حذر دبلوماسي أمريكي سابق، عمل في اليمن، من خطورة الوضع الذي آلت إليه جهود الوساطة التي ترعاها الأمم المتحدة في اليمن، لاسيما وقد وضُع طرفي الصراع "على المحك"، منوها إلى تزايد المخاطر التي يواجهها الوسيط الأممي مارتن غريفيث، "وبالتالي العملية التي يقودها". فيما أعتبر أن غياب أي ضغوطات على الحوثيين يشكل عائقا أمام إنهاء الحرب بالمفاوضات.
وكتب ستيفن اي سيش - الذي عمل في السابق كسفير لبلاده في اليمن- مقالا تحليليا تحت عنوان "جهود وساطة الأمم المتحدة في اليمن على مفترق طرق"، نشره مؤخرا على موقع "معهد دول الخليج العربي في واشنطن"، حيث يعمل حاليا نائبا للرئيس التنفيذي.
وحيث أشار في مقدمة مقاله، الذي ترجم "يمن شباب نت" أبرز ما جاء فيه، إلى أن مارتن غريفيث ثابر على مدار الـ14 شهرا من مهمته كمبعوث أممي خاص إلى اليمن، من أجل بناء المصداقية والثقة الضرورية لأي وساطة ناجحة في الصراع.. فقد لفت إلى أن غريفيث وضع طرفي النزاع اليمني "على المحك"، عندما أعلن، هذا الأسبوع- بعد عدة بدايات خاطئة- أن الطرفين على استعداد الآن لتنفيذ بنود اتفاقية ستوكهولم، التي ظلوا يتشاجرون حولها منذ توقيعها قبل خمسة أشهر.
وكان بذلك يشير إلى التطمينات التي بعثها غريفيث إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي في إحاطته الأخيرة المقدمة للمجلس في 15 أبريل/ نيسان الجاري. إلا أن الكاتب، برغم ذلك، أعتبر أن المخاطر التي تكتنف هذه العملية تتزايد أكثر، خصوصا وأن غريفيث، على وجه التحديد "سبق وأن قدم مثل هذه الأخبار المشجعة"، مستدركا "إلا أن الآمال تبددت مع فشل طرف أو أكثر في الوفاء بالتزاماته".
وفي السياق، استعرض سيتش بعض الخلفية حول توقيع اتفاقية ستوكهولم ومضامينها الرئيسية، والتي أعتبر أنها قد نجحت في خفض مستويات العنف في الحديدة ومحيطها، وسمحت بتحسين توصيل المساعدات الإنسانية، "إلا أن وقف إطلاق النار ظل يترنح ويقف على حافة الانهيار منذ البداية، مع مرور الموعد النهائي، وهو منتصف يناير لإعادة انتشار القوات في الحديدة، بدون احراز أي تقدم ملحوظ".
وقال، محذرا: "في الواقع، إذا فشل الحوثيون هذه المرة في الوفاء بالتزاماتهم، فإن منهجية غريفيث قد تخضع لأقصى قدر من الفحص والتدقيق". واستشهد بتقارير سابقة انتقدت عملية الوساطة التي يقوم بها المبعوث الأممي فيما يتعلق بتنفيذ اتفاقية ستوكهولم..
وبضمن ذلك أشار إلى مقال لـ"فاطمة أبو الأسرار" من المؤسسة العربية، نشرته بصحيفة ذا ناشيونال في مارس/ آذار الماضي، قالت فيه "سواء كان ذلك بقصد أم لا، فإن الاتفاقية التي تتوسط بها الأمم المتحدة في اليمن يجرى تشكيلها على نحو فعال لمصلحة الحوثي... [لأن غريفيث].. ليس أمامه من خيار سوى القبول بمطالب الحوثي، خشية أن تنهار الاتفاقية على يده"
وتابع سيتش بالقول: وبصراحة، فإن غريفيث بات يلعب بيد ضعيفة، وهو يحاول تنفيذ اتفاق ستوكهولم، الذي ولد بشكل غير متوقع تمامًا بعد سلسلة من الاجتماعات التي عقدت كخطوات أولية متواضعة، ولذا كان يتم الإشارة إليها على أنها "مشاورات". واستشهد بما ما لاحظته الدكتورة هيلين لاكنر، الباحثة في الشأن اليمني، بأن الاتفاق "تم توقيعه تحت ضغوط شديدة، وما الغموض في نصوص اتفاق استوكهولم إلا بمثابة تذكير بالعملية المتسارعة التي قادت إلى إبرامه."
ومع ذلك، فقد نوه سيتش ايضا إلى أن التقدم الذي تم إحرازه في محادثات السويد نجم على الارجح "بفضل تقارب بعض الديناميكيات الفريدة التي يبدو أنها قد تلاشت منذ ذلك الحين"، مضيفا: فمن ناحية، كانت الادارة الامريكية، وعلى أرفع المستويات، قد انخرطت أكثر في هذه العملية، سواء بالعلن أم بشكل سري، وحثت شركاءها بالتحالف في المملكة السعودية والامارات على تخفيف حدة الخطط العسكرية الطموحة فيما يتعلق بالحديدة، ودعت بقوة إلى ايجاد حل سياسي.
وفي هذا الصدد، تطرق إلى العوامل التي دعت الإدارة الأمريكية إلى القيام بذلك، بينها قضية مقتل خاشقجي والضغوطات التي مارسها أعضاء الكونجرس الأمريكي على الإدارة في إيقاف المساعدات الأمريكية للسعودية والإمارات فيما يتعلق بحربهما في اليمن..
ويرى بأن رسالة الكونجرس لم تمر مرور الكرام، فقد عززت على الأرجح الإحساس المتزايد بضرورة الإلحاح على بعض عواصم الخليج بأن هناك حاجة إلى عملية سياسية واسعة لإنهاء الحرب.
وبحسب الكاتب فإن الرأي الذي تشكل حينها، على ضوء ذلك، تمثل بضرورة وقف إطلاق النار في الحديدة، وإعادة نشر القوات كخطوة أولى أساسية، ومن ثم يتوجب على الأطراف بعد ذلك، الانتقال فوراً إلى مفاوضات سياسية شاملة من شأنها حل القضايا الطويلة الأمد في قلب الصراع اليمني متعدد الطبقات.
وقال سيتش إن مثل تلك العملية السياسية الشاملة، اعتبرت كأفضل طريقة لتقديم الحوافز السياسية والاقتصادية للحوثيين، والتي ستكون كبيرة بما يكفي لإقناعهم بإنهاء تمردهم المسلح. خصوصا وأنهم اثبتوا إصرارهم العنيد ومرونتهم الكبيرة خلال الأربع سنوات من الحرب- كما أثبتوا أيضا استعصائهم على الضغوطات.
ومع ذلك، فقد رأى أن غياب أي مصدر فعال للضغط على الحوثيين، هو من شكل في الحقيقة عائقًا أمام إنهاء الحرب عن طريق التفاوض. وبينما أبلغت إيران مسؤولي الاتحاد الأوروبي خلال المحادثات بأنها مستعدة لتقديم المساعدة في هذا الصدد، فإنه لم يكن واضحا ما إذا كانت طهران تتمتع بهذا النوع من التأثير على الحوثيين، أم ما إذا كان القادة الإيرانيون يميلون للمساعدة بصدق، في الوقت الذي واصلت فيه واشنطن حملتها في ممارسة "أقصى ضغط" ضدهم .
وبالنسبة للكاتب، فإن هذه الحاجة للتغلب على عزلة الحوثيين، قد تفسر سبب اهتمام غريفيث باحتياجاتهم طوال وساطته، وحتى سفره معهم إلى السويد في ديسمبر لضمان مشاركتهم في المحادثات، وهي مسألة علق عليها باتريك وينتور المحرر الدبلوماسي بصحيفة الجارديان بالقول "يبدو أن غريفيث، ومن خلال بقائه جسديًا بالقرب من الحوثيين إلى حد ما، قد أحرز تقدمًا أكبر مع المجموعة المقسمة في كثير من الأحيان، يفوق ما حققه أي وسيط سابق للأمم المتحدة."
ويخلص نائب المدير التنفيذي لمعهد دول الخليج العربي بواشنطن، ستيفين سيتش، إلى أن غريفيث سيكون بحاجة "إلى أكثر من مجرد دهائه الخاص" ليحقق نجاحا في مهمته.. سيحتاج إلى مساحة ووقت وتعبير قوي عن الدعم الدولي لجهوده- وخاصة من الولايات المتحدة.
وعليه، يختم سيتش مقاله بالإشارة الى أنه "في أي وساطة معقدة، يأتي وقت يصبح فيه الوسيط نفسه هو المشكلة"، مرجحا أن ينطبق الامر ذاته على اللحظة الحالية بالنسبة لمارتن جريفيث، وهو أمر بدى أنه يعترف به في تصريحاته التي أدلى بها يوم الاثنين الماضي، (15 أبريل/ نيسان، في إحاطته لمجلس الأمن) عندما طلب دعم مجلس الأمن لجهوده، مضيفًا "دعونا نطلب معًا تشجيع أولئك الذين يمكنهم مساعدتنا في تحقيق السلام، وأن ننحي المشككين جانبا".