على واقع أزمة إنسانية وظروف اقتصادية قاسية، استقبل سكان العاصمة "صنعاء" شهر رمضان هذا العام، بغير تلك البهجة التي كانت ترافقه، إن لم تكن تسبق وصوله بأسابيع، ذلك أنه لم يعد يعني للكثيرين منهم، اليوم، أكثر من ثبات وصمود مضاعف أمام قساوة الحياة ومتطلباتها.
يأتي ذلك، مع أن شهر رمضان نفسه، لم يفقد وهجه المتوارث شعبيا؛ فمع بداية حلوله تعج أسوق العاصمة صنعاء ببضائع كثيرة تزدهر تجارتها في رمضان؛ حيث من المعتاد أن ترتفع نسبة مبيعاتها إلى أعلى مستوى لها في مثل هذا الشهر؛ غير أنها باتت اليوم تعاني من تدني ملحوظ لمستوى الإقبال عليها، نظرا لضعف قدرات الناس الشرائية.
وذلك ما أكده لـ"يمن شباب نت"، بعض تجار المواد الغذائية في العاصمة صنعاء، من أن إقبال الناس على شراء المواد الغذائية كان في أدنى مستوى له في هذا الموسم الرمضاني، مرجعين سبب ذلك إلى الحالة المتردية التي يعيشها غالبية المواطنين.
افتقاد نكهة رمضان الخاصة
تقول "هدى"، التي تعمل في تطريز الملابس النسائية بمنطقة الحصبة شمال العاصمة، إن رمضان هذا العام أصعب من الأعوام الماضية، كونه يأتي في ظل ظروف أكثر قساوة.
وتساءلت هدى، ضمن حديثها لـ"يمن شباب نت": كيف يمكن الشعور ببهجة هذا الشهر الفضيل، في ظل ما يعيشه الفقراء والمساكين مع غلاء الأسعار، وتدهور الأوضاع الاقتصادية وانعدم فرص العمل وانقطاع رواتب الموظفين الحكوميين؟!
وإلى جانب افتقاد البهجة، يفتقد سكان "صنعاء"- أكثر من غيرهم من سكان بقية المحافظات الأخرى التي تمر بحرب وحصار- لروحانية أجواء الشهر الكريم، نتيجة ارتفاع أسعار السلع الغذائية إلى مستويات جنونية غير مسبوقة، وانعدام الغاز والمشتقات النفطية، بالإضافة إلى تضييق المليشيات الحوثية، والتي طالت حتى الشعائر الدينية، كصلاة "التراويح"، ومنع مكبرات الصوت..؛ وكل تلك عوامل أفقدت المواطنين نكهة رمضان الخاصة.
وارتفعت أسعار السلع والخدمات الأساسية بشكل جنوني، بما في ذلك أسعار الخضراوات الأساسية، وهي الأكثر استخداما في رمضان. فسعر الكيلو الطماطم، مثلاً، الذي كان سعره بمئة ريال، أصبح اليوم بـ800 ريال؛ بينما ارتفع سعر الكيلو البطاطا من 200 ريال إلى 450 ريال؛ هذا بالإضافة إلى أسعار المواد الأخرى التي ارتفعت أسعارها بشكل غير مسبوق مقارنة بالأعوام السابقة.
غياب أطباق تقليدية متوارثة
وكنتيجة طبيعية لذلك، لم يعد معظم الناس في اليمن يمنحون شهر رمضان تمييزا خاصا، كما كانوا في السابق، حيث كانوا يستعدون له باكرا بكل الاحتياجات لتوفير ما لذ وطاب. بحسب المواطن "عبده هزاع"، الذي أكد لـ"يمن شباب نت" إن اليمنيين أصبحوا ينظرون إلى قدوم رمضان مثل بقية الأيام والأشهر الأخرى، بعكس السنين الماضية، حيث التحضيرات المسبقة وشراء الاشياء الخاصة برمضان قبل دخول الشهر الفضيل بأيام.
وقال هزاع، الذي يعاني مثل غيره من ظروف اقتصادية صعبة، إنه خرج إلى سوق الملح، الشهير في صنعاء القديمة، لشراء بعض احتياجات "رمضان" فوجد جميع السلع في ارتفاع غير مسبوق، وما ضاعف من مأساته وكثير من الناس هنا، انقطاع الرواتب وانعدام مصارف الدخل اليومي، مضيفا "الناس تاعبين قوي" وخصوصا هذا العام أكثر من الأعوام السابقة.
ويقول "فيصل اللهبي"، وهو موظف في التربية والتعليم: "نستقبل رمضان هذا العام، وظروفنا أكثر صعوبة، حيث بالكاد نستطيع الحصول على الأشياء الضرورية".
وأضاف لـ"يمن شباب نت" أن تدهور الأوضاع الاقتصادية وانقطاع المرتبات أدت إلى غياب بعض الأطباق التقليدية التي طالما كانت تزين المائدة الصنعانية في رمضان، مثل حلويات الرواني وبنت الصحن، وغيرها..
وكانت الأسرة الصنعانية هي الأكثر تميزا في البلاد، من حيث تنوع مراسيم استقبال شهر رمضان وفق نكهة تقليدية خاصة، لاسيما في الأطباق الشهية المتميزة التي طالما ازدانت بها سفرتها الرمضانية، متوارثة ذلك أبا عن جد..
حتى جاءت هذه الحرب، التي أثارتها ميليشيات الحوثي في البلاد منذ انقلابها على السلطة الشرعية في سبتمبر 2014، لتقضي على كل شيء، محولة أكثر من 80 في المئة من السكان إلى محتاجين لمساعدات إنسانية إغاثية.