قبل أيام اعتقلت ميليشيات الحوثي عدد من أكاديميي جامعة صنعاء، بينما كانوا يحاولون مغادرة العاصمة صنعاء صوب العاصمة المؤقتة (عدن)، سعيا وراء مرتباتهم المتوقفة منذ قرابة عامين، وبعد تفاقم سوء أحوالهم الاقتصادية والنفسية.
وفي وقت سابق من الشهر الماضي، كانت الحكومة دعت دكاترة الجامعات في المناطق الواقعة تحت سيطرة الانقلابيين الحوثيين، الحضور إلى العاصمة المؤقتة عدن لاستيفاء معاملة إعادة صرف مرتباتهم المتوقفة.
ومن بين الأكاديميين الذين حاولوا المغادرة إلى عدن البروفيسورة آمنة يوسف، حيث اعتقلت الميليشيات زوجها فاروق الحضرمي الذي كان رفقتها. وعلم "يمن شباب نت" أن الزوجة رفعت شكوى إلى الحوثيين تطالبهم فيها بإخراج زوجها المريض بالسكر، وزملائها الخمسة الآخرين الذين تم احتجازهم واستجوابهم.
وأدانت نقابة هيئة التدريس ومساعديهم بجامعة صنعاء تلك الحادثة، وطالبت بسرعة إطلاق سراح المعتقلين، ومحاسبة الجهات التي تقوم بتلك الممارسات خارج إطار سلطة الدستور والقانون.
وتفاقمت سوء أوضاع الأكاديميين بجامعة صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين الحوثيين منذ انقلابهم على السلطة الشرعية أواخر 2014 ومطلع 2015. حيث توقفت الميليشيات الانقلابية، منذ قرابة عامين، عن صرف مرتبات الموظفين الحكوميين، بينهم أساتذة الجامعات، بعد أن عبثت ونهبت خزينة الدولة من خلال سيطرتهم على البنك المركزي بصنعاء.
استهداف ممنهج
"ليس مستغربا على جماعة الحوثي الإرهابية اعتقال واستهداف الأكاديميين والمثقفين وكلما هو متعلق بالعلم والمعرفة". حسب مستشار وزير الثقافة محمد المهدي، الذي أعتبر اعتقال دكاترة جامعة صنعاء "استهداف للمعرفة والعلم، واستهداف رخيص لقيم المجتمع الذي يقدر ويحترم تلك القامات العلمية".
ولفت المهدي، ضمن حديثه مع "يمن شباب نت"، إلى أن الحوثيين يتعمدون القيام بمثل هذا النوع من الاعتقالات "بهدف ترهيب كل الأصوات التي قد تعترض سياستهم"، والتي بينها- بشكل خاص- أصوات النخبة الاكاديمية في الجامعات.
ولعبت الجامعات اليمنية، بأساتذتها وطلابها، دورا بارزا في ثورة (فبراير/شباط 2011)، التي أسقطت نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
ويرى مستشار وزير الثقافة، أن المثير والخطير في هذه الحادثة أن مبرر الاعتقال كان بسبب توجه دكاترة الجامعة للبحث عن راتب يعول أسرهم، في ظل حرمان الحوثيين للناس من رواتبهم، مبينا "فزادوا على ذلك، قيامهم (الحوثيون) بمحاربة أولئك الأكاديميين من التوجه نحو البحث عن راتب في عدن". ما يجعل الجريمة هنا- في نظره "مركبة ومتعددة الجوانب".
وفي ظل هذه الممارسات التعسفية التي تتعرض لها أعلى نخبة تعليمية في المجتمع، طالب المستشار المهدي من الشرعية بمحاولة حل هذه الإشكالية.
ومن بين ذلك، دعا الحكومة إلى دراسة موضوع إرسال رواتب الأكاديميين إلى صنعاء بدلا من دعوتهم إلى عدن، والنظر في اتخاذ المناسب الذي يمثل سياسة الدولة في ظل انتهاك الميليشيا. الأمر الذي- كما يعتقد- "سيعزز الثقة بالحكومة إذا ما اتخذت اجراء مناسبا للمشكلة".
إذلال العقل اليمني
لم تبرح مليشيات الحوثي الانقلابية عن ممارسة العديد من الانتهاكات بحق المواطن اليمني، حتى وصل الحال مؤخرا إلى انتهاك وإذلال الأكاديميين. بحسب الصحفي حسين الصوفي. الذي يؤكد على أن اختطاف الأكاديميين من قبل مليشيا الحوثي "ليست أول جريمة تمارس ضدهم، وإن كانت من أشنعها".
وضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، يتفق الصحفي الصوفي مع ما طرحه المستشار المهدي، على أن ما حدث من اعتقال لأكاديميين من جامعة صنعاء، عبارة عن "جريمة مركبة"، حيث أن الميليشيات "حرمتهم من مرتباتهم، ولم تكتفي بتجويعهم، بل قامت بمصادرة حرياتهم والزج بهم في السجون بتهمة أنهم سيذهبون لاستلام رواتبهم المفقودة"...!
وعن السياق العام للحادثة، يرى الصوفي أن ما يجري "يأتي ضمن سياسة ممنهجة لإهانة التعليم، ونبخه العليا". وهي- كما يضيف "ضمن استراتيجية إذلال واهانة العقل اليمني، وامتهان الوعي العام، وعلماء الجامعات".
كما أن جريمة اعتقال الاكاديميين- يضيف الصوفي: تأتي ضمن سلسلة جرائم مورست ضد دكاترة الجامعات؛ بدءً باقتحام مسلحين أطفال- تابعين لمليشيا الحوثي- لاجتماعات هيئة التدريس بجامعة صنعاء؛ وصولا إلى إجبارهم على أداء الصرخة في الجامعات، وإرغامهم على حضور "الدورات الثقافية" الخاصة بفكر الميليشيات، وغيرها من الإهانات المستمرة لأساتذة الجامعات اليمنية.
جريمة مشتركة
تُعرف جماعة الحوثي على أنها مشروع للموت، لا للحياة. ما يجعل العلم ونخبهُ بلا قيمة بالنسبة لهم. وينعكس ذلك بوضوح على غالبية من يتولون قيادتها، الذين لا مستوى علمي يفرضهم. أما بالنسبة للاتباع فالسمة الغالبة عليهم هو الجهل.
لذلك؛ لم يستغرب الصحفي وديع عطا، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، من قيام الحوثيون بتلك الممارسات، كونها "سبق وأن اختطفت العشرات من الأكاديميين وأصحاب الشهادات العليا وزجت بهم في سجونها".
وأضاف موضحا: "اتبعت المليشيا أسلوب العصا والجزرة مع منتسبي القطاع التعليمي والأكاديمي، لإخضاعهم، أو على الأقل تحييدهم لما تدركه من تأثير لهم" على المجتمعات.
وفي المقابل، لا يبرئ الصحفي عطا الحكومة الشرعية من الجريمة، فهناك- كما يعتقد "فشل في المجال الحكومي لحفظ حقوق الأكاديميين، على الاقل المكتسبات المعيشية".
وفي حين أنه لفت إلى وجود "اهتمام حقوقي نسبي في مسألة كشف الانتهاكات التي تعرض- ويتعرض- لها ضحايا الانتهاكات من الأكاديميين"، إلا أنه "في المحصلة لا يزال الضحايا من مختلف الفئات قيد الاختطاف والانتهاك، ولا يزال الضعف والقصور والفشل، عنوان الموقف الحكومي في عدم الاهتمام بالجانب المعيشي، ناهيك عن الحقوقي، أو حتى عسكرياً لتحرير النخبة العلمية من قبضة مليشيا الجهل والموت". كما يقول.