اعتقد الرئيس عبد ربه منصور هادي، وهو يحرر طلباً كتابياً، في مارس/ آذار 2015، وبعثِه إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وإلى جامعة الدول العربية، للتدخل، عسكرياً، لمواجهة الانقلابيين الحوثيين؛ أن هذا التدخل سيكون العصا السحرية التي تعيده إلى عدن أو صنعاء، ليمارس سلطته الشرعية من جديد، على نحو ما كان يقوم به قبل سيطرة الحوثيين على صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014.
ولتعزيز ذلك، حاول هادي توسيع دائرة التدخل من النطاق العربي إلى الدولي؛ فبعث برسالة أخرى إلى مجلس الأمن، يطلب فيها اتخاذ تدابير عاجلة لمواجهة الانقلابيين الحوثيين، في إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة؛ مبرراً ذلك، بأنهم ينفذون مشروعاً توسعياً إيرانياً، للاستيلاء على المنطقة، وواصفاً خطرهم على الأمن والسلم الدوليين، بأنه أشد من خطر تنظيم القاعدة الإرهابي.
عشر دول تدخلت في الحرب، بشكل عملي، وأربع سنوات مرّت على ذلك، وتحولت عاصفة الحزم إلى عاصفة الأمل، ثم انكمش التحالف العشري إلى تحالف ثنائي القطب، طرفاه الرئيسين؛ السعودية والإمارات، وذهب التحالف يفتش عن الحوثيين في المهرة في حدود عمان، وجزيرة سقطرى، التي تبعد مئات الأميال عن عدن، وتناسى أنهم يسيطرون، بشكل كامل، على سبع محافظات شمالية، وبشكل مشترك على سبع محافظات أخرى!!
ليس ذلك فحسب، بل غُيّب صاحب القضية، "اليمن- هادي"، واستأثر بملفه السياسي لجنة رباعية مكونة من بريطانيا، والولايات المتحدة، السعودية، الإمارات. فهي التي ترسم الخطوط العريضة لما يجري، وتحدد مجال التحرك، وسقف الطموح.
ومع ذلك، ما زال الرئيس هادي، ومؤيدوه من القوى السياسية، يحدوهم الأمل في تحقيق أهداف التحالف المعلنة، وعلى رأسها دحر الانقلاب الحوثي، وعودة الشرعية. فهل ما يمارسه هادي ومن معه، إفراط في حسن النية، أم تفريط في الحقوق، أم كلا الأمرين؟
[للمزيد أقرأ: في ضوء التحولات الداخلية والخارجية الراهنة.. إلى أين تتجه الأزمة اليمنية؟]
الواقع يقول إنه إفراط وتفريط. فبالرغم من دحر الحوثيين من كافة محافظات الجنوب، وبعض من محافظات الشمال، لا يزال الرئيس طريداً شريداً خارج وطنه، وأجهزة سلطات الدولة، التي تقع تحت أمر حكومته معطلة، وهنالك تشكيلات عسكرية وأمنية موازية لجيش وشرطة السلطة الشرعية، تفرض إرادتها بالقوة، وبدعم وتأييد إماراتي، وتجاهل سعودي.
حيث لا تعترف هذه التشكيلات بشيء اسمه سلطة شرعية، ولا بدولة اسمها اليمن، ولا برئيس شرعي اسمه عبدربه منصور هادي. فما الفرق بينهم وبين الحوثيين؟!
المواطنون في الجنوب منقسمون بين متعاطف مع الشرعية، يلتمس لها الأعذار، وبين ناقم عليها، وهو الصوت العالي في الوقت الراهن؛ بفعل التصعيد الإعلامي الموجه، الذي يقوده المجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي). لقد طغى، في أغلب محافظات الجنوب، اسم الرئيس "عيدروس" على اسم الرئيس "عبد ربه".
وعيدروس، هذا، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي. إنه يتحرك كرئيس للجنوب، فيزور جبهات القتال، ويعيّن القادة العسكريين في الحزام الأمني وقوات النخبة، ويصدر قرارات بإنشاء تشكيلات عسكرية جديدة، ويهيمن على موارد سيادية تغطي نشاط مجلسه المناوئ للسلطة الشرعية.
وفي محافظات الشمال، خاصة مناطق سيطرة الحوثيين، لا يجرؤ أحد على ذكر اسم الرئيس هادي، إلا أن يكون ذلك مقروناً بالسخط عليه، سواء كان ذلك مداهنة أم حقيقة. ما يقوله الكثير عنه هناك، إنه بات شيئاً من الماضي، وإنه لن يعود؛ لأن التحالف نفسه غير مقتنع بهذه العودة أساساً، فكيف بالحوثيين؟!
[إقرأ أيضا: "السلطة الشرعية".. تهديدات محتملة، وتدابير غائبة (تحليل خاص)]
الحقيقة أن التحالف أسرف في سفك الدم البريء، وخرق كل قوانين الحرب؛ رغم ادعاءاته بالتزام ذلك. فضلاً عن قتلى الحرب في الجبهات، والمدن، والأرياف، التي يُبَرر استهدافها بأنها تمثل أهدافاً عسكرية مشروعة، وهذا القول، بطبيعة الحال، لا يعفي جرائم الحوثيين، ولكن الحديث هنا، عن التحالف والشرعية.
لقد خلق التحالف حاجزاً نفسياً ملطخاً بالدم، بين السلطة الشرعية وبين سكان محافظات الشمال، خاصة في المناطق الخاضعة للحوثيين، وبالأخص، كذلك، منطقة الهضبة الزيدية، التي انصهرت في بوتقة الحركة الحوثية، وسخرت كل شيء لخدمتها، وبات كل بيت فيها، يعلق صورة لشهيد أو اثنين أو ثلاثة، وربما أكثر من ذلك!!
أعتقد أن التحالف والشرعية في حاجة إلى تصحيح العلاقة بينهما، وأن على الشرعية أن تبادر إلى ترميم صورتها المهشمة في كل المناطق، التي تعترف بها، أياً كان شكل هذا الاعتراف، فضلاً عن مناطق السيطرة الحوثية، وذلك ببذل المزيد من الجهد، وبإعطاء كامل الحقوق والخدمات لهذه المناطق، فإن لم تكن قادرة على فعل ذلك، فلا تنتظر العودة، أو الترحاب بها، بل إنه، مع مرور الوقت، لن تجد من يدافع عنها.
*محلل سياسي في الشئون الاستراتيجية والعسكرية
أخبار ذات صلة
الإثنين, 22 أبريل, 2019
ما هو مستقبل مشاركة السودان العسكرية في اليمن، وهل بات خروجها وشيكاً؟ (تحليل خاص)
الخميس, 28 مارس, 2019
جبهة المناطق الوسطى: ما المانع أن تكون بديلا لجبهة الساحل الغربي؟ (تحليل خاص)
السبت, 04 أغسطس, 2018
أدوار متوقعة للسواحل اليمنية لمواجهة التحكمات الإيرانية في مضيق هرمز (تحليل خاص)