في سابقة هي الأولى، منذ بدء الحرب الدائرة في اليمن، تلقت قوات مقاتلة يمنية تدعمها المملكة السعودية للقتال على حدودها الجنوبية، ما أعتبر "انتكاسة كبيرة" كلفت اليمن والمملكة خسائر بشرية ومادية في منطقة كتاف بمحافظة صعدة- شمال اليمن، المعقل الرئيسي للحوثيين.
العملية، التي وقعت أوآخر أغسطس/أب الماضي، وأعلن عنها الحوثيون في مؤتمر صحفي أواخر سبتمبر/ آيلول الفائت، وصفها المتحدث العسكري باسم الجماعة بأنها "أكبر عملية استدراج لقوات التحالف العربي منذ بدء الحرب"، وأن التخطيط لها استمر عدة أشهر.
خلاصة العملية ورد التحالف
بحسب المتحدث العسكري للحوثيين، في مؤتمره الصحفي، فقد أسفرت العملية، التي أطلق عليها "نصرٌ من الله"، عن اسقاط ثلاثة ألوية عسكرية ومقتل أكثر من 500 مقاتل، وأسر أكثر من 2000 آخرين، بينهم سعوديون وجنسيات أخرى، وغنيمة عتاد عسكري ضخم، بينها عدد من الأليات والمدرعات الحديثة. وعرضت الجماعة تسجيلات فيديو وصور، على عدة مراحل، تظهر آليات عسكرية وعشرات المقاتلين الأسرى.
غير أن ذلك الإعلان والاستعراض الحوثي، بالنسبة للتحالف العربي، لم يكن سوى مجرد "مسرحية مزعومة من إعلام مضلل، وادعاءات"، وفقا لوصف المتحدث باسم التحالف العقيد تركي المالكي، في تصريحات أدلى بها في 30 سبتمبر/ أيلول، في أول رد للتحالف على العملية.
وعدى ذلك، رفض العقيد المالكي الرد على ما وصفه بـ"إعلام الميليشيات الحوثية، وتضليله للرأي العام الدولي والإقليمي"، مكتفيا بالتنويه إلى أنه "قد سبق وأوضحنا ما حدث في 26 أغسطس/ أب، ولا طائل من الرد على الحوثيين".
إرهاصات ما قبل/ وأثناء العملية
وعن توقيت العملية، يذهب بعض المحللين إلى ربطها بالأحداث العسكرية التي تخللت مدن الجنوب قبل أيام من عملية الحوثيين في كتاف بصعدة، وصولا إلى يوم وقوعها.
فقبيل منتصف شهر أغسطس/ آب الماضي، أندلعت معارك عنيفة في جنوب اليمن، بعد أن شنت ميليشيات المجلس الإنتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، هجوما عسكريا منظما ضد قوات الجيش الوطني التابع للحكومة الشرعية في محافظات: عدن ولحج وأبين وشبوة، قبل أن يستعيد الأخير تماسكه ويشن هجوما مرتدا استعاد فيه السيطرة على محافظات شبوة وأبين..
وفي 26 أغسطس/ آب، أثناء ما كانت قوات الجيش الحكومي في نقطة العلم- على تخوم مدينة عدن من الشرق- تفاوض على تسليم ميليشيات الانتقالي عدن دون قتال، تعرضت لقصف مكثف من الطيران الإماراتي، أسفر عنه مقتل ما يربو على 40 جنديا، وجرح قرابة الـ200، الأمر الذي اضطرها التراجع إلى الوراء نحو محافظتي أبين وشبوة.
وبالتزامن مع تلك المعارك الأخيرة التي نشبت في جنوب اليمن، بدأ الحوثيون في الترتيب لعمليتهم في مديرية كتاف، التي كان لواء الفتح بقيادة السلفي رداد الهاشمي قد توغل فيها ووصل إلى منطقة وادي آل أبو جبارة.
وعلى ما يقال، استغل الحوثيون غياب الطيران الحربي في تكثيف هجومهم وتعزيز مواقعهم والضغط على القوات الحكومية، التي ظلت لثلاثة أيام في وضعية دفاع، تقاوم الهجوم بأسلحة متوسطة.
وتشير إحدى الروايات، التي حصلنا عليها من مصادرنا الميدانية، إلى أن مسرح عملية القوات الحكومية، وتحديدا وادي آل أبو جبارة، تعرض في 25 أغسطس/آب لهجوم عنيف من قبل مليشيات الحوثي، مصحوبا بقصف مكثف بالأسلحة الثقيلة، بعد تنفيذهم عملية التفاف على جبل السوائل الاستراتيجي المطل على الوادي، والذي يشرف – أيضاً - على خط إمدادات القوات الحكومية.
وبعد أربعة أيام من المعارك، وتحديدا في 26 أغسطس/ آب (يوم قصف الطيران الإماراتي على جيش الحكومة في نقطة العلم)، نجح الحوثيون في السيطرة على كامل وادي جبارة وقرية الفرع، وصولا إلى مناطق مطلة على نجران السعودية، وسقوط مئات القتلى والجرحى والأسرى من القوات اليمنية-السعودية.
وفي هذا اليوم، تسربت الأنباء عن سقوط ثلاثة ألوية يمنية بيد ميليشيات الحوثي بكتاف- صعدة. ولغياب التفاصيل، حينها، برزت تفسيرات أولية للواقعة، بربطها مع ما حدث في جنوب اليمن، وأعتبارها تأتي في إطار التخادم الخفي، غير المعلن، لهدف حرف الأنظار عن الجريمة الإماراتية ضد الجيش الوطني في نقطة العلم. خصوصا وأن العمليتان حدثتا في يوم واحد!!
روايات وتفسيرات أخرى متباينة
ولاحقا، ظهرت روايات وتفسيرات أخرى، بعيدا عن الربط بين الحدثين، وتطابقت بعضها في تفسير ما حدث من انتكاسة، وسقوط مواقع هامة كانت قد تمت السيطرة عليها خلال عام ونصف في جبهة كتاف ولبقع، بإعتبار ذلك نتاج طبيعي لغياب التكتيك العسكري، وانعدام الخبرة والكفاءة لدى أفراد الألوية المقاتلة في تلك الجبهة.
وعزز ذلك، ظهور قائد محور كتاف، قائد لواء الفتح اللواء رداد الهاشمي، في تسجيل صوتي متداول، يقر فيه بوجود "خلل في القيادة" تسبب بمقتل وإصابة العشرات من الجنود. لكنه أيضا حمّل بعض الألوية التقصير، وقال إن مليشيا الحوثي استغلت بعض الثغرات، والتي ما كانت لتقع لولا تقصير بعض الألوية المرابطة في ميسرة وميمنة جبهة "كتاف"، والتي لم تقم بواجبها في تأمين جبهة القلب.
وفي حين لم يستبعد البعض حدوث اختراقات في أوساط اللواء، خصوصا مع ما يتردد عن تسليم واستلام بعض المقاتلين دون قتال، أرجع أخرون السبب الرئيسي إلى غياب الدعم، لاسيما الغطاء الجوي المهم في مثل هذه المعارك المفتوحة، وترك المقاتلين لمدة أربعة أيام تحت الحصار والقصف العنيف دون دعم أو اسناد.
وهو ما لم يشر إليه قائد المحور، الهاشمي، في تصريحاته المسجلة، لكن ضباطا وجنودا، تداول ناشطون تسجيلات أو تصريحات لهم على مواقع التواصل الإجتماعي، أشاروا إلى ذلك صراحة، وطالبوا الحكومة اليمنية، ممثلة بوزارة الدفاع، بالتحقيق ومعاقبة المتسببين.
طبيعة مسرح العمليات
يعد وادي "آل أبو جبارة" مسرح العمليات الرئيس لقوات محور كتاف (شمال شرق صعدة)، تقابله من الشمال منطقة نجران السعودية. ووفقا لمصادر عسكرية مطلعة، تتشكل القوة العسكرية في محور كتاف من: لواء الفتح (يطلق عليه أيضا اللواء 84 مشاة)، ولواء الوحدة، واللواء 122 مشاة، إلى جانب لواء صغير يسمى لواء المجد أو الفاروق أحيانا، وهو لواء دعم وإسناد، وفي المؤخرة توجد سريتين سعوديتين صغيرتين.
وبحسب المصادر العسكرية، يعد لواء الفتح هو الأبرز والأكبر والأقوى في محور كتاف، ويقوده السلفي "رداد الهاشمي"، والذي لا يمتلك أي خبرة عسكرية سابقة، مع أنه قاتل الحوثيين أثناء طردهم السلفيين من معهد دماج بصعدة عام 2013.
وتشير المصادر إلى أن أفراد لواء الفتح، جرى جمعهم على عجل، ونقلهم الى السعودية لتجهيزهم وتكليفهم بالهجوم على مدينة صعدة دون أن يخضعوا للتدريبات العسكرية اللازمة. كما لم يتم اعتمادهم رسمياً في كشوفات وزارة الدفاع اليمنية.
أخطاء داخلية
وعزز محللون وخبراء، الحديث عن وجود أخطاء داخلية تسببت في حدوث مثل هذه الانتكاسة، تعود بعضها إلى بداية الحشد والتجنيد والتدريب والتأهيل والتخطيط الأستراتيجي.
وقال رئيس مركز أبعاد للدراسات المحلل السياسي عبدالسلام محمد، إن هناك أخطاء ارتكبت من قبل الجانب السعودي في عملية التجنيد خارج إطار الحكومة اليمنية ووزارة الدفاع.
وأضاف لـ" يمن شباب نت" أن "مرحلة الفحص الأمني لم تتم من قبل القائمين على التجنيد، لأنهم خارج نطاق الجيش"، مشيراً إلى أن ذلك "مكّن الحوثيين من اختراق صفوف اللواء الذي يقع تحت إدارة قيادي سلفي ليس لديه الخبرة العسكرية". في إشارة إلى قائد اللواء رداد الهاشمي، المعروف لدى الجميع بأنه ينتمي إلى التيار السلفي.
وعليه، يعتقد محمد أن المقاتلين في حدود السعودية كانوا "يفتقرون إلى خطة عسكرية واضحة، تؤمن لهم أي عملية عسكرية، سواء في مرحلة الهجوم أم الانسحاب".
وفي سياق متصل، يصف المهتم بالشأن اليمني، نبيل أحمد، المقاتلين الذين تم القبض عليهم في تلك المواجهات، بأنهم "غير مدربين"، مستدركا: "هم عبارة عن مجاميع هربت من طفش العيش في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، للانخراط في مجاميع لحراسة الحدود السعودية".
وأضاف لـ"يمن شباب نت"، أن "تلك المجاميع كانت في مراحل التدريب الفكري السلفي، ولم يتأهلوا بعد عسكريا، وعندما اكتشف الحوثيون معسكرهم، أجروا عمليات مراقبة ومتابعة دقيقة، وعلى ضوئها تمت السيطرة سريعا على تلك المجاميع غير المدربة عسكريا وقتاليا".
هدف توقيت الإعلان
في تفسيره لأسباب استخدام الحوثيون هذه الطريقة في الكشف عن عملية كتاف بشكل متدرج، وصولا إلى إعلان بعض تفاصيلها رسميا في مثل هذا التوقيت المتأخر- بعد مضي نحو خمسة أسابيع على تنفيذها- يرى رئيس مركز أبعاد للدراسات أنهم أرادو من وراء ذلك تحقيق "انتصار إقليمي، أكثر من كونه انتصارا محليا" حد تعبيره.
وأنتقد تعامل التحالف العربي والحكومة اليمنية مع هذا الإعلان، قائلا: "للأسف التحالف خرج يدافع عن نفسه انها عملية مضللة، والشرعية أيضاً تقول إن اللواء لا يتبعها.. يعني الهروب من الهزيمة، ولكن الهزيمة واقعة لكليهما (الشرعية والتحالف)".
ودعاهما (التحالف والحكومة الشرعية) إلى تصحيح هذا الخطأ، قائلا إن "الأجدر بهم أن يخرجوا ويتحدثوا بالمعلومة الصحيحة، لأنها جريمة تحتاج إلى محاسبة ومعاقبة من قام بعملية التجنيد وعملية الانسحاب"، مشدداً على ضرورة تقديم المتورطين في ذلك للقضاء العسكري اليمني، حتى وإن كان بعضهم سعوديون في إطار التحالف.
أما زميله، نبيل أحمد، فيعتقد أن سبب تأخير الحوثيين الإعلان عن العملية، قد يرجع بدرجة رئيسية إلى ما تطلبته العملية الفنية المتعلقة بالمونتاج، من تأخير، لإخراجها وكأنها معركة عسكرية.
ومن زاوية أخرى، يشير إلى أن تزامن الإعلان عن العملية مع تصريحات سعودية تتحدث عن عزم الرياض التوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية عبر الحوار وايقاف الحرب، قد يعني أن الحوثيين تلقفوا تلك التصريحات سريعا، فقاموا باستغلال الموقف لتصوير تلك العملية على أنها السبب في قبول السعودية بالسلام وأي تهدئه قد تحدث.
إنعكاسات كبيرة.. وتحذيرات
وبشأن الإنعكاسات المتوقعة لإعلان الحوثي عن تفاصيل العملية، يرى رئيس مركز أبعاد للدراسات، عبدالسلام محمد، أن العملية بحد ذاتها هزيمة للحكومة الشرعية، حتى إن كان مقاتلو اللواء من خارج الجيش اليمني، لافتا إلى أن آمال المجتمع اليمني تضاءلت تجاه الشرعية والتحالف بعد ما وصفها بـ"النكسة المعنوية".
وأضاف: "لاشك أن انعكاسات العملية على السعودية كبيرة، خصوصا وانها جاءت بعد ضربة أرامكو"، لكن ذلك في الوقت ذاته "أضر بالقضية اليمنية؛ خصوصاً وأن الحوثي ربط نفسه بانتصارات إقليمية على السعودية".
أما الانعكاس الأكبر في نظره فيتمثل في أن العملية "حققت ضغطا كبيرا داخل السعودية للبدء في مفاوضات (ٍسلام)...".
وهو ما حذر منه زميله أحمد، قائلا: إن عقد أي اتفاق سلام في اليمن خلال هذه الفترة، سيدفع بالسعودية إلى الهاوية".