تتحداك لوحاته أن تفرق بين الرسم والحقيقية. تشاهدها فتظن أنك أمام صورة التقطت بكاميرا رقمية احترافية. وتصاب بالذهول حين تعرف أنك إنما كنت تشاهد لتوك رسمة بريشة فنان مبدع أسمه الحسين الدحبول. هكذا يصفه متابعوه.
الأرض مرسمه، وعلى ترابها يمدد لوحته البيضاء ليشرع في العمل. وما أن تمسك أنامله الصغيرة ريشة الرسم، حتى يبحر في عالم من الفن والإبداع. يغوص في بحر من الألوان الزيتية، يمزجها كيفما شاء، ليشكل منها لوحات فنية فائقة الجمال.
كما لو أنها صور حقيقية التقطها مصور محترف بكاميرته الحديثة، اجتذبت رسومات فنان شبوة المبدع الكثير من المعجبين على مواقع التواصل الاجتماعي، التي استغلها للترويج ونشر إبداعاته الفنية.
ظروف نشأة الإبداع
الحسين محمد الدحبول، أصبح رساما موهوبا، وهو ما يزال في مقتبل العمر، حيث لم يتجاوز عمره الـ22 ربيعا. وكأي رسام مشهور، أكتشف موهبته وحبه للرسم باكرا منذ كان طفلا، ليستمر في رعاية موهبته بشكل متواصل ودون انقطاع.
ونتيجة لظروفه الأسرية، لم يتمكن من اكمال دراسته النظامية، ما اضطره الى الانتقال مع أسرته الى مدينة سيئون بمحافظة حضرموت المجاورة والاستقرار هناك لسنوات، قبل أن يعود الى مسقط رأسه في قرية "الخبر"، وهي منطقة ريفية نائية تتبع مديرية "حبان"- جنوب شرق محافظة شبوة. حيث واصل حياته هناك في بيئة ريفية، عاكفا على فنه الجميل الذي كان قد ملك لُبه وعشعش في جوانحه.
الفيسبوك.. بداية الشهرة
في حديثه مع "يمن شباب نت"، يرى الشاب الموهوب أن عدم الاهتمام بالمبدعين والموهوبين سبب في انتهاء المواهب والابداعات نتيجة الظروف الصعبة التي يمر بها كثيرا من المبدعين، مضيفا: "هناك العشرات منهم الا أنهم نتيجة عدم الاهتمام بهم دفنت مواهبهم ولم يعرفهم أحد".
وعلى مدى سنوات ظل الدحبول رساما مغمورا، يرسم لوحاته لنفسه ولا يتذوق جمالها سوى بعض المحيطين من أسرته وجيرانه. ولم يكن قد انتقل إلى عالم الشهرة، قبل أن ينشئ صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي الشهير "فيسبوك".
وكثيرا ما فتحت مواقع التواصل الاجتماعي منفذا سهلا لمبدع مغمور مثل الدحبول للتعريف بموهبته والانطلاق نحو عالم الشهرة، كما هو الحال مع الكثير من الموهوبين في مختلف الفنون الإبداعية.
وعبر صفحته الخاصة بالفيسبوك، بدأ الدحبول بنشر بعض لوحاته الفنية لمعالم طبيعية جميلية وشهيرة من محافظة شبوة. كما أكد لـ"يمن شباب نت"، الامر الذي كان سببا في انتشار اللوحات وتناقلها على وسائل التواصل الاجتماعي. ويضيف "كانت تلك هي اللبنة الاولى في التعريف بموهبتي، والتي لاقت اعجاب الكثير من المتابعين على صفحات التواصل الاجتماعي".
ومع غياب المحاضن الراعية والمهتمة بالمواهب، يصبح الفيسبوك هو الراعي والحاضن لمثل هؤلاء، إذا ما أحسنوا استغلاله وتعاملوا معه كفرصة.
يؤكد الدحبول: "صحيح إنه لا يوجد اهتمام من الدولة والكثير من المنظمات، ولكن يستطيع الواحد أن يبرز نفسه من خلال الاصرار والاستمرار في تطوير موهبته، واستغلال تواجد وسائل التواصل الاجتماعي التي اصبحت فرصة لكل مبدع في اظهار ابداعه للعالم".
حول الدحبول صفحته الخاصة على الفيسبوك إلى معرض دائم لعرض إبداعاته الفنية. والتي شكلت له دعما معنويا كبيرا من خلال إطراءات الجمهور على لوحاته المختلفة، والتي وصل بالبعض لأن يصفها بـ"الخرافية". وكثيرا ما أكد متابعون للصفحة أنهم لا يصدقون بأن تلك الصور رسمت بريشة فنان.
الرسم بين النقل والخيال
موهبة الرسم لدى الدحبول، قد لا تتعدى القدرة على نقل الواقع كما هو، بعيدا عن الخيال الذي يمتاز به الرسامون التشكيليون في العصر الحديث. إلا أن موهبة نقل كل ما هو حقيقي من الواقع والطبيعة الخلابة إلى اللوحة بالرسم، يعد فنا وموهبة لا تقل إدهاشا وجاذبية عن تلك الرسومات الخيالية المتسمة بالرمزية والعبقرية.
يمتلك الدحبول قدرة فائقة على نقل تفاصيل البحر إلى لوحاته كما لو أنك تشاهده أمامك بتموجاته وموجاته المتحركة؛ بمياهه المتدرجة الألوان بين الرغوة البيضاء الداكنة القريبة الواصلة لتوها إلى الشاطئ، وتلك الزرقاء البعيدة والهادئة الممتزجة بسواد الليل وقليل من دوائر السطوع المنعكسة عن ضوء القمر.
ومن المدينة المنورة تشكل ريشته هيئة المسجد النبوي بمناراته وقبابه وتفاصيله المختلفة بالألوان المنفصلة والمتداخلة كما تنقلها الصور الجوية لمصورين محترفين.
ومن تريم حضرموت وصنعاء القديمة ينقش وينقل معالمها التاريخية إلى لوحاته بتفاصيلها كما هي الأن. يشكل الحجر كالحجر والطين كالطين، ويعطيها ألوانها الحقيقية دون ان ينسى وضع الظلال المنعكسة في أماكنها، كصورة نقلتها الكاميرا، لا ريشة رسام واعد.
وتلك الساعة الرقمية القديمة وسيارة الكورولا الفضية الحديثة، لا تبدوان وكأنهما رسمتا بريشة فنان إن لم يخبرك أحد مسبقا أن رساما شابا مبدعا من شبوة اسمه الحسين الدحبول هو فعلا من رسمها.
لا تكمن موهبة الدحبول بقدرة ريشته الخفيفة على نقل تفاصيل الطبيعة والأشياء من الواقع مباشرة، أو من لقطات المصورين المحترفين، إلى لوحاته، فحسب، بل ربما ما يميزه أكثر هو تلك القدرة على مزج الألوان ومنح كل شيء ألوانه الطبيعية كما لو أنها صورة حقيقية بالفعل.
وإذا كانت هذه الموهبة متجسدة في كافة لوحاته، فإنك تلحظها بشكل أكثر تميزا، في لوحة كأس العالم، التي يقول الدحبول إنه رسمها ليهديها لفريقه المفضل، البرازيل، قبل أن يخيب أمله ويتعثر نجوم السامبا أمام منتخب كرواتيا الواعد في الدور الربع نهائي لمونديال روسيا 2018.
حين تنظر إلى كأس الدحبول، بلونه الذهبي الذي رصعته ريشته البسيطة ووزعت تدرجاته المختلفة على الأطراف والأسطح، بما في ذلك اللمعان الممزوج بين الأصفر والأبيض، مع لمسات ظلال سوداء ورمادية داكنة في مواقع متفرقة، فإنك لا تكاد تجد فرقا بينه وبين صورة التقطتها كاميرا رقمية حديثة لمصور مخضرم.
ومما يميزه أيضا، دائبه وقدرته على نقل أدق تفاصيل الصورة التي ينقش منها لوحاته. حتى تلك الصغيرة جدا والصعبة أحيانا أو المعقدة، التي من الممكن تجاهلها دون أن يؤثر ذلك على تفاصيل الصورة وجماليتها. الأمر الذي يعكس لدى المشاهد شعورا بأنه أمام صورة حقيقية بتفاصيلها الكاملة، وليس مجرد رسم بريشة فنان موهوب.
صعوبات وأحلام
مع أن ابن شبوة الشاب أستطاع أن يتجاوز قيود العزلة التي فرضت عليه- كونه مازال يعيش في منطقة نائية، وذلك من خلال استغلاله لتكنولوجيا العصر الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر موهبته للعالم. إلا أنه ما يزال- تحت قيود تلك الجغرافيا- يواجه بعض التحديات التي تعيق انطلاقته الإبداعية بشكل أفضل.
يكشف الدحبول لـ"يمن شباب نت"، بعض الصعوبات التي ما زالت تؤرقه حتى الأن، قائلا: "نتيجة استهلاك ونفاد ادوات الرسم من أوراق والوان، ولعدم توفرها في مدن محافظة شبوة، اضطر الى التوقف عن الرسم الى أن يأتي بها عمي من حضرموت أو عدن او المملكة العربية السعودية".
وهذه، كما يقول "أبرز مشكلة يواجهها حتى الآن"، إلى جانب عدم توفر الإمكانيات المادية لعمل معمل صغير للرسم وتوفير بعض أدوات وتقنيات الرسم الحديثة لتطوير أعماله الفنية بشكل أفضل.
إلا أن ذلك لا يمنع الفنان الشبواني الشاب من أن يطمح في اقامة معرض صور يتضمن لوحاته ورسوماته، وصولا إلى حلمه الأكبر بتمثيل اليمن في المحافل الدولية.
وكثيرا ما تجد من جمهوره، في صفحته الشخصية، من يطالبون الدولة الاهتمام ودعم الفنانين الموهوبين من أمثال الرسام المبدع الحسين الدحبول.
وطالب بعض المتابعون للصفحة، الحكومة والمؤسسات والمنظمات التنموية والأبداعية بتبني وتشجيع مثل هذه الموهبة الشابة من خلال مساعدته على عمل معرض فني لعرض رسوماته المذهلة.