كانتا كعادتيهما في المطبخ تحضّران وجبة العشاء في منزلهما الكائن بحي التحرير- وسط العاصمة صنعاء. وفجأة، وبدون أن ترتكب الفتاتان الشابتان أي خطأ، بدأت أسطوانة الغاز بالاشتعال. وأمام هول المفاجأة غير المتوقعة، لم تسعفهما محاولتهما البائسة من الهرب بعيدا عن ألسنة اللّهب التي كانت أسرع منهما في الانتشار، لتنفجر أسطوانة الغاز وتحول جسديهما إلى كومتين متفحمتين.
مؤخرا، وبشكل ملفت أكثر من أي وقت مضى، تحولت أسطوانات الغاز (التالفة)، إلى قنابل موقوتة تقطن منازل سكان العاصمة اليمنية صنعاء. والتي أصبحت تشكل تهديدا حقيقيا بعد سلسلة من الحوادث المرعبة الناجمة عن انفجارها في عدد من الأحياء والأسواق العامة، لتودي بعدد من القتلى والمصابين، بعضهم إصاباتهم خطيرة.
أثارت تلك الحوادث المتكررة رعبا كبيرا وسط الأسر والمواطنين من هذا الخطر الجديد الذي يتهددهم في كل لحظة، وأصبح من المحتم عليهم انتظاره كقنبلة موقوتة، يتوجب التعايش معها- للضرورة- تحت سقف واحد.
ويتزايد القلق أكثر، في ظل، ليس عجز الشركة اليمنية للغاز عن عمل شيء إزاء هذه الكارثة، بل لكون الشركة- كما يتهمها السكان- هي من تقوم بضخ هذه القنابل الموقوتة إلى السوق وإجبارهم على شرائها رغما عنهم، دون صيانتها واستبدال التالف منها، مع معرفتها المسبقة بذلك، وخطورته على الأسر.
12 مليون أسطوانة تالفة
وتقدر إحصائيات لشركة الغاز صدرت عن العام 2016، وأطلع عليها "يمن شباب نت"، عدد أسطوانات الغاز غير الصالحة للاستخدام في السوق المحلية بـ 12 مليون أسطوانة، هي التي أنتهى عمرها الافتراضي المقدر بـ 15 عام.
وخلال العام الماضي، صدرت محاضر بإتلاف 300 ألف أسطوانة غاز، بعد ثبوت عدم صلاحيتها (نهائيا) للاستخدام. لكن الشركة في صنعاء- وفقا لمصادر "يمن شباب نت"- تجاهلت ذلك وأعادت ضخ تلك الأسطوانات التالفة إلى السوق المحلية، بذريعة تغطية العجز الحاصل في الغاز المنزلي، دون أي اكتراث بالمخاطر التي يمكن أن تتسبب به.
ويرجع المواطنون نسبة كبيرة جدا من العجز الحالي في الغاز، الذي تتحدث عنه الشركة، إلى السياسة الإدارية التي تنتهجها وتقوم عليها سلطات الحوثيين وإجراءاتهم التي تسببت بتفشي المحسوبية والفساد والاستثمار والإثراء على حساب قوت المواطنين البسطاء.
[أقرأ أيضا: صنعاء: مليشيات الحوثي توقف توزيع الغاز المنزلي لبيعه في "السوق السوداء"]
وكشفت مصادر مطلعة لـ"يمن شباب نت" أن الأسطوانات التالفة التي تم تجميعها من مختلف المحافظات خلال السنوات الثلاث الماضية "لم تصل إلى المصنع، سواء للصيانة أم للإتلاف"، حسب ما تقتضيه الإجراءات الوقائية المعروفة في مثل هذه الحالات.
وأشارت المصادر أيضا، إلى أنه في العام 2014 وصلت كمية الأسطوانات التي تمت مصادرتها من السوق بسبب أنها تالفة، إلى 217,450 (قرابة ربع مليون أسطوانة). ومع ذلك- بحسب ما كشفته المصادر: "لم تورد أية أسطوانة، خلال السنوات الثلاث الأخيرة".
وعلى الرغم من فرض 14 ريال على المواطنين في كل مرة يتم تعبئة غاز في كل أسطوانة خلال عمرها الافتراضي، كرسوم لصالح أعمال الصيانة، إلا أن هذه المبالغ لا يبدو أنها تذهب إلى ما خصصت لأجله.
إجراءات تفقد السلامة الوقائية
بسبب انعدام الغاز المنزلي، اتخذت ميلشيات الحوثي بالعاصمة صنعاء والمناطق والمحافظات الأخرى الواقعة تحت سيطرتها، إجراءات خاصة في عملية توزيع أسطوانات غاز الطباخة، لتصبح عملية التوزيع عن طريق "عُقال الحارات"، وفق إجراءات توصف بأنها "مهينة".
فمنذ عام، تقريبا، أصبح عقال الحارات هم من يقومون بعملية بيع وشراء أسطوانات الغاز للمواطنين في كل حي من أحياء العاصمة ونظيراتها الواقعة تحت سيطرة الحوثيين. الأمر الذي لا يجعلهم يراعون: ما إذا كانت الأسطوانات التي يسلمونها صالحة للاستخدام أم لا؟ فذلك أمر "ليس من شأنهم" كما يقولون، برغم معرفتهم سلفا أن غالبية الأسطوانات أصبحت تالفة أو بحاجة إلى صيانة.
ووفقا لهذه الإجراءات، بات الحصول على الغاز في صنعاء أشبه بـ"حلم". حيث لابد من سلسلة إجراءات: بدء من عرض وثيقة الهوية لدى عاقل الحارة؛ ثم الانتظار أسبوعا أو نصف شهر، وأحياناً يطول الانتظار أكثر. وفي الوقت الذي يصل الغاز إلى الحي، يبدأ مشوار الانتظار الطويل في طابور طويل. ومع ذلك يدفع كل مواطن رسوم مالية إضافية فوق السعر الرسمي المحدد من الشركة، مخصصة لعاقل الحارة. وفي حين حدد المبلغ الإضافي بـ(200) ريال للعاقل، إلا أنه يتفاوت أحيانا (بالزيادة وليس النقصان) من عاقل إلى آخر.
[أقرأ أيضا: احتجاجاً على انعدام الغاز المنزلي.. مظاهرة غاضبة ضد الحوثيين وسط صنعاء]
ومع طول الانتظار لا يكترث معظم الناس لرداءة الأسطوانات التالفة التي يستلمونها. بل في حقيقة الأمر أنه لا أحد (لكن بالطبع من غير المقربين والمحسوبين على الميليشيات) يمكنه الحصول على الأسطوانة الآمنة في ظل حالة الزحام أمام ناقلة الغاز. حيث يفرض الحوثيون على المواطنين استلام أي أسطوانة يتم اعطاؤه إياها.
خلال العام الأخير، كانت "أم ميسون"- 33 عاما- قد بدأت بالتعايش قسرا مع أسطوانات غاز غير آمنة، بعضها تُهَرّب الغاز نتيجة تلف منفذ خروجه بسبب طول مدة الاستخدام. لكنها اليوم تبدو متوجسة، وقد أصيبت بحالة من الذعر والهلع، بعدما سمعت بتكرار حوادث انفجار أسطوانات الغاز بشكل ملفت.
وقالت في حديث لـ "يمن شباب نت": كنا في السابق دائما ما نحاول الاحتفاظ بالأسطوانات جديدة، ونعمل على تعبئتها من المحطة مباشرة، أو استبدالها من مخازن بيع الغاز باسطوانة سليمة مثل التي نسلمها، مشيرة إلى أن هذا هو ما كان يلتزم به جميع أصحاب المحلات (سابقا)..
وتستدرك: "لكن الآن لم يعد بيدنا حيلة، حيث نستلم الغاز من عقال الحارات بعد زحام طويل، وكل واحد هو وحظة في الأسطوانة التي يستلمها"، فليس من حق أحد أن يرفض أو يشترط...
حوادث متكررة تثير "الهلع"
في 12 من شهر فبراير/ شباط، الجاري، اشتهرت حادثة انفجار "دبة غاز" في مخبز في شارع القيادة وسط العاصمة صنعاء، تسبب بحريق هائل وأضرار مادية كبيرة.
ومع أن هذه الحادثة لم تسفر عن ضحايا- حيث استطاع الجميع الفرار من المخبز مع بداية اشتعال الأسطوانة، بحسب ما ذكر شهود عيان- إلا أنها أصابت الجيران والمواطنين بالذعر، باعتبارهم ضحايا مفترضون لحوادث مشابهة، كنتيجة طبيعية لهذا الحال الذي يعيشه معظمهم مع أسطوانات الغاز التالفة والمعرضة للانفجار في أي لحظة.
[أقرأ أيضا: وفاة مواطن وإصابة آخر بحروق بليغة في انفجار إسطوانة غار بـ"إب"]
ومن الحوادث الكارثية في هذا الجانب، والتي عززت إشاعة الخوف والهلع بين سكان العاصمة، الحادثة التي أشرنا إليها مطلع التقرير، والتي وقعت في شهر أكتوبر/ تشرين الثاني، الماضي، جراء انفجار أسطوانة غاز بمنزل في حي التحرير وسط العاصمة صنعاء، وأسفرت عن تفحم امرأتين وإصابة ثالثة مسنة وطفلة بجروح خطيرة، وخلفت أضرارا كبيرة في المنزل بعد اشتعال منزلهم لعدة ساعات نتيجة تسرب الغاز من الاسطوانة وانفجارها.
وقال شهود عيان إن الفتاتين كانتا تقومان بمهمة إعداد العشاء للأسرة، حين بدأت أسطوانة الغاز التالفة بالاشتعال، مما دفع الضحيتان إلى محاولة إخراج الأم والطفلة اللتين كانتا متواجدتان ايضاً في المطبخ، على أمل السيطرة على الحريق الذي اندلع في الأسطوانة، لكن دون جدوى.
وأفاد أقارب للضحايا، إن أسطوانة الغاز التي صرفت لهم من قبل عاقل الحارة، كانت تالفة وغير صالحة للاستخدام، إلا أن الأزمة والحاجة دفعتهم لاستخدامها غير متوقعين أن تصل خطورتها إلى هذه الدرجة الكارثية.
وفي أكتوبر الماضي أيضا، اندلع حريق هائل في سوق دارس بمنطقة الروضة شمال العاصمة صنعاء، جراء انفجار اسطوانات الغاز. وقالت المصادر حينها إن حجم الانفجار كان كبيرا وأن ألسنة النار انتشرت لتلتهم عدة محال تجارية، دون ذكر أي إصابات بشرية.
[أقرأ أيضا: وسط أزمة خانقة.. انفجار اسطوانات غاز واندلاع حريق هائل في "صنعاء"]
وتقول مصادر طبية إن معظم الإصابات التي تصل إلى مراكز الحروق في المستشفيات، سببها أسطوانات الغاز التالفة.
وذكرت المصادر أن نسبة من يصلون أقسام الحروق بالمستشفيات جراء مثل هذه الحوادث الناجمة عن انفجار أسطوانات الغاز: "تتجاوز 65% من مجموع حالات الحروق".
ولم تلتفت الجهات المعنية بعين المسئولية إلى هذه الكارثة التي أصبحت تتكرر بشكل كارثي ملفت ومخيف، وأصبحت تهدد جميع الأسر في ظل وجود هذه الكمية الهائلة من أسطوانات الغاز التالفة المتداولة في السوق.