تُعد الأعراس الجماعية بمحافظة حضرموت (شرقي اليمن) الخيار الأفضل للعازبين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وموسماً اجتماعياً سنوياً، يُزف من خلاله المئات من الشباب إلى عش الزوجية، وتزدهر خلال مواسم الأعياد، حيث تواجد الناس، وعودة المسافرين إلى أرض الوطن، ليجتمعوا بالأحباب والأهل في يوم واحد يُحدد مسبقاً.
وتقام الأعراس الجماعية لأعداد كبيرة من الشباب، في حضرموت حيث برزت تنظيمياً للواقع والإعلام، كالزواج الجماعي في الشحر والغيل في ساحل حضرموت، والسويري ودمون ومشطة والجحيل والحاوي والنويدرة وثبي بمديرية تريم وغيرها.
وتتفاوت المناطق في توقيت الزواج، فيختلف من منطقة لأخرى، وعادةً ما يقوم على تنظيم هذه الأعراس الجماعية، لجان شعبية تطوعية، أوعن طريق الجمعيات أو المؤسسات الخيرية، وتعتمد كثير من الأعراس الجماعية على اشتراكات مالية يدفعها أهالي العريس والعروس، فيما تقوم بعضها على تبرعات رجال أعمال وتجار.
أسباب اقتصادية
وكنموذج لكثير من الأعراس في المحافظة، قال علي صبيح ـ نائب رئيس لجنة الزواج الجماعي بـ "مهرجان الحياة" بدمون "إن فكرة الزواج الجماعي بمنطقة "دمون" بمديرية تريم، جاءت كغيرها من الزواجات التي تتميز بها المديرية".
وأضاف في حديث لـ "يمن شباب نت" في ظل الوضع الاقتصادي الصعب والسيء التي تعيشه البلاد، وتفشي للبطالة والفقر، وصعوبة توفير الوليمة، نظراً لتكاليفها الباهظة الثمن، فأصبح من الصعوبة بأن يتزوج الشاب بمفرده، كل هذه الأسباب شجعت مجموعة من الشباب بالتقدم بخطاب رسمي لعقال المنطقة، ووضعت عليهم فكرة الزواج والاستعداد التام للعمل التطوعي لإنجاح المشروع الاجتماعي بالمنطقة".
وأكد صبيح "أن التجربة قديمة، ولكن في نفس الوقت جديدة بالنسبة لنا، فطبيعي بأن تكون صعبة، فمنذ تشكيل اللجنة قمنا بزيارة أهل السبق في هذ المجال، ونُقلت التجربة والاستفادة منها".
وأشار "أن الأهالي كان لهم دور كبير أيضاً في هذا المشروع، ولمسنا تجاوب منقطع النظير، وحماس قوي لدى شباب المنطقة، من أجل إظهار هذا المشروع الاجتماعي واقعياً الذي لطالما كان حلما يراود الكثير، فأصبح اليوم حقيقة يعايشه الناس بسبب تكاتف وتعاون أبناء المنطقة".
تفاعل الكثير
ويتفاعل الكثير من أبناء المنطقة بفكرة الأعراس الجماعية، من خلال الإقبال على التسجيل الغير متوقع، حيث وصل العدد في أول زواج إلى "98عريس وعروسة"، كان ذلك في العام 2012م، أن معدل الإقبال في كل عام يصل إلى الـ "100 عريس وعروس" في منطقة دمون، التي يصل تعداد سكانها، 12000 نسمة، بحسب ما ذكر صبيح.
وقال صبيح "أن مهرجان الحياة بدمون يُقام سنوياً، فمن خلال السبع السنوات أقيمت سبعة زواجات جماعية متتالية بإجمالي "700شاب وشابه"، ويرى أن الإقبال الكبير على الزواج الجماعي، يرجع سببه بأن الأهالي وصلوا إلى قناعات ثابتة وراسخة، بإقامة الزواج الجماعي لتخفيف الأعباء عليهم.
وذكر بأن لجنة الزواج، تتكون من "10" أشخاص، تتوزع مهامهم بين "رئيس ونائب، وأمين عام، ومسؤول مالي، وإعلامي، وخدمات، ونظام، وعلاقات عامه، ومشرف لجنة نسوية"، وتتولى هذه اللجنة التحضير والإعداد لإقامة الزواج بدءً بالتسجيل، وانتهاءً بإقامة الوليمة والسمر والحناء.
ويتفرغ "صبيح" مع لجنة تنظيم العرس الجماعي عدد من اللجان العاملة الأخرى، والتي يصل عددها إلى 1500 شخص، يمثلون لجان الخدمات، ويتفرع منها 14 لجنة، بالإضافة إلى لجنة النظام، ولجنة الإعلام، والمالية، والصحية، وأيضاً لجنة نسوية أخرى قوامها "600" امرأة، تتوزع بين الخدمات والنظام وغيره.
مميزات "مهرجان الحياة"
ويتميز الزواج الجماعي بـ "دمون"، بتسمية خاصة تميزه عن غيره من الزواجات يُطلق عليه "مهرجان الحياة" حيث تعمل على بث روح العمل التطوعي، وتحفيز الشباب لخدمة أهلهم، وتفجير طاقات وقدرات الشباب الإبداعية في شتى المجالات.
وتهمل جميع اللجان المنظمة بـ "تطوع"، بل وهناك تطوع من نوع آخر، وهو أن كل شخص يأتي بما يملكه من وسيلة نقل، أو آلية يتم الاستفادة منها، وهذا ما لا لم نسمعه إطلاقاً في أي لجنة زواج أخرى، ما يعني أن هذا تميز يتمتع به "مهرجان الحياة".
وقال علي صبيح "مهرجان الحياة يُعد تظاهرة اجتماعية إبداعية فنية سنوية، تبعث معها كل عام الحيوية والحياة" مشيراً "أنه في ميزانيته تصل الى "30 مليون ريال يمني" ويتحملها الأهالي، بمعدل الـ "200 ألف ريال يمني" لكل عريس وعروس، وهو ما جعله يستمر بشكل سنوي.
فرحة شاملة للبلاد
"زكريا باحارثه" شاب متزوج حديثاً في "مهرجان التيسير" بمنطقة السويري، إحدى ضواحي مديرية تريم يرى أن فكرة الزواج الجماعي ممتازة، داعيا الشباب للمبادرة في الانضمام والتسجيل في الأعراس الجماعية.
وقال في حديث لـ "يمن شباب نت" ان الأعراس الجماعية لها إيجابيات كثيرة، أبرزها بأن البلاد كلها تجتمع بشبابها ورجالها ونسائها وأطفالها، ويشهدون فرحة واحده في يوم واحد، ووقت واحد، وفيها تنافس كبير بين مناطق وادي حضرموت، لإنجاح كل منطقة بزواجها الجماعي".
وأضاف باحارثه "بالنسبة لي شخصياً، أُفضل الزواج الجماعي، لأن فيه تيسير وتسهيل، وتكاليف بسيطة بعكس الزواج منفرداً، وتشهد في يوم الزواج، فرحة عارمة شاملة للبلاد، وعدم الوقوف المتكرر، وتعطيل للأعمال".
من جانبه قال "عمر خميس بامعبد "ـ أحد أولياء الأمور زوج ابنته في العام الماضي "إن لجنة الزواج الجماعي تعطي اهتمام كبير بأولياء الأمور، وهي بذلك تحاول التقليل من الرسوم على المشتركين الذي لا يتجاوز الـ "200,000" ريال يمني بالنسبة لأهل العريس، والـ "150,000" ريال يمني بالنسبة لأهل العروس، إلى جانب الدورات الإرشادية والثقافية للعرسان والعرائس، وللآباء والأمهات.
وأضاف بامعبد في حديث لـ "يمن شباب نت" أن أولياء الأمور يتم تقديرهم عن غيرهم، بوضعهم في المقدمة في مكان خاص بهم في المهرجان، وعمل كروت تشريفا لهم، تلبس في زفة العرسان عصراً، ويتم اعفاؤهم عن أي عمل يقومون به أثناء الاحتفال بالعرس".
وتسعى محافظة حضرموت من خلال إقامة الأعراس الجماعية للتقليل من تكاليف الزواج، وخصوصاً في ظل الوضع التي تعيشه البلاد، من تدهور في الاقتصاد وتكاليف مضاعفة لإقامة الزواج منفرداً، وتحاول إثبات أنها الأولى على مستوى اليمن، وخصوصاً في ظل حالة الحرب التي تعيشها البلاد.