بعد جهود سعودية حثيثة، رأى اتفاق الرياض النور في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بعد تأجيل موعد إعلانه أكثر من مرة، وسط حمى تسريبات متتالية حول وجود معيقات تعترض خروجه طوال الفترة الماضية.
وجاء الإتفاق الأخير، الذي توسطت فيه المملكة السعودية- قائدة التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن- لإنهاء الخلافات الداخلية على إثر قيام ما يعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" في جنوب اليمن، بإنقلاب عسكري على الحكومة الشرعية للبلاد، وإخراجها من العاصمة المؤقتة عدن.
ومع ما أكتسبه هذا الاتفاق من أهمية في توحيد صفوف الشرعية اليمنية لمواجهة الإنقلاب الحوثي، إلا أنه تعرض منذ لحظاته الأولى إلى ما يشبه الإنتكاسة، نتيجة عدم دخول بعض بنوده الأولية الرئيسة طور التنفيذ الفعلي حتى اليوم، رغم مرور أسبوعين على توقيعه.
والسبب- كما يؤكد معظم المتابعين- يعود إلى تعنت المجلس الإنتقالي المدعوم من الإمارات، والذي ما زالت ميليشياته تسيطر عمليا على الأرض في العاصمة المؤقتة (عدن) ومحيطها، وبدأت تجاوزاته المتفاقمة تهدد بوضوح نجاح الإتفاق، وتُعّرِضه لإمكانية الفشل الذريع، بالنظر إلى المعطيات الحالية.
جردة أولية.. مؤشرات سلبية
عقب توقيع الاتفاق، بدأت بعض التحركات في العاصمة المؤقتة عدن، تحديدا، للبدء في تنفيذ بنوده الأولية وفقا للتزمين الوارد في الإتفاق. ومع بدء الحديث عن تسليم واستلام منشآت، بدى الأمر كما لو أنه يسير في الاتجاه الصحيح، خاصة مع تأمين قوات سعودية مطار عدن الدولي بدلا من الإمارات..
لكن سرعان ما نفت قيادة اللواء الرابع- حماية منشآت- استلامها مطار عدن والموانئ والمؤسسات والمقار الحكومية، بموجب ما نص عليه الإتفاق، مؤكدا أن ما يجري هو عبارة تسليم واستلام داخلي بين قواتٍ تابعة للمجلس للانتقالي.
رافق تلك التحركات، العديد من الممارسات التي فقد معها كثير من متابعي الملف اليمني، الأمل بشأن إحراز أي تقدم إضافي في الاتفاق.
فقد توعد رئيس الجمعية الوطنية التابعة للمجلس الانتقالي، اللواء أحمد سعيد بن بريك، بمواجهة المكونات الجنوبية اليمنية الرافضة لمشروع الانفصال بطرق سياسية أو عسكرية.
كما حذر الانتقالي نفسه من محاولات المساس بعلم الجنوب (الإنفصالي)، مهددا بأن عدم احترامه "قد يؤدي إلى تصعيد لا يمكن التكهن بنتائجه". وذلك خلال اجتماع هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي في العاصمة المؤقتة.
وفي السياق أيضا، منعت مليشيات الانتقالي كذلك موظفي وزارة الإعلام من مزاولة أعمالهم في مقر الوزارة، الواقع في إطار مبنى مؤسسة 14 أكتوبر للصحافة والنشر، التي ما زال الإنتقالي يفرض سيطرته عليها منذ إنقلابه مطلع أغسطس الماضي.
وكانت مصلحة خفر السواحل كذلك، أعلنت رفضها انتشار أي وحدات عسكرية في ميناء عدن، مبررة ذلك بأن أمن الموانئ من صلب مهامها. فضلا عن أن إدخال جهات أمنية وعسكرية، كوحدة أمن المنشآت وغيرها تحت مسمى تأمين ميناء عدن بكافة مرافئه المختلفة، يعد مخالفاً للمدونة الدولية لأمن السفن والمرافق المينائية. بحسب تبريرات المصلحة.
وسابقا كذلك رفضت مليشيات الحزام الأمني التابع للانتقالي، تسليم منشأة جحيف النفطية، بذريعة موعد التسليم.
وفي الجانب السياسي من بنود الإتفاق، تعثر وصول الحكومة إلى مقرها المؤقت في عدن اسبوعا كاملا عن الموعد المقرر في الإتفاق، قبل أن يُعلن مؤخرا، يوم الأثنين الماضي، عن وصول فريق مصغر برئاسة رئيس الوزراء معين عبدالملك إلى عدن، الذي كان يفترض وصوله في 12 نوفمبر.
ومع ذلك، فقد وصفت عودة الحكومة هذه على أنها "عودة منقوصة" نظرا لرفض المجلس الانتقالي عودة بعض الوزراء، بينهم وزير الخارجية محمد الحضرمي، وآخرين.
معوقات..عدم جدية.. إنشغال سعودي
يعتقد الصحفي والمحلل السياسي عبدالرقيب الهدياني أن أهم نقاط إعاقة تنفيذ اتفاق الرياض، هو عدم جدية الانتقالي في التعامل مع بنوده.
وتحدث الهدياني لـ"يمن شباب نت"، عن التصعيد الممنهج للإنتقالي بطرق مختلفة، بينها رفع الأعلام التشطيرية خاصة في المؤسسات السيادية، وعمليات إرهابية وعبث وقتل ومداهمات في عدن، فضلا عن عمليات السطو الأستباقية لعدد من مؤسسات الدولة والمتنفسات والأراضي، لمنع أي تقدم في تنفيذ بنود الاتفاق.
وإلى جانب ذلك، يعتقد الهدياني بوجود "تباطؤ من قِبل السعودية التي رعت الاتفاق"، مرجحا أن يكون سبب ذلك "إما لانشغالها بمساعي أخرى، في إطار لملمة القضية اليمنية، بينها زيارة الأمير خالد بن سلمان إلى مسقط، أو أن الاتفاقية تمت على عجل، وحين نزلت المملكة على أرض الواقع اصطدمت بكم العبث الذي أحدثته الإمارات، وكل ذلك انعكس سلبا على تنفيذ البنود".
فرصة أخيرة
ومع ذلك، ما زال الهدياني ينظر إلى الإتفاق كـ"فرصة أخيرة لتجنيب عدن، والمحافظات المحررة، الحروب والصراعات والفوضى"، مطالبا السعودية، راعية الإتفاق، بالمزيد من الجدية والضغط على الأطراف التي تعيق تنفيذ الاتفاق.
وحذر الصحفي الجنوبي من خطورة التراخي في هذا الشأن، "كون عدن ستذهب إلى الفوضى بشكل أكبر من السابق، وتداعيات ذلك ستنعكس على استقرار المنطقة ككل، كون المحافظة تطل على مضيق باب المندب الاستراتيجي، ما يعني تهديد الملاحة الدولية، وكذلك ستتأثر سلبا السعودية باعتبارها جارة لليمن".
وبخصوص عودة فريق مصغر من الحكومة مؤخرا إلى عدن، يرى الهدياني أن ذلك يشكل "مسارا جديدا وسط التحديات التي تعاني منها عدن"، معربا عن أمله أن يحمل ذلك "آمال وتطلعات المواطنيين في عودة الدولة وقيام المؤسسات دون أي معوقات".
لكنه أكد على أن حدوث مثل ذلك مرتبط بجدية السعودية "إذا صدقت في حشد كل جهودها لمواجهة التحديات في عدن، منها الملف الأمني والاقتصادي، ومنع مساعي بعض الأطراف لإفراغ محتوى اتفاق الرياض".
وحث الهدياني الجميع على أن يحرصوا على الدولة والاستقرار والقانون والأمن، حتى لا يعاني الجميع من الفوضى الشاملة.
عودة الحكومة بداية الإلتزام
ومع عودة رئيس الحكومة مع عدد من الوزراء إلى عدن، تمنى المتحدث باسم الحكومة اليمنية راجح بادي، بأن يكون ذلك "بداية حقيقية للالتزام بتنفيذ اتفاق الرياض بملحقاته الثلاثة، العسكري والأمني والسياسي". طبقا لما نقلته عنه صحيفة الشرق الأوسط، أمس الثلاثاء.
وأكد بادي "بأن الحكومة ستعمل على توحيد الجهود وتطبيع الأوضاع في عدن، وتفعيل مؤسسات الدولة، لكي تنعم عدن بالأمن والاستقرار، وتهيئة الظروف المناسبة لعودة كافة مؤسسات الدولة".
وفيما يتعلق بمسار الإتفاق، بعد عودة الحكومة، قال الناطق الرسمي بإن الحكومة "ستعمل على دمج التشكيلات العسكرية كافة تحت قيادة وزارتي الدفاع والداخلية بناءً على اتفاق الرياض، وتهيئة الأرضية المناسبة لذلك".
ونوه بالقول: "على الجميع أن يدرك أن اليمن أمام خطر حقيقي يتطلب توحيد الجهود وتكاتف الجميع لتنفيذ هذا الاتفاق لمواجهة الخطر الحوثي الإيراني الذي يهدد الكيان اليمني بشكل عام".
وكان رئيس الوزراء معين عبدالملك تحدث، عقب عودته إلى عدن، عن وجود تحديات كبيرة أمامهم، لكنه على أن إرادتهم أقوى للمضي قدما في تطبيق اتفاق الرياض بما يضمن ويؤسس لمرحلة جديدة من حضور الدولة ومؤسساتها وبمشاركة كل الأطياف الوطنية.
أخبار ذات صلة
الثلاثاء, 19 نوفمبر, 2019
الحكومة: العودة إلى عدن انطلاقه جديدة لتفعيل مؤسسات الدولة وتقديم الخدمات للمواطنين
الثلاثاء, 19 نوفمبر, 2019
الرئيس هادي لـ"غريفيت": نريد سلاماً مُستداماً بعيداً عن الحلول الترقيعية وترحيل الأزمات
الاربعاء, 20 نوفمبر, 2019
عدن: وقفة احتجاجية أمام قصر المعاشيق تطالب بالإفراج عن المختطفين