خلص مركز أمريكي متخصص بجمع وتحليل بيانات الصراعات المسلحة، إلى أن الاشتباكات المسلحة التي انفجرت مؤخرا بين عدد من القبائل اليمنية وميليشيات الحوثي في مناطق واقعة تحت سيطرتهم، إذا ما استمرت بالتوسع أكثر، فمن المرجح أن يؤثر ذلك على قدرات الحوثيين في السيطرة على بعض أجزاء البلاد.
واستعرض تقرير نشره مؤخرا "مشروع جمع وتحليل بيانات الصراعات المسلحة" (ACLED) الأمريكي، عدد من المناطق القبلية التي اندلعت فيها صراعات مسلحة ضد الحوثيين في السابق، وصولا إلى تلك التي ظهرت مؤخرا، بما فيها منطقة "الحشأ" في محافظة الضالع- جنوبا، و"كشر" في محافظة حجة- شمالا.
ولفت التقرير إلى الاختلال الذي حدث في علاقة الحوثيين مع القبائل بعد مقتل الرئيس السابق علي صالح، الذي كان قد أمضى معظم فترته الرئاسية للعمل بعناية على تأسيس العلاقات مع القبائل القوية في اليمن والحفاظ عليها، لتستمر حتى بعد انتهاء رئاسته، ولعبت- من ثم- دوراً حيوياً في تمكين حلفاؤه الحوثيين من السيطرة بسرعة على مساحات شاسعة من البلاد.
وذهب التقرير إلى أن هذه الاشتباكات المسلحة المتزايدة بين الحوثيين والقبائل، إلى جانب القمع الذي تمارسه قواتهم في مناطق سيطرتهم "يمكن أن تعد مؤشرا على أن قيادات الحوثي فشلت في الحفاظ على العلاقات القبلية كما كانت قبل مقتل صالح".
"يمن شباب نت" ينشر نص التقرير بعد ترجمته:
طوال فترة الصراع في اليمن، لعبت التنظيمات القبلية دوراً رئيسياً في دعم أو مقاومة حكم الحوثيين. وعلى الرغم من أن الحوثيين أنفسهم ليسوا تنظيما قبليا، إلا أن قياداتهم على دراية وثيقة بالأنظمة القبلية في اليمن، وقد تمكنوا من كسب العديد من الحلفاء القبليين، مستفيدين في معظم الأحيان من شبكات الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
وقد وقفت تنظيمات قبلية أخرى بحزم ضد الحوثيين، ولا سيما في المناطق الجنوبية والوسطى من البلاد. ومع ذلك، على مدى الأشهر الستة الماضية، تورطت قوات الحوثيين المنتشرة في جميع أنحاء البلاد في عدد متزايد من النزاعات مع القوات القبلية المحلية في الأراضي الخاضعة لسيطرتها.
وفي حين استمرت وتيرة الاشتباكات العنيفة في التصاعد داخل محافظتي حجة والضالع، جرى الحديث عن وقوع اشتباكات على نطاق أصغر داخل أراضي الحوثي بمعدل متزايد. وهذا الازدياد في وتيرة الاشتباكات، إلى جانب التقارير التي تتحدث عن القمع العنيف في الأراضِ الحوثية، يمكن أن تعد مؤشرا على أن قيادات الحوثي فشلت في الحفاظ على العلاقات القبلية كما كانت قبل مقتل صالح. الأمر الذي جعل التحالف الذي تقوده السعودية، والحكومة المعترف بها دوليا بزعامة عبد ربه منصور هادي، يتجاوبون بشكل سريع لدعم القوات القبلية الثائرة (ضد الحوثي) من خلال توفير الدعم الجوي، والإمدادات، والقوات القتالية.
(أنظر الشكل رقم "1" أدناه، والذي يوضح عدد المعارك المسلحة التي نشبت بين قوات الحوثيين والقبائل الثائرة ضده في اليمن، خلال الفترة من: 1 يناير 2017 إلى 28 فبراير 2019 ).
وقد أمضى الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح فترته كرئيس، في العمل بعناية على توطيد العلاقات مع القبائل القوية في اليمن والحفاظ عليها. وهذه العلاقات التي استمرت حتى بعد انتهاء رئاسته، هي التي لعبت دوراً حيوياً في تمكين الحوثيين (حلفائه آنذاك) من السيطرة بسرعة على مساحات شاسعة من البلاد.
وبعد انتهاء تحالف الحوثي – صالح، في ديسمبر عام 2017، فقد الحوثيين تلك العلاقات القبلية التي كانوا يتمتعون بها (تقرير ACLED، 16/فبراير/ 2017) . ووفقا لـ(صحيفة الواشنطن بوست، 6 ديسمبر 2018)، فإنه وبمجرد أن تم "تجريدهم من أي غطاء [سياسي]، ظهر [الحوثيين] كمجرد حركة طائفية دينية خالصة، يحكمون بالقوة والقمع".
ويتجلى تصاعد قمع الحوثيون داخل الأراضي الخاضعة لسيطرتهم، من خلال عدد متزايد من التقارير التي توضح بالتفصيل عمليات الاعتقال وهدم (تفجير) البيوت، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى نشوب اشتباكات مسلحة. وهو ما بدى جليا، خصوصا في منطقة الحشأ بمحافظة الضالع. حيث أشعلت قوات الحوثي اشتباكات مع رجال القبائل المحليين عقب تفجير منزل الزعيم القبلي عبد الجليل الحذيفي بتهمة التعاون مع التحالف الذي تقوده السعودية (ذا ناشيونال، 13 فبراير، 2019).
وبالمثل، تجري اشتباكات عنيفة في منطقة كشر بمحافظة حجة، أشعلتها حملات التجنيد (الإجبارية) الحوثية، ومحاولات قوات الحوثي استخدام الأراضي القبلية كوسيلة لبلوغ جبهات قتالية في اقصى جنوب الشرق. وبدورها، سارعت قوات التحالف بقيادة السعودية إلى دعم رجال القبائل، حيث وفرت على الأقل خمس عمليات إنزال جوي للأسلحة والإمدادات خلال الأسبوعين الماضيين.
وعلى نحو مشابه ايضا، جرت اشتباكات أقل، بشكل متقطع، في محافظات إب وذمار وصنعاء على مدار الأشهر الستة الماضية.
(أنظر الشكل رقم "2"، وهو عبارة عن خارطة توضح المعارك التي اندلعت بين قوات الحوثي والقبائل الثائرة ضده في اليمن، خلال الفترة من: 1 اكتوبر 2018 حتى 28 فبراير 2019).
ولم يتضح بعد الى أي مدى سيؤثر التصاعد الحالي في وتيرة المواجهات بين الميليشيات الحوثية والقوات القبلية على مجمل الصراع في اليمن. حيث وعلى الرغم من القتال العنيف والعدد الكبير للقتلى في كلا الجانبين، إلا أن مكاسب السيطرة على الارض كانت صغيرة نسبيا.
وإذا استمرت الاشتباكات في مناطق جديدة، فمن المستبعد أن يكون الحوثيون قادرون على تحمل مستويات الصراع الحالية، الأمر الذي قد يؤثر على قدراتهم في السيطرة على بعض أجزاء البلاد.