تعاني منطقة "تَرْبَهَا"، شمالي غرب محافظة لحج، جنوب اليمن، أوضاعا خدماتية مزرية في مختلف جوانب الحياة، أهمها وعلى رأسها: التعليم والصحة؛ الأمر الذي يكلّف سكانها الكثير من المتاعب والمعاناة في حياتهم الراهنة والمستقبلية أيضا.
وتبدأ هذه المعاناة المتواصلة، بقلة حيلة سكان المنطقة، البالغ عددهم قرابة ألفين نسمة، في حصول أبنائهم على حقهم في تعليم مناسب وكامل، ولا تنتهي بإستيطان وأنتشار مختلف الأمراض والأوبئة. في الوقت الذي ضرب المنطقة جفاف شديد منذ فترة طويلة.
والميسورون من أبناء القرية النائية، وهم قلة قليلة جدا، يتجشمون عناء السفر لعشرات الكيلو مترات، بحثا عن التعليم أو العلاج، في مركز المحافظة، وأحيانا في محافظة عدن المجاورة.
تعليم ناقص
مدرسة "النور" الإبتدائية هي المدرسة الوحيدة في المنطقة، ويعود بنائها إلى العام 1989 على يد الشيخ الراحل والبرلماني السابق عبده محمد هزاع رحمه الله، وتعاني من إزدحام طلابي كبير، مع الكثير من القصور في الإمكانيات والقدرات اللازمة لأبسط مقومات نجاح العملية التعليمية.
وبحسب مدير المدرسة "عبده سالم علوان"، فإن الفصول الحالية للمدرسة، وعددها ستة فصول فقط، لم يتم ترميمها وتأثيثها منذ تأسيسها قبل ثلاثين عاما، والمدرسة في وضعها الحالي بحاجه ماسه إلى فصلين إضافيين لاستيعاب طلاب المنطقة في المرحلة الإبتدائية فقط، كما أنها بحاجة إلى بناء سور خاص بها.
وإلى جانب ذلك، يضيف علوان، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، أن المدرسة تعاني من نقص في المعلمين، لاسيما مع توقف التوظيف في الخدمة المدنية وانهاء العمر القانوني لخدمة بعض المعلمين.
وبالنسبة لمصير الطلاب الذين ينتهون من دراسة الإبتدائية في المنطقة، فيقول مدير المدرسة إنهم لا يستطيعون مواصلة الدراسة بعد الصف السادس لعدم وجود مدارس أخرى في المنطقة تدرس الصفوف العليا بعد الإبتدائية (المتوسطة والثانوية).
وقلما تجد مدارس متوسطة وثانوية، حتى في المناطق المجاورة لقرية "تَربَها"، وإذا وُجدت فعلى مسافات بعيدة، وأقربها تبعد مسافة ساعتين بالسيارة، على الأقل.
ولضعف إمكانيات وقدرات أولياء الأمور في المنطقة لنقل أبنائهم إلى مدارس أخرى بعيدة لإكمال الدراسة، إلى جانب خشيتهم عليهم لبعد المسافة وعدم وجود وسائل نقل دائمة ومأمونة، ذهابا وإيابا، فإن مصير معظم الطلاب في القرية ينتهي عند هذا الحد. حيث يكتفي معظمهم بالحصول على شهادة المرحلة الإبتدائية فقط، ليتجه بعضهم إلى الرعي، وغالبا ما ينتهي مستقبل الكثيرين إلى الالتحاق بالجيش بمجرد بلوغهم السن القانونية.
ويشكو غالبية السكان من عدم التفات المسؤلين إلى ما تعانيه منطقتهم "رغم ما قدمته من تضحيات كبيرة خلال الأربع السنوات الماضية" حسب علوان مدير مدرسة النور.
خدمات صحية شبه منعدمة
وفي الجانب الصحي، أيضا، تفتقد الوحدة الصحية الوحيدة في المنطقة إلى أدنى المتطلبات الطبية الرئيسية اللازمة للعلاج.
وتحدث مدير الوحدة الصحية بـ"تَرْبَهَا"، علي الراعي، مع "يمن شباب نت" عن الحال المزري الذي تمر به الوحدة الصحية الوحيدة في المنطقة، مشيرا إلى وجود مشاكل وصعوبات عديدة تعاني منها، بما لا يجعلها قادرة على القيام بأبسط واجباتها في خدمة المرضى.
وفضلا عن افتقادها لأبسط مقومات تأثيث الوحدات الصحية، وعدم تأهيل أقسامها للعمل بالشكل المطلوب، شكا الراعي من "نقص المعدات الطبية اللازمة، بما في ذلك أدوات المجارحة التي تعد من أبرز العراقيل التي تعكر عمل الوحدة الصحية بتربها، إلى جانب عدم وجود حتى سرير واحد للولادة"
ويضطر معظم الأهالي إلى تجشم الكثير من المعاناة والخسائر المالية، بحثا عن علاج لمرضاهم، الذين غالبا ما يتم نقلهم إلى خارج المنطقة، وأحيانا يصل بهم الحال إلى نقلهم إلى العاصمة المؤقتة (عدن).
وبحسب عدد من السكان، فإن قيمة أجرة المشوار الواحد بالسيارة لنقل مريض إلى خارج المنطقة، ولو حتى بالحمى، تصل إلى ثلاثين ألف ريال (55 دولار تقريبا، عند أحتساب سعر صرف الدولار الواحد بـ550 ريال يمني).
جفاف مكمل للمأساة
وإلى جانب ذلك، تواجه المنطقة مصاعب أخرى كثيرة في مختلف نواحي الحياة، والتي زاد من صعوبتها طبيعة المنطقة وبعدها عن مناطق الخدمات الرئيسة، فهي من المناطق النائية وأشبه بالمنطقة المعزولة.
وفي هذا السياق تحدث المواطن رائد الشبيقي، أحد سكان المنطقة، عم معضلة المياه بأعتبارها من أهم المشاكل التي يعاني منها السكان، خصوصا في ظل غياب مشاريع المياه وشحة مياه الآبار.
ويعتمد سكان القرية على شراء المياه التجارية بمبالغ باهضة جدا تفوق كثيرا قدرات السكان المالية. حيث أكد الشبيقي أن سعر صهريج المياه المشتراه تجاريا، سعة 1300 لتر، تصل قيمته إلى عشرة ألاف ريال.
معاناة متوارثة
وأمام كل هذه المعاناة، حاول سكان المنطقة على مدى السنوات الماضية طلب التدخل بالمساعدة والعون من الجهات الرسمية والمنظمات الدولية العاملة في اليمن، في وضع حلول لمعضلة الخدمات الرئيسة التي يواجهها السكان كالتعليم والصحة وشحة المياه، غير أن كل نداءاتهم لم تلقى أذانا صاغية من المعنيين.
وعلى أمل أن يحدث ذلك يوما ما، ستتواصل المعاناة، وترتفع نسبة مخاطر المستقبل من تفشي الجهل مع عدم قدرة الأهالي إرسال أبناءهم إلى مناطق أخرى لإكمال تعليمهم؛ وتستفحل الأوبئة والأمراض الفتاكة في ظل غياب أدنى مقومات الخدمات الصحية، ويواصل معظم السكان إعتمادهم على المياه المكشوفة لمواجهة مشكلة شحة المياه والجفاف.