات الإماراتية.
ويروي طلال قصته مع الهلال الأحمر الإماراتي لـ "عربي بوست" قائلاً: «بعد نزولنا من صنعاء تجاه عدن هروباً من بطش الميليشيات الحوثية هناك في عدن استقبلتنا الشرعية، وبعد فترة جاءت لجنة من الهلال الأحمر الإماراتي وأعلنوا عن رغبتهم مقابلة عدد من الصحفيين والناشطين اليمنيين، وأنا كنت أحدهم، فاصطدمنا بحديث رئيس الهلال الأحمر الذي كان يهاجم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، والحكومة اليمنية والشرعية.
وأضاف «وحين اعترضت على كلامه وقلت له أنتم جئتم لمساندة الحكومة اليمنية وأنتم الآن تحت مظلة الشرعية، دخلنا في ملاسنات واكتشفت مدى ازدرائه لليمنيين وكأنه يعتبر نفسه المندوب السامي في عدن وأننا نحن أبناء المستعمرة التي يستعمرها، فرفضت العمل معهم، عندها حمل الرجل علي حقداً كبيراً».
ويضيف طلال قائلاً: «وبعد 7 أشهر اتضح هذا الحقد وبان جلياً حيث وجدت عملاً في منظمة أخرى وكان لديها مشروع فرنسي أنا قمت بإدارته في فرع المشروع بعدن، والمشروع كان للدعم النفسي، فتفاجأت بعدها بمجموعة من التهم وجهتها إلي نيابة التواهي التابعة من ضمنها الانتماء إلى خلايا نائمة تعمل ضد الجنوب والانتماء لحزب الإصلاح (المحسوب على الإسلاميين)، وهم يرمون هذه التهم جزافاً بحقي رغم أنني ليس لي علاقة بحزب الإصلاح، وحتى أنني خرجت من سجنهم قبل فترة قريبة، فأنا سجنت في تعز من قبل الاستخبارات العسكرية التابعة لحزب الإصلاح هناك».
ويؤكدّ طلال بأنّ من أكبر الإشكاليات التي بات يواجهها المواطن اليمني هي مشكلة أن تكون مستقلاً بعيداً عن التنظيمات.
إذ إنه كان قيادياً في حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم في اليمن، وكان في منصب نائب رئيس دائرة الفكر والثقافة والإعلام، لكنّه خرج من منصبه وقدم استقالته بسبب المجازر والمشكلات التي عصفت بالبلاد عام 2011، وجمد نفسه ليلزم منزله.
وبالتالي لم يعد يحسب الرجل على أي طرف ولا أي حزب آخر، الأمر الذي دعا طلال لأن يبحث عن أسباب وإرهاصات تلك التهم.
وتبين أن هذه التهم مرتبطة بما يعرف بـ»لجنة النازحين»، والتي كانت تتسلم دعماً مالياً شهرياً من الهلال الأحمر الإماراتي.
النجاة من الاختطاف
ويستمر طلال في سرد معاناته بالقول: «هنا بدأت بالحذر وقمت باستبدال مكان سكني وسكنت عند صديق، ومرّ أسبوع ولم يحدث شيء فقررت أن أتجاهل الموضوع لأنّه ربما يكون الموضوع كذباً، وفي أحد الأيام كعادتنا التقيت بأصدقاء نريد أن نجلس جلسة خاصة وجاؤوا إلى مكتبي الخاص، فإذا بسيدة تعرفني تتصل وتحذرني وتقول لي الأمن متوجه لإلقاء القبض عليك، وقد انطلقوا قبل قليل، فبعد فترة عرفت أنّ أحد الأصدقاء هو الذي أرشدهم للمكتب الذي أعمل به وهو الذي طلب من هذه السيدة أن تبلغني وقد بلغتني.
وقال «استطعت أن أنجو وأخرج بفارق زمني بسيط وانطلقت إلى مدينة تعز، ومنذ ذلك الوقت إلى الآن وحتى هذه اللحظة مرت سنة من خروجي من مدينة عدن».
لكنّ طلال ظلت المخاوف تلاحقه حتى في تعز بشمال اليمن لأنّه يؤكدّ بأنّ الهلال الأحمر الإماراتي له أذرع في كل مكان ويستطيع شراء الذمم بشكل سهل، وهذا الذي دفع بمنير طلال لنشر قصته على مواقع التواصل الاجتماعي، والطلب من كل زملائه الصحفيين والأدباء الوقوف معه.
ويؤكدّ طلال بأنّ نيابة التواهي قامت بتحويل قضيته إلى قضية متعلقة بـ»الإرهاب»، مشيراً إلى أنّه إذا ما تمّ تحويل القضية إلى مثل هذا النوع يعني ذلك أنّ السجين لن يكون تحت أيادي الحراك الجنوبي أو تحت ميليشيات يمنية، بل سيكون تحت أيادي الإماراتيين بشكل مباشر وهو أمر مرعب للغاية بحسب وصف طلال، وهذا الذي دفعه إلى الهروب بأي شكل من الأشكال.
وينهي طلال حديثه بالقول: «أنا كنت تواصلت مع وزارة الداخلية عقب هروبي وتكلمت مع أكثر من شخص في الداخلية وكانوا يردون علي بأنّ أمن ونيابة عدن ليس لنا أي سيطرة عليهم، وننصحك أن تبتعد عنهم بقدر الإمكان، وتأوي إلى مكان آمن، كما تقدمت بشكوى إلى وزير الداخلية ونائبه والوكلاء لكن لم يتجاوب معي أحد، فكانوا يخافون يظهرون مخاوفهم من بطش أمن ونيابة التواهي والذي كان تحت وصاية وسيطرة الإمارات بشكل مباشر، بل أحد أذرعه المهمة في عدن».
المصدر: عربي بوست