بعد قرابة أربع سنوات من الحرب اليمنية، ومرور عام على مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، 2 ديسمبر/ كانون أول العام الماضي، برزت مجددا دعوات جدية بخصوص إعادة لملمة شتات حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي أسسه وقاده الرئيس السابق (صالح) في أغسطس/آب 1982، وحكم به اليمن لأكثر من ثلاثة عقود.
آخر تلك الدعوات وردت قبل أيام، في الذكرى الأولى لمقتل "صالح"، على لسان رئيس الوزراء السابق أحمد عبيد بن دغر، الذي دعا إلى مصالحة مؤتمرية، وتوحيد صفوف الحزب في مواجهة الانقلاب، وكبداية لمصالحة وطنية شاملة.
طالب بن دغر بالعودة إلى ساحات النضال تحت قيادة موحدة لا تستثني أحدا في الخارج ولا تتجاهل أحدا في الداخل، معتبرا ذلك خطوة لتعيده لصدارة الموقف الوطني ضد الانقلاب ومع الشرعية، وفصيلا متقدما من فصائل العمل الوطني لاستعادة البلاد.
وقد توالت تباعا، عمليات اضعاف الحزب وتشتيت قوته؛ بدءً بثورة فبراير 2011، والتي انتهت بخلعه من السلطة؛ ثم بتحالفه مع الحوثيين في الانقلاب على السلطة الشرعية- أواخر سبتمبر 2014؛ ومن ثم مشاركته في الحرب التي انطلقت في مارس/ آذار 2015. ليأتي موت صالح على يد شركائه الحوثيين، نهاية العام الماضي، ويضفي المزيد من الضعف والتشتت للحزب، على نحو أوسع من السابق.
وحاليا، تنقسم ولاءات حزب المؤتمر بين: الشرعية- بقيادة الرئيس هادي؛ والحوثيين- الذين اتخذوه كغطاء سياسي لهم؛ وما تبقى من قيادات المؤتمر الموالية لصالح، والمتواجدين في دول شتى، خارج اليمن.
تنافس على القيادة
في الواقع، الدعوات لتوحيد صفوف المؤتمر بدأت قبل أشهر. وكان هناك تحركات واسعة خلال العام الجاري، حيث سبق أن التقى بن دغر نفسه بقيادات وأعضاء بالحزب في محافظة أرخبيل سقطرى، خلال زيارته لها مطلع مايو/ مايو الماضي، أثناء ما كان رئيسا للوزراء.
إلا أن أبرز تلك التحركات في هذا الجانب، اللقاء الذي عقده الرئيس هادي، لأول مرة منذ خمس سنوات، مع قيادات في حزب المؤتمر بالعاصمة المصرية (القاهرة) في أغسطس/آب الماضي.
وفي كلمته التي القاها في اللقاء، أعتبر الرئيس هادي أن "حالة الشتات التي شهدها المؤتمر مؤخراً"، عبارة عن "سحابة صيف ويجب أن تنتهي". وأضاف "المؤتمر أمانة في رقابنا جميعاً. لنبدأ من الْيَوْم العودة الى العمل المؤسسي لهذا التنظيم العريق وإصلاح التباين والاختلالات القائمة التي لا تستند على مرجعيات او وقائع".
ويعتقد كثير من المراقبين أن هناك تنافس حاد بين الرئيس هادي- الذي يترأس الجناح المنشق عن صالح على خلفية الحرب؛ وبين بن دغر- الذي كان صالح عينه نائبا له بدلا عن هادي في نوفمبر 2014، قبل أن يقيله لاحقا منتصف أغسطس 2015، وترك موقعه شاغرا.
بعدها، وعقب تعيين هادي لبن دغر رئيسا للوزراء، عقد الأخير اجتماعا لأعضاء اللجنة العامة للمؤتمر المتواجدين في الرياض، مطلع أبريل 2016، وخرج الاجتماع بتعيينه رئيسا للحزب. لكن هادي رفض ذلك في حينه من خلال اجتماع أخر عقده بعد أسبوع، خرج بتعيين هادي رئيسا للحزب وعلي محسن الأحمر نائبا له. وفي نهاية مارس/ أذار الماضي عقد هادي اجتماعا اخر في عدن لقيادات المؤتمر خرج بتجديد تعيينه رئيسا للحزب.
ويُعتقد أن دعوات بن دغر الأخيرة لتوحيد صف المؤتمر، والتي جاءت بعد أسابيع فقط من اقالته من رئاسة الحكومة اليمنية، تدخل في إطار هذا التنافس. حيث يحاول بن دغر العودة إلى صدارة المشهد السياسي اليمني عبر الحزب الذي يسعى بكل جهده إلى استعادته أولا إلى صدارة المشهد.
ويقول الصحفي اليمني شاكر أحمد خالد إن حزب المؤتمر اليوم "يمر بمرحلة عصيبة"، مشيرا إلى أن هذا التنظيم "ينقسم إلى ثلاثة تيارات واضحة، تحاول أن تتنازعه الشرعية".
وأعتبر، في حديثه لـ"يمن شباب نت" أن الدعوة لتوحيد صفوفه من قِبل بن دغر "مهمة، إذا تبعتها خطوات ملموسة، ومنتظمة في إطار الشرعية التي يمثلها الرئيس هادي". وحذر من خطورة أن تكون تلك الدعوات خارج ذلك الإطار، كونها ستعمق انقسام المؤتمر إلى أربعة تيارات، وستوسع الخلافات بينهم.
ويتوقع شاكر، أن أية جهود لتوحيد الحزب "ستحظى بدعم إقليمي كبير، لأن ذلك سينتشله من براثن الملشنة والأجندة المشبوهة". حسب وصفه.
ويتفق معه الصحفي أحمد الشميري- مراسل صحيفة عكاظ السعودية- الذي يعتقد- بداية- أن "المجتمع الدولي لا زال ينظر لحزب المؤتمر باعتباره الأكثر اعتدالا".
ويحذر الشميري- ضمن حديثه مع "يمن شباب نت"- من أن "إفراز مزيدا من القيادات داخل الحزب، ستسرع من تفكيكه وتدميره".
وبالنظر إلى واقع المؤتمر الذي يعاني من الانقسامات وتعدد الولاءات، يرى الشميري أن الحزب أمام تحدٍ كبير "يكون أو لا يكون". وبالتالي، يضيف، فإن "البحث عما يلملم صفوفه بات ضروريا، خاصة مع وجود أحزاب كانت حاكمة في المنطقة العربية واختفت تماما فور تخلي مؤسسها عن السلطة".
وتابع لـ"يمن شباب نت": لذا فإني أرى أن دعوة بن دغر، وحرص الرئيس هادي أن يكون تحت قيادته، وكذلك تفريخ الميليشيا الحوثية قيادات للحزب في صنعاء، بحد ذاته خطر كبير وداهم على الحزب.
إنعاش الحياة السياسية
أدى انقلاب الحوثي – صالح، 2014، إلى غياب فاعلية الكثير من الأحزاب بشكل كبير. ويعتقد الصحفي شاكر أحمد خالد أن أي خطوات لتوحيد صف المؤتمر "ستكون جيدة للحياة السياسية اليمنية، في هذه المرحلة التي تقتضي إنعاشها".
ومن جهة أخرى، تكمن أهمية ذلك، كما يقول لـ"يمن شباب نت"، "من النظر إلى الخراب المبذور في الساحة، وظهور دعوات التفتيت والتقسيم على أسس طائفية ومناطقية، فضلا عن خنق الحياة السياسية وهامش الحريات الذي كان موجودا،...، فضلا عن غياب الدولة اليمنية برمتها".
ويعتقد أيضا أن "الأحداث أثبتت أن الحياة الحزبية- حتى وهي في أسوأ حالاتها- قد تكون أهون من البدائل الأخرى، كالعشائرية والطائفية والقروية".
ومن كل ذلك، يخلص الصحفي خالد إلى أن "عودة المؤتمر الآن، بعد التجربة المريرة التي عاشها وتجرع وبائها، هو أمر مهم وضروري، طالما أن تلك العودة في سياق الشرعية، وقد تخلصت من ثقالة الرئيس السابق". حد وصفه.
وبرغم ما اعترى الحزب من انقسامات شديدة وتشتت كبير في قياداته، على خلفية الأحداث السياسية منذ اندلاع ثورة فبراير/شباط 2011، وما تلتها على مدى الأعوام السبعة الأخيرة وحتى الأن. إلا أن بعض المراقبين يعتقدون أن مهمة توحيد حزب المؤتمر، قد تكون ممكنه ومواتية اليوم، أكثر من أي وقت مضى.
حيث يعتقد هؤلاء، أن مقتل الرئيس السابق (صالح)، في الوقت الذي أدى إلى المزيد من إضعاف الحزب وتشتته، إلا أنه شكل فرزا واضحا أكثر من قبل، بين قيادات الحزب الذين فضلوا مواصلة البقاء كأداة سياسية بيد الحوثي، وبين قيادات المنفى، التي تتفق جميعها على عداوة الحوثي، لكنها ما تزال مشتتة بين موالية للشرعية، وغير موالية لها.
وعليه، بحسب المراقبين، أصبح متاحا الأن- بل من السهل جدا- أن تتفق قيادات الخارج على هذا المشترك بينهما للتوحد تحت راية الشرعية، طالما وأن الهدف النهائي يسعى إلى استعادة الدولة من سيطرة الميليشيات الحوثية الموالية لإيران.