وصل إلى اليمن، يوم السبت، الجنرال الهولندي المتقاعد باتريك كمارت- رئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار في محافظة الحديدة الساحلية، للبدء بمهامه الرقابية والإشرافية على تنفيذ اتفاق الحديدة بموجب اتفاقية ستوكهولم.
وانبثق اتفاق ستوكهولم عن مشاورات السويد بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين، الذي رعته الأمم المتحدة خلال الفترة: 6 – 13 ديسمبر/ كانون أول، الجاري، عبر مبعوثها الخاص إلى اليمن مارتن غريفيثس.
ويأتي وصول الجنرال كمارت في اليوم التالي مباشرة على إجماع مجلس الأمن الدولي، الجمعة، على القرار رقم (2451) لسنة 2018، بشأن اليمن. والذي يدعم تنفيذ اتفاق ستوكهولم، ويخول الأمين العام للأمم المتحدة تشكيل ونشر لجنة مراقبة دولية في الحديدة خلال فترة أولية مدتها 30 يوما، لبدء عملية الرصد والمراقبة ودعم وتسهيل تنفيذ الاتفاق.
وسبق أن أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، في 14 ديسمبر، أن الجنرال الهولندي باتريك كمارت، ذو الخبرة الواسعة، سيقود مهمة المراقبة التابعة للأمم المتحدة للإشراف على وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة في مدينة الحديدة في اليمن.
وتتشكل لجنة التنسيق وإعادة الانتشار من ثلاثة أعضاء من كل طرف (الحكومة الشرعية، والمتمردين الحوثيين)، إلى جانب فريق إداري واستشاري خاص يتألف من سبعة أعضاء، يتبعون رئيسها الخبير العسكري كمارت. بحسب بعض التقارير.
وأواخر الأسبوع الماضي (19 ديسمبر)، أجرى رئيس اللجنة لقاء غير مباشر عبر دائرة تلفونية مغلقة، مع أعضاء اللجنة اليمنيين. وأمس السبت، لدى وصوله العاصمة المؤقتة عدن، شرع في عقد أول اجتماع مباشر له (وجها لوجه) مع ممثلي الحكومة اليمنية المنتدبين لعضوية اللجنة.
خبير عسكري ممتلئ بالتجربة
ويمتلك الميجور جنرال باتريك كمارت- البالغ من العمر 68 عاما- خبرة طويلة، تتجاوز خمسة عقود من العمل العسكري وضمن فرق ولجان وبعثات الأمم المتحدة.
تخرّج كمارت من كلية القيادة والأركان العليا بهولندا، وفي عام 1968 انضم إلى سلاح البحرية الملكية الهولندية، وخدم ضمن قوات الكوماندوز في هونغ كونغ، وفي اسكتلندا. وخلال الفترة 1986-1988 عين قائدا في منطقة البحر الكاريبي الهولندي. بعدها مباشرة، في عام 1989 شارك في دورة كبار الموظفين البحريين في لاهاي.
وعلى المستوى الدولي، عمل كقائد لقوات الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية الشرقية. كما عمل كمستشار عسكري للأمينين العامين للأمم المتحدة كوفي عنان وبان كي مون. وقبل ذلك، قاد قوات بعثة الأمم المتحدة في إثيوبيا وإريتريا (UNMEE)، كمستشار عسكري في إدارة عمليات حفظ السلام. وساعده في تولي تلك المهام، عمله ضمن مشاة البحرية الملكية الهولندية المتخصصة في عمليات حفظ السلام.
وقال المبعوث الأممي إلى اليمن، في وقت سابق على اختيار الجنرال باتريك كمارت، ذو الخبرة الواسعة، رئيسا للجنة التنسيق وإعادة الانتشار: "نحن محظوظون لعمله معنا".
ويعرف الجنرال الهولندي المتقاعد بأنه حازم وشديد البأس في تعامله مع المنتهكين للقرارات الدولية. كما يرفض البقاء، وقواته، على الحياد، حال ثبوت أي انتهاكات ضمن مهامهم من أي طرف كان، عملا بالمبدئ القائل: إن "قوات الأمم المتحدة محايدة وليست حيادية". وهو المبدئ الذي اشتهر به طوال فترة عمله في البعثات الدولية.
وفي مطلع عام 2005، حين تولى قيادة قوة يبلغ قوامها 15,000 جندي تابعة للأمم المتحدة لحفظ السلام في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، قتلت الفرقة الشرقية التابعة له 50 مقاتلاً في "إيتوري"، بعد أن فقدت تسعة من جنودها في كمين.
مهمة مدنية "لا عسكرية"
لكن، مهمة "كمارت" وفريقه في اليمن، ستتخذ الطابع الإشرافي المدني وليس العسكري. بحسب ما أوضح الأمين العام للأمم المتحدة في تصريحات صحفية، حول طبيعة مهمة فريقه في اليمن بقيادة الخبير العسكري الهولندي المتقاعد.
وتقول تقارير صحفية، إن الفريق الأممي الذي سيشرف عليه "كمارت" في الحديدة، سيصل قوامه- في وقت لاحق- إلى ثلاثين، ثم إلى سبعين مراقبا يتبعون الأمم المتحدة، سيتم توزيعهم على موانئ الحديدة الثلاثة ومنافذ ونقاط حيوية رئيسية في المدينة لمراقبة ورصد عملية وقف إطلاق النار وإعادة انتشار القوات المتصارعة وتأمين مرور المساعدات الإنسانية، وفقا لنصوص الاتفاق.
وقال المبعوث الخاص إلى اليمن مارتن غريفيثس، إن "المراقبين غير المسلحين تحت قيادة الجنرال كمارت، سيتمركزون في مواقع رئيسية بأنحاء مدينة وميناء الحديدة، مزودين بآلية إبلاغ قوية". لكنه لم يفصح عن تفاصيل تلك الألية. وأكتفى بالقول إن "تفاصيل بعثة الجنرال كمارت ستكون واضحة عندما يتوجه إلى هناك، وستتضح أيضا في التقرير المقدم إلى مجلس الأمن".
وأضاف- ضمن حوار أجراه معه موقع "أخبار الأمم المتحدة" في 20 ديسمبر: "ووفق المتصور، ستقدم تقارير أسبوعية إلى مجلس الأمن بشأن الامتثال للاتفاق".
ويطالب القرار رقم 2451، الذي أقره مجلس الأمن الجمعة بشأن اليمن، من الأمين العام للأمم المتحدة رفع تقارير أسبوعية للمجلس حول امتثال الأطراف اليمنية لاتفاقية ستوكهولم بشأن الحديدة.
وتثار تساؤلات حول آلية العمل التي سينتهجها فريق الأمم المتحدة بقيادة الجنرال كمارت. وأعتبر غريفيثس أن الأمر "سيكون صعبا. ولكنها بداية جيدة"، لافتا إلى أن أولئك المراقبون غير المسلحين، سيعتمدون بشكل أساسي على "حسن نوايا الأطراف".
وهو أمر يضع المهمة برمتها رهن مزاج المتصارعين، لا الإجراءات والأدوات الدولية الرادعة التي أعتاد عليها الجنرال الحازم في مهامه السابقة.
وفيما يشبه التحذير، شدد "كمارت"، خلال اجتماعه السبت مع ممثلي الجانب الحكومي بعدن، على أن "نجاح أو فشل اتفاق ستوكهولم يقع، بشكل حصري، على عاتق الأطراف". كما نقل المتحدث باسم الأمم المتحدة، في تصريحات نشرها موقع الأنباء التابع للمنظمة الأممية.
ووفقا للمتحدث، أيضا، حث رئيس لجنة التنسيق، الحكومة اليمنية وقوات التحالف على احترام وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في الثامن عشر من ديسمبر/كانون الأول. وأكد على ضرورة التزامهم وتعاونهم لتأمين تدفق المساعدات الإنسانية بدون إعاقات إلى اليمن وفي أنحائه كمسألة عاجلة.
وسيتوجه الجنرال كمارت إلى صنعاء اليوم الأحد، وذلك للقاء بقية أعضاء اللجنة الثلاثة المعينين من قبل الحوثيين، "لتوجيه رسالة مشابهة". بحسب الخبر الذي نشره موقع اخبار الأمم المتحدة.
بعدها سيغادر هو وفريقه إلى الحديدة، التي من المفترض أن يلتئم فيها- أو في محيطها- أول اجتماع مشترك للجنة بحلول الـ26 من الشهر الجاري.
تحد آخر (مختلف) لجنرال ممتلئ الخبرة
ويشكك مراقبون كثر بفرص نجاح تنفيذ اتفاق ستوكهولم حول الحديدة حتى نهايته، نظرا للتعقيدات العسكرية التي دخلتها المحافظة الساحلية مؤخرا، بفعل التقدم الذي أحرزته القوات الحكومية واستعادتها أجزاء كبيرة منها، بعد أربع سنوات ظلت فيها حكرا على سيطرة المتمردين الحوثيين منذ انقلابهم على السلطة. أما الأن، فقد أصبحت القوات الحكومية تتقاسم مربعات المدينة معهم. الأمر الذي من شأنه أن يعقد عملية الانسحاب وإعادة الانتشار.
وبرغم انعدام الرؤية الواضحة حتى الأن لكيفية عمل لجنة التنسيق، خصوصا مع تداول تفسيرات مزدوجة لتنفيذ نصوص الاتفاقية من قبل كل طرف، إلا أن الأمم المتحدة تولي ثقة كبيرة بالجنرال كمارت للنجاح في هذه المهمة المعقدة، مستندة في ذلك، ليس على خبرته الميدانية والعسكرية الطويلة في الرقابة على الخروقات ومعالجتها فحسب، بل وترؤوسه أيضا لعدد من لجان التحقيق الدولية الهامة ذات الطبيعة المعقدة.
ففي نوفمبر/ تشرين ثاني 2014، عينه الامين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، رئيسا للجنة التحقيق حول الهجمات على مرافق الامم المتحدة خلال حرب اسرائيل ضد قطاع غزة الاخيرة واستخدام مواقع الامم المتحدة لتخزين الأسلحة.
وفي أوائل عام 2016، قاد لجنة رئيسية للتحقيق بشأن ظروف الاشتباكات التي وقعت في موقع حماية المدنيين في بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان (UNMISS) في مالاكال، جنوب السودان، في 17-18 فبراير 2016. وفي وقت لاحق من العام نفسه، عينه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لقيادة تحقيق خاص مستقل في العنف في جوبا، جنوب السودان، في يوليو 2016.
ومع ذلك، فثمة صفحة تبدو "قاتمة" اللون، تسللت- ذات مهمة أممية- إلى مقدمة ملف سيرته الذاتية المفعمة بكل تلك الإنجازات الكبيرة والمثيرة للجنرال الهولندي واسع الخبرة.
ففي مايو/ آيار 2002، طالبت أثيوبيا رسميا باستدعاء الجنرال باترك كمارت، على خلفية اتهامها له بـ"التحيز"، اثناء توليه قيادة قوات حفظ السلام الأممية في أرتيريا وأثيوبيا. حينها كان هو قد غادر العاصمة الأثيوبية، أديس أبابا، قبل عام على صدور هذا الاستدعاء. ولم يعد إليها ثانية. ليتم استبداله، في الثاني من نوفمبر/ تشرين ثاني 2002، بالجنرال البريطاني روبرت غوردون لقيادة قوات الـ(UNMEE).
لكن تلك الصفحة، لا يبدو أنها قد أعاقت، أو قللت، من قيمة وأهمية الخبير العسكري الدولي. بدليل ارتفاع منسوب ثقة الأمم المتحدة به واعتمادها عليه لاحقا في قيادة بعثاتها من قوات حفظ السلام، في عدة مناسبات، كانت سببا في تقلده جائزة كارنيجي والتر للسلام Carnegie Wateler Peace"" في 2008، وصولا إلى تعيينه رئيسا للجان تحقيق أممية في ملفات دولية معقدة.
ومع هذه المهمة الجديدة في اليمن، ها هو الجنرال العجوز، بينما يقترب من نهاية عقده السابع، يمنح وسام الشرف الأممي لخوض تجربة أخرى جديدة. تجربة مختلفة واستثنائية، لا يبدو أنها تشبه خبراته السابقة. من حيث أنها هذه المرة ذات طبيعة مدنية (لا عسكرية)، وفقا للأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثة الخاص إلى اليمن. مع أنها في الحقيقة ستشمل عناصر- وإجراءات- ذات طبيعة عسكرية، مصبوغة بطابع "إنساني".
ويفترض- وفقا لـ"ستيفان دوجاريك" المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أن تنتهي عملية إعادة الانتشار الكامل لجميع القوات من مدينة الحديدة وموانئها في ظرف 21 يوما كحد أقصى، بعد سريان وقف إطلاق النار.
الأمر الذي سيجعل من فترة الـ30 يوما القادمة، التي حددها قرار مجلس الأمن (2451) كفترة أولية لعمل لجنة التنسيق وإعادة الانتشار في الحديدة، تحديا حقيقيا في تاريخ جنرال ممتلئ بالخبرة، ومفعم بالتحديات الجريئة.