يستقبل رجال القبائل في المهرة (شرق اليمن) أخبار استيلاء الانتقالي الجنوبي على عدن بحالة من التأهب. حيث تجمهر رجال القبائل اليمنيون، الذين يرتدون الكلاشينكوفات المتدلية من على ظهورهم، عندما برزت الأنباء عن سيطرة الانفصاليين الجنوبيين على عدن العاصمة المؤقتة للبلاد.
ومن قاعدتهم المؤقتة في المهرة، وهي محافظة جنوب شرق اليمن، يقوم المقاتلون - الذي يمضغون القات - بالتخطيط لمواجهة ما حدث من إطاحة فعلية من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي للحكومة المعترف بها.
أدت مساعي الانتقالي الجنوبي لاستعادة الجنوب المستقل واستيلاءه الجريء على عدن، إلى شل الحكومة اليمنية وتمزيق التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية الذي كان من المفترض أن يقاتل ضد المتمردين الحوثيين.
وارتطمت تلك الإطاحة الانفصالية بالأركان الشرقية لليمن في المهرة، وهي محافظة على الرغم من أنها كانت جزءًا من جنوب اليمن التاريخي قبل توحيد البلاد في عام 1990، إلا أنها لا تحبب الانتقالي الجنوبي كثيرًا، مما يدل على خطوط الصدع الخطيرة التي تفصل اليمن عن بعضه البعض.
ويحذر رجال القبائل المهريين من أن الهجوم المطول من قبل الانتقالي الجنوبي لن يؤدي فقط إلى حرب جديدة بين الشمال والجنوب في البلاد التي مزقتها الصراعات، ولكن الأمر الأكثر إثارة للقلق، هو امكانية نشوب حرب داخل الجنوب نفسه.
ويتحدثون عن حرب داخل حرب ضمن حرب أخرى في بلد يعاني بالفعل من أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث يعيش 13 مليون شخص حاليًا على شفا المجاعة. ويقول الشيخ علي سالم الحريزي وكيل محافظ المهرة، لصحيفة الإندبندنت "نعتقد أن الخطر قادم إلينا".
ويُعرف الزعيم القبلي المثير للجدل ولكنه مؤثر، بعيونه التي توحي بما يفكر فيه، "بالجنرال" من قبل الموالين الذين ينشرون أغاني البوب عنه. ويقود مجموعة من رجال المهرة المدججين بالسلاح الذين يرون أنه الحصن الأخير ضد زحف المملكة العربية السعودية إلى منطقتهم.
ومع ذلك، يصفه منتقدوه بأنه محرض ضد الخليج ويقولون إنه مدعوم من عمان المجاورة.
ويؤمن أتباع الشيخ الحريزي في المهرة، إلى جانب كثيرين غيرهم، باليمن الموحد ولكنهم اشتبكوا مع الإمارات العربية المتحدة ومؤخرًا ما المملكة العربية السعودية حول وجودهما العسكري في البلاد.
ومثل الكثير من اليمنيين، فإنهم يلومون دولة الإمارات العربية المتحدة عن صعود الانتقالي الجنوبي، التي استضافت أبو ظبي قواته ودربتها وسلحتها لمحاربة الحوثيين.
ويضيف الحريزي: "نحن نؤمن بيمن واحد، ولذا سيتعين على المهرة الدفاع عن نفسها"، مشيراً الى سرب من الأطقم المحملة بالرصاص المحشوة بقذائف آر بي جي والمدافع الرشاشة الثقيلة. وقال "في الأسابيع القليلة المقبلة، سنقوم بتدريب رجالنا ليكونوا مستعدين".
وتؤكد مشاهد الذعر الهادئ في المهرة التعقيد المدمر لليمن، الذي أحبط الكثير من المحاولات السابقة من قبل الغرباء للسيطرة عليه. وتمت تسمية المجتمع المنقسم بشدة باسم "مقبرة جديدة للإمبراطوريات"، حيث فاز بتللك التسمية مقارنةً بأولئك الذين حاولوا وفشلوا في أفغانستان.
بالنسبة إلى اليمنيين الجنوبيين، فقد تحولت إلى مزحة حقيقة أن هناك حربًا كل أربع سنوات في الجنوب. لكن ذلك بات ذلك من الماضي. ويتوقع الحريزي أن "يواصل الانتقالي الجنوبي محاولات السيطرة على محافظات [شرق عدن] مثل أبين، وشبوة، واستمراره في السير شرقًا نحو الصحراء".
وقال "يعتقدون أنهم يمثلون جنوب اليمن - لكنهم ليسوا كذلك.. وإذا جاؤوا إلى هنا سنقاتلهم ونحن جاهزون لذلك". وللأسف تبدوا توقعات الحريزي صحيحة بشكل مخيف.
فبعد مضي أكثر من أسبوع على الاستيلاء على عدن، استولت القوات الانفصالية على معسكرين عسكريين آخرين في أبين، وهي محافظة مجاورة لعدن.
وعلى الرغم من المناشدات العاجلة من الرئيس اليمني المعترف به عبدربه منصور هادي، والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بالانسحاب، إلا أن الانتقالي الجنوبي قدم بيانًا للأمم المتحدة يصر على أنه "لا يمكن المخاطرة بأمن سكان الجنوب، من خلال تسليم زمام السيطرة على عدن إلى الحكومة".
وعلى الرغم من حضوره محادثات في جدة وانسحابه على مضض من بعض المؤسسات الحكومية بعد ضغوط من الرياض، التي ما زال يعلن عن دعمه لها، إلا أن الانتقالي الجنوبي لازال يرفض التخلي عن مواقع عسكرية هامة.
ويوم الخميس، اشتبكت قواته مع القوات الحكومية في محافظة شبوة، وفي الوقت نفسه كان يعقد اجتماعات مع زعماء القبائل في حضرموت، أكبر محافظة في اليمن، والتي لا تزال أبعد من شبوة وحدود المهرة.
ويوم السبت، تم توزيع دعوة من شيوخ القبائل الآخرين من غير الموالين للحريزي، على وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع وسط مخاوف من أن قوات الانتقالي الجنوبي تسير فعليًا صوب المهرة. وقد حث البيان، الذي شاركه خبراء على تويتر، أهالي المهرة على "التعبئة والتوحد لصد جميع الغزاة " محذراً من "غزو" وشيك وخلايا نائمة تابعة للانتقالي الجنوبي داخل المحافظة؟
يبدو أن حربا مدمرة جديدة متعددة الطبقات أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الحدوث.
وفي الاساس انزلق اليمن ككل إلى الصراع في عام 2015 عندما اجتاح الحوثيون المدعومون من إيران البلاد، وطردوا الرئيس هادي وأثاروا مخاوف داخل الخليج من توسع النفوذ الإيراني على حدودهم.
وهكذا أطلقت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مع حلفاء سنيين آخرين، حملة قصف مدمرة في مارس من نفس العام، والتي كان من المفترض أن تكون حلاً سريعًا لإعادة هادي.
الشيخ علي سالم الحريزي، زعيم قبلي يقول إنه سيحارب الانتقالي الجنوبي في حال وصل الأمر إلى المهرة.
وفي يونيو، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن سحب القوات الإماراتية في محيط الحديدة كجزء من "إجراء تعزيز الثقة" الأحادي الجانب لبدء عملية السلام المتوقفة. لكن بما أن القوات المناهضة للحوثيين تقاتل الآن بعضها البعض، يبدو أن هذا لا لزوم له إلى حد ما.
في هذه الأثناء يشير الحوثيون الى عدن كدليل على أن هادي ومؤيديه الخليجيين والانفصاليين غير مؤهلين للحكم.
وبدأ هذا الانفجار المميت الأخير للوضع قبل ثلاثة أسابيع، عندما ادعى الحوثيون انهم وراء هجومين بطائرتين مسيرتين مدمرين في عدن أسفرا عن مقتل العشرات من القوات الانفصالية، بما في ذلك القائد البارز منير محمود اليافعي، المعروف باسم أبو اليمامة.
وافترض الكثيرون أنه لابد من أن يكون هناك مجموعة تساعد الحوثيين، بالنظر إلى مدى الجنوب وإلى أي حد كان ذلك الهجوم مدمراً.
وفي 1 أغسطس، بعيد ساعات قليلة من الهجوم، حذر أحد قادة الانتقالي الجنوبي وهو ناصر الخبجي، من على أريكة ذهبية في أحد فنادق أبو ظبي لصحيفة "الإندبندنت" من أن الانفصاليين لن يسحموا أبداً بمرور مقتل أبو اليمامة مرور الكرام.
في تلك المرحلة، وقبل عشرة أيام كاملة من الاستيلاء الدموي على عدن، تفشى الخطاب الذي يقرع طبول الحرب على العكس من الاحلام البراقة وموسيقى التحفيز، التي بدت بعيدة عن الخطوط الأمامية لجبهات القتال في أفقر دول الخليج.
وقبل كل شيء، كانت قيادة الانتقالي الجنوبي التي تتخذ من أبو ظبي مقراً لها، تهدد بالحرب لأكثر من عام لكن لم يصدر منها شيء.
وقال الخبجي "سيكون هناك خطوة سياسية وعسكرية ضخمة من قبل الانتقالي الجنوبي في وقت قريب"، حيث تمايل إلى الأمام بحماس شديد"، وأضاف "قد تكون هذه الخطوة بالتنسيق مع الإمارات".
والتقت "الاندبندنت" زعيماً جنوبياً آخر - طلب عدم الكشف عن هويته - في مقهى آخر في أبو ظبي حيث رددً نفس الكلمات. وقال "الحرب الحالية مع الشمال لن تستمر، لكن حروب اخري أصغر ستندلع".
وتابع "الإمارات العربية المتحدة تتفهم قضيتنا. نحن في الواقع نفضل أن تبقى الإمارات هناك في الجنوب بعض الشيء، ونحن نعلم أنهم مثلنا غير راضين عن الإسلاميين".
ونفت أبو ظبي مرارًا وتكرارًا أن تكون داعمة لاستقلال الجنوب. لكن الخبراء حذروا من أن الدعم الإماراتي للانتقالي، وبتأثيرها المذهل في البنية التحتية العسكرية في الجنوب، يعتبر إسفين خطر في العلاقة التي تبدو ثابتة مع المملكة العربية السعودية.
ويعتقدون أن للبلدين أولويات مختلفة في اليمن: فبالنسبة للسعوديين، الخطر في الحوثيين المدعومين من إيران الذين أطلقوا صواريخ طويلة المدى بشكل متكرر على مطاراتهم، فيما تخشى الإمارات العربية المتحدة من الإخوان المسلمين.
ويقول أحمد علي المخيني، باحث سياسي ومساعد أمين عام سابق لمجلس الشورى العماني "تهديد الحوثيين على الإمارات ليس وجودياً مثل تهديد الإخوان المسلمين". ويضيف قائلاً: "فيما يتعلق بدولة الإمارات العربية المتحدة، فإن هذا هو مصدر قلقهم الأكبر".
ربما كان تمكين الانتقالي الجنوبي جزءًا من الحماية ضد الاستيلاء الإسلامي المحتمل على السلطة في الفراغ الذي خلفه الإطاحة بالحوثيين من الجنوب.
لكن بالنسبة لإلزابيث كيندال، - الخبيرة في شؤون اليمن في جامعة أكسفورد- التي تسافر كثيرًا إلى الجنوب، فإن تدريب الجماعات الانفصالية "أطلق العنان لقوة" قد لا تتمكن الإمارات من السيطرة عليها. وتقول "اوراق اللعب موجودة في البلاط الإماراتي وستضطر إلى سحب ابتكاراتها المتعلقة برغبات استقلال الجنوب إذا ما أردنا تحقيق الاستقرار في هذا البلد".
وخلال العام الماضي في مقابلات مختلفة مع الإندبندنت داخل وخارج اليمن، ذكر كبار القادة الإماراتيين مخاوفهم من جماعة الإخوان في اليمن.
كما يقولون إن تدريب القوات المحلية كان ضروريًا لمعركة مكافحة التمرد الأوسع نطاقًا ضد مجموعات مثل القاعدة. ويزعمون أن وجود قوات محلية مدربة تدريباً جيداً سيسمح لدولة الإمارات العربية المتحدة في النهاية بالعودة إلى ديارها.
وليس سراً أن الإمارات ليست من عشاق هادي وتتمنى له أن يذهب. من المحتمل أن يكون ذلك قد تسبب في بعض الاحتكاكات مع الرياض، كما هو الحال في تحتم فعله في جنوب البلاد.
في غضون ذلك، اتهمت إدارة هادي الإمارات علانية بدعم "انقلاب" انفصالي. لكن المسؤولين الإماراتيين رفضوا بشدة هذا الاتهام والتقارير المتعلقة بالمشاكل بينهم وبين الرياض.
"لا يوجد أي خلاف بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية عندما يتعلق الأمر باليمن"، هذا ما قاله مسؤول كبير في الإمارات لصحيفة "إندبندنت" بشرط عدم الكشف عن هويته.
ويضيف مصدر داخل التحالف بالقول "الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية متفقتان تمامًا على الأرض وفي دعواتهما المستمرة لجميع الأطراف المعنية للالتقاء لمناقشة التسوية السياسية". وقال "إن التحالف يبذل قصارى جهده لجعل اليمن قادراً على العودة إلى الحياة الطبيعية".
وإضافة إلى الفوضى.. هناك فصائل أخرى داخل اليمن.
في مسقط بسلطنة عمان، هناك مجموعة مختلفة تماما من الانفصاليين الجنوبيين الذين يريدون جنوب اليمن المستقل ولكنهم ضد الانتقالي الجنوبي بسبب صلاته مع الإماراتيين.
ومتحدثاً من أحد فنادق مسقط، يصف فادي حسن برهوم، رئيس الحركة الثورية من أجل الجنوب بالقول بأن الانتقالي الجنوبي "أداة الإمارات". ويقول "نحن قلقون من أن يصبح الجنوب مسرحًا لسفك الدماء وساحة معركة لمصالح الخليجيين وغيرهم".
مرة أخرى في المهرة، يتكرر هذا القلق من قبل رجال القبائل الذين يشاهدون بقلق متزايد لقطات من الاشتباكات العنيفة في عدن على شاشة التلفزيون. ويقول الحريزي وهو يتحدث وعينه على الشاشة "إننا نراقب عدن ونراقب رد فعل اليمنيين" وتابع "نعلم أن المعركة ستأتي إلى هنا، ونحن مستعدون لذلك".
المصدر: الإندبندنت البريطانية