قال باحث أمريكي - زار صنعاء مؤخراً- بأن الحوثيين في اليمن يؤسسون لسلطة بوليسية بدت مؤشراتها من خلال قبضتهم المحكمة على صنعاء، لافتاً الى أن هنالك "غموض وتناقض "في الرؤية التي يطرحها الحوثيون للتسوية السياسية في اليمن".
وفي مقال نشرته صحيفة «The New York Times» ترجمة "يمن شباب نت" سرد الباحث روبرت مولي - رئيس مجموعة الازمات الدولية - الذي زار صنعاء قبل اسبوعين برفقة صحفيين أجانب آخرين، انطباعاته عن سطوة ميلشيات الحوثي في صنعاء.
وأشار الكاتب "إن الحوثيين وعلى الرغم من ابدائهم ثقتهم بأنفسهم، إلا أنهم لا يعرفون كيف أو متى ستنتهي الحرب في اليمن، وحديثهم المتكرر الوحيد هو أنهم مستعدون للحوار. ليس مع هادي أو مع حلفائه، الذين يصفونهم بـ "المرتزقة" - ولكن مع السعوديين، الذين يزعمون سيطرتهم على هادي، أو مع الولايات المتحدة، التي يعتقدون تحكمها بالسعوديين".
وأضاف الكاتب " يقدم الحوثيون خارطة طريق يتعهدون فيها بوقف الهجمات عبر الحدود ضد السعودية إذا ما أوقف السعوديون الهجمات ضدهم. وبالتالي سوف ينسحبون من الأراضي السعودية، ويشترطون أن تسمح الرياض بإعادة فتح مطـار صنعاء، ويعدون بمناقشة علاقة طويلة الأمد معها والتـي" كما يؤكدون، ستكون أقرب من علاقاتهم بإيران.
[إقرأ أيضاً.. فورين بوليسي: إيران باتت تفضل الاعتماد على الحوثيين أكثر من حزب الله للقيام بأعمالها القذرة ]
وعن التناقض الحوثي كتب مولي قائلا ً "يتحدثون بصوت واحد عن تسوية سلمية وعلاقات وثيقة مع المملكة العربية السعودية، ومن جهة أخرى يحذرون من المفاجآت التي يخبئونها في جعبتهم في حــال لم توافق الرياض على وقف إطلاق النار".
كما أنهم ينزعجون من تسميتهم بوكلاء الإيرانيين، لكنهم يقرون بأن الحرب قد قربت بينهم، وقدموا نكراناً باهتاً عندما سئلوا عما إذا كانت إيران تزودهم بالأسلحة. وفي الوقت الذي يشددون فيه احياناً على الطبيعة الداخلية البحتة لمعركتهم؛ يتحدث آخرون عن هويتها الإسلامية الأكثر ثورية.
وفي هذه الحالة يمكن أن يُغفر للمسؤولين السعوديين والأمريكيين تشوشهـم حيال ذلك.
هناك أيضا غموض في وصف الحوثيين للتسوية الداخلية في نهاية المطاف. فبمجرد انتهاء الحرب مع المملكة العربية السعودية، يزعم الحوثيون أنهم سيجلسون مع اليمنيين الآخرين للتفاوض على تشكيل حكومة تكنوقراطية وانتخابات جديدة ونزع سلاح جميع الجماعات المسلحة.
ومرة أخرى، فإن ادعاءاتهم مشروطة. إذ يقولون إنهم سيتخلون عن أسلحتهم الثقيلة بمجرد استعادة الثقة – والتي مقارنة بهذا القتال الوحشي، قد تستغرق فترة طويلة.
وهنــا.. يشكك خصوم الحوثيين في استحـالة حدوث ذلك. إذ يعتقدون أن الحوثيين لن يتخلوا بسهولة، وبالتأكيد ليس عن طيب خاطر، عن السلطة التي حصلوا عليها.
للعـام الخامس من الحرب الدامية في اليمن بين أنصار الله، الحركة التي تدعمها إيران والمعروفة باسم الحوثيين، والتحالف الذي تقوده السعودية والمدعوم من الولايات المتحدة، لا تشهد صنعاء، عاصمة اليمن الكثير من الزوار الأميركيين وذلك لسبب وجيه.
ويسيطر الحوثيون على صنعاء وحوالي خمس مساحة اليابسة في البلاد، حيث يقطن غالبية سكان اليمن البالغ عددهم 30.5 مليون نسمة مناطق يسيطر عليها الحوثيون. وحالة البؤس هناك تمتد إلى ما هو أبعد مع تصنيف الأمم المتحدة للأزمة الإنسانية في اليمن كأسوأ أزمة في العالم في ظل احتياج ثلثا سكانه إلى شكل من أشكال المساعدة، كما يعاني 10 ملايين منهم من سوء التغذية. فيما يعاني ما يقرب من ربع مليون من الفقر المدقـع.
[للمزيد إقرأ... الأزمات الدولية: اليمن أصبح رهينة للتوترات الإقليمية وهذه السيناريوهات التي يجب تجنبها؟]
قبل أسبوعين، ذهبت مع بعض الزملاء إلى صنعاء. وهناك كان انطباعنا الأول احساساً طاغٍ بعزلتها عن العالم الخارجي. وحتى قبل الحرب.. بدت صنعاء معـزولة لعدة عقود من الماضي. ومنذ ذلك الحين، وملامح الحداثة القليلة فيها - كالمقاهي على طراز الكافتيريات وقاعات عرض السيارات ومراكز التسوق التي تحاول تقليد جماليات الخليج المذهلة - إما أنها أغلقت أو اضمحلت وأضحت في حالة سيئة.
ويستمر إغلاق الحدود البرية مع المملكة العربية السعودية بفعل القتال في الخطوط الأمامية، وكذلك قُطع الاتصال مع جميع موانئ اليمن باستثناء واحد فقط. ولدى صنعاء مطار صغير تضرر بشدة، ولكن السعودية التي تسيطر على المجال الجوي لليمن، لا تسمح بطيران الطائرات التجارية لا تطير أو دخولها للبلاد. ولا يمكن للمرضى الذين يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة المغادرة. كما لا يمكن للأشخاص المنفصلين عن ذويهم في الخارج السفر.
وبالرغم من اعتبار - الكاتب مولي - أن عزل صنعاء حمل معه عواقب وخيمة على سكانها، فقد أشار الى أن تجاهل أولئك الذين يحكمونها سيكون ذا كلفة سياسية أيضًا. إذ يتحمل الحوثيون مسؤولية كبيرة عن المأساة الراهنــة - لكن بأيديهم مفاتيح حل أو إطــالة الحرب نظراً لأن أيمـا هجوم حوثي صاروخي أو بطائرة بدون طيار في توقيت غير مناسب زمانيا أو مكانيـاً يستهدف السعودية أو الإمارات العربية أو ممرات الملاحــة في البحر الأحمر بإمكانه أن يشعل فتيل صراع أوسع يشمل الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج وإيران. بل إنه يقدم مبرراً منطقياً بالنسبة للمسؤولين السعوديين أو الأمريكيين لرفض التحاور معهم.
يبدو أن سكان صنعاء يشعرون بالدهشة والغضب إزاء ما يرون أنه اهتمام دولي غير متناسب يحظى به كل صاروخ يطلقه الحوثيون أو هجوم بطائرة بدون طيار على السعودية، مقارنةً بالغارات المتكررة للتحالف الذي تقوده السعودية، والتي يعاني منها اليمنيون منذ مارس / آذار 2015.
من الصعب معـرفة مدى تعبير السكان المحليون عن آرائهم بحرية. إذ ربما يعبر الكثيرون سراً عن استياءهم من تهور الحوثيين في مهاجمة السعودية جارتهم الشمالية. وفي حال كان الأمر كذلك، فإن تلك المشاعر مخفية جيدًا. وحتى قادة احزاب مقربين تقليديًا من السعوديين ويختلفون مع الحوثيين عبروا عن غضبهم الشديد من السعودية.
وهنــاك مقولة يكثر تداولها في نواحي صنعاء تقول: إذا سلمني السعوديون للتو ثمن الصاروخ، فسأدمر منزلي بنفسي لكي احصل على ذلك الثمن. كما يشعر سكان صنعاء بالغضب إزاء قصف المقابر ويقولون: حتى موتانا غير آمنين.
يشعر أنصار الحوثيين بالحيرة أيضًا بسبب إرجاع هجماتهم ضد السعودية الى الإملاءات الإيرانية، كما لو أن وجودهم في حالة حرب مع المملكة لم يقدم تفسيرًا كافيًا. حيـث إن التركيز الدولي على عملياتهم عبر الحدود لم يزد سوى من قناعتهم بأن ذلك هو ما يتطلبه الأمر لجذب الاهتمام العالمي وحمل السعوديين على تغيير المسار. فلدى السعودية الكثير لتخسره؛ فيما ليس لدى اليمنيين الكثير ليخسروه مقـابل ذلك.
[إقرأ ايضا.. واشنطن بوست: في اليمن، يُحكم الحوثيون الموالون لإيران قبضتهم من خلال الخوف والترهيب]
يلاحظ زائر في صنعاء أيضًا إحساسًا مستغربا ًبحالة الاستقرار الداخلي. إذ يؤسس الحوثيون لحالة أشبه ما تكون بدولة بوليسية - حيث أن غياب نقاط تفتيش أو علامات أمنية أخرى في صنعاء يكشف عن قبضتهم الفعلية.
ويتفق أن معظم الناس في صنعاء على صواب، في اعتبارهم الولايات المتحدة متواطئة في الحرب، وتمكين التحالف الذي تقوده السعودية من شنها.
ومن المنطقي أن يتخوف الأمريكيين من الحوثيين الذين يتبنون شعارات "الموت لأمريكا" و "اللعنة على اليهود" ويضعونها على الجدران في المدينة. مع ذلك.. يرحب سكان صنعاء بحرارة بالزائر الأمريكي النادر.
القيادة الحوثية تعرف كل ذلك ـ حيث العداء الشعبي تجاه التحالف الذي تقوده السعودية، والسيطرة الحوثية الملحوظة التي حققتها الحركة - وستجد لنفسها مبررات أخرى للثقة بالنفس. فالوقت كما يشعرون، يقف إلى جانبهم. فعلى الرغم من التباينات العسكرية الهائلة، إلا أنها استطاعت الاستمرار في وجه تحالف من الدول الغنية والقوية المدعومة والمسلحة من الغرب. وفق ما يعتقدون.
الخطوط الأمامية للقتال مجمدة بشكل أساسي. ويُظهر خصومهم في الداخل، خصوصا ً حكومة الرئيس عبد المنصور هادي التي تتخذ من عدن مقرا لها، مؤشـرات على الضعف. حيث أن إعلان الإماراتيين مؤخرًا عن إعادة نشر قواتهم يقلل بشكل كبير من خطر هجوم التحالف على مدينة الحديدة الساحلية الحيوية. كما أن المشاعر المعادية للسعودية في تصاعد داخل أروقــة الكونغرس الأمريكي.
من غير المؤكد كيف سيكون رد فعل الحوثيين إذا توقفت الولايات المتحدة عن دعم التحالف الذي تقوده السعودية وأنهى التحالف حملته. لكن السنوات الأربع الماضية تعطينا إحساسًا جيدًا بما سيحدث إن لم يكتب حدوثه فعلياً.
فمن المحتمل أن يتعزز وضع الحوثيين، فيما تزاد المعارضة انقساما أكثر، ويزداد نفوذ إيران أكثر، في حين ستصبم المملكة العربية السعودية أقل أماناً وسمعتها ستتشوه أكثر. أما اليمنيون فسيزدادون فقرا ويأساً
عندما غادرنا صنعاء، سألَنا السكان مراراً عما ستفعله الولايات المتحدة لإنهاء بؤسهم. وهو سؤال تمنينا لو كنا نتمكن من الإجابة عليه.
أخبار ذات صلة
الثلاثاء, 18 يونيو, 2019
معهد أمريكي: كيف يمكن فهم المنطق الحوثي ـ الايراني في التصعيد ضد السعودية؟ (ترجمة خاصة)
الخميس, 01 أغسطس, 2019
تقرير أمريكي يكشف: كيف يتعامل الحوثيون والقاعدة مع تهديد الطائرات بدون طيار في اليمن؟ (ترجمة خاصة)
الأحد, 04 أغسطس, 2019
ميدل ايست آى: أوامر وقف التقدم بالمعارك تثير تساؤلات حول جدية التحالف بإنهاء الحرب في اليمن (ترجمة)