بعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر على تعثر اتفاق إعادة الانتشار في مدينة الحديدة (غربي اليمن)، أعلن الحوثيون، السبت قبل الماضي، عن بدء تنفيذ الاتفاق بشكل أحادي، في خطوة حظيت بترحيب المبعوث الأممي إلى اليمن "مارتن غريفيث"، ورئيس فريق المراقبين الدوليين لتنفيذ اتفاق الحديدة "مايكل لوليسغارد"، فيما لاقت استياء الحكومة الشرعية.
وتشمل خطوة الحوثيين الأحادية، انسحابهم من كل من: ميناء الحديدة، وميناء رأس عيسى، وميناء الصليف، وتسليم الموانئ الثلاثة إلى قوات خفر السواحل- وهي قوات تابعة للحوثيين أنفسهم- لتتولى مسؤولية حمايتها.
وقالت بعثة الأمم المتحدة المكلّفة الإشراف على تنفيذ اتفاق الحديدة، بقيادة لوليسغارد، في بيان الأحد الماضي- أي بعد يوم من الإعلان الحوثي- أن "اليوم الأول من إعادة انتشار قوات الحوثيين من الموانئ الثلاثة، مضى وفقاً للخطط الموضوعة".
وأضاف البيان: "جرت مراقبة الموانئ الثلاثة في وقت واحد من قبل فرق الأمم المتحدة عند خروج القوات العسكرية من الموانئ، وتولى خفر السواحل مسؤولية الأمن فيها". وأشار إلى أن "الأيام التالية ستركز على إزالة المظاهر المسلحة والألغام، وستقوم البعثة بإجراء "تحقيق رسمي" لعملية انسحاب الحوثيين من الموانئ يوم الثلاثاء" القادم.
رفض حكومي
وفي حين حظيت عملية الانسحاب الأحادي من موانئ الحديدة بمباركة وترحيب المبعوث الأممي إلى اليمن "غريفيث"، الذي أعرب عن امتنانه للحوثيين على ذلك، ضمن احاطته إلى مجلس الأمن الدولي في جلسته الأربعاء الماضي (15 مايو/ آيار)، فقد أثارت الخطوة- في المقابل- العديد من التساؤلات حول طبيعتها وتوقيتها وأهدافها.
وأعلنت الحكومة الشرعية رفضها أي إجراءات أحادية لا تتفق مع روح بنود اتفاقية الحديدة الموقعة في مشاورات ستوكهولم في 13 ديسمبر/ كانون أول 2018، مؤكدة تمسكها بالقرارات الصادرة عن مجلس الامن الدولي، وبشكل خاص القرارات رقم: 2216 و 2451 و 2452، ونص اتفاق ستوكهولم بكافة مكوناته حول: الحديدة، وتفاهمات تعز، وإطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين والمختطفين.
وفي كلمته أمام مجلس الأمن الدولي الأربعاء الماضي، حذر مندوب اليمن الدائم لدى المتحدة السفير عبد الله السعدي من أن "عملية انسحاب الميليشيات الحوثية من الموانئ، إن تمت، دون إشراف ورقابة وموافقة لجنة تنسيق إعادة الانتشار، بأطرافها الثلاثة، ستشكل مخالفة لما تم التوافق عليه خلال الأشهر الماضية، وهدم لجهود المجتمع الدولي، بما يقدم خدمة مجانية للميليشيات الحوثية لإعادة تكرار مسرحية الانسحاب الأحادية التي تم تنفيذها سابقاً في ميناء الحديدة بتاريخ 30 ديسمبر 2018".
وأضاف السفير السعدي: "أن الحكومة اليمنية، وهي تشير إلى قراري مجلس الأمن 2451 و 2452 اللذين أنشئا آلية المراقبة والتحقق من تنفيذ اتفاق ستوكهولم، والمتمثلة في لجنة تنسيق إعادة الانتشار (RCC)، فإنها تؤكد على حقها في التحقق من أي خطوات يتم تنفيذها كجزء من اتفاق ستوكهولم والتدقيق في كشوفات قوات خفر السواحل التي تستلم الموانئ بعد انسحاب الحوثيين منها، وذلك قبل الشروع في أي حديث حول أي خطوات تالية".
ولفت إلى، أنه "من غير الممكن الوثوق في الحوثيين أذرع إيران الإرهابية"، الذين أتهم بمحاولة كسب الوقت لإطالة أمد الحرب في البلاد.
وتنص المرحلة الأولى من آلية إعادة الانتشار، التي اقترحها رئيس لجنة المراقبة "لوليسغارد" في وقت سابق، على انسحاب الحوثيين من موانئ الحديدة، بما فيها الميناء الرئيسي بالمدينة، مسافة 5 كلم، يقابله سحب الطرف الآخر- أي الحكومة الشرعية- قواتها من مطاحن البحر الأحمر، ومدينة الصالح ومستشفى 22 مايو، مسافة 1 كلم، الأمر الذي رفضته ميليشيات الحوثي في حينه.
وتأتي طبيعة وشكل القوات التي ستستلم الموانئ الثلاثة وتدير الأمن في المدينة، بعد انسحاب الحوثيين، في مقدمة القضايا المختلف حولها.
وبرغم تأكيد غريفيث في إحاطته إلى مجلس الأمن، الأربعاء الماضي، على أنهم ما زلوا يسعون "للتوصل لاتفاق مع الطرفين حول مقاربة لقوات الأمن المحلية بالتوازي مع مفاوضات إعادة الانتشار"، إلا أن انسحاب الحوثي الأحادي من الموانئ اعقبه تسليم الموانئ الثلاثة لقوات تابعه له من خفر السواحل. وهو ما يرفضه الجانب الحكومي بشدة.
الحكومة.. محاولة للنجاة أم إرغام
وعلى الرغم من أن المبعوث الأممي، وضمن إحاطته أيضا، وصف عملية الانسحاب الأحادي للحوثيين أنها "لحظة مهمة وتستحق الترحيب"، وأنها "ليست سوى البداية"، التي يعول عليها للمضي قدما في مفاوضات إنهاء الصراع، واستئناف المفاوضات السياسية بهدف إيجاد الحل السياسي للصراع..
إلا أن ذلك، أي الانسحاب الأحادي للحوثين "ليس بالأمر المفاجئ"، حسب المحلل السياسي في الشئون الاستراتيجية والعسكرية، علي الذهب، الذي قلل من قيمة هذا الحدث: "لأن العملية من أساسها، مضللة، وتحاول أن تقدم إنجازا كبيرا".
يقول الذهب لـ"يمن شباب نت" إن "عملية التسليم هذه، لا تختلف عن سابقتها، التي رفضها المراقب السابق"- في إشارة إلى الجنرال الهولندي السابق والمستقيل "كاميرت"- مضيفا: "ولعل موافقة السلطة الشرعية لها لاحقا، إنما هي محاولة للنجاة من أي عقوبات أمنية، يمكن أن تفرض عليها، بوصفها معرقلا لعملية السلام".
ويرى الذهب أن "السلطة الشرعية الآن باتت في موقف ضعيف، فقواتها، التي هي في الواقع قوات مدعومة إماراتيا ولا تدين بالكامل للرئيس هادي، في وضع دفاعي، وأي محاولة منها للهجوم يعني نقض لاتفاقيات استوكهولم، وقد يستدعي ذلك تدخلا أمميا".
أما المحلل السياسي، ياسين التميمي، فيرى- من جهته- أن عملية الانسحاب الحوثية، مؤخرا: "جاءت بهدف تخفيف الضغط على الحوثيين، وتجنب أي تبعات لعدم تنفيذ مهلة الرباعية"- في إشارة إلى تحذيرات الدول الأربع المعنية بالمسألة اليمنية، وهي: أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات، والتي كانت حددت في بيان لها، تاريخ 15 مايو كحد نهائي لتنفيذ اتفاق الحديدة، مالم فإنها ستتخذ إجراءات عقابية للمعرقلين.
ومع ذلك، فقد نوه التميمي، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، إلى أن ذلك الانسحاب "لم يتم من الناحية الإجرائية، وفق ما ينص عليه اتفاق الحديدة والقرارين الملحقين للتنفيذ: 2451 و2452".
وأوضح التميمي: "انسحاب من طرف واحد، بمعنى انه يدفع الحكومة، مرغمة، لتنفيذ التزاماتها دون أن يكون لها الحق في التحقق من جدية انسحاب الحوثيين، أو تسّلم المناطق التي تم الانسحاب منها".
وقال- واصفا الانسحاب الحوثي- إنه "انسحاب صوري، تم لأغراض تكتيكية، ولن يخدم السلام الذي ينشده اليمنيون"، مضيفا: "بل على العكس فهو يضمن وجودا دائما للحوثيين، وتمكينا من المزايا المهمة للموانئ الثلاثة، وعائداتها المالية التي ستتولى الأمم المتحدة أعباء تأهليها وتشغيلها وضمان تدفق السلع التجارية عبرها".
المستفيد والخاسر
وتثير مبادرة الحوثي الأحادية بالانسحاب، غير المكتمل، الكثير من التساؤلات، لعل أهمها: البحث عن الطرف المستفيد والطرف الخسار في حال مضت هذه العملية على النحو الذي حدده الحوثيون؟
بحسب المحلل السياسي علي الذهب، فأن قوات الحكومة الشرعية، بموجب عملية إعادة الانتشار هذه، قد تخسر مواقع لها، في وقت يكون الحوثيون قد عززوا من وجودهم بعملية التسليم الشكلية، فضلا عن تقدمهم الكبير في إب والضالع، نتيجة لتوقف جبهة الحديدة واستحالة عودتها في الوقت الراهن.
كما يرى السياسي التميمي أن ذلك سيؤدي إلى "تهميش دور الحكومة، وانهاء مساعيها لاستعادة الحديدة عبر الطرق العسكرية، وانتقالها الى مرحلة الشراكة بين النفوذ العسكري والأمني للحوثيين والوصاية الأممية".
ومع بدء انسحابها من الموانئ، السبت قبل الماضي، إلا أن ميليشيات الحوثي استمرت بإرسال التعزيزات العسكرية إلى مناطق مختلفة في المحافظة، ما يوحي برغبة مبيتة لمواصلة المضي في الاتجاه المعاكس لعملية إعادة الانتشار، والهدف الرئيس منها، والمتمثل بمنع أي معارك مستقبلية في المحافظة.
والأربعاء الماضي، أكد الجيش الوطني أن الحوثيين دفعوا بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى مديرتي حيس والتحيتا جنوبي الحديدة. وحسب موقع الجيش (سبتمبر نت)، فإن مليشيات الحوثي استقدمت التعزيزات العسكرية من مديرية الجراحي في المحافظة ذاتها، ومن محافظة إب. كما أكد، أيضا، أن مسلحي مليشيات الحوثي، قصفوا بالقذائف المدفعية والأسلحة الرشاشة، مواقع متفرقة لقوات الجيش الوطني في مديرية التيحتا.
وكان المبعوث الأممي، وضمن إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن، حذر من أنه "على الرغم من أهمية الأيام القليلة الماضية، لا يزال اليمن على مفترق طرق بين الحرب والسلام"، مضيفا "إذا كان وقف إطلاق النار في الحديدة ثابتًا بشكل عام، هناك تصعيدا مقلقا للصراع في جوانب شتى". وأعتبر "أن هذا التصعيد، هو تذكير بأن الإنجازات التي تحققت بشق الأنفس يمكن محوها في طرفة عين".
وأعرب غريفيث عن مخاوفه من حدوث انتكاسه وفشل في أي لحظة، قائلا: "هناك أيضًا بوادر مقلقة في الأيام الأخيرة بشأن الحرب. والحرب عادة قادرة على أن تعصف بالسلام، وتأثيرها أكثر من التأثير الإيجابي للمكاسب التي تم تحقيقها بشق الأنفس نحو التسوية".
وأضاف: "إن احتمال محو هذا التقدم بسهولة هو أمر مخيف للغاية. وأعتقد أن الدرس الذي يجب أن نتذكره خلال هذه الأيام هو أن التقدم الذي يمكن أن يتم احرازه يمكن أيضا ان يتم افشاله".
?وأنتقد المحلل السياسي علي الذهب تحركات المبعوث الأممي إلى اليمن، وقال إنه "يدير مع الحوثيين لعبة خطيرة، تستهدف وحدة اليمن ونظامه السياسي، بالتواطؤ معهم (الحوثيين)، ومع قوى المعارضة الجنوبية، التي التقاها أكثر من مرة".