تحولت المتطلبات الأساسية للمناسبات الفرائحية إلى أحلام بالنسبة لليمنيين منذ سنوات، وتبرز "أضحية العيد" كواحدة من الأساسيات التي لا يفرط بها المواطنون سنوياً خلال عيد الأضحى المبارك الذي يستقبله اليمنيون هذا العام بلا أي استعدادات مُسبقة بسبب الظروف المادية المتدهورة التي يمر بها غالبية الناس.
ويأتي العيد هذا العام بالتزامن مع انهيار الريال اليمني إلى مستوى قياسي خلال الأيام الماضية والذي انعكس سلباً على معيشة الناس حيث ارتفعت الأسعار بالسوق بشكل كبير غير مسبوق، في الوقت التي تخلو الأسواق من زحمة المتسوقين على عكس عادة اليمنيين قُبيل أي عيد وخاصة عيد الأضحى أو ما يطلق عليه في الاسم الشائع "العيد الكبير".
السؤال الموجع الذي يطرحه الجميع، هل لايزال اليمنيون يفكرون بشراء "أضحية العيد" من الأغنام او المشاركة بتقاسم لحم "ثور" لكل سبع أسر كما كان في السابق أو ما يعرف بالأوساط الشعبية بـ "الأسباع" وكم أصبحت التكلفة المادية للأضحية الكاملة التي تحتاجها الأسرة في اليمن خلال العيد.
الأضحية للأثرياء فقط
في جولة ميدانية في العاصمة صنعاء استطلعنا عن أسعار الماعز والظان وأيضا "الأثوار" هذا العام، والتي ارتفعت أسعارها بشكل قياسي بالإضافة إلى عدم وجودها بوفرة بالسوق وهو ما ضاعف من قيمتها حيث أصبح العاملين في هذا المجال يتسابقون على بائعين الأغنام والأبقار من المواطنين القادمين من ريف محافظة صنعاء.
ووفقا لتجار اللحوم الذين تحدثوا لـ"يمن شباب نت" فإن أسعار الظان والماعز تتراوح بين 50,000 ريال إلى 90,000ريال أي ما يعادل (100 إلى 170دولار أمريكي) فيما يتجاوز سعر الثور 800 ألف ريال يمني أي ما يعادل (1500دولار أمريكي) وتتفاوت الأسعار من محافظة إلى أخرى وبعضها يرتفع.
وقال أحد التجار "أن الأسعار مرتفعة بشكل كبير في المقابل حالة الناس أصبحت سيئة للغاية لا أحد يشتري أضحية كاملة إلا الأثرياء فقط والذين لم يتأثروا بالحرب الجارية، لكن عامة الشعب لا يفكرون في شراء أضحية للعيد ويكتفون بشراء اللحم بالكيلو في أحسن الأحوال من الذين لا يزالون بحالة مادية جيده".
ويشكل الأغنياء نسبة بسيطة من الشعب اليمني وهم التجار وكبار موظفي القطاع الخاص وبعض المغتربين في دول خارجية الذين دخلهم المادي كبير، فيما يرزح غالبية المواطنين تحت خط الفقر وتوسعت دائرة الفقر بشكل أكبر خلال سنوات الحرب حيث أصبح موظفي الدولة ضمن المحتاجين الذين لا يجدون إلا قوتهم الضروري فقط.
هل تفكرون بشراء أضحية؟
سألنا عدد من الناس في استطلاع رأي عشوائي، عما إذا كان بالإمكان هناك تفكير بشراء أضحية للعيد، معظم من التقيناهم كانت إجابتهم صادمة ومتشابهة إلى حد كبير، ومعظمهم اتفقوا أنها لا تخطر في بالهم الفكرة أبداً منذ مدة بعيدة، وخاصة خلال العاميين الماضيين حيث تفاقمت حالة الناس بشكل كبير.
"فوزية علي" (45 عام) ربة منزل كان ردها على سؤالنا باستغراب كبير وتساءلت قائلة: هل لايزال هناك ناس يشترون أضحية العيد؟ مضيفه "نحن أصبحنا نبحث عن القوت الضروري فقط ولم تعد تعنينا تكاليف العيد الباهظة نكتفي بالحد الأدنى من شراء اللحوم يصل إلى كيلو ونصف في يوم العيد فقط".
من جانبها تقول "أم عليا" (39 عام) والتي تعمل معلمة "تحولت الحياة لدينا كلياً من حيث المعيشة بسبب الظروف المادية وانقطاع الرواتب وعدم وجود اعمال وأصبحت التفكير بالأضحية شيء مبالغ فيه جداً لدينا لان تكلفتها تغطي مصروف عدة أشهر" وأضافت "نشتري اللحم في العيد الكبير كما كنا نفعل سابقاً في نهاية كل أسبوع (يوم الجمعة) وهكذا تسير حياتنا حتى ينتهي كابوس الحرب".
بدوره تحدث لنا "محمود عبد الله" (50 عام) موظف في القطاع الخاص، بحدة وصوت عالي متفاعلاً مع السؤال الذي وصفه أنه "مستفز" ولا يجب أن يسأل في ظل هذه الأوضاع التي تعيشها البلاد، وقال "أنا لا زلت أستلم راتبي شهرياً بعكس غالبية موظفي الدولة لكن ذلك لا يجعلني أفكر بشراء اضحية العيد لأن ما نتقاضاه من راتب لم يعد له قيمة شرائية ولا يكفي للحاجات الأساسية".
صعوبة الحياة
وخلفت الحرب في البلاد للعام الرابع على التوالي حالة إنسانية متردية وفاقم انقطاع الرواتب للعام الثاني على التوالي في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيين، حالة الناس حيث أصبح الحصول على المتطلبات الأساسية هو ما يؤرق الملايين من المواطنين اليمنيين، وتوسعت دائرة الفقر بشكل أكبر.
ووفقا الأمم المتحدة فإن اليمن أكبر أزمة انسانية في العالم، حيث يوجد ما لا يقل عن 8 ملايين شخص على حافة المجاعة وحوالي مليون شخص يشتبه في إصابتهم بالكوليرا، يعيش نحو مليون موظف يمني في القطاع المدني الحكومي بالعاصمة صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين، في جحيم ومعاناة لا تنتهي منذ أن توقفت رواتبهم بشكل شبه تام في سبتمبر/أيلول 2016.
ولم يتوقف عند انقطاع الرواتب فقط بل زادت المعيشة تفاقم في الارتفاع الحاد لأسعار المواد الغذائية عقب انهيار "الريال اليمني" والذي تعدى حاجز الـ 550 ريال مقابل الدولار الواحد، خلال الأيام الماضية.