في الـ17 من يوليو/تموز المقبل، تكتمل ثلاثة أعوام على تحرير محافظة عدن جنوبي اليمن، من سيطرة جماعة "أنصار الله" (الحوثي)، خلال الفترة بين مارس/آذار 2015 ويوليو/ تموز 2015.
لكن هذه الفترة تبدو غير كافية لتستقر الحياة فيها، وينعم أهلها بالحياة الهادئة التي كانوا يأملونها ويتوقون إليها، فقد ساهم الاختلاف الكبير بين القوى المتصارعة في عدن ممثلة في الحكومة الشرعية من جهة، و"المجلس الانتقالي الجنوبي" المطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله، من جهة أخرى، في تعقيد الأوضاع سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا ومعيشيًا، في ظل غياب الدولة وأجهزتها الأمنية والرقابية والتنفيذية.
وعدن هي العاصمة المؤقتة للبلاد منذ فبراير/شباط 2015، ويبلغ عدد سكانها قرابة 731 ألف نسمة (من أصل حوالي 26.7 مليون نسمة)، وفق إحصاء رسمي عام 2004، فيما تفيد تقديرات غير رسمية بأن العدد تجاوز مليونًا و200 ألف نسمة وعدن، هي العاصمة المؤقتة.
وضع سياسي متأزم
في السياق، قال الكاتب السياسي، فضل علي مبارك: "يبدو أن معركة كسر العظام قد انطلقت بين الحكومة والمجلس الانتقالي، الذي تكررت دعواته لإسقاط الحكومة، وآخرها ما تمخضت عنه دورة الجمعية الوطنية في العاشر من شهر يوليو/ تموز الجاري".
وأضاف في حديث للأناضول، أن الصراع بلغ ذروته في مطلع عام 2018، عندما اجتاحت عدن قوات موالية للمجلس الانتقالي بدعم إماراتي من أجل السيطرة على المفاصل الحيوية، وعملت على نهب وتخريب الكثير من المؤسسات والمصالح.
وأوضح، أن ذلك انعكس سلبًا على حياة الناس أمنيًا واقتصاديًا، بعد أن أصبحت الحكومة غير قادرة على العمل والتحرك في المناطق التي تسيطر عليها قوات موالية للانتقالي، بهدف إظهار الحكومة، ووصمها بالفساد والعجز كما تقول في خطبها وبياناتها.
من جانبه، قال المحلل السياسي، منصور صالح، إن "الحكومة الشرعية لم تقدم نموذجًا للدولة المدنية الحديثة، التي كان يأمل معظم السكان تحقيقها، ولو في أدنى المستويات، منذ تحرير المدينة قبل 3 أعوام من الآن".
واعتبر في حديث للأناضول، أن أهم ما تحقق للمدينة خلال هذه الفترة، هو استتباب الأمن، ولو نسبيا، وذلك بفضل الجهود والتضحيات التي قدمتها إدارة أمن عدن وقوات "الحزام الأمني"، وهي قوات موالية للمجلس الانتقالي الجنوبي، حسب تعبيره.
وأشار إلى أن تلك الجهود مكنت أجهزة الأمن من استعادة المدينة من أيدي جماعات مسلحة أغلبها محسوب على تنظيمي "القاعدة"، و"داعش"، لتتلاشى على إثرها التفجيرات والاغتيالات بشكل كبير جدًا.
ورأى أيضًا، أن "أبرز ما تحقق في عدن بعد تحريرها، هو استعادة (الجنوبيين)، لعاصمتهم عدن، واتخاذها قاعدة لممارسة نشاطهم نحو استعادة دولتهم المنشودة"، على حد قوله.
وأشار إلى أن إعلان قيام "المجلس الانتقالي الجنوبي" في مايو/ أيار 2017، الذي يتخذ من عدن مقرًا له، ويمارس فيها ما يشبه سلطة الأمر الواقع، مثل الخطوة السياسية الأبرز التي أسست لواقعٍ جديد، سيكون له دوره في تشكيل ملامح مستقبل اليمن المقبل بشكل عام.
وتأسس "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي يطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله، في 11 من مايو/أيار 2017، بعد أقل من نصف شهر من إقالة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، للزبيدي من منصب محافظ عدن، وإعفاء "بن بريك" من منصب وزير الدولة في الحكومة وإحالته للتحقيق.
ودخل جنوب اليمن وشماله في وحدة طوعية في 22 مايو/أيار عام 1990؛ غير أن خلافات بين قيادات الائتلاف الحاكم، وشكاوى قوى جنوبية من "التهميش"، و"الإقصاء" أدت إلى إعلان الحرب الأهلية، التي استمرت قرابة شهرين في 1994، وعلى وقعها لا تزال قوى جنوبية تطالب بالانفصال مجددًا وتطلق على نفسها "الحراك الجنوبي".
واتهم منصور، الحكومة الشرعية بـ"العجز التام" في استثمار الانتصار المحقق في عدن، حيث بدت وكأنها تسعى لتقويض هذا النصر، وهو ما انعكس على تدهور خدمات المياه والكهرباء والصحة والتعليم وانقطاع الرواتب.
في المقابل، نفى وكيل محافظة عدن، غسان الزامكي، تلك التهم جملة وتفصيلًا، وأشار إلى أن الحكومة سعت منذ الوهلة الأولى لتحرير عدن إلى تطبيع الأوضاع في المدينة، وإعادة الكثير من الخدمات التي تضررت من الحرب.
وقال في حديث للأناضول، إن الحكومة استطاعت رغم الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، معالجة الكثير من الأوضاع الخدمية كالكهرباء والمياه والطرقات، وآخرها المشروع الاقتصادي الكبير المتمثل في "عدن نت"، الذي سيرى النور نهاية شهر يوليو/تموز الجاري.
وضع اقتصادي مخيف
تداعيات أمد إطالة الحرب، أثرت سلبًا على كل أوجه الحياة في كل محافظات البلاد دون استثناء، وتسببت في وضع اقتصادي ومعيشي مخيف جدًا.
في هذه الصدد، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة "عدن"، محمد باناجه، "تسببت الحرب في توقف تدفق موارد النقد الأجنبي، وصادرات النفط والغاز، وحرمان الدولة من 60 إلى 70 في المائة، من إيرادات الموازنة العامة".
وأوضح في حديث للأناضول، أن غياب الموازنة العامة للدولة، وتعطل نشاط البنك المركزي، وتوقف تدفق النقد الأجنبي من العائدات النفطية، والمنح والمساعدات، تسبب في تدهور سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، وارتفاع كلفة فاتورة الاستيراد.
وأشار إلى أن ذلك "انعكس في انخفاض القيمة الشرائية للريال (الدولار يساوي 250.30 ريال) بسبب تصاعد معدلات التضخم إلى مستويات كارثية".
ورأى باناجه، أن بروز أزمة شح السيولة، وعدم تمكن الحكومة من تغطية حاجات الإنفاق الضروري؛ لا سيما مرتبات موظفيها، وارتفاع الأسعار شكل قيدًا على المواطنين في توفير احتياجاتهم الغذائية الأساسية، لتشهد عدن ومحافظات الوطن عمومًا وضعًا إنسانيًا مؤلمًا.
وأعرب عن اعتقاده، بأن معدلات الفقر في البلاد، سترتفع إلى درجة مقلقة ليس لدول المنطقة فحسب، بل والعالم بأسره بسبب غياب الدخل لدى شريحة واسعة من قوة العمل، وانخفاض الدخل لشريحة أخرى، ما زالت تستلم مرتباتها نهاية الشهر.
عوامل مشتركة
أطراف عدة ساهمت في تردي الأوضاع في عدن، وحالت دون تحقيق تطلعات الناس البسطاء الباحثين عن الأمن، ولقمة العيش الكريمة، والخدمات الضرورية، بهذه الكلمات استهل رئيس "مركز حقوق الإنسان في اليمن" (غير حكومية)، محمد قاسم نعمان حديثه للأناضول.
وقال، إنه رغم مرور 3 سنوات على تحرير عدن، لكنها ما زالت تعاني، وتتألم من العديد من المشكلات في مختلف الجوانب السياسية والأمنية والخدمية، التي تدخل ضمن حقوق الإنسان.
وأضاف أن العامل المشترك في هذه المأساة، هو "بروز أطراف تعمل على تغييب دور القانون والنظام، وتوظيف استمرار انتشار السلاح، والمسلحين والمليشيات المكونة خارج القانون وتحت مسميات مختلفة".
وأشار إلى أن خدمة الكهرباء ما زالت تعمل بتقطع مستمر، وتصل معدلات الانقطاعات إلى أكثر من 15 ساعة في اليوم الواحد، ونفس المشكلة بالنسبة لخدمات المياه التي تظل منقطعة لأيام.
ولفت، إلى انتشار البناء العشوائي، والاستيلاء على أراضي الدولة وأراضي المواطنين، من قبل المسلحين وقياداتهم المحمية بقوة السلاح، كنتاج لحالة الفوضى التي تشهدها المدينة منذ 3 أعوام.
وأوضح، أن غياب الحكومة عن أداء دورها ومهامها مع انتشار الفساد، وغياب قوة وسيادة القانون، تسبب في اتساع مساحة الفقر، وضاعف أعداد النازحين إلى عدن، دون استعداد وترتيبات لذلك، لا من قبل دول التحالف العربي، ولا الحكومة اليمنية.
ومنذ 26 مارس/آذار 2015، تقود السعودية تحالفًا عسكريًا تشارك فيه الإمارات، يدعم القوات الحكومية اليمنية في مواجهة الحوثيين، الذين يسيطرون على عدة محافظات بينها صنعاء منذ 21 سبتمبر/ أيلول 2014.
ارتفاع مؤشر الانتهاكات
ورأت المحامية والناشطة الحقوقية، هدى الصراري، خلال حديثها للأناضول، أن مؤشر الانتهاكات في عدن ارتفع خلال السنوات الثلاث بشكل كبير وغير متوقع.
وأوضحت، أن اختلال الأمن، وازدواج السلطات الأمنية، نتج عنه ممارسة انتهاكات فجة بحق المواطنين دون مسوغ قانوني كالاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري وغيره.
وأشارت إلى أن غياب الوعي الحقوقي لدى العامة، وتقاعس العاملين في المجال الحقوقي والنشطاء، والإعلام والمجتمع المدني، ساعد في ارتفاع مؤشرات الانتهاك، ومعدلات الجريمة، خاصة في الفترة الأخيرة.
وأرجعت ذلك إلى صعوبة عمل السلطات القضائية، وعدم قدرتها على أداء مهامها، وتنفيذ قرارتها، في ظل غياب الدولة، وازدواجية الجهات التنفيذية في المدينة.