هذا التقرير نشرته مجموعة الأزمات الدولية على موقعها الألكتروني في 22 يونيو الجاري، ويترجمه "يمن شباب نت" لأهميته:
ها هي معركة الحديدة تصل إلى نقطة اللّاعودة حيث من المتوقع أن تبدأ القوات اليمنية المدعومة من الإمارات عملياتها لتخليص ميناء ومدينة البحر الأحمر البالغ عدد سكانها 600 ألف، من قبضة المتمردين الحوثيين.
هذه هي اللحظة الأخيرة الهشة، التي قد يكون فيها بمقدور المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة، أن تمنع القتال المدمر الذي من المرجح أن يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية الرهيبة ويزيد من تأخير مفاوضات أوسع لإنهاء الحرب.
كل ٌمن المتمردين الحوثيين- الذين يسيطرون على الحديدة، والتحالف الذي تقوده السعودية والذي يدعم هجوماً لانتزاعها منهم، يقول بإنه يريد تجنب حدوث معركة لأجل الميناء ومركز المدينة، غير أن مواقفهم التفاوضية لا تزال بعيدة كثيراً عن ذلك.
حالياً تتعلق الآمال بالمبعوث الخاص للأمم المتحدة المعين حديثا، مارتن غريفيث، الذي يحاول إيجاد أرضية مشتركة (للحوار) حيث يتمتع بفرصة حقيقية ولكنها محدودة للنجاح بسبب ثلاثة ديناميكيات متقاربة.
أولاً: أعرب الحوثيون تحت الضغط العسكري، ولأول مرة، عن انفتاحهم لإدارة الأمم المتحدة لميناء الحديدة أكبر بوابة للواردات في اليمن.
ثانياً: تفضل الإمارات التي تقود الجهود العسكرية نيابةً عن التحالف الذي تقوده السعودية، تجنب القتال في المناطق الحضرية والذي من شبه المؤكد أن يشهد تكبد قواتها لخسائر فادحة، كما أنه قد يولد تحركاً ًدولياً مكثفا ًوفورياً إزاء تفاقم الوضع الإنساني المتردي أساساً.
ثالثاً: هناك قلق متزايد في أوساط الجهات الدولية المعنية بما في ذلك الولايات المتحدة، من أن نشوب معركة ضارية للسيطرة على الميناء والمدينة ربما تكون لها عواقب إنسانية مدمرة بالإضافة الى تداعياتها السياسية على المدى البعيد.
إيجاد حل للأزمة يعني تقريب المواقف المتنافسة للأطراف، حيث يتهم السعوديون والإماراتيون المتمردين الحوثيين باستخدام الميناء لتهريب الأسلحة إلى اليمن وتحويل عائدات الجمارك لمصلحة جهودهم الحربية، ويريدون أن يخرج الحوثيون بالكامل من المدينة.
من جانبهم عرض الحوثيون تسليم إدارة الميناء إلى الأمم المتحدة وإدارة الأمن فيه بشكل مشترك، لكنهم قالوا إنهم لن ينسحبوا بالكامل من الحديدة.
سيتعين على الحوثيين والتحالف تقديم تنازلات، حيث ينبغي على حلفائهم أن يضغطوا عليهم بقوة لقبول تسوية تفاوضية للميناء والمدينة باعتبارها الخيار الأفضل والوحيد المقبول.
حالياً، وصلت الرهانات تقريباً أعلى مستوى يمكنها الوصول اليه. حيث أن وساطة أممية ناجحة تتوصل إلى حل مقبول للطرفين وتحمي المصالح الحيوية لجميع الأطراف فيما يتعلق بالحديدة، يمكن أن تكون أساساً للتسوية، ليس فقط بالنسبة للميناء ولكن أيضاً بالنسبة للصراع الأوسع بين الحوثيين والتحالف.
في المقابل، لن يقود الفشل إلى تقويض آفاق مثل هذه المحادثات بشكل جدي فحسب، بل إنه أيضاً - وبمجرد دخول القتال إلى المدينة - سيجعل من الوصول الى صفقة توافقية حول وجود الحوثيين في الميناء ومسألة كيفية إدارة ذلك، أمراً مستحيلاً إلى حد كبير.
يمكن للحديدة أن تثبت أنها ستكون بداية النهاية لحرب اليمن أو بداية مرحلة جديدة أكثر تدميراً.
الطريق إلى الحديدة
أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة حملتها للاستيلاء على الحديدة بعد أن أصبحت محبطة بشكل متزايد من الجمود المستمر منذ ما يقرب من ثلاث سنوات شهدت خلالها جبهات القتال تغيرات هامشية فقط.
من وجهة نظر الإمارات أصبح الحوثيون- الذين استولوا على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر 2014 بدعم من الرئيس السابق علي عبد الله صالح- أكثر رسوخاً في الأراضي المرتفعة شمال البلاد، مستفيدين بشكل خاص من اقتصاد حرب مزدهر. حيث يرى المسؤولون الإماراتيون منذ فترة طويلة أن السيطرة على الحديدة هي المفتاح الذي من شأنه حل الوضع الراهن وإجبار الحوثيين على القبول بنوع من التسوية يريدها التحالف، تتمثل في انسحاب الحوثيين من المدن اليمنية وتوفير ضمانات تتعلق بأمن الحدود وتسليم الأسلحة الثقيلة وخاصة الصواريخ الباليستية التي يطلقها الحوثيون على السعودية، إضافة ًالى قطع العلاقات مع إيران التي تدعم الحوثيين وذلك مقابل المشاركة في حكومة وحدة وطنية.
خطط الهجوم على الحديدة كانت جارية على قدم وساق منذ العام 2016، على الأقل، في حين عززها الانشقاق الذي حدث في كانون الأول/ ديسمبر 2017 في إطار التحالف المستغرب والغير متوقع بين الحوثيين وصالح، حيث انتهى قتال الشوارع في صنعاء بقتل الحوثيين لصالح في حين نجا ابن أخيه ونموذجه العسكري طارق محمد صالح الذي سرعان ما غير مواقفه وتبعيته.
ومنذ شهر مايو أحرزت قوات المقاومة الوطنية المشتركة- مقاومة تهامة بقيادة قوات قبلية في ساحل البحر الأحمر، بالإضافة للواء العمالقة بقيادة مقاتلي المقاومة الجنوبية الذين يميلون إلى السلفيين، وحرس طارق صالح الجمهوري- تقدما سريعا على امتداد الساحل بمساعدة من إسناد جوي إماراتي. وفي يونيو/ حزيران، نجحوا بإحراز تقدم كبير وسريع باتجاه الميناء والمدينة وهم الآن في ضواحيها حيث يعتزمون الاستيلاء على الحديدة من خلال هزيمة الحوثيين مباشرة أو إجبارهم على القبول باتفاق يسمح لهم بالمغادرة شرقا صوب صنعاء.
ويعتقد الإماراتيون بأنهم يستطيعون تحقيق الانتصار في الحديدة بنفس الفاعلية التي سبق لهم تحقيقها في عدن منتصف عام 2015 وفي المكلا ايضاً في ابريل 2016 وهو ميناء في الشرق كان أصبح معقلاً للقاعدة.
وفي كلتا الحالتين فقد قدموا الدعم العسكري لقوات تم تجنيدها من السكان المحليين. وفي الحديدة أيضاً يعتمدون على ما يشيرون إليه كمقاومة محلية داخل المدينة، وذلك لإقامة نقاط تفتيش داخلية وتأمين أحياء المدينة عندما تعطي أبو ظبي إشارتها لهذه الجماعات لتنشيطها.
وقد حرص التحالف على تحقيق خططه لحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية في الوقت الذي يحذر فيه من أن الحوثيين سيستخدمون المدنيين على الأرجح كدروع بشرية. في حين أن الحقيقة هي أن كلا من الحوثيين والتحالف أظهروا تجاهلًا صارخًا لما يتعلق بحماية المدنيين طوال فترة الحرب، ولا تزال وكالات الإغاثة تشعر بقلق عميق من أن القتال في الميناء قد يمنع الوصول إلى أهم مصدر للغذاء والوقود والإمدادات الإنسانية في البلاد، بينما أن الهجوم على المدينة قد يعرض حياة سكان المدينة البالغ عددهم 600,000 نسمة، للخطر. كما تشعر الأمم المتحدة بالقلق من أن القتال قد يجعل أسوأ أزمة إنسانية في العالم تصبح أسوأ، إضافة الى انه قد يهوي بما يتجاوز عدده 8.4 مليون من اليمنيين ممن هم على حافة الفقر، في آتون المجاعة.
وفي حال أن تكون حملة الحديدة أصعب وأطول أمداً مما تتوقعه الامارات -وهو ما يبدوا مرجحاً- فمن الصعب أن نرى كيف سيتحسن وصول المساعدات الإنسانية، في حين أن حياة أكثر من نصف مليون سوف تتأثر بشكل كبير دون شك.
وكان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اجتمع لمناقشة اليمن مرتين في يونيو/ حزيران مع بدء العملية، لكنه فشل في وضع موقف موحد يتجاوز الخطاب العام إزاء حماية المدنيين.
الولايات المتحدة من جانبها، وعلى الرغم من تحذيريها الإمارات العربية المتحدة في البداية من شن هجوم على الحديدة مستشهدة بنتائج عسكرية غير مؤكدة وتكلفة إنسانية محتملة، يبدو أنها خففت الضغط على التحالف، حيث يعتقد المسؤولون الإماراتيون أن الولايات المتحدة لا تعارض الهجوم على الميناء والمدينة، رغم أنهم أضافوا بأن نظرائهم الأمريكيين قد حذروهم من أنهم (الإماراتيون) سيتحملون مسؤولية النتيجة.
وفي 20 يونيو/ حزيران، وعقب أسبوع من إطلاق "عملية النصر الذهبي"، أعلنت القوات المدعومة من الإمارات عن سيطرتها بالكامل على مجمع المطار الممتد لمسافة كبيرة والذي يقع على الحافة الجنوبية لمدينة الحديدة. وبرغم تشكيك الحوثيين في تلك المزاعم واستمرار الاشتباكات المتقطعة فقد اكتسب التحالف بوضوح اليد الطولى في الصراع الذي استمر أسبوعًا للسيطرة على هذا المرفق الهام من الناحية الاستراتيجية. فيما وصل القتال حالياً إلى مناطق سكنية على الاطراف الجنوبية للمدينة، وتستعد الإمارات للتحرك نحو الميناء في المرحلة التالية من القتال.
تسوية ممكنة وضرورية
يقول معظم المحللين العسكريين الذين يتابعون الحملة، بأن الحوثيين لديهم فرصة ضئيلة للاحتفاظ بالميناء والمدينة إذا استمرت الحملة المدعومة من الإمارات. ويبدوا أن الحوثيين يدركون هذا أيضًا. ففي الوقت الذي حافظوا فيه على خطابهم العدواني، أشاروا أيضا إلى استعدادهم مجدداً لتسليم زمام السيطرة على الميناء إلى الأمم المتحدة ومناقشة انسحاب جزئي على الأقل من المدينة- وهي أفكار كانوا قد رفضوها تماماً منذ عام مضى.
وفي خطاب تلفزيوني في 20 حزيران/ يونيو، قال عبد الملك الحوثي زعيم المتمردين للمرة الأولى بأن الحوثيين على استعداد للتنازل عن السيطرة على الميناء.
ذلك يعتبر أمراً مهما لكنه لا يرقى إلى الموقف المعلن لقادة التحالف الذين يستفيدون من زخمهم العسكري من أجل انسحاب كلي للحوثيين وتسليم الميناء والمدينة لقوات المقاومة الوطنية مع توفير ممر آمن للحوثيين إلى صنعاء.
ومع ذلك يمكن أن يثبت ذلك الموقف مرونته، حيث تحدث دبلوماسيون ومسؤولون في التحالف عن مفاوضات جارية عبر قنوات خلفية بأن قادة التحالف ألمحوا إلى أنهم قد يقبلون بتسوية من أجل تجنب صراع طويل الأمد لأجل الميناء والمدينة والذي بلا شك سيكون تأثيره الإنساني مدمراً.
ولهذا سيكون لديهم سبب وجيه للقيام بذلك، حيث وفي ضوء التحذيرات الصريحة من العواقب المحتملة للهجوم العسكري، فإن أي تدهور في الوضع الإنساني سيؤدي إلى انتقادات دولية مكثفة وإدانة لدولة الإمارات وحلفائها في الوقت الذي يتعرضون فيه لتدقيق ومراقبة اعلامية حازمة.
وكخطوة عاجلة، فإنه يجب على غريفيث الإفصاح عن حقيقة أن كلا من القادة قالوا له أن الاتفاق ممكن وأظهروا مرونة جديدة. وهو ما من شأنه أن يحد من خطر أن يزعم أي طرف بعدم رغبة الآخر في تقديم تنازلات ومن ثـَم يستخدم ذلك ذريعة لعرقلة المفاوضات.
إن الخطوط العريضة لحلٍ وسط محتمل- من شأنه أن يحترم المصالح الأساسية لكلا الجانبين- اصبحت واضحة. حيث وافق الحوثيون على جدول زمني قصير وثابت للانسحاب من الميناء والتخلي عن أي دور في إدارته. كما سيقومون بتسليم إدارة الميناء إلى الأمم المتحدة مع تشغيل الموظفين المدنيين الحاليين للميناء بشكل يومي. وستقوم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بقيادة عملية إزالة الألغام في الميناء والمياه المحيطة بها لضمان سلامة العمليات التشغيلية فيه بالتعاون مع التحالف.
وعلى نحو مثالي، ستقوم الأمم المتحدة بدعم من الحكومة اليمنية والدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بإجراء تعديلات وتحسينات تقنية لتعزيز قدرة الميناء.
وبينما يمكن للحوثيين أن يلعبوا دوراً في إدارة الأمن داخل المدينة لفترة مؤقتة، إلا أنه سيتوجب عليهم في نهاية المطاف تسليم العمليات الأمنية إلى قوات الشرطة المحلية ووظائف الحكم لأعضاء المجلس المحلي، حيث يمكن القيام بذلك ضمن عملية تدريجية وإن كانت واضحة المعالم وتشرف عليها لجنة مشتركة تضم قادة عسكريين من معسكر الحوثيين والتحالف والقوات اليمنية المختلفة على الأرض في الحديدة وبمساعدة خبراء الأمم المتحدة والخبراء الدوليين.
في حال نجاح خطة كهذه فإن مثل هذا الانسحاب والتسليم المرحلي والمنسق إلى إدارة محلية محايدة بشكل فعال، يمكن أن يمثل نموذجاً لبقية الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون في حال نجاح المحادثات حول الحديدة.
وفي المقابل ستحتفظ القوات المدعومة من الإمارات بوجود عسكري في مطار الحديدة لكنها ستمتنع عن إرسال قواتها إلى المدينة والميناء كما أنهم سينسحبون من الطريق السريع الشرقي الذي يربط الحديدة بصنعاء، والذي يمكن من خلاله أن تنسحب قوات الحوثي إلى المرتفعات.
وتوجد إمكانية لمثل هذه التسوية طالما لم يبدأ الهجوم على المدينة بعد. ولكن الوقت ينفد وما نحتاجه الآن هو دعم دولي قوي لجهود جريفيث للتوصل لمثل هذا الحل الوسط إلى جانب الضغط الدولي القوي على الجانبين لقبوله. ولبلوغ تلك الاهداف فإنه:
*يجب أن يصدر مجلس الأمن بيانًا رئاسيًا يدعم بشدة التسوية التفاوضية بشأن الحديدة تحت رعاية الأمم المتحدة، وفقًا لمقترحات غريفيث، وأن يذّكِّر بقوة الحوثيين وقوات التحالف بالتزاماتهم بموجب القانون الدولي الإنساني لحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية.
*يجب على الولايات المتحدة أن تأخذ زمام المبادرة في الدعوة إلى صفقة من شأنها أن تمنع معركة المدينة والميناء. كما يجب على الدول الأعضاء في مجلس الأمن (خاصة بريطانيا وفرنسا، التي دعمت التحالف سياسياً وعسكرياً) أن تقف وراء هذه الدعوة، كما يجب أن يوضحوا أيضًا أن قاعدة "بوتري بارن"- التي تقول (إذا كسرتها فأنت تمتلكها)- ستنطبق حتمًا على التحالف الذي تقوده الإمارات العربية المتحدة في الحديدة.
*على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي تدعم أو لديها خطوط اتصال مفتوحة مع الحوثيين- إيران وعُمان وروسيا والاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال- أن تضمن خضوع الجماعة لضغوط مستمرة للموافقة على حل وسط، والتقيد بالتزاماتها في حال ابرام الاتفاق. إذ أنه لدى الحوثيين سجل طويل من استخدام المفاوضات كفرصة للتغيير من وضعهم أو إضفاء الشرعية على أفعالهم، وهو ما لا يمكن السماح بحدوثه مجدداً.
وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية فقد أصبح الشعار الدولي متمثلاً بأنه لا يوجد هنالك حل عسكري ولكن فقط حل سياسي لحرب اليمن حتى مع استمرار الحرب بلا هوادة.
ما سيحدث في الحديدة في الأيام القادمة يمكن أن يثبت صحة هذا المبدأ والتزام المجتمع الدولي به، وذلك من خلال العمل كجسر لإجراء مزيد من المفاوضات أو تقويضه إذا تصاعد القتال وتقلص احتمالات السلام بشكل أكبر.
كما توفر الحديدة فرصة لمجلس الأمن الدولي لإثبات قدرته على متابعة تنفيذ الحلول التفاوضية للصراعات في وقت تتزايد فيه الشكوك حول فعاليته وفائدته
وتوفر للأطراف المتحاربة خروجًا بماء الوجه يحمي مصالحها الحيوية بعد سنوات من تعرضها للخطر بشكل متهور كما توفر للشعب اليمني فرصة لتجنب تصعيد مدمر واستمرار سفك الدماء الذي لا ينتهي.