أكثر من أربع سنوات على حرب طاحنة، خلّفت دمارا هائلا وعشرات الألاف من الضحايا، لتبدو اليوم وكأنها قد تحولت إلى ما يشبه مخطط لـ"رسم حدود خارطة الانفصال" عسكريا. والأخطر في الأمر، أنه يحدث على يد حلفاء جاءوا أساسا لاستعادة الشرعية اليمنية من قبضة ميليشيات الحوثي الانقلابية؛ التي تحولت هي الأخرى إلى جزء من المخطط.
  
بعد أربع سنوات من الهزائم والانتكاسات، ها هي ميليشيات الحوثي تعاود تمددها وبسط سيطرتها على مناطق؛ بعضها لم تكن قد فتحت جبهات قتالية فيها؛ وأخرى ظلت مشتعلة على مدى أربع سنوات أو أقل بقليل، لتحسمها مؤخرا بكل أريحية. واللافت هنا، أن معظم هذه المناطق تقع على الحدود الشطرية القديمة، التي كانت تفصل بين شمال اليمن وجنوبه، قبل إعلان الوحدة اليمنية عام 1990.  
 

خارطة التمدد الجديدة
 
الأسبوع قبل الماضي، تمكنت ميليشيات الحوثي من السيطرة على سلسلة جبال "العود"؛ وهي أعلى سلسلة جبلية بمديرية النادرة- محافظة إب (وسط اليمن). لم يكن قد مر سوى شهر واحد فقط على فتح الميليشيات لهذه الجبهة الجديدة، على الحدود الشمالية مع محافظة الضالع (جنوب اليمن).
 
 والأربعاء الماضي، (24 أبريل)، أعلنت ميليشيات الحوثي استكمال سيطرتها على مديرية "الحُشأ" بمحافظة الضالع (جنوبا)، بعد شهرين تقريبا من فتح هذه الجبهة، التي ظلت هادئة وبعيدة عن المواجهات طوال فترة الحرب السابقة. كانت مديرية الحشأ في السابق تتبع محافظة تعز (الشمالية)، قبل إعلان الوحدة وضمها إلى الضالع.
 
وقبلها بأيام قليلة، السبت الماضي (20 أبريل)، سقطت مواقع وجبال استراتيجية في جبهة "ذي ناعم" بمحافظة البيضاء (وسط البلاد)، والتي ظلت عصية على الحوثيين لأكثر من أربع سنوات متواصلة. وهي مديرية قريبة من الحدود الشمالية لمحافظة لحج والحدود الشرقية لمحافظة الضالع، جنوبي اليمن.


 

الإمارات.. تفاهم مع حوثي وتباين مع السعودية
 
كان اللافت في الأمر، في كل تلك الجبهات المتساقطة تباعا، وفي أوقات متقاربة، يتجسد بصمت التحالف العربي، الذي تقوده المملكة العربية السعودية والامارات، وعدم تدخله لمساندة القوات الحكومية والمقاومة الشعبية، بينما كانتا تتعرضان لهزائم متتالية خلال الأسابيع الأخيرة.
 
فضلا عن أن ذلك، جاء في الوقت الذي كانت فيه بقية الجبهات الأخرى، بينها جبهة الساحل الغربي، قد دخلت في حالة ركود قتالي، مثير للريبة، هو الأخر !! ما أتاح للحوثيين التحرك والتنقل بمسلحيهم وآلياتهم العسكرية بحرية بين مختلف تلك الجبهات.  
 
سبق هذه التحولات والانتكاسات الداخلية، توترات ملحوظة- لكن غير معلنة رسميا- في العلاقة بين الشرعية في اليمن، وقطبي التحالف السعودي الإماراتي من جهة أخرى؛ ظهرت بشكل ملحوظ في كثير من المواقف والأحداث، لاسيما في المحافظات الجنوبية، والتي وصلت أحيانا حد المواجهات العسكرية.
 
وفي تصريحات تلفزيونية، تناقلتها مؤخرا مواقع إخبارية محلية، لم يستبعد القيادي الجنوبي وعضو مجلس الشورى علي البجيري، أن يكون ما حدث في البيضاء والضالع "جزء من التمثيل الذي تلعبه الإمارات في الحدود الجنوبية".
 
بل ذهب الرجل إلى الحديث عن وجود "تفاهمات سرية" بين الحوثيين، والإمارات، وما يُعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" [المدعوم إماراتيا]، وأسرة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، واللذين اتهمهم بالوقوف خلف الفوضى الحالية. في الوقت الذي وجه فيه انتقاداته للحكومة بشأن موقفها السلبي من "انتهاكات الإمارات"، متهما أبوظبي والرياض "بتقاسم الأدوار وإطالة أمد الحرب لتحقيق أطماعهما".
 
ولاحقا، ظهر من يتحدث عن توترات شابت- مؤخرا- العلاقة بين شريكي التحالف العربي، السعودية والإمارات، ترجع إلى خلافات- غير معلنة- حول التسابق لبسط النفوذ والسيطرة على المحافظات اليمنية الجنوبية المحررة، كالمهرة وحضرموت وأرخبيل سقطرى..
 
وفي هذا السياق، عزى رئيس فرع حزب المؤتمر بتعز الشيخ عارف جامل، التحركات الميدانية الأخيرة لميليشيا الحوثي، إلى أن سببها وجود تباينات في المواقف بين الإمارات والسعودية، اللتين دعاهما، في منشور على صفحته بالفيسبوك، إلى الجلوس على طاولة واحدة "ومراجعة حساباتهما في الملف اليمني، قبل أن يداهم الخطر الجميع".
 
وأضاف جامل في منشوره: "يجب أن يتفقوا (السعودية والإمارات) على أنه من غير المنطقي عسكريا وسياسيا ومعنويا توقيف جبهة الحديدة التي كانت قاب قوسين أو ادني، واصطناع اتفاق كاذب (اتفاق ستوكهولم) ومخادع مع مليشيات الحوثي ثم السماح للحوثي بالتحرك لفتح جبهات جديدة".
 

[للمزيد أقرأ: قيادي مؤتمري: تقدم الميليشيات مؤخراً سببه التباين بين السعودية والإمارات]
 
 
ضعف أداء الحكومة

وإلى جانب التفسيرين السابقين، ثمة تفسيرا ثالثا يقدمه الصحفي والمحلل السياسي فؤاد مسعد، يتعلق بضعف أداء الحكومة اليمنية نفسها، إلى جانب التصدعات الداخلية في المكونات المؤيدة للشرعية.
 
ويرجع مسعد، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، السبب الرئيس لخذلان تلك الجبهات إلى "ضعف الموقف الحكومي، وضعف التنسيق بين وحدات الجيش والأمن، من جهة، والقيادات العليا في المنطقة العسكرية الرابعة ووزارة الدفاع، من جهة ثانية"، إضافة إلى "حالة الشقاق والصراع بين مكونات الشرعية، الذي كان سببا رئيسيا في هذا التراجع".
 
وهو يعتقد أن الحوثيين استفادوا من ذلك جيدا، قائلا "جنت المليشيات الثمار، من خلال تجميد معركة الحديدة، الأمر الذي، في المقابل، أتاح لهم التفرغ للقتال في عدد من المناطق؛ بداية بحجور في محافظة حجة؛ ومرورا بجبهات الضالع والبيضاء..".
 
لكنه أيضا، لم يستبعد التحالف العربي من جملة الأسباب، والذي في نظره "بدى شبه غائب، إلا من بعض الغارات الجوية التي لم تمنع مليشيات الحوثي من التقدم جنوبا، ليمنحهم ذلك معنويات عالية، تجعلهم يهددون كثيرا من المناطق المحررة خاصة تلك القريبة من مواقع الاشتباكات".
 
أما محصلة كل ذلك، كما يرى مسعد، فتتمثل أولا، وقبل كل شيء في "إضعاف دور وتأثير الحكومة والجيش الوطني على مستوى البلد، وإظهارهم كمجموعة ضعيفة وعاجزة عن فعل أي شيء.." !!
 
وتاليا؛ أدى ذلك إلى "توسيع رقعة مليشيات الحوثي، وبالتالي تقوية سلطتهم، مقابل تراجع سلطات الحكومة الشرعية وتآكل مساحة سيطرتها، وكذا وضع بقية المناطق المحررة تحت التهديد، وإرباك أداء الحكومة والجيش في كثير من مناطق التماس القريبة من مليشيات الانقلاب الحوثي".
 

من جبهة مريس- محافظة الضالع/ أرشيف يمن شباب نت


رسم "خارطة الانفصال" عسكريا

وخلافا لما سبق، رجحت بعض التقارير الصحفية "سيناريو الانفصال" كأحد التفسيرات "المنطقية" لما حدث من تساقط متسارع للجبهات؛ أخذا بالاعتبار أن المناطق التي سقطت مؤخرا في محافظة الضالع، بيد الحوثيين، لم تتجاوز- حتى الأن- المناطق التي كانت، قبل الوحدة، تابعة للجزء الشمالي من البلاد.
 
ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى إتهام "المجلس الانتقالي الجنوبي"- الداعي لانفصال جنوب اليمن عن شماله، والمدعوم من الإمارات- بالتنسيق مع جماعة الحوثي الانقلابية، في صفقة "سرية" تقضي بمساعدة الحوثيين في السيطرة على ما تبقى من مناطق شمالية حدودية بين اليمنيين، في مقابل التوقف هناك دون التقدم أكثر نحو المناطق التابعة لخارطة جنوب اليمن (قبل الوحدة).
 
وينظر إلى هذه العمليات الحوثية الأخيرة، كجزء من مخطط (خفي) لـ"رسم الحدود الانفصالية عسكريا"؛ بدأ العمل عليه منذ بداية الحرب عبر ما أطلق عليها: عملية "السهم الذهبي" (يوليو – أغسطس 2015) تحت اشراف التحالف العربي، والتي انتهت بتحرير محافظات الجنوب على يد قوات جنوبية مدربة ومدعومة من التحالف..
 
كانت تلك هي المرحلة الأولى من المخطط، والتي توقفت حينها على الحدود الشطرية الشمالية (تعز؛ وإب؛ والبيضاء). واليوم- وبعد أربع سنوات من الحرب الطاحنة- يتم استكمال المرحلة الثانية؛ ولكن عبر ميليشيات الحوثي، باعتبارها الوكيل الأنسب والأقوى لاستلام شمال اليمن؛ ما يوجب التعاون معها حاليا لبسط سيطرتها على بقية الأجزاء الشمالية (لما قبل الوحدة)، وصولا للانفصال باعتباره حلا قسريا فرضه "الأمر الواقع" للحرب.   
  
غير أن هذه التفسيرات، مع ما لاقته من رواج صحفي واسع، لا تبدو ممكنة التحقيق، بالنسبة للصحفي والباحث في الشؤون السياسية "عدنان هاشم"، كون الحوثيون في نظره لديهم مشروع توسعي يتجاوز حتى حدود اليمن نحو حكم الجزيرة العربية برمتها.
 
وفي بداية حديثه مع "يمن شباب نت"، أرجع هاشم أسباب خذلان التحالف العربي للجيش الوطني والمقاومة، إلى "سوء علاقة الإمارات بالشرعية اليمنية، لاسيما بعد انعقاد مجلس النواب في سيئون بحضرموت".
 
وهو أمر مختلف، لا يقود بالضرورة إلى "سيناريو الانفصال"، سابق الذكر. ذلك أن استمرار هذا النمط من الخذلان- كما يقول: "يدعم عودة الحوثيين إلى عدن.. وربما حضرموت والمهرة.."، مستدركا "فالحوثيون يقدمون أنفسهم كحكام لشبه الجزيرة العربية؛ لذلك فالحديث عن نيتهم التوقف عند الحدود الشمالية، غير ممكن، بل إن التهديد سيطال الجميع".
 
وعليه، يشدد هاشم على حاجة الحكومة الشرعية والتحالف إلى "إعادة ضبط بوصلة نمط التحالف"، مضيفا "حتى وإن تأخر الوقت، لكن من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ما لم فإن ما يحدث الآن هو تسليم كل السلة للحوثيين، وخروج التحالف والحكومة الشرعية بفوضى أوسع وأكبر".
 
وأي تكن التفسيرات وراء ما يحدث اليوم من تحول لاتجاه سير المعارك؛ إلا أن الحقيقة الثابتة التي لم تعد مثار جدل اليوم، هي: أن التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، تحول هو الأخر لخوض معارك أخرى في اليمن، لم يعد بينها القضاء على ميليشيات الحوثي واستعادة الشرعية.