بدى وكأن مدينة تعز (جنوبي غرب اليمن) تمكنت مؤخرا، وبعد جهد كبير، من التعامل بجد وحزم مشهودين مع واحدة من أبرز اختلالاتها الأمنية؛ والمتمثلة، تحديدا، بمطاردة الخارجين عن القانون من المطلوبين أمنيا؛ أولئك الذين طالما شكلوا- طوال الفترة الماضية- تهديدا ملحا ضد جهود الشرطة في تطبيع الحياة العامة في المدينة.
غير أن السلام لم يعم بعد هذه المدينة المحررة، التي ماتزال ميليشيات الحوثي الانقلابية تحيط بها وتحاصرها من الأطراف الشرقية والغربية للمحافظة..
فما أن توقف مسلسل الاغتيالات، والاشتباكات الأمنية الداخلية مع الخارجين عن القانون؛ إذا بالمدينة وكأنها بدأت تشهد مؤشرات أخرى من التهديدات الأمنية البديلة: زراعة "العبوات الناسفة"، التي تكررت خلال الأيام القليلة الماضية، لتضع الأجهزة الامنية في المدينة أمام تحد جديد آخر، ربما أكبر وأخطر، في مواجهة ما يعتقد أنها محاولات بديلة- من قبل المتضررين- للإبقاء على الأمن "هشاً" في المدينة بشتى الوسائل.
تهديد أمني جديد
قبل أيام، في 12 مايو/ آيار هذا الشهر، سقط ضحايا مدنيين، بين قتيل وجريح، جراء انفجار عبوة ناسفة وضعت بين أكوام القمامة في شارع جمال، وسط مدينة تعز. فيما تمكنت الأجهزة الأمنية، في اليوم ذاته، من تفكيك عبوة ناسفة أخرى على مقربة من سابقتها، قيل إنها كانت تستهدف حراسة قائد محور تعز.
وفي وقت متأخر من مساء اليوم نفسه، انفجرت عبوة ناسفة أخرى بمنطقة بئر باشا، غربي المدينة، أفادت المعلومات أنها كانت تستهدف طقما عسكريا لرجال أمن، وأصيب على إثرها شخصين صادف وجودهما بالقرب أثناء الانفجار.
وبعدها بيومين فقط، تمكنت الأجهزة الأمنية من تفكيك عبوتين ناسفتين، عُثر عليهما بالقرب من مستشفى المظفر وسط المدينة.
ويعد استخدام "العبوات الناسفة"، على هذا النحو المكثف والمتقارب، أمرا مقلقا لأبناء تعز، الذي ازدادت مخاوفه من إمكانية استمرار هذه العمليات في مدينتهم، التي لم تكن قد شهدت خلال العام الجاري- قبل العمليات الأخيرة المذكورة- سوى عدد بسيط من هذا النوع من العمليات..
ومنها- بحسب رصد "يمن شباب نت": في 4 مارس/ آذار الماضي، حين انفجرت عبوة ناسفة، وضعت بين أكياس القمامة بشارع جمال، بالقرب من السوق المركزي، ونجم عنها مقتل مواطن وإصابة ثمانية آخرين بجروح مختلفة.
وسبقتها عملية أخرى، في 6 فبراير 2019، انفجرت فيها عبوة ناسفة زرعت في دراجة نارية كان يقودها جندي في الجيش، جوار مستشفى الثورة، وأدت إلى اصابة إصابة بالغة، وإصابة مواطن أخر إلى جواره.
وقبلها؛ مطلع العام الجاري، حين نجا الوكيل الأول لمحافظة تعز عبد القوي المخلافي من محاولة اغتيال بعبوة ناسفة زُرعت في إحدى الأطقم العسكرية المرافقة له.
ما يحدث في تعز "ليس من محض الصدفة" كما يبدو للصحفي عمار زعبل. فاستخدام العبوات الناسفة- بالنسبة له: هو "انتقال لمرحلة جديدة، وفق الأجندة التي تريد من تعز- أو بالأخص مديرياتها المحررة- أن تظل منطقة فاشلة، طالما وأن السلطة المحلية والأمنية فيها ليست قادرة على ضبط الوضع الأمني..".
واضاف لـ"يمن شباب نت": هي لعبة مكشوفة جداً للمتابع العادي: هناك من يلعب على المسألة الأمنية لتحقيق أهداف سياسية، وإن على المدى البعيد، لافتا إلى أن اللعبة تقتضي تتويه الأجهزة الأمنية لإفشال أية محاولات جادة لفرض الاستقرار الأمني، مع خلق فوضى إعلامية تعمل على صب الزيت على النار، وإعطاء الفرصة أكثر للقتل غير المشروع.
من المستفيد؟
يوحي تكرار وتقارب هذه العمليات أن ثمة مخططا جاريا لإقلاق الأمن في المدينة مجددا. خصوصا وأنها تأتي بعد أسابيع قليلة فقط من استتباب الحالة الأمنية في المدينة القديمة ومحيطها، في أعقاب نجاح الحملة الأمنية المشتركة في ملاحقة وطرد عناصر مسلحة وصفت أنها "إجرامية" و "خارجة عن القانون"، متهمة بتنفيذ اغتيالات ضد ضباط وجنود في الجيش والأمن وعدد من المدنيين.
وكانت لجنة التهدئة توصلت الشهر الماضي إلى اتفاق مع قيادة الحملة الأمنية المشتركة وقيادة كتائب أبي العباس (الكتيبة الخامسة للواء 35 مدرع)، بتسليم العناصر المطلوبة أمنيا، وإخلاء الأحياء السكنية في المدينة القديمة من المسلحين. إلا أن الاتفاق لم ينفذ كليا، حيث خرج الجميع (مسلحي أبي العباس ومعهم العناصر المطلوبة أمنيا) من المدينة إلى منطقة "الكدحة"- جنوبي غرب المحافظة.
ويؤكد الصحفي فاروق السامعي حيدرة، لـ"يمن شباب نت"، أن بعض الذين تم إخراجهم من المدينة "كانوا يتوعدون بعمل تفجيرات لقلب المشهد الأمني داخل المدينة، بعد فشلهم في الحفاظ على مربعاتهم".
وأستبعد حيدرة أن يكون أولئك المتهمين منتمون إلى فصيل معين، كما يتردد على نطاق واسع، معللا ذلك بالقول إن "مشاريع الدويلات السوداء، جعلت مربعاتهم تحسب على فصيل معين".
وأنتقد الجهات الأمنية، التي أكد انها تتحمل جزء من المسؤولية "كونها لم تلقي القبض فعليا على المطلوبين أمنياً، وقبلت أن تفتح لهم باب الوساطات للخروج من المدينة، وأبواباً خلفية للعودة إليها بشكل مباشر أو غير مباشر، إضافة إلى أنها تقاعست بقصدية غير مبررة في إلقاء القبض على المطلوبين داخل المربعات الواقعة تحت سيطرتها، مما جعلها طرفاً، وليست جهات، تريد أن تلقي القبض على المطلوبين أمنياً مهما كانت مربعاتهم وفصائلهم".
أما الباحث والصحفي توفيق السامعي، فيحدد بعض الأطراف والجهات التي يعتقد أنها المستفيدة من وراء تلك العمليات.
وقال لـ"يمن شباب نت" إن هذه العمليات التفجيرية "لا تستخدمها إلا جهتان في اليمن، هم الحوثيون أو القاعدة وأخواتها، وأيضا جهات مرتبطة ببعض الأجهزة الاستخباراتية الإقليمية.."
وهو يعتقد أن الغرض من وراء ذلك، هو "بث مزيدا من الفوضى في تعز وغيرها، بهدف تشويهها وقاداتها، وتمييع الواقع، بحيث لا يتم حسمه بيد جهة ما، والإبقاء على الفوضى، التي تصاحبها حملات إعلامية منظمة وممنهجة لبعض الأطراف، التي نعتقد أنها تكمل بعضهما إعلاميا وتخريبيا".
وحيث يلفت السامعي إلى أن الأجهزة الأمنية بتعز كانت كشفت، في أوقات سابقة، مخابئ لمعامل تصنيع عبوات ناسفة، وحددت أسماء الجهات المسئولة عنها، أضاف: "وبالتالي، من يقوم بتصنيع تلك العبوات، هو الطرف المشار إليه في تلك العمليات".
لمواجهة الخطر
ولمواجهة هذه المرحلة الجديدة والخطيرة، يشدد الباحث الصحفي توفيق السامعي على أن قيادة الأجهزة الأمنية بالدرجة الأولى مطالبة ببذل المزيد من الجهود لاستتباب الأمن، وتتبع الجريمة، قبل وبعد وقوعها، من ناحية، وكشف العصابات التي تقف وراءها، وكشف التحقيقات لمن تم القبض عليهم لتعرية كل من يستهدف تعز، أو أمن المواطن.
وفي الوقت الذي حث فيه على أهمية التلاحم المجتمعي الشعبي الساعي لكشف كل المجرمين المستترين ووقوف، دعا الدولة بكافة أجهزتها إلى دعم الأجهزة الأمنية والوقوف خلفها ومساندتها بكل ثقلها.
أما الصحفي فاروق السامعي حيدره، فيرى بضرورة أن تكون الجهات الأمنية بعيدة عن تحكم قيادات الجيش والوساطات المشيخية، وأن تتعامل بنفس القوة والحزم مع كل المطلوبين أمنياً، كي تستعيد ثقة الحاضن الشعبي بها، وتدفعهم للوقوف معها في حملاتها، وأن يتم إيجاد محاكم مستقلة، وقضاء مستقل لمحاكمتهم وتنفيذ العقوبات عليهم.