بعد مضي أكثر من شهر ونصف على سيطرة ما يسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتياً والداعي إلى انفصال جنوب اليمن، على العاصمة المؤقتة عدن، لايزال المشهد ضبابياً بشأن مصير "حوار جدة"، الذي دعت إليه المملكة السعودية ضمن مساعيها لاحتواء الأزمة منذ بدايتها.
وكانت قوات تتبع "المجلس الانتقالي الجنوبي" الإماراتي، بدأت في العاشر من أغسطس الماضي بفرض سيطرتها عسكريا على مدينة عدن، التي تتخذها الحكومة الشرعية، المعترف بها دولياً، عاصمة مؤقتة للبلاد منذ إنقلاب ميليشيات الحوثي على السلطة وسيطرتها على العاصمة اليمنية (صنعاء) مطلع 2015.
واستكمل الانتقالي سيطرته على عدن ومحيطها (محافظتي لحج وأبين)، وصولا إلى محافظة شبوة شرقا، بعد اشتباكات عنيفة مع قوات الحكومة الشرعية، استمرت أربعة أيام وأسفرت عن مقتل 40 شخص على الأقل، وإصابة قرابة 260 آخرين، بحسب بيان للأمم المتحدة حول الأحداث. وبعدها بأيام قليلة تمكنت قوات حكومية من استعادة محافظات شبوة وأبين، وبينما كانت تستعد لدخول عدن تعرضت لقصف جوي من طيران الإمارات، ما جعلها تتراجع إلى محافظة أبين.
والمجلس الانتقالي الجنوبي، هو حركة جنوبية انفصالية، أعلن عن نفسه منتصف 2017، بدعم إماراتي، ويمتلك قوات عسكرية خارج نطاق الدولة، أنشأتها وسلحتها ودربتها دولة الإمارات التي تواصل دعمها لها حتى الأن، إلى جانب ما يعرف بقوات الحزام الأمني في عدن ولحج وأبين والضالع (شاركت جميعها في الانقلاب)، وقوات النخبة في حضرموت وشبوة وسقطرى.
صعوبات منذ البداية
ومنذ الوهلة الأولى لإنقلاب ميليشيات الانتقالي الجنوبي على الحكومة الشرعية، تحاول السعودية، التي تقود تحالفا عربيا لإعادة الشرعية إلى اليمن، احتواء التوتر في عدن، ودعت الطرفين، عقب الانقلاب مباشرة، إلى حوار عاجل في مدينة "جدة"، لأحتواء الموقف وتداعياته.
ورفضت الحكومة اليمنيّة الدخول في أي حوار إلا بعد انسحاب قوات الانتقالي الجنوبي من مؤسسات الدولة ومعسكراتها التي احتلتها في عدن ومحيطها، في محافظتي لحج وأبين.
وأعلن نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري، أن الحكومة الشرعية لن تجلس على طاولة حوار مع المجلس الانتقالي الجنوبي. وقال الميسري في تسجيل صوتي: "لن يكون هناك أي حوار مع المجلس الانتقالي.. وإذا كان لابد من حوار فسيكون مع الامارات لأنها هي الطرف الرئيسي في الصراع، والانتقالي مجرد أداة سياسية لها".
كانت الرياض، وضمن مساعيها لاحتواء الموقف، أرسلت في منتصف أغسطس/آب، لجنة مشتركة (سعودية – إماراتية) إلى عدن لإقناع قوات الانتقالي على الانسحاب من المباني والمقار الحكومية، إلا أن اللجنة فشلت في ذلك، نتيجة تعنت الانتقالي، حسب ما قيل حينها.
ورغم اصرار الحكومة التمسك بمطالبها، إلا أن المملكة أصرت على استضافة "حوار جدة"، في الرابع من سبتمبر الجاري، حيث وصل وفد المجلس الانتقالي يومها إلى الرياض برئاسة رئيس المجلس عيدروس الزبيدي.
وحينها، نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول حكومي قوله إن مسؤولين من الحكومة بدأوا محادثات "غير مباشرة" مع الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا والمطالب بالانفصال. لكن الحكومة الشرعية نفت وجود "أي شكل من أشكال الحوار"، معتبرة أن نجاح أي حوار مع المجلس الانتقالي مرهون بالوقوف "أمام انحراف دور الإمارات، في التحالف العربي لدعم الشرعية".
وأرجع نائب وزير الخارجية اليمني، حينها، محمد الحضرمي (وزير الخارجية حالياً)، حضور وتواجد "وفد رفيع المستوى من المسؤولين" في جدة إلى "الجلوس مع الأشقاء في السعودية، كونهم قادة التحالف".
وقال الحضرمي في حوار مع وكالة "سبوتنيك" الروسية (7 سبتمبر): "نحن الآن في تشاور مستمر مع الأشقاء في السعودية، وليست لدينا معلومات إذا كان هناك استجابة من الإمارات". وهدد الحضرمي باللجوء إلى مجلس الأمن لمناقشة الأزمة في الجنوب إن لم تستجب الإمارات للحوار.
خلافات سعودية – إماراتية
مضت قرابة ثلاثة أسابيع على دعوة السعودية الأخيرة لحوار جدة، (4 سبتمبر)، وحتى الأن ليس ثمة أي نتائج تذكر. ويتحدث معنيون عن فشل ذريع يرافق المشاورات السرية (غير المباشرة)، التي تقوم بها السعودية مع كل طرف على حده، بغية التوصل إلى نقاط مشتركة.
وتسربت معلومات تفيد أن الانتقالي الجنوبي يطالب بتمثيل واسع وسيادي في الحكومة، بينما تصر الإمارات على إبقاء الحالة الجغرافية كما هي عليه في الوقت الراهن: عدن ولحج والضالع تحت سيطرة الانتقالي، ويتضمن ذلك عدم عودة الحكومة إلى العاصمة المؤقتة (عدن)، والاستعاضة عنها بمحافظة جنوبية أخرى تحت سيطرتها. وهو ما ترفضه الحكومة قطعا.
والأسبوع الماضي، أصدر الرئيس هادي قرارات جمهورية قضت بتعيين محافظ جديد للبنك المركزي اليمني، ووزير للمالية ووزير للخارجية. وهو ما أعتبره بعض الجنوبيين تصعيدا من جانب الرئيس يقضي على مشاورات جدة.
وأرجع مراقبون فشل "حوار جدة"، إلى الموقف الصلب الذي أظهرته الحكومة الشرعية، وفق للمحلل السياسي اليمني ياسين التميمي، والذي يرى أيضا أن هناك أسباب أخرى بينها "التوتر في العلاقات السعودية-الإماراتية، على الرغم من ظهورها في صورة مغايرة، عبر خطاب سياسي وإعلامي مراوغ".
وأضاف التميمي لـ "يمن شباب نت": ثمة سبب يتعلق باستراتيجية السعودية نفسها، التي تعتمد أسلوب الإنجاز المرحلي لأهداف شائكة، كتقسيم اليمن، لاعتقادها أن محاولة فرض خيار كهذا بالطريقة الإماراتية سوف يؤثر سلباً على الموقف العسكري للسعودية في اليمن، وسيغرقها بالفعل في المستنقع اليمني".
وفي الوقت الذي ظلت فيه تصريحات المسئولين الحكوميين اليمنيين تهاجم دولة الإمارات لتورطها صراحة في الانقلاب الجنوبي، فقد تعاملت مع الموقف السعودي بإيجابية، بإعتبارها قائدة التحالف، وتبحث عن حلول حقيقية لإنهاء الأزمة.
ومع ذلك، يعتقد الصحفي اليمني مفيد الغيلاني أن السعودية لا تبدوا جادة في الضغط لإنجاز حوار يفضي لحفظ ماء الوجه للشرعية على الأقل. حد تعبيره.
ومن وجهة نظر الغيلاني، ضمن حديثه لـ" يمن شباب نت"، فأن "السعودية والإمارات يتبادلان الأدوار، وفي كل مرة يرتدي أحدهما قناع الصداقة المزيفة، والشرعية هي الضحية رقم واحد".
توتر وتصعيد
وفي خضم المحاولات السعودية للتهدئة، شهدت محافظات التوتر الجنوبية تصعيدات واستعدادات ميدانية، من خلال شروع الجانبين في حشد القوات استعدادا لمزيد من القتال.
وخلال الأسابيع الماضية تصاعد التوتر في محافظة أبين، عقب وصول تعزيزات عسكرية للجيش الوطني الموالي للحكومة الشرعية من جهة، والانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا من جهة أخرى.
وفي منتصف سبتمبر الجاري، دفع الانتقالي الجنوبي بعربات ومدرعات وأفراد مشاة وأطقم عسكرية لتعزيز مسلحيه في كل من "شقرة" و"وادي حسان" بمحافظة أبين، بالإضافة إلى زراعة ألغام على خطوط التماس، في مسعى لعرقلة أي محاولة تقدم للجيش لاستعادة مدينة زنجبار- عاصمة أبين.
(كانت القوات الحكومية انسحبت من زنجبار في 29 أغسطس عقب غارات شنها طيران الامارات الحربي، استهدفت مواقع لقوات الجيش؛ وأسفر عن سقوط نحو 300 بين قتيل وجريح، حسب بيان لوزارة الدفاع اليمنية).
من جهتها أرسلت قوات الجيش الوطني عربات بي تي آر ومدرعات وعشرات الجنود، إلى مدينة شقرة في مديرية خنفر شرق عاصمة محافظة أبين، وذلك عبر محافظة شبوة جنوب شرقي اليمن.
وخلال ذلك، شمل التصعيد أيضا، عمليات عسكرية نوعية محدودة، تخصصت باستهداف نقاط تفتيش من الجانبين في محافظات: أبين، وشبوة، وصولا إلى حضرموت البعيدة عن المواجهات. لتتوسع مؤخرا وتدخل مرحلة جديدة، فيما يبدو، باستهداف عسكريين سعوديين وإماراتين.. كما حدث لقائد التحالف العربي بوادي حضرموت العقيد السعودي بندر العتيبي، الذي قتل مؤخرا (19 سبتمبر) مع أثنين من مرافقيه وجنديين يمنيين، بعبوة ناسفة.
عمليات انتقام إنتقالي
ومنذ فرضت ميليشيات الانتقالي الجنوبي الإماراتي سيطرتها الكاملة على مدينة عدن، نفذت عمليات مداهمة واقتحام ونهب منازل قادة عسكريين وحكوميين مناوئين لهم ودولة الإمارات؛ فضلاً عن عمليات قتل وتصفيات وإعدامات جماعية.
ورصد "يمن شباب نت" عددا من الإنتهاكات، وبشكل خاص عمليات مداهمة نفذتها القوات الموالية للمجلس الانتقالي، خلال شهر سبتمبر الجاري فقط، والتي أستهدفت جميعها قادة في القوات الحكومية، إضافة إلى عدد من رجال المقاومة المواليين للحكومة الشرعية، نوجز أبرزها في الجدول المرفق أدناه (مرتبة حسب تاريخ وقوعها):
لعبة الإمارات "القذرة"
ووصف المحلل السياسي ياسين التميمي، ما شهدته عدن خلال الفترة التي أعقبت انقلاب الانتقالي الجنوبي على الحكومة الشرعية، بأنه محاولة من الانقلابيين (الانفصاليين) "لتثبيت مكاسبهم على الأرض، مع حملهم على التعايش مع مؤسسات السلطة الشرعية المكلفة بمهام أساسية كصرف المرتبات".
ولفت التميمي، في حديثه لـ" يمن شباب نت"، إلى أن الامارات لاتزال تواصل تسليح قوات المجلس الانتقالي وتعزيز كفاءتهم القتالية المتواضعة التي تكشفت نهاية شهر أغسطس/ آب الماضي امام القوات الحكومية.
ويرى التميمي أن التحالف سيضمن بقاء الوضع الحالي على ما هو عليه "حيث يجري إدانة الانقلاب، لكن دون المساس بمكاسبه؛ بل تعزيزها في مقابل التلويح بحوار جدة الذي لا هدف له سوى تثبيت هذه المكاسب".
ومن وجهة نظر الصحفي مفيد الغيلاني، فإن مستقبل الجنوب بعد شهر ونصف من المواجهات التي دارت بين قوات الحزام الأمني والقوات الحكومية "لا يبشر بخير".
ويقول إن "المؤشرات الميدانية والسياسية تشير إلى أن واقع الجنوب ينزلق للهاوية، فلا الانفصال وارد؛ ولا الحكومة الشرعية قادرة على السيطرة".
وخلص إلى أن ما يحدث يؤكد أن "الإمارات تلعب لعبتها القذرة في الجنوب، وبأيادي يمنية خالصة".