في 19 يناير/ كانون الثاني الجاري، أعلنت كتائب أبو العباس- الجبهة الشرقية بتعز- في خبر نشرته على صفحتها بالفيسبوك أنها قتلت "ثلاثة من العناصر الإجرامية الإرهابية، من بينهم الإرهابي أنس عادل ووليد عاطف، وشخص آخر لم يتم التعرف على هويته"، حسب نص الخبر، الذي وصف العملية بـ"النوعية"، في المناطق القريبة من "الكدحة". حيث تتولى كتائب أبو العباس قيادة الجبهة هناك، بمديرية جبل حبشي، في ريف تعز الغربي.
وأثار مقتل "أنس عادل"، المتورط بجرائم اغتيالات طالت ضباط وجنود في الجيش الوطني بتعز، الكثير من التساؤلات، كون نهايته جاءت على يد الجماعة التي كان ينتمي إليها، وقد كانت في السابق ترفض تسليمه إلى الأجهزة الأمنية، وساعدته على الفرار خارج المدينة، كما فعلت مع مطلوبين آخرين.
واستدعى مقتل هذا الإرهابي المطلوب لأجهزة الأمن بتعز، إلى الأذهان حادثة أخرى سبقتها بأسابيع قليلة، والتي تمثلت بمقتل الإرهابي نديم الصنعاني، على يد قوات الحزام الأمني بعدن في 24 نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، والذي ينتمي هو الأخر لكتائب أبو العباس، ومطلوب أمنيا لتورطه أيضا بارتكاب عمليات اغتيالات.
وهنا، يبرز التساؤل الأهم: هل ما يحدث هو عبارة عن عمليات تصفية داخلية لـ"مخازن أسرار الاغتيالات"، بعد انتهاء دورها، وبالتالي تحولها إلى مجرد عبئ ثقيل على الجماعة وداعمها الخارجي؟
خلافات أم تصفيات !!
مع أن عملية قتل الإرهابي الصنعاني ما زالت تفاصيلها غامضة، إلا أن مقتله على يد قوات الحزام الأمني بعدن، التي تدعمها الإمارات، يقدم لنا جزء من الإجابة عن السؤال السابق، والتي تكملها لنا تفاصيل مقتل الأخير (أنس عادل)، على يد كتائب أبو العباس، المدعومة من الجهة نفسها: الإمارات.
تقول الرواية التي حصل عليها "يمن شباب نت"، من مصادر خاصة، أن أنس عادل تواصل قبل مقتله مع زميله "عامر العربي"، بهدف عقد لقاء ثنائي بينهما.
وفي حين أن أنس عادل كان يعرف بأنه أحد رجال أبو العباس المطلوبين لدى أجهزة الأمن لتورطه- بشكل مباشر- في اغتيال أكثر من عشرين عسكريا بتعز؛ فإن عامر العربي، هو الأخر، كان أيضا مطلوبا في قضايا أمنية، بينها اغتيال جنود وضباط في الجيش الوطني بتعز على مدى العامين الأخيرين. وكان يعرف بأنه رجل عادل العزي، نائب أبي العباس في قيادة الكتائب.
ولم يعرف على وجه التحديد، سبب تواصل أنس بالعربي، أو لماذا كان يسعى للقائه؟ إلا أن مصادرنا أكدت أن الأخير (عامر العربي)، كان قد أبلغ علاء العزي (شقيق عادل العزي)، وحدد له زمان ومكان اللقاء، الذي تمت فيه تصفية الأول في 19 يناير الجاري في كمين محكم، مع اثنين من عناصر القيادي في تنظيم داعش، المكنى بـ"أبو الوليد".
هذا يؤكد أن أنس عادل كان عضوا في تنظيم "داعش"، تحت قيادة أبو الوليد الذي أصبح مؤخرا هو المسيطر على المنطقة المحسوبة على كتائب أبي العباس. إلا أن المهم هنا، الإشارة إلى أن قرار تصفية أنس من قبل العزي، ليس بسبب كونه إرهابيا أو مطلوب للأمن، كما زعم بيان كتائب أبو العباس حول الحادث، خصوصا إذا علمنا أن الكتائب كانت تربطها علاقة كبيرة بأبي الوليد، بل كانت سببا في سيطرته على المنطقة. وهذا ما سنتطرق إليه لاحقا في هذا التقرير بكثير من التفصيل.
وبالعودة إلى أسباب تصفية أنس عادل، فهناك تفسيرين؛ الأول: لأنه دخل في خلافات مع عادل العزي نائب أبو العباس في قيادة الكتائب، على أموال دعم وذخائر كانت قادمة من عدن. كما نشرت وسائل إعلام محلية يوم مقتله.
ولم يتأكد "يمن شباب نت"، من دقة تلك الرواية، لكن مصادر خاصة قالت لـ"يمن شباب نت"، إن قرار التصفية، جاء على الأرجح لكون أنس عادل يعد واحدا من "الصناديق السوداء" المهمة والرئيسية في ملف الاغتيالات بتعز ومن يقف ورائها.
لذلك، وهذا هو التفسير الثاني: وجب التخلص منه قبل وقوعه في أيدي قوات الأمن التي تبحث عنه. خصوصا بعد أن شددت الأجهزة الأمنية بالمحافظة الخناق كثيرا على تحركات هذه الجماعات خلال الفترة الأخيرة. حيث نجحت أجهزة الأمن بتعز، على مدى الأشهر الثلاثة الأخيرة، من تنظيم مداهمات نوعية تمكنت خلالها من اعتقال عدد من الإرهابين المطلوبين أمنيا في المدينة.
وهو الأمر الذي يعتقد أنه مكنها من جمع قاعدة بيانات أولية هامة في هذا الجانب، بما في ذلك اعتقال قيادات إرهابية أخرى مطلوبة، وقتل أخرين جراء الاشتباك معهم، وكذا الوصول إلى معامل تصنيع متفجرات واكتشاف مقابر جماعية.
"داعش" يظهر في جبل حبشي
أبو الوليد، والذي يوصف أنه قيادي كبير في تنظيم داعش بتعز، معروف هو الأخر ارتباطه بعلاقة صداقة مع عادل العزي، الذي زعم مؤخرا أنه يقوم بمطاردته في جبل حبشي. وقد أبلغت مصادر محلية "يمن شباب نت" أن أولاد العزي (عادل وشقيقه علاء) كانا يحضران مجلس مقيل صديقهما أبو الوليد في منزله بجبل حبشي. كما شاركت قيادات في كتائب أبو العباس في أعراس (حفلات زفاف) لعناصر ينتمون لداعش في جبل حبشي. بحسب المصادر.
في السابق، كان أبو الوليد يتواجد مع عناصر تنظيم (داعش) في منطقة سوق الصميل، الواقعة تحت سيطرة وإدارة كتائب أبو العباس بالجبهة الشرقية لمدينة تعز. وحين داهمت الحملة الامنية وكر سوق الصميل، فر أبو الوليد مع عناصره الى جبل حبشي.
وحسب المصادر، كانت سيارات اسعاف تابعة لكتائب أبو العباس هي من نقلتهم سرا من المدينة الى مديرية جبل حبشي، الواقعة في الريف الغربي لمحافظة تعز، وأنه مارس عمله هناك تحت حماية أبو العباس وصهره نشوان الكواتي. حيث تتولى كتائب أبو العباس قيادة جبهة "الكدحة" في المديرية.
وأكدت مصادرنا الخاصة في المنطقة، أن أبو الوليد، الذي بدأ بالتحرك مع عناصره في "الكدحة" بحرية تامة تحت حماية كتائب أبي العباس، أنشأ له لاحقا معسكرات تدريب لأفراده ولاستقطاب أبناء المنطقة والوافدين من خارجها ومن خارج المحافظة أيضا. وذلك كله، كان يحدث تحت علم ونظر، بل ودعم، كتائب أبو العباس، التي هي الأخرى تحول عدد من أفرادها للعمل تحت قيادة أبو الوليد، لا سيما بعد فرارهم من مدينة تعز إبان الحملة الأمنية الموسعة ضد الخارجين عن القانون.
وأضافت المصادر، أن أبو الوليد تحول، مع الأيام، إلى وسيط لحل المشاكل التي كانت تنشب بين الحين والأخر بين الكتائب والأهالي في المنطقة. ومع المدى تنامى حضوره مع تنامي قوته حتى أصبح ينظر إليه كشيخ، وحاكم فعلي للمنطقة.
وبالعودة قليلا إلى الوراء، انتشرت في السابق معلومات، والتي أكدها لنا مؤخرا عدد من أبناء المنطقة، أن أبو العباس، وبعد أشهر قليلة من تسلمه جبهة الكدحة، شرع في إفراغ المنطقة من كل القيادات البارزة والشخصيات الاجتماعية المعروفة والمؤثرة تحت قوة السلاح؛ واعتقل العديد من قيادات المقاومة الشعبية بتهم كيدية وملفقة، على رأسها تهمة "التحوث"، رغم أنهم كانوا أول من واجه وصد تمدد المليشيات الحوثية في منطقتهم قبل وصول أبو العباس وكتائبه.
وأضافت المصادر، أن كتائب أبو العباس لاحقا، بدى وكأنها تخلت تدريجيا عن المنطقة التي تحولت إلى وكر لتنظيم داعش في جبل حبشي. حيث من الواضح أنها تركتها لمصلحة أبو الوليد، الذي بدأ يتصرف مؤخرا وكأنه شيخ المنطقة وحاكمها العسكري.
حملة عسكرية مشتركة
وفي اليوم التالي على مقتل أنس عادل، قيل إن معارك نشبت بين زملاؤه في داعش، وأفراد من كتائب أبي العباس القريبين من المنطقة. الأمر الذي استدعى تدخل حملة أمنية وعسكرية مشتركة لملاحقة عناصر التنظيم الإرهابي في المنطقة التي تحولت إلى مقر ومعسكر تدريبي للإرهابيين.
تشكلت الحملة المشتركة من قوات أمنية من المحافظة مع قوات عسكرية من اللواء 35 مدرع، وألوية عسكرية أخرى.
وقالت مصادرنا الخاصة في المنطقة، إنه وقبيل وصول الحملة العسكرية والأمنية في 22 يناير/ كانون ثاني الجاري، تحركت صباحا، وبشكل منفرد، مدرعة تابعة لأبي العباس الى المنطقة التي يتواجد فيها التنظيم الإرهابي، وأطلقت قذيفة آر بي جي إلى مكان بعيد عن الموقع، كإشارة تنبيه للإرهابيين باقتراب الحملة.
وصلت الحملة وبدأت بشن هجوم عنيف، إلا أن قيادات داعش، على رأسهم أبو الوليد، فرت مع جميع عناصر التنظيم، باستثناء عنصر واحد من محافظة أبين، تم القبض عليه. بحسب المصادر التي أكدت أن كتائب أبو العباس، وبعد فرار عناصر داعش، قامت بعدد من المداهمات والاعتقالات وسط الأهالي بحجة تواجد الدواعش في منطقتهم وحمايتهم لهم !!
وكانت المنطقة نفسها، بحسب مصادرنا، تعرضت في السابق لانتهاكات طالتهم بداية من كتائب أبي العباس، ولاحقا من عناصر "داعش"، التي سُلمت لهم المنطقة بطبق من ذهب، فقاموا بنهب أسلحتهم الشخصية ومواشيهم وممتلكاتهم، وطردوهم بعض السكان من منازلهم ليستقروا فيها.
واليوم، ها هي قراهم تتعرض مجددا لحملات مداهمة وتفتيش وقصف همجي بالمدرعات على منازل مأهولة دون أي اعتبارات لمالكيها، بحجة أن الدواعش سكنوا فيها خلال الأيام الماضية، مع أنهم كانوا يحتلونها عنوة تحت نظر ومساندة الكتائب، بعد أن طردوا سكانها الذين حاولوا العودة إليها بمجرد تحررها وفرار الإرهابين منها.
وفي حين يُعتقد أن تصفية الإرهابي "أنس عادل"، أخرج الأمور عن السيطرة، بما في ذلك التفاهمات السابقة التي بموجبها تم توزيع بعض المناطق بين تنظيم داعش وكتائب أبي العباس، يتهم سكان محليين، كتائب أبي العباس باستغلال الحملة ضد عناصر داعش، لفرض قبضتهم على المنطقة، للبطش والانتقام من سكانها الذين خرجوا قبل أيام في تظاهره تطالب كتائب أبي العباس بتسليم قتلة جندي من أبنائهم.
ففي 26 ديسمبر/ كانون أول، عُثر على الجندي عبد الغفور سيف العرشاني (24 عاما) من جنود اللواء 17 مشاة، مذبوحا في منطقة الشراجة القريبة من مقر قيادة جبهة الكدحة التابعة لكتائب ابو العباس، بعد نهب سلاحه ودراجته النارية.
ويتهم بعض الأهالي الإرهابي عامر العربي، المقرب من أبي العباس، بذبح الجندي العرشاني، وحماية الكتائب له.
وقبلها، في أواخر نوفمبر/ تشرين ثاني الفائت، أقدمت نقطة عسكرية تابعة لكتائب أبو العباس بمنطقة البيرين- جبل حبشي، على قتل الجندي في اللواء 17 مشاة صدام محمد صدام، ونهب سلاحه، أثناء عودته من جبهة مقبنة برفقة أحد زملائه.
ويحذر بعض الأهالي من تحول منطقتهم إلى مكان بديل عن مدينة تعز لمواصلة مسلسل تصفية جنود وضباط الجيش الوطني، عبر أولئك الإرهابيين المطلوبين أمنيا، الذين يحتمون بكتائب أبي العباس.
ولا يُعرف بالضبط أين اختفت العناصر الإرهابية التابعة لداعش بعد الحملة العسكرية المشتركة، وسط ما يتردد على نطاق واسع بين أبناء المنطقة، من أن بعضهم عاد سالما إلى قواعده السابقة في الكدحة ضمن كتائب أبي العباس.