عندما توقفت محركات القارب، بدأ الضرب وحاول المهربون الحفاظ على النظام عن طريق ضرب الركاب المذعورين بأعقاب البنادق وقبضات أيديهم. كان الوقت ليلا وكان الساحل اليمني ما يزال غير مرئي على الرغم من انه يبعد بضع مئات من الأمتار فقط عبر البحر المتقطع.
تقول سحر آدم البالغة من العمر31 عاما وهي من بلدة صغيرة جنوب الصومال:"طفا القارب لبرهة ثم انقلب. لم أرَ البحر من قبل ولذا لم أكن أجيد السباحة.صليت لله ليخلصني ولقد كنت محظوظة "
حيث يُعتقد أن ثلاثين شخصًا ماتوا في حوادث غرق لقوارب لم يتم الإبلاغ عنها سابقاً قبالة سواحل اليمن في أغسطس, العديد منهم من الأطفال.
وكانت تلك المأساة من بين العشرات التي وقعت في الأشهر الأخيرة في واحد من أكثر ممرات الهجرة السرية ازدحامًا في العالم حيث يربط البلدان الفقيرة وغير المستقرة في شرق أفريقيا باليمن وصولاً إلى دول الخليج الغنية والى أوروبا في بعض الأحيان.
ومن المتوقع أن ينتقل أكثر من 100 ألف شخص على طول ذلم الجزء الشرقي على الأقل بحلول نهاية هذا العام كما يتوقع عبور العديد عبر البحر المتوسط ?وفقاً لأحدث الإحصاءات حيث وعلى الرغم من انه من المفترض أن يكون ذلك الخيار الأكثر أمانًا لتجنب رحلة صحراوية طويلة إلا انه طريق مميت ومضنٍ بدرجة كافية.
ويقول مسؤولون إنسانيون محليون وخبراء أمنيون إنه من المستحيل معرفة عدد الذين قُتلوا في حوادث مشابهة لتلك التي وصفتها آدم حيث تتراوح التقديرات من 150 شخصا في العام الواحد إلى 10 أضعاف هذا العدد.
ويقول دانييل بوتي المحلل لدى مركز الهجزة المختلط في نيروبي :"يمكن أن يصل عدد القوارب إلى 5 أو 10 قوارب يوميًا وأحيانًا أكثر من ذلك..وحتى إذا كان هناك مهاجر واحد يموت يوميًا فهذا كثيرً، ولكن من المحتمل أن يكون هناك المزيد من الوفيات التي لا يتم العثور عليها"..
وفي أوائل يونيو وثق خفر السواحل مقتل 46 شخصا بعد أن انقلب قاربهم بالقرب من بوساسو بالصومال فيما بقي ستة عشر آخرين في عداد المفقودين.
وفي يناير/كانون الثاني، أطلق مهربون النار من أسلحة أوتوماتيكية على المهاجرين واللاجئين قبالة عدن لإجبارهم على القفز وسط المياه الهائجة.
وفي حادثة أخرى في أغسطس من العام الماضي، قام المهربون بإجبار 120 شخصًا بمن فيهم أطفال على القفز من القوارب فيما كانوا ما يزالون على بعد أقل من ميل من الساحل اليمني، وقد مات العشرات في كلتا المناسبتين.
أما أولئك الذين يصلون إلى اليمن وهي دولة مزقتها الحرب الأهلية والكوليرا والمجاعة فيواجهون انتهاكات ممنهجة على أيدي قوات الأمن المحلية أثناء احتجازهم في ظروف مروعة في معسكرات الاعتقال المؤقتة.
ومع اشتداد الصراع الذي يجري بالوكالة فقد ضعفت التقاليد المحلية التاريخية المتعلقة بالضيافة تجاه المهاجرين القادمين من شرق أفريقيا، وسمحت الفوضى المتزايدة للمهرّبين ومهربي البشر بالعمل دون عقاب وذلك وفقا لما يقوله مراقبون اقليميون.
وعلى الرغم من أن الوجهة النهائية للعديد منهم هي المملكة العربية السعودية أو غيرها من الدول الخليجية الغنية إلا أن سحرا آدم تعد واحدة من قلة لكنها في تزايد ,ممن يهدف إلى الوصول إلى أوروبا حيث وصلت في نهاية المطاف إلى عدن وتخطط الآن للقيام بعبور خطير
آخر هذه المرة غربًا إلى بورتسودان قبل أن تسافر شمالًا على طول الساحل إلى مصر والبحر الأبيض المتوسط.
وبالرغم من انه سيكون عبور مزدوج محفوف بالمخاطر إلا انه يعتبر طريق أكثر أمنا من التوجه مباشرة عبر الصحراء من الخرطوم.
وقد تحدثت للجارديان بالقول :"شكرا لله، أنا لست خائفة وسأستمر بالمحاولة فانا ما يزال لدي أمل بأني سأفعلها في نهاية المطاف" .
معظم الذين يقومون بالرحلة هم من الأثيوبيين على الرغم من أن البعض منهم صوماليون وإريتريون. وقد وجد استطلاع حديث للأمم المتحدة أن 85? منهم قالوا إنهم يسافرون هربا من الفرص الاقتصادية المحدودة في بلدانهم أو من الفقر.
وفقط القليل منهم ذكر النزاع المسلح أو انتهاكات حقوق الإنسان حيث معظمهم من الشباب. أما الأطفال فربع عددهم غير مصحوبين بذويهم.
وقد سافرت سحرا آدم، التي كانت في السابق لاعبة كرة سلة متحمّسة لأن بلدتها الأصلية كانت في منطقة تسيطر عليها حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة حيث قالت "كانت الحياة لا تطاق".
ولا يفرض مهربو البشر سوى بضع مئات من الدولارات على الرحلة إلى اليمن، وهو جزء بسيط من التكلفة المطلوبة للطريق الأكثر مباشرة وفتكا إلى أوروبا والذي يتم عبر السودان ثم ليبيا.
وكاد صلاد نور حسن وهو معلم للغة العربية يبلغ من العمر 23 عاماً في مدرسة دينية، أن يهلك عندما حاول الوصول إلى بورتسودان من اليمن في يناير / كانون الثاني، كما غرق العشرات عندما غرق القارب الذي كان يقله، وكان من بين القتلى شقيقه البالغ من العمر 19 عاما.
حيث يقول:“تم وضع مائة منا في قارب صيد طوله خمسة أمتار. وفي منتصف الليل في منتصف البحر ، بدأ المهربون بضربنا قائلين إننا ثقيلون جدًا وأن القارب غير متوازن ثم توقف المحرك وبدأنا نتخبط ” مضيفا " لم تكن هناك سترات نجاة وقالوا أن علينا أن نسبح ...كانوا مسلحين ولم يعطونا أي خيار آخر وبعدما قفزنا في البحر بدأوا بإطلاق النار علينا. كنت أسمع أخي يصرخ طلبا للمساعدة ولم أستطع مساعدته ".
وتشجع خطط "الدفع عند الوصول" الجديدة على السفر عبر بعض طرق الهجرة.
وقال ياسين موسى بينده وهو مهرب يبلغ من العمر 42 عاما ومقره بوساسو في منطقة بنط لاند التي تتمتع بشبه حكم ذاتي إن: الناس باتوا الآن يطلبون ضمانات بعبورهم الآمن.
وأضاف: "تشترط عائلاتهم التأكد من وصول ذويهم إلى وجهتهم بأمان حتى نتفق على أنه بإمكانهم السفر الآن والدفع لاحقًا.
وعندما يصلون إلى اليمن يقوم المُهرب بترتيب مكالمة هاتفية مع عائلاتهم الذين يقومون بعد ذلك بإطلاق المال إلينا. إنه أمر بسيط جلب نوعًا ما من الثقة لخدماتنا".
ونفى بينده أن تكون شبكته التهريبية قد أرغمت الناس على القفز في البحر وألقى باللائمة على المهربين اليمنيين فيما يتعلق بالوفيات في السنوات الأخيرة.
وقال:"في بعض الأحيان عندما يرى هؤلاء الأشرار قوات مكافحة القرصنة [دوريات السفن الحربية الدولية] في خليج عدن، يبدأون في إجبار المهاجرين على الغرق للهروب من القبض عليهم وهنا تبدأ مشكلة إطلاق النار.
ويسافر الناس في الاتجاه المعاكس أيضًا حيث يفر عشرات الآلاف من اليمن إلى الصومال وجيبوتي. كما يقوم آخرون بعمليات عبور متكررة لخليج عدن بحثًا عن العمل أو الأمن أو كليهما.
وفي مقديشو الأسبوع الماضي كان إبراهيم حسين محمد البالغ من العمر 27 عاماً، يقوم بالاستعدادات النهائية للسفر إلى أوروبا حيث كانت المحاولة السابقة عبر السودان وليبيا العام الماضي قد انتهت بوقوعه رهن الأسر في طرابلس.
وقد تم بيع محمد وهو محاسب مؤهل من قبل مهربين إلى ميليشيا مسلحة أجبروه على العمل بدون أجر في مرآب لعدة أشهر قبل أن يتم إنقاذه من قبل الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية المحلية وهو الآن حر طليق.
ويقول محمد:"ليس لدي مستقبل هنا. كيف يمكنني البقاء هنا دون معرفة ماهية مستقبلي؟ لا أستطيع الحصول على وظيفة ويمكن أن أقتل بسهولة.
وأضاف:"أنا لا أخاف أن أموت في البحر بينما لا أملك الحق في الحياة في بلدي. هدفي هو الوصول إلى أوروبا والعيش فيها مهما كان الأمر.
*لقرأة المادة من مصدرها: اضغط هنا