سلطت أبرز الصحف الدولية ـالأمريكية والبريطانيةـ الضوء على ما شهدته العاصمة المؤقتة عدن مؤخراً من مواجهات عنيفة بين قوات الحماية الرئاسية التابعة لحكومة هادي المعترف بها دولياً وبين القوات التابعة للمجلس الانتقالي الإماراتي،"الانفصالي" والتي استمرت لعدة أيام وانتهت بإحكام القوات الانفصالية سيطرتها على المدينة الساحلية التي اتخذتها حكومة هادي عاصمة مؤقتة للبلاد منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء أواخر عام 2014.
وجاءت آراء أبرز الصحف والمواقع الدولية متطابقة ومتفقة بصورة كبيرة حول أن سيطرة القوات الانفصالية المدعومة إماراتيا على العاصمة المؤقتة عدن' كشفت عن تصدعات خطيرة في التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين المدعومين من إيران.
كما تطرق الصحافة الدولية لتداعيات ما شهدته عدن على مستقبل حكومة هادي ومستقبل الجهود الرامية للتوصل للسلام وإنهاء الحرب في اليمن.
صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية حذرت من أن سيطرة الانفصاليين الجنوبيين على مدينة عدن الساحلية الإستراتيجية، تهدد بتصدع التحالف الذي تقوده السعودية وبفتح جبهة جديدة عقب أربع سنوات من الصراع.
وقالت، إن استيلاء الانفصاليين على عدن كشف عن انقسامات داخل التحالف السني بقيادة السعودية والإمارات الذي يحارب ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من الإيرانيين لإعادة حكومة اليمن المعترف بها دوليًا، ومنع طهران من الحصول على نفوذ إقليمي في المنطقة.
ونقلت عن إليزابيث كيندال، الباحثة في الشأن اليمني بجامعة أكسفورد قولها بأن ما حدث "يضعف التحالف من خلال كشف التصدعات الخفية التي لا يمكن إنكارها".
وأضافت كيندال،"لقد أصبح من الواضح بشكل متزايد أن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لا تتشاركان الأهداف النهائية نفسها في اليمن، على الرغم من أنهما يشتركان في نفس الهدف الشامل المتمثل في مواجهة النفوذ المتصوَّر لإيران".
وقالت الصحيفة: "على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية، برزت الخلافات بين الانفصاليين الجنوبيين، المدعومين من الإمارات، والقوات المتحالفة مع الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية."
ورأت الواشنطن بوست بأن العنف الذي شهدته عدن التي كانت مقر إقامة حكومة هادي لعدة سنوات, شكل ضربة كبيرة للمملكة العربية السعودية وطموحها لإعادة الحكومة اليمنية.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فقد عكست سلسلة من التصريحات التي أدلى بها مسؤولون حكوميون سعوديون على مدار اليومين الماضيين" تحذيرات المملكة المتزايدة من الاقتتال في عدن، والتي صورت العنف هناك باعتباره مصدر الهاء مقلق عن مواصلة الحملة ضد الحوثيين.
وقالت كيندال التي تراقب القاعدة وداعش في اليمن عن كثب "يبدو أن تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية يستفيدان من الفراغ الأمني في جنوب اليمن".
ولفتت الصحيفة إلى أنه لغاية يوم الأحد الماضي، لم تظهر هناك علامات على أن الانفصاليين ينسحبون فعلاً من المواقع التي استولوا عليها، والتي طالبهم التحالف بالانسحاب منها، على الرغم من أن وكالات الإغاثة والسكان أفادوا أن القتال قد خفت حدته. وقالوا إن هدوء حذراً ساد في جميع أنحاء المدينة.
من جانبها، ذكرت صحيفة "وول ستريت جـورنال"بأن الهدنة غير المستقرة في عدن دخلت حيز التنفيذ, يوم الأحد, بعد أربعة أيام من القتال للسيطرة على المدينة اليمنية الجنوبية .
وتتفق الصحيفة مع الواشنطن بوست في أن ما وصفته بالاضطرابات الأخيرة في عدن "تهدد بانكشاف المحاولات الدولية الرامية إلى تحقيق الاستقرار في البلاد، وتزيد من انقسام التحالف المناهض لإيران والذي تدعمه الولايات المتحدة".
وقالت، في حين قاتل الانفصاليون إلى جانب القوات الحكومية للرئيس عبد ربه منصور هادي ضد المتمردين الحوثيين المتحالفين مع إيران، فإن أجنداتهم المناهضة لليمن أدت في كثير من الأحيان إلى" نشوب اشتباكات والى إطالة أمد الحرب التي أشعلت أسوأ أزمة إنسانية في العالم".
وأضافت، يؤدي الاستيلاء على القصر الرئاسي اليمني في عدن إلى تقويض شرعية الحكومة بين اليمنيين" لأنها أصبحت غير قادرة على العمل داخل أكبر مدينتين في البلاد. مشيرة إلى غياب صوت الرئيس هادي عن التعليق على الأحداث منذ اندلاع القتال في عدن.
وذهبت "وول ستريت" إلى القول بأن مساعي المجلس الانتقالي الجنوبي من أجل إقامة دولة منفصلة ' زادت من تعقيد الجهود الرامية للتوصل إلى حل سلمي للصراع في اليمن'. فيما ألقت الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية باللوم على شريكها الإماراتي في التحالف بخصوص أعمال العنف في عدن.
ما الذي تعنيه سيطرة الانفصاليين الجنوبيين على عدن بالنسبة لمستقبل الصراع في اليمن؟
قدمت شبكة "سي إن إن" الأمريكية أيضا نظرة مستقبلية لما يمكن أن تلعبه تداعيات أحداث عدن بالنسبة لمستقبل الحرب في اليمن.
وقالت في تقرير نشره الموقع الالكتروني للشبكة إن "سواء اعتقدنا أن انتهاء الحرب الطويلة في اليمن سيأتي من خلال القوة العسكرية أو مفاوضات السلام، فإن صراع عدن سيعقد كل شيء ."
وأشارت إلى أن ما وصفته بالتحالف المتصدع" لن يكفي لترجيح الكفة لصالح أي طرف في الصراع. وقد يعني ذلك أن القتال سيستمر لفترة أطول، مع توسع مشاركة أطراف متعددة فيه.
وحذرت من أنه سيـتم تقويض شرعية هادي ومصداقيته بشكل كبير في حال لم يتمكن من التحدث نيابة عن كل ما يدعي أنه يمثله.
وعلى الجانب الإنساني، فإن أي انقطاع في ميناء حيوي مثل ميناء عدن يعقد عمل بعثات الإغاثة وبالتالي جهود الاستجابة لأسوأ أزمة إنسانية في العالم.
واستدرك تقرير السي ان ان:" لكن يظل هناك جانب مضيء؛ وهو أن أحداث عدن قد تكون بمثابة إنذار للسعودية والإمارات العربية المتحدة والأطراف الأخرى بأن أي حل مستدام يتطلب معالجة مظالم الجميع في اليمن".
أمـا صحيفة "الاندبندنت" البريطانية فقالت: يبدو أن الاستيلاء على عدن "خُطط له سلفاً ". وذكرت بأن شخصيات بارزة في الانتقالي الجنوبي حذرت، الأسبوع الماضي، في مقابلات مع الصحيفة من أن اليمن الموحد "مستحيل" وأنهم سوف يقومون بعمل عسكري قريبًا.
ورأت الصحيفة أن "التصدعات الخطيرة" داخل التحالف الذي تقوده السعودية مهددة بالتوسع وربما تقود إلى نشوب صراع جديد.
وأضافت بالقول "تلقى آلاف المقاتلين الجنوبيين تدريبات وأسلحة من الإمارات كجزء من الجهود المبذولة لمحاربة الحوثيين المدعومين من إيران. فيما يقيم العديد من قادة الانتقالي الجنوبي في أبو ظبي."
ونقلت الاندبندنت عن شخص وصفته بالمقرب من زعيم الانتقالي الجنوبي, عيدروس الزبيدي، قوله إن "اليمن الموحد سيناريو مستحيل والجميع باتوا يدركون ذلك".
وختاماً.. رأت صحيفة "التلغراف" البريطانية أيضا بأن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان "ألقى بثقله وراء الحكومة اليمنية في معاركها ضد جماعة انفصالية مدعومة من قبل حلفاءه الإماراتيين .
ومطلع الأسبوع الحالي تصدعت قوات التحالف العسكرية التابعة للأمير بن سلمان في اليمن بشكل كبير, مع تصويب الحكومة اليمنية والانفصاليين الجنوبيين بنادقهم ضد بعضهم البعض بعد سنوات من القتال جنبًا إلى جنب تحت إمرة القيادة السعودية.
وقالت الصحيفة بأن لقاء الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، ليلة الأحد محاولة سعودية " لإظهار الدعم لهادي".
واتفقت الصحيفة مع ما أوردته الوول ستريت جورنال الأمريكية حول أنه ومع حلول صباح يوم الاثنين، بدا أن هدوءًا متوترًا استقر على عدن دون أيما تقارير تتحدث عن نشوب قتال جديد بين الجانبين.
غير أن الصحيفة تساءلت بخصوص، أنه لم يتضح بعد كيف سيتم حل الأزمة وما إذا كانت القوات الانفصالية، المعروفة باسم المجلس الانتقالي الجنوبي، ستنسحب من المباني الحكومية التي استولت عليها في عدن.
واختمت التلغراف تقريرها قائلة: "حتى لو أمكن حل الأزمة العاجلة في عدن، فإن العنف الذي شهدته المدينة يسلط الضوء على التصدعات العميقة في تحالف الأمير محمد، الذي يكافح منذ أكثر من أربع سنوات ضد متمردي الحوثيين المتحالفين مع إيران".